أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المنعم الأعسم - جمهورية جنوب السودان..















المزيد.....

جمهورية جنوب السودان..


عبد المنعم الأعسم

الحوار المتمدن-العدد: 3425 - 2011 / 7 / 13 - 23:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جمهورية جنوب السودان..
لطمة للعقل “العرواسلامي” المحافظ

عبدالمنعم الاعسم

السبت، التاسع من تموز- يونيو، سيدخل التاريخ كيوم لولادة اول دولة تقيمها اقلية قومية ودينية في العالم العربي على ارض لا تزال تحمل اسما مشتركا، السودان، وذلك بعد ان تعذر قيام دولة متعددة القوميات والاديان على جغرافيةهذه البلاد الوطنية وبعد صراع طويل امتد على سطح اربعين سنة من الكوارث وبرك الدماء وطبول الحرب كشف فيها العقل العروبي الاسلامي عن عجزه عن استيعاب قضية حق تقرير المصير للشعوب والاقليات التي تضمها خارطة الوطن العربي.
دولة اقامتها اقلية عريقة مضطهدة ودفعت عنها مليونين من الضحايا خلال عصيان مدني ومسلح لم تكن “الامة الكبرى” وحكوماتها ونخبها “العرواسلامية” قد استوعبت احكامه ونتائجه، ولم تكن قنواتها تستوعب اقامة دولة شراكة ومساواة عادلة لا مكان فيها للتمييز القومي والقهر الديني، ولم تكن هذه الدولة الجديدة متبرَّعٌ بها من أحد، وليست منة ً من حكومة او صفقة في الظلام، بل جاءت في سلسلة طويلة من المفاوضات والتجاذبات والاتفاقات والتوقيتات، وعبر هياكل تشريعية وتنفيذية غاية في التعقيد والمصاعب.
والدولة الجديدة، بالاضافة الى ذلك كله، جاءت بنتيجة حكمة مفاجئة لممثلي الدولة الام لشعب شمال السودان بالاعتراف اخيرا بعقم خيار القوة والالحاق القسري لشعب الجنوب، من جهة، ولصبر ساسة الجنوب وتفهمهم لضرورات الحلول الوسط تنزع من على خطوط التماس عداوة بين شعبين متجاورين ومتصاهرين لا احد يقدر نتائجها الكارثية على الطرفين، من جهة اخرى.
كان شعب الجنوب، يعيش طوال ستة عقود في كيان مستقل في الواقع (الدين والارض واللغة)لا يستطيع ان يسميه وطنا، ولا يعرف من الشراكة في الوطن الام غير الحملات العسكرية والطائرات القاذفة التي تغير عليه لانتزاع طاعته القهرية لحكومة الخرطوم، ولم يكن ليعرف من الحريات غير حرية واحدة تتمثل في اللجوء الى الغابات او البراري او الى ما وراء الحدود اتقاء حملات العقاب العسكرية، او العيش بمواطنة من الدرجة العاشرة نظير القبول بهامش لا انساني ولا عادل من الحياة.
وليس مثيرا للغرابة ان تتلقى الخرطوم، طوال حروبها الاخضاعية ضد شعب الجنوب، دعما وتشجيعا متعدد الاشكال من شقيقاتها في الجامعة العربية على اختلاف نوعية الحكم الذي تتخندق فيه ونوعية الايديولوجيا التي تتبناها، فان فكرة احترام خصوصيات وحقوق القوميات الاخرى والاقليات الدينية التي تشاركها الارض والمصير ليست واردة لدى هذه الجول، لا على مستوى التشريعات والممارسات ولا حتى على مستوى قيم الانسانية والشفقة والجيرة، والنتيجة، ان جميع شركاء الدولة السودانية في الرابطة القومية قد حاربوا شعب الجنوب السوداني بالجنود والاموال والسلاح والتحريض، كلٌ بحسب ما تجود به غيرته القومية والدينية، وكان الشعار الاكثر رواجا، وانحطاطا، وزيفا، هو الحيلولة دون قيام اسرائيل ثانية في جنوب السودان، فيما هم يدخلون مع اسرائيل الاولى في سلسلة صفقات مهينة.
طبعا، لم تكن الحركة الجنوبية المسلحة، وقياداتها، خارج الملامة ومحاذير التخبط في الكثير من مواقفها وسلوكها وتحالفاتها، وبخاصة في ادارتها للتحالفات الخارجية وللصراعات والخلافات الداخلية بين فئاتها وشخصياتها وسقوطها في العديد من مفارق الطرق والاحداث في اغواءات التصفية والتنكيل والتآمر ما دفع شعب الجنوب ثمنه الباهض من دورات الاقتتال والنزوح والمجاعة، وذلك قبل ان تتجه الى طريق الحوار لاختصار المحنة التي يعيشها السكان.
