أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو العباس ابرهام - نهاية غرور















المزيد.....

نهاية غرور


أبو العباس ابرهام

الحوار المتمدن-العدد: 3453 - 2011 / 8 / 11 - 15:39
المحور: الادب والفن
    


الإنسان، ذلك المغرور. إنه ماض في عملية تطوره بثقة زائدة. وهو يبرر انتصاراته بمنطق متعال علي بقية الفصائل. يقول بشكل تكراري روتيني أن لا مجال للمقارنة بينه وبين بقية الحيوانات الأخرى، فهو "العاقل"، "المتحضر" ويقول بـتأفف، مسويا وضعية ياقته الأنيقة، متحدثا عن الفصائل الأخرى: إنها حيوانات. وحتى عند ما يفطن، في آخر المطاف، بأنه حيوان هو الآخر فإنه يضع صفات تمييزية لا حدود لها للارتقاء بنفسه عن الآخرين، صفات من نوع أنا" حيوان ناطق"، "حيوان اجتماعي" "حيوان ثقافي"،" حيوان سياسي"... المؤلم هنا هو أن هذه الاستثنائية تنفي صفة العقل عن الحيوان: لا تجعله يعقل طبيعة الحيوانات الأخرى.
vتبين الدراسات الأخيرة في علم الفصائل primatologie وخصوصا الخاص منها بفصائل القردة إلي أي مدى هي ذاوية الفروق بين الإنسان والحيوان، وإلي مدى هي مجرد أحكام قبلية عالقة بثقافة الغرور التي تميز الإنسان. فحتى علي المستوى العضوي أصبح من الممكن زراعة قلب قرد البابون للإنسان، وتفيد تجارب كهذه أنه قادر علي العيش بهذا القلب لأسابيع. وبالنظر إلي الفصائل الدمية الأساسية في جسم الإنسان لا حظ علماء البريماتولوجيا أنها توجد بنفس الصيغة لدي قردة الريسوس، ولذلك يرمز إليها بـ Rhنسبة إلي الريسوس Rhésus . أكثر من هذا، يشترك الإنسان 98% من خريطته الجينية مع قرد الشيمبانزي.

و لكن الأمر الأسوأ بالنسبة لكثير من البشر هو قربهم من الخنزير، والأمر هنا لا يتعلق بتحول بعض البشر إلى خنازير بين ليلة و ضحاها، كما تشير الكتب السماوية، بل بتقارب الخنزير والإنسان حيث يظهر الخنزير في الخريطة الداروينية كأقرب أقرباء الإنسان و يشترك معه نسبة كبيرة في الخريزة الجينية. و مؤخرا تم بنجاح القيام بعمليات زراعة جلد و صمامات القلب و الكلى من الخنزير للإنسان. بل إن كريستوفر هيتشنز في كتابه ذائع الصيت، "الله ليس أكبر"، يلمح إلى أن تحريم الخنزير ربما كان عائدا إلى شبهه بالإنسان، حيث صياحه صياح إنساني لا لبس فيه. وداعا للخصوصية الإنسانية.


يمكننا أيضا وداع هذه الخصوصية بتجاوز الجانب العضوي إلي مجال المعرفة وتكنولوجيا التصنيع فالدراسات التي أجرتها هيئة العلوم البيولوجية التابعة لجامعة ستانفورد الأمريكية تظهر الحد القوى من المهارة التي تصنع بها حيوانات شتي أسلحتها، التي تصقلها من الخشب المتوفر في بيئتها المحيطة. وتظهر هذه الدراسات حجما كبيرا من التنوع الثقافي في صناعة هذه الأسلحة حيث تسود أنماط معينة من الأدوات المصنعة بين فصائل حيوانية معينة وبشكل خصوصي.

ودائما في هذا السياق ظهر في الآونة الأخيرة علم خاص بدراسة العقل الحيواني هدفه الإفصاح عن نظرية العقل theory of mind لدي فصائل القردة. لقد لوحظ هنا أن القردة تمتلك حدا مدهشا من السيمانطقية: القدرة علي التعرف علي معاني معينة بأصوات معينة. لقد أصبح من الممكن علميا الحديث عن اللغة الحيوانية، حيث تدل متابعة حياة القردة أن لأصواتها دلالات واضحة. وداعا لمصطلح الحيوان الناطق وصفا للإنسان.


لا تحمل عبارة "الإنسان حيوان اجتماعي " أيضا أي معني، إذ القردة اجتماعية هي الأخرى. صحيح أنه يمكن إيجاد فصائل حيوانية غير اجتماعية ( تماما كما يمكن وجود مجتمعات بشرية فردية أو أشخاصا انعزاليين ) ولكن التصرف الحيواني هو عموما اجتماعي: أي ذا مرجعية تحددها المجموعة. أكثر من هذا يبدو أن جانبا من الدماغ القردي هو اللحاء المخيcortex، يرتبط بشكل مباشر بالنشاط الاجتماعي للحيوان. ويمكن ملاحظة أنه كلما غلظ هذا الجانب من الدماغ كلما ازداد معدل التفاهم الإجتماعي لدي صاحبه. يوجد هذا اللحاء بشكل غليظ جدا لدى الإنسان بحيث يسمح له بالثرثرة والانسجام مع نظرائه، ولكنه أيضا غليظ نسبيا عند قردة البابون، والريسوس، والشمبانزي والغيبون والمارموس.

