أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هلال مبارك الجبوري - المحطه















المزيد.....

المحطه


محمد هلال مبارك الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 3389 - 2011 / 6 / 7 - 09:21
المحور: الادب والفن
    


(( المحطة )) قصة قصيرة
هلال مبارك الجبوري

البريد الإلكتروني [email protected]



كم كنت أود أن يكون القدر والصدفة في صفي في هذه اللحظات وأنا انظر الى تلك ألسيده بقوامها الممشوق وشعرها الذهبي وبشرتها التي تضج بالحياة وتلمع كثلوج أوربا ,كانت تحمل في يدها حقيبتين كبيرتين نسبيا ًواضح أنها آتية من سفرة بعيده ,من الممكن جدا ًأن احضى بصداقتها ولم َ لا وأنا في أوربا بلاد العجائب والألوان والنساء الجميلات , لا أدري لماذا احتلت تفكيري وهي تسير أمامي مثل غزال , حاولت أن أسرع في مشٍٍِّي قليلا ً لأني توقعت أنها ستقطع تذكرة سفر من محطة القطار التي نحن بداخلها وضعت يدي في جيبي كي أقيهن البرد القارص في بلد لم ترتفع درجة حرارته أكثر من عشر درجات ,توقفت تلك السيدة في الصف المنتظم لقطع التذاكر بعد أن وضعت حقائبها جانبا وابتسمتُ داخل نفسي لأنني أعتقد أني سأحقق حلما ًولد لتوه ِ وقفت ورائها مباشرة كنت أشم عطرها الأنثوي الهادئ مثل نسائم الربيع ,عطرٌ كله عذوبة واناقه يعبق خياشيمي كلما تحرك رأسها أو اهتز جسدها, اليوم سأتبط خصرك وأداعب شعرك الذهبي وسأتذوق حلاوة شفاهك, اليوم سيسجل أحد رجالات الشرق انتصارا ً عليكم أيها الغربيون لا بد وأن نحقق عليكم أي انتصار ومهما كان نوعهُ انتصارا ًيجعلكم تشعرون بوجودنا ولدينا مقومات النصر وأدواته!! , وصلت ألسيده ذات الشعر الأشقر الى الموظفة التي تقوم بقطع التذاكر وهي تجلس خلف زجاج شفاف وأنا بعدها مباشرة ً وهذا هو المهم ! انظر الى قوامها وهي تنحني لمخاطبة الموظفة كنتٌ انظر إليها بتمعن وأفكر داخل نفسي ,ستقعين في مصيدتي ..كل شيء من الممكن أن نخسره إلا النساء لن تتفوقون علينا نحن الشرقيون لأننا نعرفٌ كيف نلهب مشاعر نسائكم بالكلمات الحلوة المنمقة التي أضعتموها أنتم بين حواسيبكم وحقائبكم الثمينة ونظريات الاقتصاد والتي سحقت روح الإنسان 0طال الحديث بينها وبين موظفة التذاكر ولكني لم أجرؤ أن اقترب أكثر كي أنصت لحديثهما ,لكن كلما طال الحديث أكثر كنت ارقب جانب وجهها يزداد حمرة وتوترا ً.هناك مشكلة ولكن ما هي لا ادري !بعد برهة تنحت جانيا ًدون ان تقطع التذكرة لتترك لي المجال انحنيت برأسي على موظفة التذاكر سلمت عليها ومددت يدي لأعطيها ثمن التذكرة وبكل أدب وهدوء سألتها هل من مشكلة مع هذه السيدة ؟أجابتني وهي ترمقني بطرف عينها نعم هي لا تملك ثمن التذكرة كاملة ً وإذا لم تدفع المال الكافي فلا يمكنها ان تقطع التذكرة أو حتى الانتظار في الصالة لأن الصالة خصصت للذين يملكون تذكرة القطار ولكنها لا تريد ان تفهم ذلك قالتها ونظرت إليها بازدراء سألتها على عجل كم ينقصها كي يكتمل ثمن البطاقة قالت يورو واحد وهنا انفرجت أساريري واهتز جسدي فرحا ً ونشوة أحيانا ً الصدفة تجلب لك اكبر المكاسب مقابل أشياء قد تكون تافهة وبسرعة استدرت نحو فاتنتي وقبل أن يستجد أي شيء آخر أشرت لها بيدي أن تأتي ملوحا ًلها بورقة اليورو اقتربت مني قلت لها أقطعي تذكرتك ياسيدتي أخذت مني ورقة اليورو دون ان تنطق بأي كلمة وقطعت التذكرة ووقفت انتظر كلمات الشكر والامتنان منها وهيأت الأجوبة المناسبة التي تجعلني احكم السيطرة على هذا الصيد الثمين في هذه اللحظة وصل القطار وبدل من ان اسمع الكلمات التي كنت انتظرها استدارت نحوي وأشارت أليا ان احمل حقائبها , حملت الحقائب ومشيت ورائها صامتا ًوصعدنا إحدى عربات

