أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - ماجد احمد الزاملي - ضمانات الحريات العامة بين قانون الاجراءات الجنائية والدستور















المزيد.....


ضمانات الحريات العامة بين قانون الاجراءات الجنائية والدستور


ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

(Majid Ahmad Alzamli)


الحوار المتمدن-العدد: 3386 - 2011 / 6 / 4 - 23:11
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


إذا كانت الحماية الجنائية للحقوق والحريات ، وحماية النظام العام تتم من خلال التجريم والعقاب وكانت الإجراءات الجنائية تتخذ لتمكين الدولة من اقتضاء سلطتها في العقاب ، فإن ذلك لا يعني التضحية بحقوق وحريات الأفراد الذين يتم تجريم أفعالهم والعقاب عليها واتخاذ الإجراءات الجنائية في مواجهتهم ،و كما ان الحماية الجنائية للمصلحة العامة تتقرر بحسب الأصل بقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية ، لذا فإن حماية الحقوق والحريات تتقرر بحسب الأصل بالدستور .
ومما لاشك فيه ان إساءة استخدام العقوبة تشويها لأهدافها ، يناقض القيم التي تؤمن بها الجماعة في اتصالها بالأمم المتحضرة وتفاعلها معها ، ولا يكفي بالتالي أن يقرر المشرع لكل منهم حقوقا قبل سلطة الاتهام ، بل يجب أن يكون ضمان هذه الحقوق مكفولا من خلال وسائل إجرائية إلزامية يملكها ويوجهها ، ومن بينها حق الدفاع .
ولما كان القانون الجنائي بفرعيه ( قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية ) يتولى حماية الحقوق والحريات من المساس بها سواء من خلال التجريم والعقاب ، وتوفير الضمان القضائي وتمكين المتهم من محاكمة منصفة أمام القضاء ؛ وكان هذا القانون في ذات الوقت يهتم بحماية مصالح المجتمع التي تتعرض للخطر أو الضرر بسبب ما يصيبها من أعمال تمس حقوق الأفراد وحرياتهم وكذا حسن سير الحياة الاجتماعية ؛ فإن التوازن الدقيق بين اعتبارات حماية المصلحة العامة واعتبارات حماية حقوق الإنسان والحريات تلقى مجالها الخصب في هذا القانون .
واذا كان من الثابت أن كلا من قانوني العقوبات والإجراءات في ظل الديمقراطية وسيادة القانون التي أكدتها الدساتير ليس أداة للقهر أو التحكم ، وإنما يتعين أن يرتكزا على أساس من الدستور الذي يعد حماية للحقوق والحريات، خاصة و أن حق الدولة في العقاب ينطوي على مساس جسيم بحرية المتهم ، وهو ما لا يمكن إقراره ولا تحديد مداه إلا بواسطة جهاز مستقل محايد هو القضاء ، بوصفه الحارس الطبيعي للحريات . ولا تقتصر أهمية هذا التدخل على كشف الحقيقة ، بل إنها تمتد كذلك إلى تحديد نطاق حق الدولة في عقاب الجاني .
ولما كان الفرد يتعرض لمخاطر التجريم والعقاب إذا لم يحسن وضع ضوابط دقيقة له تحافظ على التوازن المطلوب بين مقتضيات حماية حقوق الغير وحرياته ومراعاة المصلحة العامة وحماية الحقوق والحريات . فلا يجوز أن يكون هذا التوازن وسيلة للعصف بالحقوق والحريات أو مدخلا لحرمان المواطنين منه بصورة غير منطقية .
واذا كانت حماية الحقوق والحريات العامة تعتبر بمثابة مسؤولية وواجب على الدولة فى إقرار النظام العام مستخدمةُ في ذلك حقها في العقاب ، فإن الضمان القضائي لحرية المواطن – وان كان متهما – وفق أحكام الدستور يقف حالا دون أن تتجاور السلطة التنفيذية علي تلك الحرية ، وهو ما يتضح فى أبعاد العلاقة فيما بين قانون الإجراءات الجنائية والدستور.
إذا كانت القوانين على اختلافها واختلاف أهميتها وخطورتها ليست نصوصا مرصوصة – ولن تكون – وإنما هي أولا وقبل كل شئ حكم القاضي الذي يحيل النص إلى واقع ملموس ، فإذا بالواقع حقيقة مؤكدة هي تطبيق لحكم النص القانوني فيصير جمود النص حركة ، وتتحول الحركة إلى حياة ، ومن هنا تأتي أهمية العلاقة الوثيقة فيما بين قانون الإجراءات الجنائية والدستور الذي لا بد وأن يكون القانون بوجه عام ، قد نبت في إطاره لينمو في ظله ويتحسس حدوده ولا يتعداها . لذا يكون من الأوفق أن نمهد للحديث عن العلاقة فيما بين قانون الإجراءات الجنائية والدستور، بتعريف وتبيان خصائص كل منهما.
قانون الإجراءات الجنائية:
يعرف قانون الإجراءات الجنائية بأنه " مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن إجراءات البحث عن الجرائم وضبطها ووسائل إثباتها وتحدد السلطات المختصة بملاحقة المجرم ومحاكمته وتبين إجراءات المحاكمة وتنفيذ الأحكام الجنائية " وهو بذلك يشكل مجموعة من القواعد القانونية تنظم النشاط الذي تباشره السلطات العامة بسبب جريمة ارتكبت وتستهدف به تحديد المسئول عنها وإنزال العقوبة أو التدبير الاحترازي .