يفسر هذا أنماطا من التصرف الإجتماعي المنظم عند هذه "المجتمعات " فيما يتعلق بتربية الأولاد، العمل التعاوني، عمليات جمع الغذاء، الصيد الجماعي، وحتى فيما يعني النزاعات وحل النزاعات بين أفراد المجموعة. القردة أيضا حيوانات سياسية بشكل كاف لجعل أرسطو يراجع عبارته الشهيرة عن الإنسان كـ"حيوان سياسي ". لقد لاحظ علماء البراماتولوجيا كيف أن هناك أبعادا سياسية لصراعات القردة فيما بينها؛ تحاك تحالفات بين ذكور الماكاك ضد بعضها البعض الآخر. بل ويتم التوصل إلي تسويات سلمية فيما يتعلق بالامتيازات الجنسية والعمل التعاوني: حيث يتم التوصل إلي تنظيم عادل لأوقات العمل واقتسام"عادل" للإناث. عند بعض الفصائل، وخصوصا فصيلة البونبو، وهي نوع نادر من الشمبانزي يوجد أساسا في اليابان. يتم تجاوز الاحتدام بجلسات جنسية.

تصرف القردة أيضا يأخذ بعين الاعتبار الوضعية العامة للفصيلة. فمثلا لوحظ أن عدوانية قردة البابون تجاه بعضها البعض الآخر قد خفت بشكل كبير جدا عندما انخفض الحجم الديمغرافي لجماعة منها في أدغال كينيا بفعل مرض السل الوبائي ردا علي تغير السلوك العدواني للمجموعة. ولوحظت ميول للقردة الأقوى فيها لتحمل استفزازات واعتداءات القردة الصغيرة. لقد جعلت تصرفات كهذه العلماء الباحثين في السلوكيات القردية يقتنعون أن القردة سياسية في السلم كما هي كذلك في الحرب. وبمناسبة الحرب ليس الإنسان هو المعيار الوحيد، وليس هو النوع الوحيد الذي يقتل أخاه الإنسان كما يقال دوما. القردة تفعل ذلك.

لقد وجهت ضربات مؤلمة إلي غرور الإنسان علي مدي القرون الأخيرة. في البداية تم إنزاله من مركزية العالم بفعل كتابات كوبرنيكوك الذي ألغي وهم الأرض مركزا للعالم ووضع الشمس مكانها. ثم جاءت الداروينية ووضعت الإنسان ضمن سلسلة حيوانية واضحة. ثم جاء نيتشه وألغي البعد الإلهي للإنسان. ومباشرة بعده ألغي فرويد الأبعاد الغائية المثالية بتصويره الإنسان حيوانا ميكانيكيا تصنعه الغرائز.

واليوم تظهر القردة من خلال حياتها اليومية كيف أن الإنسان لم يعد يحظى وحده بجميع الصفات التي تضاف إلي كلمة حيوان لتمييزه. لتمييز الإنسان لا يجب إبقاء أي شيء أكثر من "حيوان" لوصفه. أو يجب القول إنه " «قرد متعالي » إن كان لا بد من قول شيء .



#أبو_العباس_ابرهام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية العود الأبدي
- الثورة العربية: استمرار الدروس
- الثورة التونسية: في انتظار اكتمال الدروس
- آخر تقمصات كارل ماركس: إلى أين وصل باراك أوباما؟
- قراءة في فكر نصر حامد أبو زيد


المزيد.....




- رواية -مقعد أخير في الحافلة- لأسامة زيد: هشاشة الإنسان أمام ...
- الخناجر الفضية في عُمان.. هوية السلطنة الثقافية
- السعودية.. مهرجان -البحر الأحمر السينمائي- يكرم مايكل كين وج ...
- المخرج الأمريكي شون بيكر: السعودية ستكون -الأسرع نموًا في شب ...
- فيلم -الست-: تصريحات أحمد مراد تثير جدلا وآراء متباينة حول ا ...
- مناقشة رواية للقطط نصيب معلوم
- أبرز إطلالات مشاهير الموضة والسينما في حفل مهرجان البحر الأح ...
- رغم حكم بالسجن بتهمة -القيام بأنشطة دعائية-... المخرج الإيرا ...
- المشاهير العرب يخطفون الأنظار في المهرجان الدولي للفيلم بمرا ...
- خمسون عاماً على رحيل حنة آرنت: المفكرة التي أرادت إنقاذ التف ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو العباس ابرهام - نهاية غرور