القطار. إنها أوربا بلاد العجائب والغرائب والحسناوات والمساحات الخضراء النظرة والعمارات التي تعانق السحب البيضاء التي تتراقص في سمائهم وحركات أجساد المارة السريعة كل هذه الصور كنت ارقبها من شباك عربة القطار كلما ركبته لكن هذه المرة السيدة ذات الشعر الأشقر أصرّت أن تجلس هي بجانب النافذة وجلست أنا بجانبها .تحرك القطار وكلما تقدم اكثر ازدادت سرعته أكثر .جلسنا صامتين وضعت يدي تحت أبطي وأنا انظر الى الأمام ولازلت انتظر منها أي كلمة تقولها لي .مرت دقائق ثقيلة كنت ارقبها بطرف عيني كانت تنظر آليا منذ ان تحرك القطار ولم ترفع عينها عن وجهي ,حاولت أن أقرأ أفكارها ترى مالذي يدور في رأسها الآن أعتقد إنها تمعن النظر في ملامحي الشرقية ولم لا ؟هم دائما ً يحبون التغيير ,رجل ذو شعر اسود ولحية كثة أنها الآن تمني نفسها بحرارة جسدي ودفيء يدي وحلاوة كلماتي التي تفجر فيها أنوثتها الباردة ولكني مع ذلك كنت انتظر ولو كلمة واحدة تنطق بها .بعد وقت ليس بالقصير تكلمت

كيف أرد لك اليورو؟أجبتها وأنا انظر إليها مبتسما ً ليس مهما ً أن ترديه انه مبلغ بسيط

أجابتني لكني اصر ّ على ان أرده لك ,قلت لها وأنا اعتدل في جلستي مادمتِ تصرين رديه أليا بالطريقة التي تعجبك!! قالت وهي تبتسم ما رأيك أن تبتاع مني حكمة ثمنها يورو واحد

قلت لها فكرة جيدة قولي لي ما هي الحكمة ,أجابتني وهي ترفع حاجبيها لن أقولها حتى تعطيني يورو آخر مددت يدي في جيبي وأخرجت يورو ولكن تملكني شعور في تلك اللحظة إنني وقعت في شرك امرأة تعتاش على جمالها قالت وهي تأخذ مني اليورو

