أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - ماجد احمد الزاملي - جريمة غسيل الاموال القذرة















المزيد.....



جريمة غسيل الاموال القذرة


ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

(Majid Ahmad Alzamli)


الحوار المتمدن-العدد: 3388 - 2011 / 6 / 6 - 23:03
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


تشكل الأموال عصب الاقتصاد الـذي يعتبر عماد الحياة المعاصرة و أحـد مقومات الأنظمة السياسية و الاجتماعية السائدة في العـالم ، و يقاس رقـي و تقـدم الشعوب برقي و تقـدم اقتصادها ، و قـد أصبح الاقتصاد نظاما عالميا ارتبطت بـه الأسرة الدولية بصورة عضوية ، فاصبح يشكل كيانا مترابطا تتفاعـل أجزاءه فتتأثر و تؤثر في المتغيرات التي تتجاذب العالم المعاصر .
و لاشك في أن سلامة الاقتصاد الوطني عامـل أساسي فـي استقرار الحيـاة السياسية و الاجتماعية ، إذ يوفر التوازن بين الإمكانات و الرغبات مما يعطي للسياسة مفهومـها الأصيل .
و قد تأثرت حيـاة الفرد إلى درجة بعيدة بالتطور الاقتصـادي و الصناعي ، فتطور نهج حياته ، كما تطورت علاقاته الإنسانية ، فارضة أنماطا جديدة من السلوك و المواقف ، و قد اتصف بعضها بالأنانية و المادية المطلقة بحيث أصبح هاجس الربح سائدا بغض النظر عن المساوئ الناتجة عن العمليات المؤدية إليه أو الأصناف المنتجة و أصبح الإنسان اليوم يسيطر على قوى الطبيعة و تحويلها إلى خدمة مصالحه اليومية بصورة لم يعهدها من قبل .
و كانت قد برزت في القرنين السابقين مجموعات من أصحاب النفوذ المـالي بدت كعنصر فعـال على الصعيدين المحلي و الدولي بإمكانها شـراء ضمائـر بعض ممثلي الدول و بيعها في مصـالح اقتصادية محضة و يتجلى ذلك في بعض الفضائـح التي تحدثت عنها الصحف و تداولتها وسائل الإعلام حـول الصفقات التجارية غيـر المشروعة بيـن بعض الشركات و بعض الأفـراد الذيـن يمثلون الإطارات السـامية و النافذة في تلك الدول . و تشكل هذه الممارسات دليلا واضحا على مـا وصل إليـه التنافس الاقتصادي و المادي و الأساليب الملتوية التي تستعمل للوصول الىغايـات معينة بغـض النظر عـن أخلاقيات التعامل أو مصلحة الأفراد و الدول و الأنظمـة الاقتصادية التي تتبعها، فعندما تبلغ قيمـة صفقة واحدة مـن الأسلحة و الطائرات أو المخذرات عـدة مليارات مـن الدولارات و عندما تقرع نسبة معينة من هذا المبلـغ أبواب أصحاب القرار فكـم مـن الضمانة الأخلاقية الصلبة يجـب أن تتوافـر فـي هـؤلاء حتى لا تمتد أيديـهم لاستلام تلك النسب الـواردة غالبا مـن الأموال غيـر المشروعة؟
و يعتبر تبييض الأموال أو غسيل الأموال مـن التعبيرات التي تداولت مؤخرا في كافة المحافل المحلية و الإقليمية و الدولية.
لم يتوصل فقهاء الفانون الجنائي إلى تعريف جامع مانع لهذه الجريمة نظـرا لحداثتها و سرعة تطورها الـذي يساير تطـور التكنولوجيا الحديثة حيث أن كـل المحـاولات الرامية إلى إيجاد تعريف خاص لهـا فضفاضة في محتواهـا ، ذلـك لكثـرة الأسـاليب المستعملة في ارتكابها فقد يتمايز تعريف جريمة تبييض الأموال من حيث موضعـها و غايتها و طبيعة هذه الظاهرة الجريمة .
تبييض الأموال هو فن توظيف الوسائل المشروعة في ذاتها من مصرفية خصوصا و اقتصادية على وجـه العمـوم لتأمين حصـاد و إخفـاء المحصلات غير المشرعة لإحدى الجرائم .
