أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هوشنك أوسي - التشكيلي الكردي فهمي بالاي















المزيد.....

التشكيلي الكردي فهمي بالاي


هوشنك أوسي

الحوار المتمدن-العدد: 3457 - 2011 / 8 / 15 - 15:00
المحور: الادب والفن
    


التشكيلي الكردي فهمي بالاي
اللّوحة ترجمةٌ لقصص العشق الكردي في زمن الحروب

متجاوران، رجلٌ وامرأة. كأنهما عاشقان. ظهرهما للحشد، ومحاطان بهالة القداسة. ومن خلف الهالة والوهج، يتبدّى الجبل شامخاً. الرجلُ بوقارِ عمامته وقامته الفارعة، والمرأة بقدّها الممشوق وشعرها الذي تعبث به الريح، وسط طغيان اللون البنفسجي بتدرّجاته، وتداخله مع الأسود، ومع البريق في الأفق، وانعكاس اشعة الشمس على عنقي الشخصين، بحيث يلتبسُ على المُشاهد الأمر، متسائلاً: أهذان الشخصان، يسيران بعكس الغروب أم الشروق؟. لكن، أثناء التمعّن في المحيط أكثر، نكتشف حجم الاحتقان والانكسار. حينئذ، نعرف أن الحشد الذي يدير ظهره لنا، ويحدقّ في الشخصين السائرين نحو المجهول، إنما هو في حفلة فراق أو وداع أبدي لهما.
هذا ما نخلص له، حين نقف أمام لوحة "مم وزين" للفنان الكردي العراقي فهمي بالاي. هذه اللوحة، حاول الفنان فيها إعادة تدوين ملحمة العشق الكرديّة المعروفة "مم وزين"، (ألّفها الشاعر الكردي المتصوّف أحمدي خاني، قبل ثلاثمائة سنة ونيّف)، ليس كما هي تماماً، بل كما أحسّ وتفاعل معها بالاي فنيّاً. وذلك في صيغة تشكيليّة، تعبيريّة، فائقة الحساسيّة. لكأنّ المشهد حلفة زفاف جنائزي لعروسين عظيمين، حيث مظاهر الحداد في الأرض، ومظاهر الاحتفاء في السماء، إلى جانب الحميميّة والتلاصق بين الشخصين الموجودين وسط اللوحة (مم وزين)، كأنّهما يتأهّبان للعروج. وبالتالي، سعى بالاي الى إسقاط رؤيته التشكيليّة لملحمة العشق هذه، على تاريخ شعبه الكردي، باعتبار أن قصّة الحبّ الخالد بين مم وزين، عطّلتها واطاحت بها الدسائس والوشايات والفتن. ما يعني أن قصّة الحبّ بين الكرد والحريّة، لم تتكلل بالتلاقي، لأنها كانت دوماً عرضةً للخيانات الكرديّة، والتواطؤ والتآمر الخارجي.

وليد الكهوف وتلميذ الطبيعة
فهمي بالاي، الذي أطلق صرخته الأولى سنة 1963، في كهف من كهوف جبل متين في كردستان العراق، حين كان أهله هاربين من أهوال الحرب بين البيشمركة الكرد وقوّات النظام العراقي السابق، ومتجنّبين القصف الجوّي للطائرات العراقيّة. بعد ولادته، انطلق الطفل فهمي، بين الأحراش والغابات والأشجار والنباتات والطيور، ليغدو جزءاً أصيلاً من طبيعة وطنه، ويخصّب ويغذّي ذاكرته البصريّة، وهي في طور التشكّل، بهذا الفيض الهائل من الألوان والأشكال، راضعاً من الطبيعة الأم، بصريّاً وحسيّاً وحتّى معرفيّاً، خزيناً هائلاً، لا زال يعودُ إليه ويستثمره في سنين الغربة، أثناء التعبير عن نفسه وأحاسيسه وخيالاته تشكيليّاً. وهكذا، غدت الطبيعة في جبال كردستان، وما تنطوي عليه من زخم التناغم بين الألوان والأصوات،منهله ومُعلّمه الأوّل في عمليّة التأسيس لوعيه التشكيلي لاحقاً. وعن ذلك يقول بالاي لـ"المستقبل": "الطبيعة علّمتني يف أون عاشقاً للون. كنت طفلاً حالماً، ورسّاماً في خيالي. عشت مع الطبيعة، بعيداً من الأحقاد والكراهية. شعرتُ بأنني أنكيدو، صديق كلكامش". مشيراً إلى أن كل لوحة يرسمها، مرتبطة بحدث معيّن، أو تنطوي على حكاية أو قصّة آتية التراث الكردي، وخاصّة منها قصص العشق الكردي الخالدة. ويذكر أن لديه مشروعاً يشتغل عليه، خاصا بهذه القصص، يسعى من خلاله إلى طرح رؤيته لهذه القصص، يتناول فيها علاقة الانسان بالانسان، وعلاقة الانسان بالطبيعة، وعلاقة الانسان بالحياة. وقد أنجز في هذا السياق، مجموعة من الأعمال المستوحات من قصص العشق الكردي كقصص: "مم وزين، خجيه وسيامند، شرين وفرهاد، عليخان وهسم، بنفش وجمبلي...". وذكر أنه بدأ بهذا المشروع "للتعريف بهذه القصص للعالم بلغة اللون وجماليات الفن التشكيلي، دون ترجمة تقليديّة للغات الأخرى". وبالتالي، الفن لديه هو أن يقدم جزءاً من تاريخ الشعب الكردي للعالم باسلوبه الخاص وبلغة الفن وتقنياته.

