أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد شاهين - الساعة ُ:عالمٌ مفقوءُ العين، مقطوعُ الرأس !















المزيد.....

الساعة ُ:عالمٌ مفقوءُ العين، مقطوعُ الرأس !


زياد شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 3390 - 2011 / 6 / 8 - 02:10
المحور: الادب والفن
    


الساعة ُ:عالمٌ مفقوءُ العين، مقطوعُ الرأس !

الواحدة فجراً
في الواحدة فجـراً ، طـرقٌ شــديدٌ على مدخل بيتي .
صوت: هل أنتَ موجودٌ هناك ؟ ( أي في داخل البيت )
- أنا غير موجود ! أنا غير موجود !
**الصوتُ عودُ الثقاب، مثل آنية أنيقة من زجاج صيني فخم ارتطمتْ لتوها في جدار الليل الساكن، وكان جوابي التلقائي والنافي لوجودي زجاجة طافحة بالنفط، اشتعلتْ وانفجرتْ فتصدعتْ جدرانُ الليل الباردة وآلتْ إلى الانشطار والسقوط تدريجياٌ فاقدة سيطرتها على فوضى الصمود والجلبة والضوضاء المزعجـة. لا بأس، أنا أيضا أعرف أن أكذبَ، وأن أكونَ صادقاً في كذبي، لطالما حاولتُ أن أتعلّم أساليب الكذب والرياء والزور بكل الألوان الأبيض والأسود والأحمر والبنفسجي وفوق البنفسجي، وها أنا في لحظة غير متوقعة وغير مخططة أفلح في اجتياز المحنة، المحنة خارج تأويلات الموروث الشعبي .
الواحدة وخمس دقائق فجراً
صوت : هل من أحد في الداخل؟
- لا أحد ... لا أحد ..!
**يا ناس، أنا في محنة من أمري أريد أن أتعلم فنون الكذب، أريد أن أسيطر على زمام الكذب، نار الكذب تنتشر في هشيم الفضاءات والعوالم التي تـُجغرفُ ( جغرافيا) الحياة، حياتي، حياتنا، أريدُ أن أصبح الملك الحكيم الذي شرب من البئر، وسأخرج عارياً كما تشاء يا كريستيان اندرسون، مختالاً ومزهواً بثيابي الأنيقة التصاميم، أتجول بين الناس، أتحسس جسدي واعضائي، والكلُّ يصفق مشدوهاً من ثيابي المميزة التي لا يراها أحدٌ والتي تركتها بعيداً في القصر، لا مفرّ ولا بريّة إذا أردتُ أن أبوّلَ بولاً ملكياً ، فليكن بولي علناً وواضحاً مثل الكذب وليعتقد من يشاء أن السماء تمطر وأن الملك العاري مثل الغيم لا يكذب .
الواحدة وعشر دقائق فجراً
صوت: أفِــقْ .. اصْحَ من نومك ؟!
- لا استطيع أن ......، لستُ نائماً .. لستُ ساهراً !
**الكلُّ يكذب. الحكامُ تكذب. الوزراءُ تكذب . القانونُ يكذب. الدول العظمى تكذب، الصحافة المرئية والمكتوبة تكذب. المبدئي والمثالي يكذب. الديموقراطي والشيوعي والرأسمالي يكذب. المدير المعلم المحافظ في مدرسة الحكمة يكذب يوهم طلابـه ويسحرهم بالحديث عن رحلته الترفيهية إلى عمان في الوقت الذي كان في أمستردام منهمكاً ومترفهاً في البحث والتنقيب عن مقررات ومصادر علمية بين فخذي النوافذ الزرقاء، كأن عواصمنا العربية أقل زرقة وأقل نوافذ من أمستردام ومن باريس ومن لندن: أضاع الخلافة غشُّ الوزير.... وجهلُ الأمير وفسقُ المشير، وعهرُ المدير .
الواحدة وخمس عشرة دقيقة فجراً
صوت : إذن أنت هناك ؟!
- لســتُ هنا ... لستُ هناك !
**سكرتير الحزب البارز الوطني حتى الثمالة يكذب، يكاد يمزق حرير صوته الجهوري وهو يتحدث بامتعاض واشمئزاز عن المخططات السرية لاقتلاع السكان من أراضيهم وديارهم في الكرمل مثلا أو نموذجاً مفرداً بصيغة الجمع، وهو الذي يخططُ مع السلطات الغاشمة لاقتلاع المواطنين من جبالهم واراضيهم وهويتهم وخبزهم .
الواحدة وعشرون دقيقة فجراً