لقد سقطت اللازمة السودانية التاريخية والمضللة حول “وحدة البلاد” لاول مرة العام 1972 إذ تبين في مؤتمر اديس ابابا في ذلك العام ما هو معروف على ارض الواقع بان البلاد غير موحدة في واقع الامر وان الحرب الاهلية بين القوات الحكومية والحركة الشعبية لتحرير الجنوب السوداني، طويلة الامد، اكبر دليل على ان البلاد مقسمة على اية حال، على الرغم من التأكيدات المتكررة التي كان يطلقها زعيم الحركة الجنوبية جون قرنق بان الحركة لا تعمل على انفصال الجنوب.
غير ان اتفاق اديس ابابا الذي اقر حق شعب الجنوب السوداني بنصيب من ثروة البلاد وعدم تطبيق الشريعة الاسلامية في اقليمه لم يكن ليطوي اوهام القيادات السودانية الحاكمة لاخضاع الجنوب السوداني المتمرد بالقوة العسكرية، وقد صمم انقلابيو 1989 الذين مثلوا التحالف القومي الاسلامي الجديد(البشير. الترابي) العودة الى طبول الحرب لغرض “استعادة وحدة السودان” فشنوا حربا واسعة لحرق الارض ومن عليها وفرضوا الشريعة الاسلامية على شعب يدين بعقيدة دينية اخرى، وانخرطوا آنذاك في تحالف مع نظام صدام حسين في اطار “المؤتمر الاسلامي الشعبي العربي” الذي تبنى في العام 1993 منهج استئصال الاقليات القومية والدينية بذريعة المعركة الكبرى ضد اسرائيل والغرب، الامر الذي دفع الحركة الشعبية وجميع مكونات وشرائح الجنوب السوداني الى صياغة مطلب حق تقرير المصير الشرعي والمبرر في ظل حرب الابادة التي كان يشنها حكم الجماعة الاسلامية-القومية قبل ان تنكفئ الى الفشل الذريع.
آنذاك قال زعيم المعارضة السودانية الصادق المهدي: “إن إعلان نظام البشير عن هوية “الإسلاموية- العروبية” وإعلانه الجهاد ضد غير المسلمين وحتي ضد المسلمين المختلفين معه، أثار عداء ومخاوف الأقليات العرقية والدينية في السودان” ومما له دلالة ان يصرح زعيم حركة الجنوب قرنق غداة صعود البشير الى السلطة خلال سلسلة من الانقلابات والتصفيات وفي دعوة الى الاخير الى عقد صفقة سلام جديدة قائلا “ان حسن البشير متمرد مثلي، وانا اكثر منه خبرة في هذا المجال” فيما رد البشير بالغاء اتفاق السلام مع الحركة الجنوبية ودعوة الجماعات الجنوبية المسلحة الى القاء السلاح، لكن مفاوضات جديدة في العام الفين بين البشير وغارانغ كانت بحاجة، كما يبدو، الى مئات الالاف من القتلى الجنوبيين وجنود الجيش السوداني ونزوح مايزيد على مليون مدني الى ما وراء الحدود، وجاء الاتفاق هذه المرة في اجواء هزيمة منكرة لخيار استخدام القوة وعزلة نظام البشير على كافة الاصعدة.
في غضون ذلك، وفي العام 2003، انفجرت مشكلة “دارفور” حيث كان يعيش في ذلك الإقليم العرب البدو، والزنوج حيث انحاز النظام الى القبائل البدوية العربية ضد القبائل الزنجية، بدل ان يوقوم بواجبه في تهدئة الاوضاع، فتفاقمت الصراعات، وشكل الزنوج لأول مرة أحزابا مسلحة ضد نظام البشير عام 2003 وخرج النزاع من الإطار السلمي إلي مواجهات مسلحة بين العرب المدعومين من الحكومة وبين الزنوج، وتم تدويل الصراع أيضا في دارفور، فغرقت بلاد السودان بين تدويلين، واحد الى الجنوب والآخر الى الغرب.
في التاسع من كانون الثاني/يناير 2005 انتهت اطول حرب تشهدها القارة الافريقية بتوقيع قرنق اتفاق سلام مع الخرطوم اعفي بمقتضاه الجنوب من الشريعة الاسلامية التي فرضت على سكانه واتيحت له فترة ست سنوات من الحكم الذاتي تمهيدا لاستفتاء يصوت فيه الجنوبيون على حق تقرير المصير بين البقاء ضمن سودان موحد او الانفصال عن الخرطوم، وفي كانون الثاني/يناير 2011 صوت جنوب السودان للانفصال عن الشمال باغلبية 98,83 بالمائة لصالح الاستقلال.