تصوّف وصخب داخلي
لوحة فهمي بالاي، غنيّة بالألوان، حيث يسعى الى ان يجمع بين الألوان الحارّة والباردة. مع اولويّة لوجود الكتلة في مركز اللوحة، كما في لوحة "مم وزبن"، و"عازفة الكمان"، و"الهجرة للمجهول". ولعلّ الجمع بين الألوان الحارّة والباردة في الكثير من أعماله، هي انعكاس لصخب التناقض الداخلي الذي يعيشه بالاي، بالضدّ مما توحي به شخصيّته وهيئته التي تشي بالوقار والرسميّة الفائضة. بمعنى، ما يمكن أن يخفيه بالاي تحت حجاب الوقار، يمكن تلمّسه والاحساس به منعكساً على سطح أعماله. في حين أن طغيان الأزرق والبنفسجي في الكثير من اعماله الانطباعية والتعبيريّة والتجريديّة، وكأن بالاي، عضو في مجموعة "الفارس الأزرق" التي أسسها كل من كاندينسكي (1866 _ 1944) وفرانز مارك (1880 _ 1919). والحقّ أن أعمال بالاي، تشي بتأثّر كبير بأعمال كاندينسكي. فكلاهما، يتمتّعاً بحالة من التصوّف والروحانيّة في اعمالهما، بخاصّة منها التعبيريّة والتجريديّة. في حين أن الوهّج والبريق الموجود في اعماله الانطباعيّة، تجعله قريباً من انطباعيّة كلود مونيه (1840 _ 1926).
ولا ينفي بالاي تأثّره بمجموعة من الفنانين الاوروبيين، أثناء حديثه عن بدء رحلة الاغتراب بالقول: "سافرت ال المانيا وتركت الوطن. بدأت حياة جديدة مع ثقافة جديدة وعالم جديد. احسست بالسعادة والحرية لانني نت غريباً في وطني. الآن، وخلال زياراتي المستمرّة ال أماكن فنية والمعارض والمتاحف العالميّة في برلين وباريس وبروكسل وامستردام وعواصم اوروبيّة أخر، وعندما وقفت امام لوحات مانيه، سيزان، فان غوغ، غوغان، بيكاسو، رامبرانت، كاندنسكي دولاروا...، لم أصدّق نفسي، وأحسست وكأنّي في حلم".

