أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسام هاب و سعيد إدبراهيم - الرماية جزء من التراث الشعبي المغربي : ظاهرة قديمة ترجع جذورها إلى البدايات الأولى للإنسان















المزيد.....

الرماية جزء من التراث الشعبي المغربي : ظاهرة قديمة ترجع جذورها إلى البدايات الأولى للإنسان


حسام هاب و سعيد إدبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 3474 - 2011 / 9 / 1 - 23:50
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يعتبر التراث الشعبي أحد الركائز الأساسية المشكلة للهوية الحضارية ، و الثقافية لأية جماعة بشرية أو مجتمع ما ؛ نظرا لأنه تجسيد لأفكار هذا المجتمع و وجدانه و تصوراته . و تبرز من خلال هذا التراث هوية أي مجتمع باعتباره يشكل عنوانا لشخصيته التاريخية و الثقافية ، و يوضح معالم كيانه و ملامح وحدته الاجتماعية و الاثنوغرافية ، و يعكس بنيته الثقافية و الفكرية و الذهنية ، و يندرج في اللحظة التاريخية المكونة لنسيج العلائق الاجتماعية ، و أنماط الوعي الاجتماعي . فهو معلم مشع في هذه اللحظة التاريخية لأنه ينطوي على إمكانات هائلة في الابداع و الممارسة الثقافية الشعبية . و من ثم فإنه نافذة مشرعة تطل منها الثقافة و الأدب في أي مجتمع على أفق مغاير نحو الارتباط بالانسان وواقعه الاجتماعي و الثقافي .
من هذا المنطلق تبرز أهمية دراستنا لموضوع ظاهرة الرماية في المغرب باعتباره يمثل جزءا من التراث الشعبي المغربي ، الذي تعرض معظمه للضياع و الاندثار نتيجة لتهميشه ، و قلة الاهتمام به سواء على مستوى جمعه و تدوينه ، أوعلى مستوى دراسته أكاديميا . و أيضا لكون الرماية مازالت حاضرة ومتجذرة في المجتمع المغربي بمختلف مظاهر حضورها ، باعتبارها من الفنون الشعبية الفاعلة في التراث العربي الاسلامي المشكل للهوية الحضارية و التاريخية المغربية ؛ كما أن الرماية تشكل مصدرا مهما من مصادر دراسة التاريخ الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي للمغرب من خلال تفكيك بنياته السوسيوثقافية و الاقتصادية ، و معرفة العلاقة البنيوية لفن الرماية كتراث شعبي ببنيات المجتمع المغربي التي تشكلت طيلة مساره التاريخي ، على مستوى تراثيته ، و ابداعه الفرجوي ، و تعبيره عن مكنوناته النفسية و الذهنية الداخلية من خلال الفنون الشعبية الفولكلورية التي يعتبر فن الرماية من أبرز تمظهراتها.
لهذا تعتبر ظاهرة الرماية من الظواهر القديمة التي ترجع جذورها إلى البدايات الأولى للإنسان ، حيث أن لها علاقة وطيدة بالصيد و الدفاع عن النفس . فالإنسان البدائي ارتبطت حياته بالصيد لضمان قوته اليومي، و الدفاع عن نفسه ، و دفع الضرر عنها في مجتمع يسوده الصراع من أجل البقاء . و استعمل الإنسان لذلك أدوات بدائية كالحجارة و العظام . و من ثم بقيت الرماية ملازمة للإنسان عبر التاريخ ، و تطورت أساليبها بتطور المجتمعات البشرية ، فظهرت الرماح و السهام و المنجنيق ووسائل الدفاع الحديثة . و أصبحت لهذه الظاهرة وظيفة في نشر الديانات و الثقافات ، بعد أن كان دورها مقتصرا على الدفاع عن النفس حيث كانت تدخل ضمن الخطط العسكرية باعتبارها فنا من فنون الحرب .
