أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هلال مبارك الجبوري - رجل قتله الزمن والوطن قصة قصيرة















المزيد.....

رجل قتله الزمن والوطن قصة قصيرة


محمد هلال مبارك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 3412 - 2011 / 6 / 30 - 12:07
المحور: الادب والفن
    


((رجل قتله الزمن والوطن )) قصة قصيرة





حاولت بكل جهدي ان اشق طريقي وسط هذا الزحام وهذا الضجيج ..الضجيج في المدينة يبعدك عن تأمل الأشياء أصوات الباعة الذين عرضوا بضائعهم على الأرصفة ..صفارات سيارات الشرطة التي غالبا ما تمر مسرعة والسيارات التي تملأ شوارع المدينة تزحف مثل أسراب الحشرات ,لاحظت ان بدلتي ذات اللون الأزرق الغامق قد تلطخت بالأتربة لا ادري متى وكيف تلطخت أحمل بيدي كيسا ً ورقيا ً فيه اوراق رسمية صار هو الآخر عبئا ً عليا حملهٌ أحاول الوصول الى المحلات التي تبيع النظارات الطبية في شارع نينوى كنت قد بدأت أشكو من عيوني عند القراءة ..عيون الناس التي تلتقي صدفة ترسم صورا ً للخوف هذا الخوف الذي ورثناهٌ جيلا ً بعد جيل حتى أدمنته نفوسنا أصبحنا نخاف من كل شيء ,فكرت داخل نفسي في هذه المنطقة حدثت اغتيالات كثيرة بمسدسات كاتمة للصوت ,قد يغتالني احد أشباح الموت قد يتوهمون بي على إني شخصا ً آخر لأنهم ببساطة لن يسألونني عن هويتي ولن يسألونني عن آخر أمنية قبل ان أغادر الحياة سيجعلون موتي سريعا ً وصامتا ً وتسقط جثة بعد ذلك تصير رقما ً في نشرات الأخبار ,أعوذ بالله من هذه الأفكار .يرن جرس الهاتف ليعلن عن وصول رسالة ..اها إنها من دولة خليجية فتاة أحببتها ولكنها عشقتني الى حد الجنون وقبل ذلك هي عاشقة لبلدي العراق عرفتها عن طريق الانترنيت ذات مستوى عال ِ من الثقافة شغوفة لمعرفة كل شيء عن بلدي تطلب مني في الرسالة ان اصف لها المدينة لأني كنت قد أخبرتها سلفا ً عن رحلتي هذه ..هززت رأسي ترى مالذي يمكن ان اكتبهٌ لها!!كنت أود ان أقول لها كلمة واحدة هي إني احبكِ ولكن الكلمة غاصت في أعماقي وتبعثرت مع هذه الفوضى .أرجعت المحمول الى جيبي لا وقت لدي الآن كي أرد عليها .عواصف من الخوف ترقص بجنون داخل نفسي هاجس الموت حاصرني من كل جانب ,انتحاري بحزام ناسف ,سيارة مفخخة ,أو طلقات مذعورة من قوات الاحتلال التي تمر بمسيرة نظامية وبمسافات محددة بين كل عربة وعربة وفوهات بنادقهم الرشاشة تدور لترسم خطوطا ً وهمية بينها وبين الرؤوس العالقة في هذا الزحام .للموت مشاريع كثيرة انه يسير معنا يلازمنا كظلنا وليس لدينا الخيار خياراتنا تتناقص كلما مر علينا الزمن !!طائرات الاحتلال تكثر من عويلها في السماء وعلى الأرض الخوف ,الموت , البشر .أكملت سيري وقد اصدم جسدي بعشرات الأجساد المتعبة والمتعرقة التي تفوح منها رائحة الانكسار والانهزام ,فكرت داخل نفسي ان هذه الجموع الهائلة من البشر تحتاج الى حرب أخرى وأخرى الى أمراض أوبئة أي شيء للتخلص منها لأنها لم تعد تجدي نفعا ًسوى أنهم عبثوا بمقدرات الطبيعة وخربوا الأرض بنزواتهم بدلا ً من أعمارها .