أتعلم لماذا كنت انظر إليك طيلة هذه الفترة؟أجبتها بالنفي ثم أكملت كنت اختبر صبرك وأعتقد أنك نجحت في الاختبار ثم اعتدلت في جلستها واستطردت قائلة ً,أتعلم كم نهدر يوميا ً من وقتنا دون أن نستفاد منه ماذا لو نقتطع جزء من هذا الوقت المهدور؟ دقائق قليلة قبل ان نتخذ أي قرار, هناك أمور كثيرة نتعرض لها يوميا تحتاج منا الى قرارات قد تكون صغيرة ولكن بالتأكيد تحتاج الى وقفة قبل ان نتخذها علينا ان نفكر قبل ان نخطو أي خطوة قد تدفعنا الى أشياء لم نحسب لها أي حساب سكتت قليلا ً ثم أردفت هل لديك هاتف محمول ؟أنا املك المحمول ولكني لا املك الرصيد الكافي أريد ان اتصل بعائلتي وأعطيتها المحمول وأنا اشعر ان العالم كله يسخر مني ,من هذا المغفل القادم من الشرق الذي يحمل في يده سيفا ً من خشب ليحقق انتصاراته ِ الوهمية التي لا تتواجد إلا في رأسه ِ المنخور بالشعارات الرنانة والأوهام والأحلام المقتولة مسبقا ً .تكلمت مع عائلتها ثم أرجعته أليا .وضعت المحمول في جيبي وأنا اشعر إنني اصغر لحظة بلحظة وإنني بعد فترة سأتلاشى في مقعدي.

نظرت الى الأمام وأنا أتمنى ان يمر الوقت بسرعة كي أخرج بأقل الخسائر المعنوية .

توقف القطار في إحدى المحطات وحملت حقائبها دون حتى ان تودعني أصبت بالذهول كنت ابحث عن سبب واحد يبرر كل تصرفاتها .أيمكن ان تكون تلك الحكمة التي قالتها بكل هذه الأهمية التي أولتها لها ,أيعقل ان تكون مثل هذه القرارات الصغيرة التي قد نتخذها في اليوم عشرات المرات هي من جعلتنا نكون في نهاية الركب ؟هل يمكن ان تكون مثل هذه التفا هات

الصغيرة والتي نعتبرها من صلب أخلاقياتنا هي من جعلت بلداننا تغرق في بحار من التخلف والجهل . عزمت على النزول في المحطة القادمة لأقصد اقرب مقهى ارتشف فيه فنجان من القهوة وأشعل سيجارة لعلي أنسى تفاصيل هذه الرحلة .بينما كنت أفكر في ذلك وقبل ان أصل المحطة القادمة رن جرس الهاتف نظرت الى الرقم المتصل لم يكن مسجلا ً عندي أجبت,نعم وإذا هي نفس السيدة التي كانت تجلس بجانبي قبل وقت قصير والتي كانت تلعب معي لعبة الكلمات ,تكلمت مرة ًثانية وأكملت لعبتها وبثقة أكثر وبعبارات سريعة

أحب ان أقدم لك نفسي أنا أستاذة علم النفس في جامعة.....و ان كنت تفكر ان تحضى بصداقتي فأنا امرأة متزوجة وأنا الآن أقف بجانب زوجي الذي هو لازال شابا ًولا اعتقد انه سيمرض أو يموت لعدة سنوات!! ولدي طفلان جميلان يجلسان في أحضاني وعلى فكرة المحمول الذي املكه كان في رصيداً كافيا ً يجعلني اتصل بعائلتي ولكني أردت ان اعرف رقمك ثم ودعتني بضحكة وأنهت المكالمة .ازداد وجهي حمرة ًوشعرت أني صغير جدا ًأصغر من نملة لازمني شعور غريب لم اشعر به منذ دخولي الى هذا البلد مهاجرا ً ان الملابس التي ارتديها لم تغيّر من سمرة جلدي وان كل ضباب أوربا وإمطارها وثلوجها لم تزيح عني غبار الصحراء ورمالها وان العالم لازال يسخر مني .رن الهاتف المحمول مرة ً ثانية ولكن هذه المرة وصلتني رسالة فتحت الرسالة ,لقد استلمت 10 يورو من ....كل الذي شعرت بهِ في تلك اللحظة برودة ًتسري داخل جسدي وضعت هاتفي داخل جيبي وألصقت خدي على نافذة القطار وراحت عيناي ترقب المدينة التي تزخر بألوان الحياة................ انتهت



#محمد_هلال_مبارك_الجبوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هلال مبارك الجبوري - المحطه