أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - الغرانيق تحلق جنوباً-قصة مترجمة















المزيد.....

الغرانيق تحلق جنوباً-قصة مترجمة


ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)


الحوار المتمدن-العدد: 3413 - 2011 / 7 / 1 - 18:55
المحور: الادب والفن
    


الغرانيق تحلق جنوباً

قصة: إدورد ماك كورت (1)
ترجمة: د. ماجد الحيدر

-”إنها تحلق الليلَ بطوله” قال الرجل العجوز “في البداية تسمع صوتا قادما من بعيد فتحسبه هدير الرعد، ثم يزداد قرباً ودويّا، وسرعان ما يصبح مثل قطار شحنٍ يمر من فوق رأسك، أما إذا كانت الليلة مقمرة فإنها تسد صفحة البدر حتى يستحيل الليل ظلاما دامساً”
-”لكنني أقول لك إني شاهدت واحداً منها” قال “لي الصغير” ثم أردف “إنها الحقيقة يا جدي. هناك عند مستنقع بيكرز، كنت أبحث عن البط- وفجأة…”
-”لم يعد هناك من غرنوق نعّاب في أيامنا” قال العجوز في أسى.(2)
وأعاد “لي” الكلام ببطءٍ شديد وهو يحاول أن يحتفظ بصبره “عند مستنقع بيكرز، صدقني، لقد رأيت بكل وضوح الأطراف السوداء لأجنحته!”
-”وتحس بأنك تريد الرحيل معها” قال الجد “وتشتاق الى الرحيل حتى يكاد قلبك يتصدع، عندما تسمع الهدير من فوق رأسك، مثل قطار شحنٍ طويلٍ عظيم يجتاز بك في الليل..”
وارتفع صوته على غير توقع مثل نقيق أجش:
-”تقول عند مستنقع بيكرز؟ غرنوق نعاب، نعاب حقيقي؟ هل تحلف بالله يا ولد؟ أنا لم أرَ نعابا منذ أربعين عاماً”
-”لم يبق في العالم كله غير ثمانية وعشرين نعابا. وهي تطير جنوباً في الخريف حتى تكساس”
-”وأنا أيضا ذاهبٌ الى الجنوب” قال الجد. “يمكنك أن تقبع تحت الشمس طوال الشتاء أو أن تستلقي وتراقب الأشياء. إن المرء ليحس بتعبٍ هائلٍ من الاستلقاء، بعد ثمانين عاماً”
وتضاءل صوته، ثم سكت وتهاوى في مقعده وأغمض عينيه. فتذكر “لي” ما أخبرته أمه “الجد رجل طاعن في السن وعلينا أن نجنبه الانفعال” وانتابته نوبة من الرعب شلت أوصاله.. ربما كان الجد يحتضر.. ربما قد مات بالفعل..
- “جدي!” صرخ وقد خنقته العبرة “استيقظ يا جدي! استيقظ!”
واهتز الجسد المنكمش في مقعده بارتعاشةٍ متشجنة، ثم انتصب العجوز قائماً دون أن يستند على ذراع الكرسي، وقال بصوتٍ جهوري حاد:
-” أيها الفتى! يجب أن أراه، أقول لك يجب أن أراه!”
حدق “لي” في حيرة، وبدا كالمأخوذ:
-” لكن أمي تقول …”
وفقد صوت العجوز نبرته الآمرة القوية، وتراجع الى تملقٍ واهن:
-” أوه، هيا يا فتى. لن يرانا أحد. أبوك يعمل في حيّ بعيد، و”إيلين” قد خرجت الى حفلٍ للنساء في مكان ما. يمكن أن نتسلل ثم نعود بسهولة ”
-” لكنها ثلاثة أميال، وأمي أخذت السيارة ”
وتغضن وجه العجوز:
-” لدينا الفرس والعربة الصغيرة. أليس كذلك؟”
-” نعم ولكن العربة متروكة منذ سنين وعدّة الفرس….”
ومحا الغضب كل أثر للمداهنة في تجاعيد وجه الجد، فتناول عصاه من جانب الكرسي، وصاح بالغلام:
-” إمضِ معي يا ولد وإلا سلختُ جلدك! ”
فتراجع “لي” نحو الباب وقال يسترضيه:
-” حسناً يا جدي، سأشد “بيسي” الى العربة حالاً ”
***
مرّ الجد بلحظات عصيبة وهو يحاول صعود العربة، لكنه حالما استوى في مقعده خطف الحبال من يد “لي” وسفع كفل الفرس العجوز بأطرافها، فأجفلت “بيسي” وانطلقت في خببٍ مضطرب. وحبس “لي: أنفاسه، لكن “بيسي” أبطأت بعد هنيهةٍ وأخذت تتقدم مُكرَهةً متثاقلة فأحس “لي” ببعض الراحة: فلربما تماسكت العربة ولم تتبعثر الى أشلاء.
ساروا قليلاً على طول الطريق الممهد، ثم انعطفوا نحو مسلكٍ جانبي وعر يتلوى عبر مرجٍ أجرد مكشوف. حدق الجد الى الأمام والتمعت عيناه:
-” كما أخبرتك يا فتى، إنها ترحل الى الجنوب. أظن إنها ترى المسيسبي وهي على ارتفاع ميلٍ في السماء. وأنا أيضا أتوق الى رؤيته، وسأفعل ذلك يوما ما بكل تأكيد.”
وتدلى ذقن العجوز نحو صدره، وانفلت الحبال من أصابعه وكادت أن تسقط من الحاجز الأمامي للعربة لولا أن “لي” أسرع وتلقفها.
-” شكراً يا فتى لأنك أخرجتني من البيت. ربما يحسن بنا أن نعود الآن. أنا متعبٌ، متعبٌ جداً ”
وضاقت حنجرة الغلام:
-” لقد كدنا نصل يا جدي. يمكنك أن ترى المستنقع ”
-” لم يعد في الدنيا من نعّاب” غمغم العجوز متذمراً ” رحلت كلها الى الجنوب”
