أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل حسن الدليمي - زفرات شيخ: حكمت شبّر بين جمود الطبيعة وحركيتها















المزيد.....

زفرات شيخ: حكمت شبّر بين جمود الطبيعة وحركيتها


كامل حسن الدليمي

الحوار المتمدن-العدد: 3408 - 2011 / 6 / 26 - 12:34
المحور: الادب والفن
    


القصائد لا توهن آخر العمر


يشكل العنوان في النصوص الإبداعية كلها جزءا لا ينفصل عن النص وفي بعض الأحيان هو ثيمة النص يشير إلي المضمون أو يتطابق معه بيد انه يتعارض في النصوص الشعرية التي تتصدي لأكثر من غرض شعري محدثا خلا في المعني وابتعاده عن المضمون وهذا ما نلمسه في المجموعة التي بين أيدينا فعنوانها" زفرات شيخ " في الوقت الذي يذهب فيه الدكتور حكمت شبر لملاعب الشباب يمزج بين أجواء الطفولة وعنفوانه وتارة يتغزل بالمرأة رمزا وحقيقة ، ويبدو ان الرجل قد اجتهد كثيرا في اختيار "عنونة المجموعة" لكنها ابتعدت بعض الشيء عن مضامين بعض النصوص ورغم ان المجموعة تنبأ المتلقي إن هذا المنتج الإبداعي في اغلب الظن لرجل في العقد السبعيني لاسيما وانه قد قال في العنوان ما يريد قوله وعند الإيغال في القراءة نلمس تقاطع العنوان مع بعض ماجاء في القصائد محدثا علاقة شبه مفككة بينهما، فللنص الأول وشيجة تطابق مع العنوان والنص الثاني يقترب في بعض الأبيات أما بقية النصوص فموضوعاتها تختلف نسبيا في القرب أو البعد عنه، ومهما يكن فقد رمز الشاعر للمرحلة العمرية مصرا علي أشعار المتلقي بواقعه الذي يعيش وقد يكون النصين الأولين قد كتبا في ظروف معينة وفي الاستهلال تطالعنا (زفرات الشيخ) والتي تترجم شعورا بالشيخوخة وإيغالا في اليأس فيقول
وعمر جاوز السبعين عنه الحــــــب يبتعدُ
كشلو تاه في الصـحراء حيث الماء يفتقدُ.
ولم يستغرق كثيرا في الرمزية بل راح في عبارات منفتحة يقول ان العمر قد عبر السبعين وفي السبعين يشعر المرء في ضعف أجهزته الجسمية وإحساسه بجمالية الزمكان ويفتقر للكثير من حيوية الشباب ومشاكساته، وربما كان الدكتور شبر من الشعراء القلائل الذين انفتحوا علي الواقع وصرحوا عن المرحلة العمرية وهذه تعد في بعض الأحيان مباشرة في النص الشعري وهي ترجمة لما يعتمل في نفسه الغاية منها الوقوف مع المتلقي علي خط مستقيم واحد،فهو يصف نفسه كمن التهمته الصحراء وليس الصحراء كالواحة الغناء فلنتابعه وهو يواصل بأسلوب استرجاعي أمنياته بالعودة إلي ما فات من العمر قائلا
ألا من يرجع الأيام تلك مذاقها الشهد
ثم يصف مافات قائلا :
ربيع العمر بركان بلهب الحب يتقد