تستهدف ضـخ الأمـوال غيـر النظيفة ( كأمـوال التجـارة بالمخذرات و السرقات الكبرى و سرقة الأعمال الفنية و الإيجار غـير المشروع في الأسلحة و التجارة في الرقيق عبر مختلف شبكاته ...إلخ )
و ذلك داخل حيز الأنشطة الاقتصادية و الاستثمارية المشـروعة سواء على المستوى الوطني أو العالمي على نحو يكسبها صفة المشروعية في نهاية المطاف و هكذا تتخلص الأموال من مصدرها الأصلي غيـر النظيف و تنحدر بذلك من جديد وسط اقتصـاد طبيعي مشروع .
لعل أهم ما يميز هذه الجريمة أنها جريمة تبعية من ناحية و قابلة للتداول من ناحية أخرى .
فمن ناحية أنها جريمة تبعية : تفترض وقوع جريمة أصلية سابقة و ينصب نشـاط تبييض الأموال بالتالي على الأموال أو المحصلات الناتجة عن هذه الجريمة الأصلـية
أما من ناحية قابليتها للتدويل : هو وقوع الجريمة الأم على إقليم دولة ما ، بينـما يتوزع نشاط تبييض الأموال على إقليم دولة أخرى و هكذا تتبعثـر الأركان المكـونة للجريمة عبر الحدود و هو الأمر الذي يصعب من الملاحقة الجنائية لا سيما مـع ما يثيره ذلك من مشاكل جمة في مجالي الاختصاص و مدى الاعتراف بحجية الأحكـام الجنائية الصادرة في موطن الجريمة الأم .
و تعرف جريمة تبييض الأموال على أنها عبـارة عن عملية يلجأ إليـها مـن يتعاطى الاتجار غير المشروع بالمخدرات لإخفاء وجود دخل أو لإخفاء مصدره غير المشروع أو استخدام الدخل في وجه غير مشروع ، ثم يقوم بتمويه ذلك الدخل ليجعله
يبدو و كأنه دخـل مشروع. أي بعبـارة أبسط التصرف فـي النقود بطريقة تخفـي
مصدرها و أصلها الحقيقين .
و في الواقع أن كلمة تبييض الأموال و غسيل الأموال حسب فقهاء القانـون يلتقيان في دلالة مفهومها و يختلفان في المصطلح فقط إذ كلاهما يعني استخدام حيل و وسائل و أساليب للتصرف في أموال مكتسبة بطريقة غير مشروعة و غير قانونية لإضفـاء الشرعية و القانونية عليها و هـذا يشمل الأموال المكتسبة مـن الرشوة و الاختلاسات و الغش التجاري و تزوير النقود و مكافآت أنشطة الجوسسة .
هذه الظاهرة الخبيثة هي و لا شك إحدى ثمـار العولمة الاقتصادية التي يروج لـها الغرب ، فاصطلاح غسيل الأموال و تبييض الأموال اصطلاح عصري و هـو بديـل للاقتصاد الخفي أو الاقتصاديات السوداء أو اقتصاديات الظل و هو كسب الأموال مـن مصادر غيـر شرعية و أحيانا يتـم خلط هـذه الأموال الغير مشروعة بأموال أخـرى مشروعة و استثمارها في أنشطة مباحة شرعا و قانونا لإخفاء مصدرها الحرام و الخروج مـن المساءلة القانونية بعد تضليل الجهات الأمنية و الرقابية .
فمن الأساليب التي يجري على أساسها غسيل هذه الأموال غير المشروعة التي يتم تحصيلها مـن عمليـات السرقة و تسهيل الدعـارة و الرشـوة و تهريب المخذرات و تهريب البشر و المتاجرة بالأطفال و نوادي القمار أن يكـون أصحاب الأموال غير المشروعة هذه بإيداعها في بنـوك أو تحويلها بيـن البنوك لدمجـها مـع الأمـوال المشروعة و إخفاء مصادرها الأصلية ، و قد يتم تحويل هـذه الأمـوال من البنـوك الداخلية إلى البنوك العالمية لها فروع كبيرة في العالم ثم تقوم البنوك الخارجية نفسهـا بعملية تحويل أخرى للأموال عبر فروعها المختلفة و بعد ذلك يقـوم أصحابها بسحب أموالهم من البنوك لشراء الأراضي ، أو المساهمة في شركات عابرة للقارات .