في معايير الحرب كان البشير قد هزم في حرب الجنوب، واستسلم الى الخيار الذي حاربه بكل قوة: التفاوض على قاعدة حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان.. ولكل استسلام ثمن.
*
بعد اسبوعين من اعلان جنوب السودان دولة مستقلة يمكن للمراقب ان يرصد جو الخيبة والمرارة والاحباط الذي يعم إعلام وصحافة الدول العربية وذهول العقل “العرواسلامي” الكهفي. تكفي الاشارة هنا الى انه، باستثناء مصر والسودان لم تعلن اية دولة عربية الاعتراف بالجمهورية الجديدة غداة اعلانها ، بل ان كتابات وتقارير صحافية وتلفزيونية محسوبة على انظمة في المنطقة القت بظلال الريبة على هوية الدولة الجديدة وسلوكها، والاغرب من كل ذلك، ان يجري التأليب عليها مرة لانها، حسبهم، مشروع مشبوه لتقسيم ارض السودان والدول الاخرى، ومرة اخرى لانها ولدت بالقوة واستثمارعزلة النظام السوداني وهزاله، ومرة ثالثة، لأنها تلقت ترحيبا من اسرائيل واستعداد الاخيرة لاقامة علاقات دبلوماسية مع جوبا، لكن الكثير من التعليقات جاءت منزعجة مما قيل عن ولادة دولة علمانية في قلب المنطقة.
وبدلا من التفكير مليا في خصوصيات شعب الجنوب ومعاناته الطويلة تحت دورات الحملات العسكرية الانتقامية فان حملة الكراهية والتأليب التي شنها العقل “العرواسلامي” المحافظ ، إذا ما توصلت على هذا المستوى من الهستيريا، ستجعل من دولة جنوب السودان خصما جاهزا، وستخسر هذه المنطقة فرصة لكسب دولة اعلنت منذ ولادتها بانها ستكون مسالمة وصديقة للدول المجاورة وتتعامل بروح حسن الجوار مع الجميع، وانها، قبل كل شيء، ستنصرف الى تعمير ما خربته الحرب وتعكف على تضميد جروح واوجاع اجيال من شعبها الذي يعيش حالة الفقر ويصنف على انه من اكثر شعوب العالم تخلفا وفقرا وحاجة الى المساعدة والسلام.
اما اعلان جنوب السودان دولة علمانية فهو لايحتاج الى الكثير من الجدل والتأويل، فالصراع الطويل وحروب الاستئصال العرقي تركت مشاكل دينية بين مسيحيي الجنوب ومسلمي الشمال، الامر الذي ينبغي احتواؤه بوضع دور العبادة والمؤسسة الدينية على مسافة محسوبة من شؤون بناء الدولة الجديدة التي يلزمها بيئة سلام اجتماعي علمانية اكثر من اي شيء آخر، واللافت هنا، ان الاقلية المسلمة في جنوب السودان ذي الاكثرية المسيحية (مثلما هي الاقليات المسلمة في جميع العالم) هي الرابح الاول من علمانية الدولة، بل انها (كما في الهند مثلا) من اكثر الشرائح السكانية تمسكا بالتشريعات العلمانية التي تفصل بين الدين والسياسة وتعامل اتباع الديانات المختلفة بمعايير المواطنة والمدنية والمساواة.
وإذ اُعلنت دولة الجنوب السوداني وهي في طريقها الى كسب عضوية الامم المتحدة فان على الشعوب العربية وطلائعها ونخبها المتنورة ان تتصبر عليها وتساعدها وتوفر حسن الظن بها، وقبل ذلك، ان تأخذ بالاعتبار علاقة شعبها بالبعد الافريقي الذي كان عاملا في حمايته من حملات الابادة الدورية، وهي هوية هذه الدولة، بل وعلى العقل السياسي العروبي الاسلامي ان يقبل حقيقة تفصيلية تتمثل في ان الكثير من الشعوب والاقليات القومية والدينية التي تعيش ضمن الاطر السيادية للدول العربية والاسلامية تحتفظ بخصوصيات وامتدادات خارج الحدود.
من زاوية غير متفائلة، يبدو ان الثقافة السائدة في هذه المنطقة لا تزال مغلقة امام اوكسجين التحولات العاصفة التي تهب على العالم.. وإلا ماذا؟.



#عبد_المنعم_الأعسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المالكي والبعث.. حوار ومصدات


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المنعم الأعسم - جمهورية جنوب السودان..