وهذه الصورة من الصور البديهية التي تترجم فورة الشباب كمرحلة حيويه من خلال قدرته علي ممارسة لأنشطة الحياتية المختلفة بصورة طبيعية غير آبه بما يمر من الوقت فهو مكتمل الاحاسيس والمشاعر بل يتصيد من اللحظات اجملها وهذه القدرة موكولة بمرحلة تتناقص مع تقدم السن فليس للشاعر ان ينهل من لذائذ الهوي وهو يتعدي عقده السابع ثم ينتقل إلي صورة أكثر قتامه وسوداوية في الجزء الثاني من النص ومن خلال قوله :
زمان العشق قد أغفي
فحل محله النكد
وجف العود من هجر
اضر بروحي السهد
ويذوي القلب من جزي
وجيب الحب يفتد
ان دوامة الحزن التي يعيشها الشاعر مع نفسه لم تكن وليدة سنواته الحالية بل جاءت تراكم العديد من الاحباطات فيبدوا انه من الذين اثروا كسر قيود الواقع والخروج إلي فضاء أكثر حرية فيحتمل انه من الذين تركوا البلاد وتنقلوا في بلدان العالم الأخر رغم أن بطاقته تشير إلي انه ممن أكملوا دراستهم في بغداد الا أننا نعتقد انه قد عاش الغربة أكثر من عيشه في الوطن وان كان داخل حدوده الجغرافية فمن الواضح في عالمنا العربي ان المثقف يعيش غربتبن احدهما لا خيار له فيها وهي غربة الروح وغالبا ما يقسوا العالم العربي علي المثقف فيجده ندا للسياسي وعلي السياسي أخذ الحيطة والحذر منه وتجنبه بمختلف الوسائل،ومن جانب آخر وبوصفه قادرا علي التعبير عن أحاسيسه فهو يعاني الحسد وبالتالي يجد التقريع ومحاولات إقصاءه و أبراز نقاط ضعفه من الوسط العام أو من وسطه الثقافي وفي اغلب الأحيان نجد ان هذه العزلة تندرج علي جدول حياة المثقف ولا بد له من عيشها شاء أم آبي ولعل الكثير من الشعراء العرب الذين عاشوا الغربتين "غربة الروح وغربة الوطن" قد انتجوا من الشعر أجمله خصوصا فيما يتعلق بالتعبير عن اشكال الغربة ومذاقاتها وهم يختلفون قطعا من الذي وجد نفسه بين أحضان السلطة ترعاه علي أكمل وجه وتجعله متصدرا للمحافل ومبجلا لدي المجتمع ولم يمر في خانق من الخوانق التي تدعوه للشعور بالغربة الروحية وكم من شاعر عاش ومات علي الهامش فلم يكن لمنتجه وزن في المحافل في الوقت الذي نجد انه من ابلغ وأجمل من منتج لأخر عاش في كنف السياسي، وهؤلاء دائما يعيشون خلف الكواليس لأنهم ما ارتضوا لأنفسهم الاصطفاف بصف السلطة السياسية وتبجيل الحكام والتغني بأمجادهم الزائفة وهم ما نطلق عليهم اليوم بـ (المغمورين) وبعد فوات الأوان نجد ان النقاد ينبرون لمنتجهم فيسلطون ضوءا خافتا عليه من باب الاستذكار وليس من باب الدراسة التفصيلية كما يفعلون مع أبناء السلطة وبالعودة الي شاعرنا يبدو ومن خلال نصه انه قد خاض التجربتين والغربتين قد جمعهما في أناء رشف منه الكثير وربما يحيلنا هذا الي ان ما دعاه الي عنونة نصوصه في اغلب الاحيان بعناوين دالة علي اليأس من أي بارقة امل في هذه الحياة وكأنه قد عقد العزل علي السفر بل يخيل لي ان شبر قد رثي نفسه بنفسه فهو القائل في نص (نفحات الخريف)
