أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله البصري - تحت التخدير/قصة قصيرة














المزيد.....

تحت التخدير/قصة قصيرة


عبدالله البصري

الحوار المتمدن-العدد: 3437 - 2011 / 7 / 25 - 19:42
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة



دبت بهدوء وكأنها تسير على هواء شفاف لزج. دخلت غرفة النوم، حيتني بتهدج وارتباك. نظراتها تثقب الأرض. يداها ترتجف رعبا. رئتاها تشفط الأنفاس بصعوبة، خائفة، وكأنها تترقب النصل الذي سأضعه بصدرها.
دحرجت نفسها في الفراش مثل صخرة تائهة في حنايا جبل ملتو.
حسبتها موصوبة، أو قلقة من مجهول، ربما لديها مشكلة في عملها، أو تعرضت لصدمة جراء فعل حدث في شوارعنا المخيفة.
لم أرها بهذه الصورة مذ عرفتها. حتى الارتباك الانثوي في ليلة زفافنا لم يرسم على ملامحها مثل هذا الهلع المظلم غير المفهوم..
تناولت يدها المرتجفة برقة عمياء، أحسست بتشنجاتها عندما هربت من يدي وكأنها فأرة رشيقة.
كفنت نفسها في الغطاء المكوم على السرير، محاولة أن تدفن عينيها المفضوحتين وجثتها الملتهبة التي تغور في عمق الفراش.
سألتها.. ما بالك يا حبيبتي؟ لا إجابة.. سوى صوت يجهش عبرات تخرج من بين نبراته أنـّاة مقيدة.
أحسست بأنها تشكو من شعور بالذنب، وربما شعور بالخوف من إنجاز مهمة صعبة. سربت أفكاري المتشككة إلى قيعان التيه، علها تجد مبررا لما يحدث وتسكن ظنوني الهائجة.
تركتها مفضلا أن أجلس وحيدا لكي أتناول وجبة من التفكير الذي ألتهمه كل مساء مع القهوة والسجائر. الساعة دخلت العاشرة مساء.
مسكت فنجان القهوة بيدي المتعبة التي تعمل طوال اليوم لتلضم أكثر عددا من النقود في جيبي.
رشفت القليل من القهوة.. وضعت الفنجان على المنضدة القريبة.
جاءتني الذكريات مخترقة كل الأمكنة. قعت أمام عيني. حب تحت حراب الضيم. زواج منهك تحقق بعد يأس جارف. أربع سنوات من التضحية والصبر والمعاناة. عوائق كثر، عائلتان غير متفاهمتين. كل واحدة ترمي عيوبها على كاهل الأخرى. متعصبتان، تعشقان عزة النفس، لا تتنازلان. وأنا وحبيبتي نحتسي نفطا ساخنا.
كنـّا قرابين لذوينا المتعادين، ننفث حسراتنا على دلائل السماء. نبحلق في القمر. كل واحد منـّا يشكو همومه إليه. يجتاحنا انقطاع الأمل في الزواج، نسلم أنفسنا للصبر، فيتبخر ما تبقى من دم في أجسادنا.
ناضلنا كثيرا من أجل أن ننال هذا السرير الباهت، الذي لم يصنع طفلا واحدا، ولا نصف طفل، ولأحد عشر عاما غارقا في المماحكات الزوجية!.
محت الذكريات نكهة الرشفة الأولى من القهوة التي أعدّتها بعناية قبل أن يتلبسها هذا الرعب الغريب. نبهني صوت هاتفها الذي يرن متلهفا لضغط إبهامها على زر الإجابة. أكملت سيجارتي، مردتها بمنفضتي المجّربة ببقايا رماد السجائر الماضية. ضربت المنضدة ضربة قوية بيدي لإفراغ شحنات وعكات الماضي. سقط فنجان القهوة. رفضت أن أعدّ غيره. فضلت أن أنام من دون أن أشربَ كمية كافية من القوة التي تثـقل جفنيّ من شدة النعاس!.