مال “لي” بالفرس عن الطريق الذي عرته آثار العجلات وأوقف العربة تحت ساتر من أشجار الحور، ثم ساعد العجوز على الترجل ودس يده تحت ذراعه.
-”هيا يا جدي” قال “لي” وهو يستحثه “سوف ننجح في الوصول”
وتقدما على مهلٍ من وراء الساتر الجرفي نحو العشب المرتفع الذي يطوق حافات المستنقع. بهرت الشمس عينيهما لكن هواءً بارداً هب من فوق الماء حاملاً معه الرائحة الزنخة للماء الراكد والطين الذي غطته أملاح المعادن.
وتوقف الجد وهو ينوء تحت معطفه الكبير، وتشكى وهو يكاد يبكي:
-” ماذا تفعل بي يا فتى؟”.. تعرف ما قالته “إيلين”: لا يفترض بي أن أخرج دون رفقتها ”
-” انحنِ يا جدي. انحنِ ! ”
وارتمى العجوز على ركبتيه ويديه، وعلا صوته في صرير جنوني حاد:
-” أين هو يا ولد؟ أين هو؟”
-” تعال. إنني أرى رأسه ”
وتحرك شيء في العشب المرتفع. ومرت ثوانٍ مرتعشة ظل الفتى فيها مستلقيا دون كلام أو حراك. ثم انتفض كأنه عاد الى الحياة وقفز مستويا على قدميه وصاح في صوتٍ هائجٍ:
- ” أنظر يا جدي. أنظر! ”
واستدار ليمسك بجده، لكن الأخير كان قد نهض بالفعل، وأخذ يحدق في الجسد الأبيض العظيم وهو يندفع بإزاء السماء الشاحبة.
- ” يا ربَّ السماء العظيم!”
خرجت الكلمات مثل صرخةٍ قاسيةٍ غريبةٍ امتزجت فيها النشوة بالألم.
- ” نعّابٌ يا فتى.. نعّاب!”
ووقفا سويةً، الشيخ والصبي، وقد لفّهما سحرٌ لا ينتمي الى هذا العالم المنبسط الرتيب الذي يحيط بهما. وارتفع الطائر العظيم في ثبات، وبدت الأطراف السوداء للجناحين مثل خيطٍ مبهم يومض فوق بياض الجسد الناصع. حلق الطائر في دائرةٍ كبيرة ثم صعّد عالياً فوق رأسيهما، ثم تسلق سريعا موغلاً في السماء القصيّة، وطوال دقيقةٍ أو أكثر بدا كأنه يتدلى دون حراك من الفضاء الخارج عن تخوم العالم، وأخيراٍ خبا البياض وذاب في شحوب السماء … واختفى الطائر.
كانت أصابع العجوز تشد بقوة على ذراع الصبي. وتفجرت الصيحة المحشرجة ثانيةً من بين شفتيه.
_ ” يا ربّ السماء العظيم! ” كانت تلكم الصرخة مزيجاً من الجذل والصلاة، خبا بعدها الضوء في عينيه… ثم انطفأ.
- ” لقد رحل الى الجنوب ”
قال الجد. وتدلت أكتافه، وحاول أن يشد معطفه العظيم الى جسده المنكمش.” إنها تجيء في الليل فتسمع لها صوتاً كمثل الرعد، وتظلم السماء.. وهناك المسيسبي من تحت.. ورائحة البحر التي تأتيك قادمة من مائة ميل…”
***
رافقت أم “لي” ابنها حتى الباب وقالت له ” إنه يهذي ” وكانت الدموع تترقرق في عينيها وفي صوتها.. ” إنه مريض جداً… لم يكن عليك أن…”
وتمالكت نفسها على الفور وهمست له “أخبر أباك أن يأتي بالطبيب حالاً.. أخبره أن يرسله حالما يلقاه. ”
وانطلق “لي” يهبط السلالم، هارباً من الحجرة المعتمة التي تتراقص فيها الظلال حيث لا يكسر الصمت الثقيل غير تنفس الجد المضطرب العنيف وما يدمدم من كلمات.
كان الجد مريضاً- مريضاً للغاية، حتى لم يعد قادراً على رفع رأسه من الوسادة، وبدا كأنه لم يعد يبصر شيئاً. لكنه لم يكن يخرّف. لقد كان يعي تماماً ما يقول. كل ما في الأمر إن “لي” هو الوحيد الذي يفهم ما يعنيه. لم يكن الفتى نادماً على ما بدر منه؛ لقد كان سعيداً لأن الجد قد رأى النعّاب، برغم ما حصل.
- ” كان يجب أن يراه ” قال لوالده في إصرار ” كان يجب أن يفعل ”
أومأ الأب برأسه موافقاً من وراء الجريدة التي يتظاهر بقراءتها.
- ” أعرف يا بنيّ ” وأردف وفي صوته نبرة ألمٍ غريبةٍ غير مفهومة ” أتمنى لو كنتُ معكما ”
غطّ “لي” في النوم وهو على الأريكة، وحين استيقظ بعد وقتٍ طويل اكتشف أنه وحيدٌ في غرفة المعيشة. كان المصباح الزيتي يرسل ضوءه الخافت من فوق المنضدة. نهض، وتيقظ من فوره، فبدا له البيت غريباً موحشاً. وسكنت الأصوات التي أقلقته حتى في نومه.
كان كل شيء يوحي بأن أمراً ما قد حدث. نزلت الأم السلالم في خطى هادئات. كان وجهها جامداً رزيناً فأدرك على الفور ما جاءت تقول. داعبت شعره بأصابعها لتُشعره بأن ما فعل لم يعد مهماً.
- ” لقد مات الجد ”
قالت له وغصت بالعبرات فأشاحت وجهها عنه. ولفتهما لحظات من الألم الممض. لم يتحمل سماع بكاء أمه، لكنه حين تكلم أخيراً اندفعت الكلمات من حنجرته واضحة منتصرة :
- ” لقد رحل الى الجنوب! “