وتجمعت سحب تظلل بيتنا
وتدفق المطر الغزير وسالا
أصفاد تموز تطوق جيدنا
فأتي الخريف يحطم الاغلالا
لسعاته أنياب أفعي ترتوي
بدمائنا وتمزق الأوصال
ولا شك فان خريفه هو غير مبتعد عن خريف العمر وفورة تموزه هي ملاعب الصبا والشباب وما مقدم الخريف الا لإسقاط ما تبقي من الأوراق الخضراء فوق سيقان شجره فهو يشعر بكل عاصفة خريفية مأزقا حقيقا يهدد وجوده ومن خلال متابعتنا لنص نفحات الخريف يصل الي بعدا سياسيا ليس جديدا علي منظومة شعرنا العربي والتي من خلالها ينتقل الشاعر في القصيدة ذاتها من غرض الي غرض اخر فمن الغرض الوجداني الذاتي الي الغرض السياسي فهو يقول
تموز ريح صرصر متفلت
لفحاته كادت تكون نبالا
تموز حل بنا بقايا لعنة
شريرة جلبت لنا الاهوالا
اوقدت في وسط الجموع
شرارة فتأججت نيرانها تتعالي
ظنوا بان خلاص شعب قادم
فتكاتفوا كتلا تروم محالا
ها انت اشعلت الظلام مجددا
فحرقت قوما اودعوك مالا
وهكذا يبدوا انه يتنقل من مقصد الي اخر من خلال تنقله من فصل الي فصل علي مدار العام معددا الاشهر فمن المطر الي العاصفة الي البرد القارص الي تموز المحرق ان التنقل في النص الواحد من غرض لاخر دليل علي ثراء النص بصور تبعا لكثافة المضمون والمقصد الذي يبغيه الشاعر ولا يشكل الانتقال بين هذه الأغراض مثلبة علي موضوعية النص وسرعان ما يتنقل الشاعر لغرض اخر من أغراض الشعر وهو الوصف من خلال خمرية الخد الذي تنبعث فيه روح الشباب لدي الشاعر فيخاطب المرأة واصفا سمراء
والخد خمري مطرز بالورد
هواك خمرة عشق سعيرها في النهود
يا فتنة وبهاءا
ونجمة في صعودي
حماك رب قدير
من عاذل وحسود
ان من يقرأ هذا النص يخيل اليه ان الشاعر لا زال غضا غريرا في ريعان شبابه يفتش عن الهوي في مخابئه القديمة وما هاج لديه كل هذه الفورة لو لا ان راي تلك السمراء فوصفها بالزهرة والبدروالشهد والخمر والطير المغرد وهذا الانتقال من اليأس التام الي الانفتاح علي الحياة بوجهها المشرق له دليل علي ان الشاعرية ليس لها محددات عمرية فقد اعطي الجواهري اجمل غزله وهو قد تجاوز السبعين من العمر وكذا فعل القباني وغيرهما من شعراء عصرنا وقد قرأنا لكثير من شعراء لم نرهم من قبل ولم نستدل علي اعمارهم وتوقعنا من خلال نصوصهم خصوصا في غرض الغزل انهم في المرحلة العمرية كذا لكن الحقيقة إنهم ليسوا كذلك بل كانوا في مرحل متقدمة من العمر وهذا هو موضع العلة في ان لدي الشاعر القدرة علي استعادة مراحله العمرية والعيش فيها متقمصا لذلك الدور وممثلا له رغم أن الحقيقة تشير إلي انه قد خرج عنه منذ زمن طويل.