ا لقد شهد مسرح الاحداث الدولية العديد من الاعمال الاجراميةالمخططة والمنظمة التي تستهدف تحقيق اغراض سياسية وتتجاوز اثارها حدود الدولة الواحدة لتمتد عبر الحدود الوطنية لعدة دول منتهكة امن وسلامة الشعوب وحقوق وحريات الافراد.
يرى البعض ان الارهاب نموذج معاصر للجريمة المنظمة واستندوا في ذلك الى تماثل الهياكل التنظيمية لهما والى وحدة التهديدات التي يشكلانها على التنمية وحقوق الانسان وقيم الديمقراطية,وارتبا طهما ببعض الجهات والقوى المعروفة بدعمها للارهاب والاجرام المنظم وامتداد نشاطهما عبر الحدود.
ومثل هذا الرأي لايمكن الاخذ به على أطلاقه فالاجرام المنظم والارهاب نشاطان متميزان منذ القدم وبالتالي لايجوز القول بان الارهاب صورة معاصرة للجريمة المنظمة.واذا كان هناك تماثل في الهياكل التنظيمية فان هذا التماثل لايصل الى حد التطابق كما ان ارتباطهما ببعض الجهات والقوى المعروفة بدعمها للارهاب يؤخذ عليه بان تمويل النشاط الارهابي يعتمد على خداع الممولين وافهامهم ان ما يدفعونه من مال انما يذهب لدعم قضية عادلة وتمويل انشطة تهدف الى رفع الظلم وتحرير الارض السليبة,او انزال حكم الله بدلا من حكم كافر يسير في ركاب كافرين اما الاجرام المنظم فيستولي على الاصول عنوة او بالابتزاز او التهديد,وان كانت بعض الجماعات الارهابية لجات الى هذا الاسلوب لتغطية النقص في تمويلها.
ومن الظواهر الاجرامية المستحدثة والتي ظهرت على الساحة في الفترة الاخيرة من نوعيات حديثة للاجرام او اساليب حديثة لارتكاب جرائم معروفة من قبل وكذلك كيفية الفرار من العدالة عن طريق تلك الاساليب ولقد اصبحت هذه الظواهر الاجرامية المستحدثة هاجسا امنيا ليس فقط في الدول الغربية,ولكن أيضا في الدول العربية حيث بدأت تظهر على السطح فيها بعض من الظواهر الاجرامية.لان معظم هذه الجرائم ليست محلية الطابع وانما هي بطبيعتها عابرة للدول او ان التقنية الحديثة جعلتها كذلك,مما يجعل اثرها في اكثر من دولة.
فجريمة غسل الاموال بوصفها من الظواهر الاجرامية,المستحدثة لها تأثيركبير,بحيث اخذت تؤرق المجتمع الدولي مما استدعى الاهتمام في البحث العلمي عنها واسبابها ومظاهرها وكيفية التصدي لها بشكل جماعي.فمصطلح غسل الاموال من المصطلحات الاقتصادية حيث لم يعرف ولم يتداول ولم يتنبه له الا منذ سنوات معدودة ,حيث بدات اجراءات المراقبة والتجريم والمصادرة وتكوين ادارات خاصة بتتبع ذلك. وكلمة(غسل)وردت في القران الكريم ثلاث مرات هي قوله تعالى في الوضوء(اذااقمتم الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق)(سورة المائدة,الاية6)وقوله تعالى (يا ايها الذين امنوا لاتقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا-سورة النساء,الاية 43 وقال تعالى لايوب(ع)(اركض برجلك هذامغتسل بارد وشراب) -سورة ص الاية 42
وهي تعني الطهارة,بالماء اي ازالة النجاسة وتطهير الموضع الذي اصابته بالماء. 4-المعجم الوسيط الجزء الثاني,مادة غسل الاموال,ص652 فغسل الاموال هو تطهيرها من كل قذارة ونجاسة ,اي استبعاد ما هو محرم من الاموال كفوائد البنوك(الربا)والرشوة والغصب والسرقة ونحو ذلك من الميتة والخنزير ويتم تطهيرها معنويا وحسيا باخراج نصيب الفقراء والمساكين منها باداء الزكاة المفروضة وما سواها من حقوق,فان كان المراد بغسل الاموال تلك الطهارات الحسية والمعنوية فهي ارادة صحيحة لانها مطلوبة شرعا اما ان كان المراد بها تحويل الاموال القذرة من الكسب غير المشروع باي وسيلة محرمة تبدو في ظاهرها مشروعة كالمصانع والعقارات والاراضي الزراعيةلإايهام الناس والمسؤلين انها أ تت من مصادر شرعية وكسب مشروع واخفاء حقيقتها القذرة ومصادرها الخبيثة من مخدرات وغيرها فذلك كذب وبهتان وزور ونفاق يبقى على حقيقته كسبا خبيثا ويضيف الى ذلك تلك الاجراءات الكاذبة والتمويهات الباطلة من عمليات التحويل والبيع والشراء فتضيف الى القذارة قذارة اخرى.