صوت: لماذا لا تريد أن تفتح الباب ؟!
- أضعتُ المفاتيحَ، أضاعتني المفاتيحُ !
**المفكرُّ العظيمُ الحكيمُ العليمُ وخاتمُ الفلاسفة ومحامي الفقراء والبسطاء ونبي الثورات يمتهن الكذب ويرقص كالبهلوان على اسلاك لا حصر لها ، غير قلق وآبه أن يُـدلّى إلى بئر كالدلو الذي بملايين الحبال .
(ملاحظة للأمانة والتاريخ: البئرُ موجودةٌ في ساحةِ غرفة بملايين الجدران في إحدى العواصم العربية )
الواحدة وخمس وعشرون دقيقة فجراً
صوت: اشْعل النورَ وابحثْ جيداً عن المفاتيح؟!
- فقدتُ البصرَ والبصيرةَ .. لا أرى في النور نوراً ولا في الظلام ظلامـاً !
**الشيخُ ذو البصيرة المبشر بالتعاليم السماوية يكذب : يغتصبُ الأيتام والقاصرين كأن السماءَ كفيفة وينهشُ من لحم الاوقاف كأنه يُبْصِرُ ولا يُبْصَرُ، ولا يتورع في الشرب بجماجم الفقراء باسم الدين والديانات .
الواحدة والنصف فجراً
صوت: أنت تكذب ... أنت تكذب
- أكذبُ ! تاللـه لا أكذبنَّ لو قطعتمْ لساني .
( ملاحظة وطنية : استبدل اللسان للقطع بعضو آخر لا يقل شأناً حفاظاً على ديمومة الولادة واستمرارية الإنجاب في سبيل الذود عن الوطن )
**الانبياءُ تكذب : "كلُّ الكذب يُكتبُ على إبن آدم " والنبي محمد سمح للمتطوع محمد ابن مسلمة بالكذب في سبيل قتل كعب إبن الأشرف من قبيلة بنى النضير اليهودية والذي كان يؤيد القريشيين في الحرب ضده. وأخوة يوسف "اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ" فشلوا بمسح أكاذيبهم بثوب يوسف الملطخ بالدم ، وظل عواء الذئب صوتاً صارخـاً في البرية .
الواحدة وخمس وثلاثون دقيقة فجراً
صوت: أقترح عليك أن تفهم بالحسنى وتفتح الباب !
- اختلطتْ علي الظلاماتُ واقفلتْ حولي الكلماتُ واللغاتُ ولا أفهمُ أني لا أفهم .
**أقترحُ أن نستكتبَ القواميس اللغوية ، ونعتذر من ابن منظور وصحبه، ونبدّل كلمة (صدق ) ب ( كذب ) ولا نضحك من جمر جراحنا، ولا من رماد كآبتنا، حين يسترسلُ احدُهم في رثاء احدهِم وهو يقولُ معتمداً إبن منظور العصري مصدراً حديثاً : كان الفقيدُ رجلاً كاذباً > أي صادقاً > يتمتعُ بالخصال الحسنة والسيرة الطيبة . أو عندما تُســألُ عن خطاب الرئيس دون الدخول في حومل فن الخطابة : كان الرئيسُ صادقاً > أي كاذباً > في أقواله وتصريحاته ، وقد قرر أن يغدق المواطن بما لذ وطاب من فضله ونعيمه. لا تخفْ ولا تجزعْ ستتعوّدُ على هذا المنجد المقلوب والمنطق المعطوب وستصبحُ صادقاً حين تكذب وكاذباً حين تكون صادقاً .
الواحدة وأربعون دقيقة فجراً
صوت: أنت تثيرُ اشمئزازي وغضبي
- سأشربُ قليلا من الماء وسأخرجُ إليكَ !
**الماءُ لا يكذب . الماءُ يُطفئ لظى الصادي . الماءُ يروي عطش الحيوان والنبات .الماء لا يكذب . سـرُّ الحياة . وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ .
جلدُ وجهي يتفسخ ويتمزق من شدة العطش، كما في إعلانات وزارة الماء التي لا ماء في وجهها، دعني أشربُ هذا طلبي الأخير.
الواحدة وخمس وأربعون دقيقة فجراً
صوت : سأنتظرُكَ
- سأخرجُ إليك، قلتُ سأخرجُ إليك أنا على أحرّ من النار أريدُ أن أعرفـكَ، أريد أن أراك !
**النارُ لا تكذب. النارُ لا تـُطفئ النارَ. النار لا تـُحرق النارَ. النارُ لا تكذب. عذابُ النار لمن يكذب وبئس المصير.
النار تأكل بعضها ..إن لم تجد ما تأكلهْ .