شبر ومحاكاة الطبيعة :
يشكل التعامل مع الطبيعة لازمة لدي الشاعر فهو لا غني له عنها في معظم النصوص لكن التعامل مع الطبيعة يأتي من خلال وجهين لا ثالث لهما الوجه الأول أن يتعامل الشاعر بتفاؤل عام مع الطبيعة فيستهلك صورها موظفا ذلك أجمل توظيف وهذا ما يبدوا بعيدا المنال عند من يشعر بالإحباط ويلف شاعريته الحزن فعند ذاك يتحول تعامله مع الطبيعة من وجهها المتحرك إلي وجهها الجامد فهو يتناول ظواهرها وفقا لانفعالاته النفسية وما يشعر به من ظلم الحياة له تحت وطأة ظروف معينة ومن أمثلة ذلك نجد أن مؤسسي مدرسة "ابولوا" الشعرية ولعل من بين أعضائها الذين تعاملوا مع الطبيعة بجمود تام هو إبراهيم ناجي والمستعرض شعره يجد انه قد وظف الوجه الآخر للتعامل معها فهو لم يستثمر جمال الطبيعة بل ذهب إلي مفاصلها الجامدة فدونها في ثيماته الشعرية مما أضفي علي قصائده مزيجا من الحزن وبالمقابل نجد أن الشاعر نزار قباني قد انفتح كثيرا مع تعامله مع الطبيعة فوظفها أجمل توظيف فاستخرج بذلك صورا شعرية غاية في الجمال ولنضرب لذلك مثلين ثم نعود إلي شاعرنا الدكتور شبر، يقول إبراهيم ناجي :
من تطبيقات الطبيعة في شعر إبراهيم ناجي يقول:
وسمعنا صرخة في رعدها
سوط جلاد وتعذيب إله
أمَرتنا فعصينا أمرها
وأبينا الذل أن يغشي الجباه
حكم الطاغي فكنا في ألعصاه
وطردنا خلف أسوار الحياه
هنا رصد ناجي متغيرات الطبيعة والانسيابية في حركتها عبر منظومة فلكية محكمة ومقصده من ذلك انه قهر لها رغم قوله في البيت الثاني(فعصينا أمرها) يعني معاندة الطبيعة ومخالفتها في ظواهرها المتعلقة بطبيعتها المتحركة والعصيان هنا يعني التمرد علي مجريات الطبيعة والمتغيرات ممثلا (وأبينا الذل أن يغشي الجباه) أن العناد المتولد نتيجة معاندة الطبيعة يعني الإصرار علي الفعل وعدم المبالاة بما تفرضه علي الإنسان وهنا قد جسد الطبيعة المتحركة بكافة أجزائها فضلا عن انه لم يعر لها أي اهتمام رغم قسوتها.
يقول :
قلنا للنفس وقد جُزنا الوصيدا
عجّلي لا ينفع الحزم وئيدا
ودعي الهيكل شُبّت ناره
تأكل الرّكع فيه والسجودا
يتمني لي وفائي عودة
والهوي المجروح يأبي ان نعودا
لي نحو اللهب الذاكي به
لفتة العود اذا صار وقودا
في هذه الأبيات يشير ناجي إلي مسألة اليأس والسوداوية التي غالبا ما تفرض علي الشاعر نتيجة متغيرات الحياة وضغوطاتها عليه فـ (قلنا للنفس) لقد جعل إبراهيم ناجي الحوارية تدور بينه وبين النفس مؤلبا لها لشعوره باليأس من هنا يتضح ان نظرة ناجي الي الطبيعة وهي في هذه الحالة تمثل جمود الطبيعة وقصورها محولا
ذلك لصور متلاحقة من اليأس (ودعي الهيكل شبت ناره تأكل الركع فيه والسجودا) ولنجري مقارنة بسيطة علي نص شبّر وهو يقول :
ضغط الزمان بمنكبيه وجارا فتجاوزت ضرباته الاقدارا....ص100
الاعتراف بفائقية قوة الزمان علي القدر وتلك مزاوجة بين القدر بتفاصيله والزمان الذي يشكل لدي الشاعر ابعادا فلسفية معينة فهو بتقسيماته الفرعية يبدأ من اللحظة فالدقيقة فالساعة فاليوم.... وهكذا تضيع لحظة الانفعال فتشكل زمنا محسوسا لدي الشاعر وحده ويمكن القول ان الزمن العام اللامتناهي والزمن الخاص الانفعالي يشكل نسبة التعامل بين الطبيعي الحركي والطبيعي الجامد.