والى الاموال النجسة عمليات واجراءات لا تقل عنها نجاسة,فاين يكون الغسل والتطهير حينئذ.انه ابعد ما يكون عن ذلك وهذ ا المعنى الثاني وللاسف الشديد هو المعنى المراد في هذه الايام في نظر الاقتصاديين فمصطلح (غسل الاموال)يطلق الان على ما يسمى بالاقتصاد الخفي والاقتصاديات السوداء او اقتصاديات الظل التي تنطوي في جزء كبيرمنها على كسب الاموال من مصادر غير مشروعة,ولخوف اصحابها من المساءلة القانونية وخشيتهم من الناس,لانهم يلجأون بعد كسبها في غفلة من القانون او تواطؤ من القائمين عليه او في بلد اخر الى تحويل هذه الثروة غير المشروعة الى ثروة تبدو في ظاهرها مشروعة كشراء اراضي زراعية او بناء عقارات او انشاء مصانع او ايداعات في البنوك او مشاركة الاخرين. وغسل الاموال بالمصطلح الحديث الشائع الان ,يعني تزييف الحقا ئق وتحويل الاموال المحرمة الى اموال مشروعة في الظاهر واخفاء حقيقة والتهرب من القوانين والخشية من الناس فهذا غسل غير مشروع لانه ليس نظافة ولاتطهيرا بل انه كذب وخداع ونفاق وتضليل وأكل اموال الناس بالباطل وكسب خبيث حرام وتهرب من القانون ,فهو جريمة بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى,وهو يضيف الى وزر الكسب الخبيث الحرام وزر الكذب والغش والنفاق وكل الجرائم المترتبة على عملية الغسل او كما يسمونها تبييض الاموال,ومن هنا تظافرت الجهود المحلية والاقليمية والدولية لمكافحة هذه الجريمة واظهار خطورتها ومضارها على الجميع.
وعملية غسل الاموال تتكون من عدة جرائم لاجريمة واحدة فهي اولا اموال محرمة لايصح تملكها او اكتسابها وثانيا تتحول باجراءات معينة في الظاهر الى اموال مشروعة ظاهرا والحقيقة انها غير مشروعة,وثالثا محاولة للتهرب من القانون والمسؤولية عن كسب هذه الاموال وحيازتها ,ورابعا كذب وغش وخداع للناس ,وتعكس هذه الجرائم المركبة اثارا ضارة على المجتمع والاقتصاد ,مما حدى بالمسؤلين والخبراء الى بيان هذه الخطورة وحجمها وتشريع القوانين والعقوبات المناسبة لمكافحتها فمن ذلك دعوة الاستاذ ابراهيم نافع رئيس تحرير جريدة الاهرام المصريةحيث يقول(الرشوة والفساد وتهريب الاموال والتهرب الضريبي والتلاعب في المال العام ,وغسل الاموال والتجسس الاقتصادي,كل تلك المفردات هي التي تشكل اليوم تهديداً حقيقيا للامن القومي في مصر ,فتحديات الامن القومي لم تعد مقصورة في عالم اليوم على الصراعات العسكرية او على مواجهة الجرائم السيا سية والارهابية ,بل اتسعت لتشمل قضايا الامن الاقتصادي,خاصة بعد ان اصبح الاقتصاد ميدان المنافسة الاول بين بلدان العالم.)
والمادة الاولى من قانون الاموال المصري الصادر في22مايو 2002 رقم80 لسنة 2002 وهي خاصة بالتعريفات,عرفت عبارة غسل الاموال بانها سلوك ينطوي على اكتساب اموال اوحيازتها او التصرف فيها اوادارتها او حفظها او استبدالها او ايداعها او ضمانها او استثمارها او نقلها او تحويلها او التلاعب في قيمتها اذا كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة(2)من هذا القانون مع العلم بذلك,متى كان القصد من هذا السلوك اخفاء المال او تمويه طبيعته او مصدره او مكانه او صاحبه او صاحب الحق فيه او تغيير حقيقته او الحيلولة دون اكتشاف ذلك او عرقلة التوصل الى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال.