من الصعب جدا ً ان تصل الى المكان الذي تريدهٌ آلاف من السيقان التي تسير بلا وعي وهي تحمل أجسادا ً مرهقة تبحث عن نفسها لتجد لها موطئ قدم على درب الحياة الأبدي ,وجوه خائفة قد أدمنت لعبة الاختفاء من الموت لكنه دائما هو الفائز في النهاية يأتينا بطرق جديدة وبأشكال مختلفة .بصقت على نفسي من الداخل مالذي جعلني ان أفكر ان اشتري تلك العوينات اللعينة لم أكن احتاج إليها لدرجة أني أغامر بحياتي من اجلها ابتسمت بسخرية فيما لو استضافني الموت ستكون تلك العوينات حديثا ً شيقا ً يتهامس به الرجال وهو يشيعون جثماني الى المقبرة سيجدون مئة سبب لموتي!!. أجساد المارة ,رائحة العرق المنبعثة منها وعطور النسوة والتي أكثرهن موشحات بالسواد !!والأتربة والمياه الآسنة التي تغطي شوارع المدينة كل هذه عليك تجاهلها أو ان تكون جزء منها لتصل الى هدفك عليك ان تكون في النهاية جزء من هذه الفوضى سيارات الشرطة لاتنفك تطلق العنان لأبواقها معلنة أن هذا العالم لن يهدأ أبدا ً.بعد جهد جهيد وصلت الى المحل الذي يبيع العوينات الطبية كان المحل مقسوم الى قسمين في القسم الأمامي يعرض النظارات الشمسية ,كان يقف فيه شاب بعد ان ألقيت عليه التحية سألني عن طلبي قلت له أريد ان اجري فحصا ً لعيوني أشار أليا بالدخول الى القسم الخلفي وكان فيه رجل ذو شعر ابيض يبعث على الارتياح وكان قد فرغ لتوه من صلاة الظهر أجلسني على الكرسي بعد ان ألقيت التحية وردها بتثاقل كعادة أهل هذه المدينة!!الكرسي في جنبه الأيسر بعض المعدات الطبية والتي تبدو من الطراز القديم توقعت ان يبدأ بطرح الأسئلة ولكنه في الحقيقة لم يتكلم أبدا ً اعتقد انه مل تكرار نفس الأسئلة ليكتفي فقط بما تقول له أجهزة الفحص .كان الجهاز عبارة عن منظار ذات أطر معدنية معلقة بعتلتهِ,سحب العتلة وصارت العوينات أمام عيني رأيت في داخل الجهاز منظر مرسوم بألوان براقة توقعت أن يسألني هذه المرة ولكنه أيضا ضل صامتا ًبيد إني سمعت صوت ضغط أصابعه على زر الفحص الذي كان موجودا ًعلى الجهاز,سحب العتلة ووضع أمام عيني صندوقا ً زجاجيا ً ذو حافات معدنية لكنه هذه المرة سألني عن الحروف التي كتبت وكيف أراها كانت إجاباتي مختصرة ..ضباب..صافية..كلش زين,سحب قصاصة ورق صغيرة وكتب عليها أرقاما ً باللغة الإنكليزية قال لي وهو يستدير ليجلس على كرسيه تحتاج الى عوينات للقراءة فقط عند درجة وربع الدرجة..لا ادري شعرت بالارتياح عندما عرفت أني استحق عوينات للقراءة إنها تعطي جمالية ووقارا ً للشخص حتى أصبحت موضة .