وبالعودة الي ابراهيم ناجي فان مزاوجة اليأس مع ما تفرزه الطبيعة والنظر اليها بنظرة تشاؤمية منحته قدرة علي خلق صور عاجة بالحزن وهذه الصور ممثلة بعدم جدوي الركوع او السجود وهذا منتهي اليأس والسوداوية واذا ما عرفنا ان الطبيعة تمثل للشاعر فضاءه الرحب الذي ينطلق من خلاله لتصوير حالته وانفعالاته النفسية ومتغيرات سلوكه مع مجريات الحياة فانه قد جمد من خلال هذه الابيات وبشكل مطلق الطبيعة حتي غدت كالجسد المحترق وهذا قمة موت الطبيعة او جمودها. يقول ابراهيم :
هل أنت سامعة أنيني
يا غاية القلب الحزين
يا قبلة الحب الخفي
وكعبة الأمل الدفين
إني ذكرتك باكياً
والأفق مغبرُّ الجبين
والشمس تبدو وهي تغـ
ـرب شبه دامعة العيون
و عبر هذه النظرة الرومنتيكية في قصيدته المطولة "قلب راقصة"، وفيها يصور دخوله ذات ليلة إحدي الملاهي، ورؤيته راقصة، وعيون الرواد شواخص إليها تقتحم مفاتنها، ولا تبغي منها إلا الجسد تشتريه بالمال، وقد دعاها إلي غرفته فلبت الدعوة، وجالسها، وحاورها، فرأي فيها مرآة ذاته، إذ وجدها تحمل بين جنبيها روحاً نقية معذبة، قد طهرها من الإثم الصبر والألم،بالضبط مثلما فعل شبّر في نص بعض ذكري ص113 يمكن العودة إليه،اما إبراهيم فيقول:
من أنت يا من روحها اقتربت مني وخاطب دمعها روحي
صبته في كأسي وما سكبت فيه سوي أنات مذبوح
لا تكتمي في الصدر أسراراً وتحدثي كيف الأسي شاء
أنا لا أري إثماً ولا عاراً لكن أري امرأة وبأساء
أفديك باكية وجازعة وقد لفها في ثوبه الغسق
مزج ناجي في الأبيات أعلاه بين الطبيعة المتحركة والطبيعة الجامدة فهو قبل ذلك في مستهل القصيدة (من أنت يا من روحها اقتربت مني) يمثل هذا انه في قمة السعادة والغبطة وان أسلوب النداء الذي استخدمه في هذا المقطع دالا علي ضمير المخاطب متسائلا عنها من أنت وفي المقطع الأخر (يا من روحها اقتربت مني) ولا يمكن للروح ان تقترب من روح أخري ما لم يكن هناك تقارب وألفة ومحبة ولان النظر كما سبق الحديث عن الطبيعة الجامدة إلي الأشياء بتفاؤل يمثل هذا طبيعة متحركة ويعني كما سبق الحديث أن الطبيعة الجامدة هي ان تنظر إلي الأشياء بسوداوية ونري الصور خارج إطار طبيعتها وهذا الفرق بين الطبيعة الجامدة والطبيعة المتحركة وعلي هذا الأساس فان النص أعلاه قد حمل النقيضين معا. كالنص المشار اليه في مجموعة شبر.