(1) كاتب كندي ، من أصل ايرلندي ، ولد عام 1907 ودرس في إنكلترا وكندا. عمل أستاذا للأدب الإنكليزي وكتب العديد من الروايات والقصص والكتب النقدية.
(2) الغرنوق النعاب Whooping Crane طائر كبير الحجم من فصيلة الغرانيق (الكراكي) يعيش في كندا وشمالي أمريكا ويهاجر صيفا الى الجنوب نحو تكساس وخليج المكسيك في رحلة تستغرق 2500 ميلاً. كان موشكاً على الانقراض لكن العلماء نجحوا في زيادة أعداده الى حد ما. أكثر ما يميزه ارتفاعه الكبير وعرض جناحيه البيضاوين واللطخة السوداء في طرفيهما ورقصة التزاوج الجميلة، له صوت مميز ومرتفع جداً.



#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)       Majid_Alhydar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب.. والشاعر الانكليزي ال ...
- عادات القراءة وممارسات الكتابة في بيئة الكترونية
- موت في دلهي-قصة مترجمة
- مساء الخير يا صديق-شعر
- أغنيات خالدات-الحلقة الرابعة عشرة-كوكوش.. طفلة الشرق وسحره ا ...
- حميد حسن جعفر-ناجون بالمصادفة وقوة الاختلاف
- يومٌ في حياة السيد حسن عبد الله-قصة طويلة
- في انتظار ابن ملجم
- بيتي حيث أنتِ
- حكاية قديمة
- د. ه. لورنس.. شاعراً !
- أغنية صغيرة.... لشهيدٍ صغير
- حديقة الجنون
- أغنيات خالدات - بوب ديلان
- أين الديناصور يا سيادة رئيس الوزراء
- رسالة إلى.. أنا.. قبل أربعين !
- الخطاب الأخير لفرس النهر الساذج العجوز
- نداء الى الشبيبة العراقية الواعية
- أحسُّ بالخجل
- الوصايا


المزيد.....




- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - الغرانيق تحلق جنوباً-قصة مترجمة