راميا محجازي
الحوار المتمدن-العدد: 3429 - 2011 / 7 / 17 - 20:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مازال الشارع السوري يهدر بشده تزداد يوماً بعد يوم , و تتعالى احتجاجاته ,وهو يزداد تصميماً على الاستمرار في ثورته إلى أن يهلك النظام البعثي الأسدي الذي أحكم الخناق على الشعب , وتمادى في طغيانه ؛ فتعدى على حرماته بعد أن تعدى على اقتصاده , و اغتصب حقوق البسطاء , والفقراء , و المستضعفين طوال أكثر من أربعة عقود . و في هذا الوقت الذي يناضل فيه الشعب في معركة يبحث فيها عن الحرية, و الكرامة, و الحياة الإنسانية نجد المعارضة السورية - بما فيها من أطياف و مذاهب - تسارع إلى تنظيم نفسها , ووضع البرامج وتنظيم المؤتمرات و الإعلان عن بيانات لمجموعات تختلف من تنسيقات الى ائتلافات ناهيك عن الأحزاب التي بدأت تلمس بوادر حياة جديدة تمارس فيها فاعليتها و نشاطاتها بكل حرية في المجتمع القادم المأمول , و لكن ما المجتمع المأمول من هذه الثورة ؟ و لم يضحي الثوار بدمهم و أرواحهم و أرواح أبنائهم ؟ أترى مطالبهم هي المطالب ذاتها التي تنزف أحبار المعارضة من أجلها ؟
لا أعتقد ذلك , ولوأنهما يجتمعان على هدف واحد ، وهو الخلاص من النظام الأسدي الوحشي القمعي , وإعادة الحرية و الكرامة و العدالة الإنسانية والاجتماعية المفقودة , و لهذا نرى ضرورة التعاون الكبيروالاتصال العميق بين الثوار في الشارع و المعارضة الداخلية و الخارجية . وإذا أمعنا النظر جيداً في تحركات كل من الشارع و المعارضة نجد ما يلي :
عندما خرج الشعب السوري إلى الشارع ثائراً كانت غالبية الثوار من الشريحة البسيطة التي ضاق بها القيد , خرجت لا لتطالب بسلطة و سيادة , وإنما لتفك عن أعناقها و أعناق أولادها أيادي كادت تخنقها , وعندما ثار الشعب وخرج أبناؤه عراة الصدور واجهه نظام وحشي دموي بالأسلحة و الدبابات و القنابل , لم يخف ! و لم يتراجع وعاود الخروج واضعاً روحه في كفه فقد ضاق ذرعاً باستلاب إنسانيته, و انتهاك حرماته , وسرقة أرزاقه , واغتصاب عرضه . خرج لأنه لا يريد لأطفاله حياة الذل و المهانة والخوف , وإنما مستقبلاً مشرقاً يشعر فيها بإنسانية محترمة إنه يتطلع إلى استعادة ما سلب منه من حقوق – فكان معترضاً رافضاً ثائراً على الظلم و الهوان و الاستبداد لا يحمل إيديولوجيا ولا فكراً حزبياً و لم يفكر إلى أي عرق ينتمي و لا إلى أي دين , خرج المسيحي و المسلم السني و العلوي , و خرج العربي و الكردي , فجميعهم في الهم سواء , و جميعهم في القهر سوريون.
أما المعارضة السورية فلا يوحدها إلا رفض النظام القائم و تختلف في الدوافع و الأهداف و كلها تدعي أنها تعمل من أجل إحلال ما تراه عدالة و مساواة , و تحقيق الحق , و محاربة الفساد للنهوض و الارتقاء بسوريا إلى الأفضل , و لكنها تختلف في الرؤيا و المصير و يمكن تصنيفها حسب النهج و الهدف إلى :
أولا : معارضة من قلب الشارع تسمع نبضه , و تشعر بآلامه و تحاول تضميد جراح الثوار النازفة و تسعى إلى إسماع العالم صرخته, فهي على احتكاك مباشر مع النظام و دمويته , لذا تجدها منسجمة مع الشارع , متناغمة مع نشيد ثورته وهتافاته و تجد رؤيتها تعكس صورته الحقيقية فتسمع منها اقتراحات تفي باحتياجات الثائرين , وطموحاتهم و هذه المعارضة , قد بلورت رؤيتها باتصالها مع معارضة الخارج الوطنية و هي الأقرب دون جدل من الشعب السوري .
النوع الثاني :المعارضة الداخلية الوهمية , وهي معارضة شديده الخطر على الثورة و الثوار, و قد ابتدعها النظام قناعاً ديموقراطياً يضعه وقت اللزوم , ومهمتها الحقيقية إمداد النظام بالوقت الكافي لحل أزمته ,و تنفيذ أغراضه و تكمن خطورتها في خديعة الثوار, والاحتيال على الثورة ومحاولتها الالتحام بالشعب الثائر لتأخذ دور ممثل الشعب و تحل محل المعارضة الشريفة التي ترفض التنازل و الحواروالتهاون في الحق الذي لم يعد النظام مؤتمناً عليه .
النوع الثالث:المعارضة الخارجية المنشقة عن النظام التي ترى من الفوضى التي رافقت تحركات الشارع , فرصة لإعادة هيمنتها على السلطة في سوريا , فهذا النوع من المعارضة يريد أن يقطف ثمرة الثورة , و قد نسيت ما ارتكبته بحق الشعب السوري , و لا تدرك أن الشعب السوري لا ينسى جراح الكرامة , و أنه واع و مدرك تماماً لتاريخها الأسود , و لن يترك الفرصة لها لتتسلق على أكتافه و تتغذى من دمائه
أما النوع الرابع من المعارضة فهو معارضة المغَرّبين الذين هجروا وطنهم و هرّبوا حريتهم و فكرهم و دينهم , فروا من القمع و البطش كي يعودوا في يوم ما يغرسون في أرضهم الأمل بالمستقبل المشرق و يبنون سوريا الحضارة سوريا المستقبل , هذه المعارضة لم تبخل على الوطن ,و لم تقصر في دعم الثورة إعلامياً و مادياً ,و سحب الشرعية عن النظام , و تحقيق التأييد الدولي للثورة , ومعاقبة المتورطين وتوجيه الثوار, ولا تزال تسعى محققة التكامل مع ثورة الداخل فلا يمكن فصلها ولا إقصاؤها, أوالتقليل من أهميتها فبدونها قد تنجح الثورة بإسقاط النظام و لكن سوف تغرق البلد بالفوضى لأن النظام الحالي لا يسمح بتنظيم المعارضة ، أو تشكيل حكومة إنقاذ وكلنا شهدنا ماذا حدث لمؤتمرالإنقاذ في الداخل ..
#راميا_محجازي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