ويلاحظ ان القانون المصري قد حصر تجريم غسل الاموال على جرائم معينة كرافد للاموال المغسولة كقانون الامارات العربية المتحدة في المادة(2)منه من بينها جرائم الارهاب والمخدرات والدعارة والاتجار بالاسلحة والمفرقعات والجرائم المنظمة وجرائم البيئة المتعلقة بالمواد والنفايات الخطرة.(الاهرام العدد 1912 في 5/9/2001)
ولما كانت هذه الاموال القذرة متأتية من مصادر غير مشروعة فانها لا تدخل ضمن حسابات الناتج القومي للدولة لانها بعيدة عن رقابتها اذ هي تمثل دخولا غير مشروعة ناتجة عن انشطة غير مشروعة او تجارة اجرامية وبالتالي فان غسل الاموال يدخل ضمن انشطة ما اصطلح على تسميته بالاقتصاد الاسود.
ولما كان هدف غاسلي الاموال هو الانتفاع بتلك الاموال دون تحديد لشخصياتهم او مصدر تلك الاموال او مكان اكتسابها وذلك بتمويهها فانهم يسلكون في سبيل ذلك اولا محو او ابعاد اي صلة مباشرة بين هذه الاموال والانشطة الاجرامية المتولدة عنها.وثانيا ادخالها في العديد من العمليات داخل الاقتصادالمشروع,واخيرا اعادتها لاصحابها بعد ان تصبح من غير الممكن تقصي اسباب اكتسابها ولا مكانه بحيث يبقى ذلك سرا مغلقا.
وانه كلما تعددت العمليات التي تتداول فيها هذه الاموال بين البنوك كلما كان من الصعب تتبع اصل مصدرها خصوصا اذا وجدت هذه الاموال طريقها الى شبكة البنوك العالمية اذ يستغل المجرمون المنافسة الشديدة بين البنوك في اجتذاب العملاء للحصول على خدمات اكبر بالنسبة لانشطتهم غير المشروعة.
وايطاليا ضمنت قانون عقوباتها المادتان648 مكررا ثانيا التي اضيفت بالقانون رقم191في18/5/1975 وعدلت بالقانون رقم 328في أغسطس1993 ,648 مكررا ثانيا ثالثا التي اضيفت بالقانون رقم55لسنة1990 في19مارس سنة1990.
والنمسا بعد تصديقها على اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988عدلت قانون عقوباتها سنة1993بجعلها غسل الاموال المحصلة من الجرائم الجسيمة جريمة معاقب عليها بالسجن حتى خمس سنوات.
وفي بلجيكا يجرم القانون الصادر سنة 1990غسل الاموال كما ينص على مصادرة هذه الاموال ويعتبر القانون البلجيكي حيازة الاموال والاشياء المحصلة من غسل الاموال جريمة.
وفي فرنسا اشار القانون رقم (90/614)في12يوليو1990بشأن مساهمة المؤسسات المالية في مكافحة غسل الاموال المستمدة من الاتجار غير المشروع في المخدرات الى نصوص واردة في المادة 627من قانون الصحة العامة والمادة415من قانون الجمارك.وكانت المادة 627 من قانون الصحة العامة قد اضيفت سنة 1970وهي خاصة بسوء استعمال المخدرات وتنص الفقرة الثالثة المضافة بالقانون رقم (87/1157)في31 مارس 1987 على مايلي : - ( يعد جريمة كل من يسهل او يحاول بسوء قصد تسهيل تقديم تبرير كاذب عن اصل الارباح او الموجودات المستمدة من جرائم المخدرات او ساعد تقنيا في ابدال او اخفاء او تحويل المتحصلات المستمدة من هذه الجرائم.ويعاقب على هذه الجريمة بالسجن من سنتين الى عشر سنوات والغرامة5000ألى500,000 فرنك فرنسي او باحدى هاتين العقوبتين .وتطبق هذه العقوبات ايضا اذا كانت الافعال المختلفة المكونة للجريمة قد ارتكبت في دول اخرى.)