خرجت الى الشاب فنظر الى قصاصة الورق وبسرعة اخرج علبة بلاستيكية أنيقة فتحها وأخرج واخرج منها العوينات التي لائمني وعلمني كيف ومتى ارتديها سألته عن ثمنها قال ستة ألاف دينار لم أتعود ان أجادل في ثمن أي سلعة اشتريها فكيف إذا كانت عوينات طبية قلت له أريد معها نظارات شمسية عرض عليا ماعنده واخترت واحدة ودفعت ثمن الاثنين عشرة ألاف دينار. خرجت مسرعا ً لأسلك نفس الطريق ولكن هذه المرة ارتدي نظاراتي الشمسية وامسك بيد علبة العوينات الطبية وفي اليد الأخرى كيسا ً ورقي .عادت عواصف الخوف تضرب رأسي من جديد ليصبح ثقيلا ً حتى ذات اللون الأزرق الغامق هي الأخرى أصبحت ثقيلة .مرآب السيارات هو هدفي الآن ,هناك سيارات ولكن الناس الذين يريدون الخروج من المدينة والعودة الى القرى والأرياف قليلون عندما تحتاج الناس لاتجدهم!! الخوف ..الخوف في كل مكان ومن كل شيء حتى من السيارة التي ستقلك الى بيتك يالهذا الموروث الذي لم ولن ينضب أبدا ً ..أصوات الباعة تتعالى لعرض بضائعهم كنت أود التوقف عند بعض الأشياء أتفحصها وقد اشتريها ولكن ان تخرج من المدينة الآن أفضل من ان تخرج بعد ساعة فلا تدري مالذي سيحصل بعد ذلك ,كل شيء متوقع حزام ناسف سيارة مفخخة ان لم تنهي حياتك قد تعيقك مدى الحياة أو قد تأتي قوات الاحتلال تغلق الطرق دون سابق إنذار لينزل جنودهم الى الشوارع مدججين بالسلاح يراقبون الناس بحذر شديد ,حاولت الإسراع والانزلاق من بين أجساد المارة والتي اشعر ان أعدادها تتزايد كل لحظة .ياالهي اشعر ان نارا ً اشتعلت داخل قلبي ..أه وضعت يدي على صدري النار أصبحت بركانا ً يقذف بحممهِ داخل هذا التجويف ..كل هذا الفضاء الواسع تكور ليكون على شكل بالون صغير لم يعد الأوكسجين مباحا ًكما عرفته كل شيء بدأ يتلاشى ويصغر ..أين ذهب كل هذا الضجيج ؟ أبواق السيارات ..عويل الطائرات ..أصوات الباعة كلها بدأت تخفت رويدا ً رويدا معلنة انسحابها بشكل ببطيء ثقي ..أجساد المارة صارت أشباحا ً تتراقص أمام عيني في عالم غير الذي إنا فيه ..لقد توقف كل شيء ..ركض الناس تعالت أصواتهم ,فكو ربطة عنقه صاح احد الرجال تسابقت أيادي كثيرة الى الجسد المدد على الأرض تلطخت البدلة بالأتربة والمياه الأسنة التي تغطي شوارع المدينة وضع رجل آخر على قلب الرجل المدد بعد أن فك أزرار قميصهِ من الواضح انه له خبرة ً في هذا المجال بعد لحظات رفع رأسه ليقول للجموع التي احتشدت والتي وقفت مشدوهه ان القلب قد توقف ,معلنا ً بذلك أولى صور الموت لاحول ولا قوة إلا بالله قالها شيخ كبير وانسحب ببطيء فيما تطوع رجل آخر ليلملم أشياء قد تبعثرت حول الجسد المدد على الأرض نظارات شمسية مكسورة,وعلبة أنيقة,وكيس ورقي ,تفرق الناس وجاء أناس آخرون ليحملقوا مليا ًفي الجسد المدد فيما عاد الضجيج من جديد يملأ أجواء المدينة معلنا ًبدايات الأشياء00000



#محمد_هلال_مبارك_الجبوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحطه


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هلال مبارك الجبوري - رجل قتله الزمن والوطن قصة قصيرة