عرفت ظاهرة الرماية في المغرب تطورات أساسية ارتبطت بتمرحل فترات تاريخه . فموقعه الاستراتيجي في منطقة التمفصل بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط ، و تواجده في منطقة إلتقاء هذا البحر مع المحيط الأطلنتيكي ، جعله يشكل عمقا استراتيجيا حاسما و قاعدة تأسست عليها العديد من الحضارات و الثقافات الإنسانية ، مما مكنه من القيام بدور تاريخي في منطقة شمال إفريقيا على مستوى الأحداث و التحولات التاريخية و الحضارية التي شهدتها منطقة البحر الأبيض المتوسط . فهذا الفضاء كان طيلة تاريخه عرضة للأطماع الأجنبية للإستيلاء عليه منذ الفينيقيين ، مرورا بالقرطاجيين ، و وصولا إلى الرومانيين . مما جعل لزاما على سكان المغرب أن يعرفوا ظاهرة الرماية و يتقنوها ، خاصة في ظل تواجد حضارات محلية تمثلت في الممالك الأمازيغية . هكذا أصبحت الرماية خلال هذه الفترة مرتبطة بالدفاع عن الأرض ، و الكيان و التصدي لأي غزو أجنبي هدفه السيطرة على المغرب . لهذا لا يمكن أن نربط ظاهرة الرماية في المغرب بمجيء الفتح العربي الإسلامي ، و الذي يؤكد هذا الطرح هو ما عرفه هذا المجال بكياناته السياسية و موارده البشرية و الاقتصادية من صراعات و حروب و معارك عسكرية بين مختلف الكيانات السياسية التي كانت بمنطقة غرب البحر الأبيض المتوسط ، إضافة إلى الصعوبات الجسيمة التي واجهت الفاتحين العرب أثناء مرحلة الفتوحات الاسلامية لبلاد المغرب ، حيث قوبلوا بالرفض و المواجهة العسكرية من طرف الممالك الأمازيغية ، مما يبرز مدى تجذر ظاهرة الرماية في المغرب و عدم ارتباطها بالفتح الاسلامي للمنطقة .
كان ظهور الدولة الاسلامية المركزية في بلاد المغرب ، بداية مع المرابطين ثم الموحدين فيما بعد إشارة على بداية ارتباط الرماية بالعمل العسكري ، و الجهاد على وجه الخصوص خاصة أن المغرب بحكم موقعه الجغرافي القريب من بلاد الأندلس ، كان محطة انطلاق مختلف الجوازات المرابطية و الموحدية . و ظلت الرماية عنصرا أساسيا في الجهاد خاصة خلال فترات ضعف الدولة المغربية ، و بالضبط خلال المرحلة الانتقالية بين نهاية الدولة المرينية و بداية الدولة السعدية ، حيث عرف المغرب مجموعة من الصراعات السياسية الداخلية ، و أصبح عرضة للهجمات البرتغالية و الاسبانية ، مما أدى إلى تبلور إجماع شعبي حول ضرورة الجهاد في ظل ضعف الدولة الوطاسية . و المثير للانتباه خلال هذه المرحلة هو ارتباط الرماية بحركة الزوايا ، و الحركة الجهادية ، و ذلك راجع للفراغ السياسي الذي كان يعيشه المغرب آنذاك ، حيث تكونت تجمعات تعليمية في كل من الشماعية و شيشاوة تتدرب على السلاح الناري لمواجهة المحتلين . و عرفت الرماية في هذه المرحلة ، طفرة نوعية من حيث الأساليب و الأدوات المستعملة ، و استبدلت الآلات التقليدية للقتال بالآلات الجديدة خاصة البنادق .
مع الدولة السعدية استحدث الجيش المغربي فرقة للمدفعية ، صار أصحابها يعرفون بعساكر النار ، حيث يعملون في الرماية بالمدافع و البندقيات ، كما ظهرت تشكيلات شعبية تتدرب على الرماية بالبنادق لاستخدامها في الدفاع عن البلاد . و قد أصبح لهذه التشكيلات الشعبية مع مرور الزمن ، نظام خاص و صارت لها قيادات عليا تتألف من رئيس يسمى شيخ الرماة ، و مساعد له يحمل لقب مقدم ، و الاثنان معا بالإضافة إلى سائر الرماة يخضعون لقوانين متعارف عليها . و بهذا ظهر مجموعة من رؤساء فرق الرماة في شمال المغرب و جنوبه ، خاصة في تطوان و شيشاوة و بلاد سوس و بلاد أحمر ، ساهموا في عمليات الجهاد ضد الغزو الأجنبي ، خاصة ضد الاسبان في شمال المغرب . و أدى تطور الرماية في المغرب إلى ظهور مدرستين للرماة : مدرسة الشمال التي حملت لواء الجهاد ضد الاسبان ، و مدرسة الجنوب التي تمتاز بالالتزام التعليمي ، و عدم الطموح إلى الحكم ، و كان هذا من أسباب استمرارية رماية الجنوب و امتداد تعاليمها إلى الوقت الراهن ، كممارسة طقوسية احتفالية ، و تجسيد رمزي لفن الرماية .