وفي المانيا اصبح غسل الاموال جريمة خاصة منذ سنة 1992طبقا للمادة(261)من قانون العقوبات الالماني واوجب القانون مصادرة الاموال او الممتلكات المتعلقة بغسل الاموال سواء كانت هذه الاموال او الممتلكات محصلة من عمل غير مشروع وقع داخل البلاد او خارجها. ويعفي القانون من العقاب كل من يبلغ السلطات المعنية عن جريمة غسل الاموال,كما اعطى للمحكمة سلطة تخفيف العقوبة على من يدلي بمعلومات امام سلطة التحقيق او المحكمة تساعد في اكتشاف اخرين مشتركين او متورطين في جرائم غسل الاموال.
وفي سويسرا دخلت جريمة غسل الاموال لاول مرة في قانون العقوبات وذلك بتعديله سنة1990.وقد نص تعديل 3مارس سنة1990 على نوعين من الجرائم.,.الاول .,غسل الاموال عمدا وتنص عليه المادة(305)مكررا ثانيا من قانون العقوبات .
والثاني ,,عدم الحرص والاهمال في العمليات المالية التي تضمنت حصول الغسل وتنص عليه المادة(305)مكررا ثالثا.
يلاحظ ان هنالك خلاف على النطاق الدولي حول ما اذا كانت جريمة غسل الاموال يجب ان تكون عمدية لإمكان العقاب عليها ام انه يكفي للعقاب عليها ان يكون نشاط الجاني مصحوبا باهمال او عدم اكتراث في الاحوال التي يجب فيها بذل عناية اكبر.
وترى بعض الدول كما سويسرا المعاقبة على جريمة غسل الاموال حتى لو كان نشاط الجاني مصحوبا باهمال او عدم اكتراث في الاحوال التي يجب فيها بذل عناية اكبر.
ولكن الاتجاه الغالب في الاتفاقيات الدولية(راجع المادة3/1)من أتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة1988م, المادة(1) والمادة(6/1)من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة2000 . تنص هذه المادة على انه يتعين على كل دولة طرف في الاتفاقية ان تعتمد وفقا للمباديء الاساسية لقانونها الداخلي ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم الافعال التالية جنائيا(افعال غسل الاموال)في حال ارتكابها عمدا. وفي التشريعات الوطنية ايضا هو ان تكون جريمة غسل الاموال والمساهمة فيها عمدية. وفي المملكة المتحدة جرمت قوانينها افعال غسل الاموال في عدة تشريعات صادرة عن البرلمان ابتداءا من عام 1998 وقد شمل التجريم افعال الوسطاء Financil institution كما شمل المؤسسات المالية وكذلك ليس مقصورا على متحصلات المخدرات والانشطة الارهابية وانما شمل متحصلات كل الجرائم الجسيمة التي تدر ربحا.وهذه الافعال التي يحويها قانون المملكة المتحدة هي :- 1-مساعدة اخر على الاحتفاظ بفائدة ناجمة عن نشاط اجرامي.
2-اكتساب وحيازة واستخدام عائدات اجرامية.
3-اخفاء او تمويه او تحويل او نقل او التعتيم على هذه العائدات الاجرامية لتجنب الاتهام او المصادرة.
4-الاخفاق في تقديم معلومات او تبرير عن الشبهة في ارتكاب جرائم غسل الاموال ولكن هذه الجريمة مقصورة على جرائم المخدرات,وبالاضافة الى هذه الجرائم هناك في بريطانيا لوائح غسل الاموال الصادرة سنة 1993م والمعمول بها اعتبارا من اول ابريل سنة1994.
وتفصيل ما تقدم خاصا بقانون المملكة المتحدة عن تجريم غسل الاموال هو ما يلي :-
--صدر قانون جرائم الاتجار بالمخدرات لسنة1986 . The Drug Trafficking Offenses Act of1986
ويشمل ذلك الغسل بمعرفة النظام المالي المصرفي (البنوك)ومؤسسات النظام المالي غير المصرفي وذلك طبقا للمادة(24)من القانون المذكور,ويعد جريمة المساعدة المبذولة لمن يشتبه في انه يتاجر في المخدرات او يعلم الجاني بانه كذلك وتمكينه من الاحتفاظ بحيازة مكتسباته من الانشطة الاجرامية ايا كان مكان تنفيذها.وتعد الجريمة مرتكبة من اي شخص يعلم او يشتبه بان شخصا متورطا في الاتجار بالمخدرات ويتصرف باحد التصرفات الاتية :-
1-ان يسمح لهذا الشخص بالاحتفاظ بملكية او حيازة الارباح المستمدة من الانشطة الاجرامية.