الأحمر المتلبس
مغمضة العينين، ورأسها مائل على الكمان، وبجسدٍ ممشوقٍ، معطوفٍ، متمايل، كأنّها في حالة رفص. ومن خلفها، شخصان متقابلان، في عناقٍ لاهب. وكأنّ الفتاة التي تعزف الكمان، خارجة من بحرٍ بنفسجي، وتعزف للعاشقين اللذين يعكس البحر لهيب عناقهما. والسماء والوميض والهالة، تضفي على المكان مناخاً هو خليط من الرومانس والصوفيّة والقداسة، فائقة الحساسيّة. هذا ما يمكن قراءته في لوحة فهمي بالاي، عازفة الكمان. وللأحمر أيضاً حضوره اللافت في أعماله. وقد يكون مرده حالات وقصص العشق الكرديّة التي يعيد صوغها تشكيليّاً. إلى جانب أن بالاي، كان شاهداً على الكثير من كوارث وأهوال الحروب في كردستان العراق. فقد ابتدأت طفولته مع بداية ثورة أيلول الكرديّة مطلع الستينات وحتى منتصفها، ثم عاصر هزيمة الثورة سنة 1975 على خلفيّة التوقيع على اتفاقيّة الجزائرة بين شاه ايران وصدام حسين، وما تبعها من هجرة وانكسار وآلام، شاهدها بالاي يافعاً. ثم معاودة الكرد للقتال سنة 1983، وما رافقها من أحداث الحرب العراقيّة _ الايرانيّة حتّى سنة 1988. فمجزرة حلبجه في آذار من نفس العام. ثم البدء بحملات الانفال التي قام بها النظام العراقي السابق، والتي شهدها بالاي وهو شاب. ثم الهجرة المليونيّة بعد انكسار انتفاضة آذار سنة 1991. ثم الحروب الداخليّة بين الحزبين الكرديين، الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني. مضافاً إليها الاجتياحات التركيّة لكردستان العراق...، كل هذه الفظائع، كان الفنان فهمي بالاي شاهداً عليها. وبالتالي، لا غرابة في ان نجد حضوراً غزيراً للون الأحمر في اعماله، تعبيراً عن الحب والحرب في آن. ولعل حضور الأحمر في أعمال بالاي يتقاطع وتفسير فرانسيسكو غويا، حين سئل عن طغيان الاحمر في لوحاته فأجاب: "لأن بلادي شهدت الكثير من أهوال الحرب. ولأن شعبي يمارس مصارعة الثيران".
ويتحدّث بالاي عن بدايته في عالم الفنّ التشكيلي بالقول: "بدأت، بشكل غير أكاديمي. وفي المرحلة الابتدائيّة من الدراسة، لم يكن هنالك أيّ اهتمام بمادّة الرسم. وفي المرحلة الاعداديّة، رسمت بغزارة. ثم انتسبت الى معهد الفنون الجميلة بالموصل. وهناك وجدت أساتذة أكاديميين، تعلّمت منهم الرسم بالالوان المائيّة والزيتيّة، وتعرّفت على المنظور والتخطيط والظل والنور. وأثناء الحرب العراقيّة _ الإيرانيّة، تمّ إعدام أحد أصدقائي من طلبة معهد الفنون الجميلة، كان اسمه سلمان، من مدينة زاخو الكرديّة على الحدود التركيّة. هذا الحدث، هزّني من الأعماق".
وبعد ان حصلت المنطقة الكرديّة على الحماية الدوليّة، وأعلن الكرد الفيدراليّة من جانب واحد، بعد سنة 1992، كان بالاي رئيس فرع دهوك للفنانين الكرد التشكيليين. ويشير بالاي أنهم أسسوا معهد الفنون الجمليّة في كردستان العراق، ضمن ظروف الحرب الاهليّة بين الحزبين الكرديين منتصف التسعينات. لافتاً الانتباه الى ان الاجتياحات العسكريّة التركيّة وقتها.

مسكون بالوطن
ويؤكد بالاي ان الغربة عن الوطن لم تقطع حبل سرّته مع تلك الأراضي والطبيعة التي انجبته. مشدداً على أن هاجسه "الحريّة التي يفكّر فيها دوماً، أينما كانت. فالحريّة في الغربة، تعزز من حضور الوطن وذاكرة الأمكنة الاولى في الوعي والخيال، ولا تلغيها"، حسب رأيه. ويضيف: "رغم صعوبات الحياة في أوروبا، إلاّ أنني كنت سعيداً، لكوني احمل حقيبة الذكريات معي، وأضيف إليها ثقافات الشعوب الأخرى وفنونها. دون شعور بالنقص أثناء التعامل مع المؤسسات الثقافيّة والفنيّة الأوروبيّة والكرديّة على حدٍّ سواء



#هوشنك_أوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيدة الحرائق الباكية
- أليس حريٌّ بالمسلمين أن يعتذروا من الإسلام ومن النبي -ص-..؟.
- الأيل الناري الشهيد ومدن الثلج الشاهدة - الى الشاعر عبد الست ...


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هوشنك أوسي - التشكيلي الكردي فهمي بالاي