دخلت غرفة النوم، قلت في نفسي علني أجدها أفاقت من نوبتها الجديدة، التي كان يسبقها ملل واكتئاب بفعل رتابة الحياة الزوجية الخالية من الأطفال. وحتى من اللذة، ففراشنا بات باهتا يصعقه البرود كلما تجانبنا أنا وهي على أرضه. لم تزره المتعة منذ فترة طويلة.
أغلقت هاتفها بعد أن سمعت إيقاع قدميّ يقترب من باب الغرفة.
سألتها: من كان في الهاتف؟
أجابت والنار تلهب على سطح وجنتيها: والدتي!.
سألتني: شربت القهوة؟
- نعم... لذيذة كالعادة.. فيداك الجميلتان بارعتان في صناعتها.. ولكنها تنعسني!.
ابتسمت.. وهي تحمل ملابسها النظيفة، سائرة على أرض الغرفة، ساقاها تومضان لمعانا يؤججه ضوء المكان. دخلت الحمام لتستحم مثل كل ليلة.. رن هاتفها رنة واحدة وصَمَت. أرغمني الفضول للعبث فيه. بحلقت فيه، كالعادة أستاذ قاسم!، مديرها في العمل هو الذي رن هذه الرنة، قلت في نفسي ربما كان مخطئا!.
أستاذ قاسم.. كان يهتم بنا كثيرا.. حقن جوعنا. إنه الوحيد الذي قتل محنة البحث عن عمل نستنشق منه أنفاس العيش. رجل طيب، يجلب المستحيل وإن كان في سجن اللاشيء من أجل أن يقدم خدماته لي ولزوجتي. فهو من يوم تعارفنا معه أنا وزوجتي في البريد - عندما كنا نسدد فاتورة الهاتف - وحتى اليوم لم يتركنا نغرق في باحات البؤس. خاصة بعد أن عملت زوجتي سكرتيرة في مكتبه!.
الساعة الحادية عشرة والنصف مساء. استلقيت على السرير. دبّ النعاس في أجفاني. أثار بعينيّ رغبة لتوديع ضوء الغرفة الخافت الذي يُستبدل بضوء الشمس عند الصباح. طـُبِقـَت أجفاني قسرا. استسلم جسدي للنوم الذي يجثمه كل ليلة كصخرة ثقيلة.
كان عالم الغرفة هادئا. يعمه عطرها الليلي الذي أيقضني بعد ساعتين ونصف من نوم جنوني. محقنا برغبة غريبة نوعا ما لسرقة أحضانها الملتهبة، ورؤية عينيها اللتين ينفجران جمرا أثناء عراكنا العتيق الذي يجمد الفراش بثلوج أجسادنا البليدة.
مددت يدي على جثتها التي اعتادت أن تنام بجانبي ميتة، يسري الجمود بكل أوردتها، ناكرة شتى أنواع المداعبات.
لم أجدها، مكانها بارد. الساعة الثانية ليلا. يا ترى أين هي؟ ربما في الحمام!.
أحسست بظمأ قاحل. قمت من فراشي متجها صوب المطبخ. ذهبت عيناي إلى الأريكة العريضة الداكنة التي قضت عمرها نائمة في غرفة الضيوف. كان الضوء خافتا، تتدافع أمواجه بصعوبة لكي تدخل غرفة الضيوف، هاربة من رائحة القهوة التي خنقت المطبخ.
أخـَذت عيناي تغرز حدقاتها المغوشة في الأريكة التي ترقص على أنغام الخيانة المفعمة بألذ أنواع المتعة.
أجساد لامعة على بقايا ضوء المطبخ القريب، ترشق عرقها الندي على كائنات الغرفة المظلمة. آهات مقيدة بالقلق. حذاء الأستاذ قاسم مستلق عند الباب يشع أتربة لامعة ووحلا جمعه من مستنقعات الظلام، جثثنا التي يتساقط منها الثلج، فراشنا الباهت، عقلي الذي سحقه، غفلتي، ثقتي الميتة، أروقة الخداع، أعماق الخيانة.






#عبدالله_البصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة/اللقاء الأخير
- سيكولوجيا الحزن العاشورائي
- دحض فرضية قصور العقل على إدراك الذات الإلهية
- هذا هو الحب !
- في قانون التوازن في الطبيعة ووجود الإنسان والكون


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله البصري - تحت التخدير/قصة قصيرة