2-ان يصرفها هذا الشخص او يجعلها في متناوله.
3-ان يساعد هذا الشخص في استثمار هذه الاموال المستمدة من انشطة اجرامية.
وفي الولايات المتحدة الامريكية,صدر ايضا قانون مكافحة سوء استعمال المخدرات لسنة 1986
(The Money Laundery Control Act)جاءت فيه نصوص خاصة بمكافحة غسل الاموال
وقد تضمنت هذه النصوص طائفتين من الجرائم : الاولى غسل الاموال عن طريق الاوراق المالية. والثانية ,المساهمة في عمليات مالية بصدد اشياء او سلع مستمدة من أنشطة غير مشروعة.
نستنتج مما سبق ان هناك اهتمام محلي واقليمي ودولي بمكافحة هذه الجريمة المستحدثة االتي يستفاد منفيذيها من التقنية الحديثة في اعمال المصارف والبنوك.
وبالنظر لما لهذه الجريمة من تاثير كبير على الاقتصاد,ولمساعدة الاموال المتحصلة منها الكثير من المجرمين في تنفيذ جرائمهم وخاصة الذين يرتكبون جرائم ارهابية . وجريمة غسل الاموال جريمة لاحقة لانشطة اجرامية حققت عوائد مالية غير مشروعة,فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالاموال القذرة,ليتاح استخدامها بيسر وسهولة,لذلك فان جريمة غسل الاموال لا تعد مخرجا لمأزق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم وخاصة الجرائم التي تدر اموالا كثيرة,كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والاتجار بالبشر وانشطة الفساد المالي.وقد ارتبط غسل الاموال بجرائم المخدرات, بل ان الجهود الدولية لغسل الاموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات,ولهذا جاء النص الدولي على قواعد واحكام غسل الاموال ضمن اتفاقية الامم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات .
ولجريمة غسل الاموال ركنان,ركن مادي وركن معنوي
1-الركن المادي,ويتألف من ثلاثة عناصر هي :
أ-السلوك الذي يكون ركنا ماديا للجريمة ويتضمن ثلاثة اشكال هي,حيازة او اكتساب او استخدام الاموال القذرة وتودع في حساب مصرفي او توضع كامانة في خزانة مستاجرة في البنك.
ب-اخفاء الاموال القذرة من حيث المصدر او المكان او التصرف او الحركة او الحقوق المتعلقة بها ااو الملكية.
ج-المحل الذي يرد عليه السلوك وهي الاموال المتحصلة من الاتجار بالمخدرات او بالدعارة او الرشاوي او الاتجار بالرقيق او بالاطفال.
د-الجريمة التي تحصلت الاموال بموجبها كالاتجار غير المشروع بالسلاح او المخدرات........الخ
. 2-الركن المعنوي
يفترض علم الجاني او الجناة بالمصدر غير المشروع للاموال القذرة فهي جريمة عمدية تنصرف ارادة الفاعل الى ارتكابها دون خلل بارادته الحرة,فالجاني يعلم علم اليقين بانه يمارس نشاطا اجراميا وهذه الجريمة في حقيقتها انما هي جريمة مستمرة.



#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)       Majid_Ahmad_Alzamli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألإرهاب
- ضمانات الحريات العامة بين قانون الاجراءات الجنائية والدستور
- توازن القوى الدولية
- ألإجراءات الجنائية والدفاع عن حقوق ألإنسان
- الدولة القانونية
- كيف تتهاوى الدكتاتويات
- الاسس التي تحافظ على ديمومة الديمقراطية


المزيد.....




- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...
- مسؤول أمريكي: قرار وقف النار وتبادل الأسرى بيد السنوار.. وقد ...
- بيان للولايات المتحدة و17 دولة يطالب حماس بالإفراج عن الأسرى ...
- طرحتها حماس.. مسئول بالإدارة الأمريكية: مبادرة إطلاق الأسرى ...
- نقاش سري في إسرائيل.. مخاوف من اعتقال نتنياهو وغالانت وهاليف ...
- اعتقال رجل ثالث في قضية رشوة كبرى تتعلق بنائب وزير الدفاع ال ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - ماجد احمد الزاملي - جريمة غسيل الاموال القذرة