الواحدة وخمسون دقيقة فجراً
صوت: لا تدعني انتظر كثيراً
- لا لا لا تخفْ !
**البلادُ المهجرة والبيوتُ المدمرة تنتظر كثيراً ولا تكذب ، تحن شوقاً إلى خبزها وزيتها وأهلها .
الواحدة وخمس وخمسون دقيقة فجراً
صوت: لا أعرفُ الخوفَ ولا أعرفُ الرحمة ، فلتخرجْ
- لستَ مجبراً أن تعرف.
**المواطن في العراق وفي سوريا وفي مصر وفي ليبيا وفي اليمن وفي تونس وفي فلسطين يخرج إلى الميادين يعرف ولا يكذب : بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا ,,,,,,, بالرقمتين وبالفسطاط إخواني، المواطن في كل مكان يخرج يموت ولا يكذب، يناضل ويكافح ولا يكذب، يُعتقل ويُسجن ولا يكذب ، يُدسُّ المسدسُ في رأسه وفي حياته ولا يكذب، يُمثـّـلون بحلمه ويسلخون جلدة فكره ولا يكذب .
الواحدة وتسع وخمسون دقيقة فجراً
صوت: أخرجْ يا ابن ال .... وإلا ؟! قد بلغ السيل الزبى !
( أسمعُ جيداً قرقعة السلاح في الخارج ، انه يهيأ مسدّسَـه للاستعمال )
- ادخلْ أنتَ يا ابن ال .... البابُ مفتوحٌ .. البابُ منذ الجاهلية الأولى والاخيرة مفتوحٌ وليكن ما يكون !
**الأم لا تكذب، ترفعُ رتاج قلبها وتفتحُ ابواب الشرايين فتسيل دماء الشوق والحرقة وينفطر لؤلؤ كبدها وهي تنتظرُ ولدَها بؤبؤ عينها، وقد غيبوه وأحرقوه وأعدموه، كي لا ينبتُ لحمُه وعظمُه وشـحمُـهُ نخـلا شامخاً وزيتونـاً وارف الذكريات، في تربةِ زمنٍ آخرَ لا يُشبه أبدية بديلـِهِ المملة.
الثانية فجــراً.
طرقٌ هادئٌ وبائسٌ على مدخل أحلامي .
فوضى. رائحةُ رصاصٍ مألوفــة !
أصواتٌ تتلاشى، صوتي يتلاشى، لا أستطيعُ أن أصرخ. هدوءٌ معلّـقٌ في فضاء الغرفة على ما يشبه حبل المشنقة.
عـ ـــ ـالــمٌ > ع ا ل م > مفقوءُ العين مقطوعُ الرأس > أ ل م .
حتى متى سيظلُّ هذا الطرقُ الرصاصيُّ على مدخل احلامي ؟
متى سيختفي هذا الألم ؟
"نحنُ نسعى لأن نتجنب الألم أكثر من سعينا لأن نجد السعادة " كلمات اللوحة الأخيرة التي رأيتها معلقة على أحد الجدران لسيغموند فرويد!



#زياد_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أصلَ للورد لا فصلَ له
- قصيدتان
- حوارية
- يتخذ النحلُ بيوتاً من دمي
- ظلال للسقطات
- السقطات


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد شاهين - الساعة ُ:عالمٌ مفقوءُ العين، مقطوعُ الرأس !