خلال فترة الدولة العلوية كان المخزن المركزي يتعامل مع مدارس الرماية ، حيث كان المولى إسماعيل يبعث بغلمانه ليتعلموا الرماية على يد أشياخها ، خاصة في مدرسة الرماية الحمرية . و استمر السلاطين العلويون على هذا النحو حتى أيام المولى الحسن الأول ، الذي تعلم في هذه المدرسة و أرسل إليها أبنائه ليتعلموا فيها ، و يتدربوا على ركوب الخيل و الرماية ، حسب ما جاء عند ابن زيدان في كتابه : " إتحاف أعلام الناس ج 2 ". لكن التحول الجوهري بالنسبة لوظيفة الرماية وقع بعد حصول المغرب على استقلاله، حيث أصبحت مجرد احتفال سنوي أو موسم يقام في القرى و المداشر ، بعد أن دخلتها عادات و تقاليد جديدة ، لتصبح بذلك الرماية و مواسم الرما من الأنشطة الطقوسية الاحتفالية داخل المجتمع المغربي .
يظهر من خلال تتبعنا للمسار التاريخي لتطور ظاهرة الرماية في المغرب ، أنها مرت من مرحلتين أساسيتين : المرحلة الأولى : كانت خلالها الرماية وسيلة من وسائل الدفاع عن حوزة الوطن ضد الغزو الأجنبي ، و ركنا أساسيا في الجهاد خاصة خلال فترات ضعف الدولة المغربية . و المرحلة الثانية : تحولت خلالها الرماية إلى نشاط طقوسي فولكلوري ، تجسد من خلال مواسم الرمى التي مازالت تحتفل بها بعض مناطق المغرب سنويا خاصة في سوس ، الشيء الذي يدفعنا إلى استنتاج مدى التحول الوظيفي و الدلالي الذي عرفته ظاهرة الرما ، و الذي لا يمكن فهمه إلا من خلال دراسة تاريخية ، سوسيولوجية ، أنثروبولوجية للتراث الشعبي باعتباره لبنة أساسية من لبنات بناء هوية المجتمع المغربي الثقافية و الحضارية ، خاصة لما يحمله هذا التراث و الفولكلور الشعبي من تصورات دينية ، و اجتماعية ، و اقتصادية ، و ثقافية تعكس ذهنية الانسان المغربي ، و رؤيته للمفاهيم المؤطرة لثقافته ، و مجتمعه و محيطه السوسيو اقتصادي .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- آيساب روكي يفصح عن تفاصيل -لطيفة- حول طفله الثالث من ريانا
- كيف وصل نادي الهلال السعودي إلى الفوز على مانشستر سيتي؟
- -نكسة كبرى للعدالة -.. انتقادات حادة لقرار بريطانيا مواصلة ب ...
- لقي مصرعه بعد مقتل نجله بأيام... جنازة كبيرة لعالم نووي إيرا ...
- استثمارات بملايين الدولارات.. ازدهار الصناعة التي تعتمد على ...
- دبي تقترب من إطلاق تاكسي جوي يوفر للركاب بديلا أسرع ويخفف ال ...
- محكمة الاستئناف في الجزائر تؤكد حكم السجن 5 سنوات الصادر بحق ...
- عاجل | حماس: كارثة ومخاطر جديدة تهدد أطفال قطاع غزة مع انتشا ...
- عاجل | مصدر بمستشفى المعمداني: 10 شهداء في قصف للاحتلال على ...
- هل يستفيد ترامب من فكرة -استحقاق نوبل- أكثر من فوزه بها؟


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسام هاب و سعيد إدبراهيم - الرماية جزء من التراث الشعبي المغربي : ظاهرة قديمة ترجع جذورها إلى البدايات الأولى للإنسان