هذا ما تناول ابراهيم ناجي للطبيعة وقد تناولها علي ثلاثة صور الأولي : تعامل مع جمودها وهذا ما تضمنه جل شعره والصورة الثانية : والتي تعد مجرد ومضات حركية للطبيعة اما الصورة الثالثة فقد مازج بين حركية الطبيعة وجمودها. لكننا لم نجد هذا عند نزار قباني مثلا ذلك انه قد تعامل في معظم منتجه الشعري مع الطبيعة المتحركة متفاعلا معها عبر مراحل زمنية شكلت خطوط مستقيمه متماثله منفتحا علي صورها الجمالية المعبرة، موظفا إياها توظيفا دقيقا، متحكما بها غير قادرة علي ليه عن الوصول لغايته فشكل لديه عنصر الدهشة حتي في نصوصه السياسية لازمة اضفت علي شعره جمالية أخاذة، ولن أستغرق كثيرا في ذكر الشواهد الشعرية لنزار قباني لكني سأستشهد بواحدة من أجمل نصوصه السياسية الهادفة هو نص (سيرة سياف عربي) فهو في غاية الانسجام مفردة ومضمونا وصورة ووصفا
يقول :
كلما قررت ان اتركهم فاضت دموعي كغمامة
هنا شكل ضمير المتكلم بعدا عريضا في النص شامل غير محدد بشخص بعينه رغم قدرتنا علي تأويله لكننا نستطيع استخدامه لاي حالة من احوال حكام العرب، صورة غاية في الروعة موغلة بالسخرية التي غالبا ما تضحك فتشكل شر البلية ويواصل:
كلما قررت أن اتركهم فاضت دموعي كغمامة
فتوكلت علي الله وقررت أن اركب الشعب إلي يوم القيامة
فمفردة (فاضت، غمامه، اركب، قيامة) مفردات مجلجلة منها ما ينصرف إلي الطبيعة كالفيض والغمامة والقيامة مفردات يسيرة نتعامل معها في يومياتنا لكن توظيفها بهذا الاطار هو الذي شكل الصورة الابداعية المنفتحة علي غايات الشاعر ومنها فعل مازج بينهما بأسلوب ساخر وبالعودة لشاعرنا نجد انه قد تعامل مع الطبيعة علي الصور الثلاثة الذي ذكرناها سابقا فيقول ص124 :
صدحت عصافير وغني بلبل من وحي حبك يا امينه
عجب الربيع لغادة لم ترتوي منها عيونه
هنا قد تعامل مع الطبيعة بوصفها طبيعة متحركة وقد وظف وجهها المشرق لكنه سرعان ما ينتقل الي صورة أخري في نص آخر يقول : ص160
جارت عليك جموع الغدر قاتلة بكل انس بفخر القوم يلتصق
فدمرت ثمرات جل زارعها من الأوائل قوم زانهم حذق
داسوا علي أقدس الأقداس في صلف ما وفروا امرأة بالعرض قد فسقوا
وهذه الصورة في هذا النص توغل في اليأس والإحباط وهو ما يفرض علي الشاعر من خلال الواقع وبشكل عام نجد أن الشاعر قد تعامل مع الطبيعة بأسلوب ينفتح علي اليأس أكثر ما ينفتح علي الأمل ولن نستطيع من خلال هذه الاطلالة السريعة علي اصدار احكام تقييم لمنتج شاعر كبير خصوصا انه من العاملين علي الالتزام بهيكلية الشعر العربي الكلاسيكي الذي وحسب وجهة نظري المتواضعة انه معيار حقيقي للشاعر ولا بأس من الانفتاح علي التجارب الحديثة في الشعر التي قدمت روائع شعرية متكاملة، وان كانت النظرة السائدة اليوم تفيد ان الشعر العمودي من اسهل أساليب النظم وان التوقف عنده ربما يجد فيه بعض النقاد مثلبة علي الشاعر وقصورا من الاتيان بما هو جديد في الصورة والمضمون.
لقد تنوعت مجموعة الدكتور شبر تبعا لتنوع ثقافته وعمقها فبين القانون وبحور الشعر وشيجة كبيرة، وفي التنقل بين التدريس والتأليف علاقة وثيقة، وبين الاطلاع علي شعارات الساسة والواقع إحباط نفسي يتشكل عند عامة الناس فكيف وشبّر شاعر مرهف الحس يتعامل مع جمال الأشياء ويفتش عن المثالية في القول والفعل.
ولا يسعني في نهاية هذه السياحة في رياض الدكتور شبّر إلا أن أقدم شكري وأمنياتي القلبية له بالعمر المديد والمزيد من العطاء.



#كامل_حسن_الدليمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب عامر عبد زيد والمتخيل السياسي
- تثقيسيا- قراءة في أولية المتن-
- صناعة المثقف
- شاعر العرب الهولندي


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل حسن الدليمي - زفرات شيخ: حكمت شبّر بين جمود الطبيعة وحركيتها