ومن ناحية أخرى يرمي قانون الإجراءات الجنائية إلى تحقيق هدف سام ثمين يتمثل في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم ، فقد تتجمع الشبهات حول بريء فيلقى به في قفص الاتهام ، ولا يجد هذا المظلوم ملاذا إلا فيما يضعه قانون الإجراءات الجنائية من قواعد تتيح له فرصة الدفاع عن نفسه وإثبات براءته ، هذا الدور المزدوج يتطلب من قانون الإجراءات الجنائية أن يقيم التوازن بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد فيضمن القواعد المحددة التي تضمن تحقيق الهدفين معا ، فيتجنب إفلات المجرم من العقاب كما يحول دون الحكم بإدانة بريء .
ويتحقق التوازن على صعوبته – في ظل النظم الديمقراطية القائمة على احترام حرية الفرد- عندما يستند قانون الإجراءات الجنائية إلى عدة مبادئ أهمها تحقيق أولى يجري مع المتهم ليقدم دفاعه في أي مرحلة من مراحل الدعوى وتحديد اختصاصات الهيئات القضائية بدقة ووضوح ، ومبدأ استقلال القضاء ، أما في ظل النظم الدكتاتورية فان التوازن يختل اختلالا كبيرا ، فتمثل قواعد الإجراءات الجنائية إلى ترجيح مصلحة الدولة على حساب حقوق الأفراد وحرياتهم فيتم سير الدعوى بسرية وبسرعة مما يهدر حق المتهم في الدفاع، ويكون للسلطة التنفيذية سلطات واسعة تتيح لها فرصة التحكم والتعدي على حقوق الأفراد كأثر مباشر لتبعية القضاء لتلك السلطة . ومن الثابت أن موضوع قانون الإجراءات الجنائية عبارة عن نشاط للسلطات العامة سببه جريمة وغايته عقوبة أو تدبير احترازي وينقسم هذا النشاط إلى قسمين : أولا – الأجهزة والهيئات التي تعهد إليها الدولة بمباشرة هذا النشاط، أي أجهزة السلطات العامة التي يخولها القانون الاختصاص بهذا النشاط ، ثانيا : الأصول والقواعد التي تحكم عمل هذه الهيئات فتبين ما يجوز لها اتخاذه وما يحظر عليها .
سماع المتهم لاقوال شهود ألإثبات
ان الشهادة من الأدلة الهامة في الدعوى الجنائية ، لا بل إنها عماد الإثبات فيها لأنها تقع في أكثر الأوقات على وقائع مادية لا تثبت في مستندات ، وليس الشأن في المسائل الجنائية كالمسائل المدنية التي تحصل غالباً بناء على اتفاق بين الخصوم يُدرَجُ في محرر ، فالجريمة عندما تقع لا يمكن تصور وجود اتفاق بين الجاني و المجنى عليه على ارتكابها كما لا يمكن إثباتها مقدماً وإقامة الدليل عليها، كثيراً ما تُميط الشهادة اللثام عن المجرم ، أو أن تُبريءَ ساحة المتهم فتكون لها الغلبة في بعض الأحيان وعليها يترتب الحكم بالإدانة أو البراءة .
وبالنظر لخطورة وأهمية الشهادة في الإثبات الجنائي يتعين أن يُعطى الحق للمتهم في أن يبدي أقواله في أي وقت بعد سماع أقوال أي شاهد ، وذلك لأن المتهم عند استجوابه يجب أن يحاط علماً بما أُسند إليه ، كما أن من الضمانات المهمة للحرية الشخصية هي إتاحة الفرصة للمتهم في مناقشة الشهود ، وذلك لتقديم ما لديه من أقوال تدحض ما قد يتقدمون به ضده ، من شهادة قد تكون غير صحيحة ،كما أن من مقتضيات حق الدفاع للمتهم أن يطلب استدعاء الشهود لهذا الغرض ، و انسجاماً مع ذلك فقد أكدت المادة (124) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23على هذه الضمانة الهامة حيث نصت على أنه : ((للمتهم الحق في أن يبدي أقوال في أي وقت بعد سماع أقوال أي شاهد ، وأن يناقشه أو يطلب استدعاءه لهذا الغـرض )). من الضمانات الأساسية لحرية المتهم عند استجوابه هي حريته التامة في الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليه من قبل القائم بالتحقيق ، وحقه في التزام الصمت إذا شاء ، لأن الموقف يخضع لتقديره الخاص ، ولا عقاب عليه إذا امتنع عن الإجابة على أي سؤال،وقد أكدت على هذه الضمانة الهامة العديد من المؤتمرات الدولية ومنها التوصية الصادرة عنة المؤتمر الدولي الثاني عشر الذي عقدته الجمعية الدولية لقانون العقوبات بمدينة هامبورغ الألمانية عام 1976 حيث نصت على أنه : (( التزام الصمت حقٌ مقررٌ لكل متهم في جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات ويجب إعلام المتهم بهذا الحق )).وهذا ما أكد عليه قانون أصـول المحاكمات الجزائية العراقي حيث نصت الفقرة (ب) من المادة (126) على أنه ((لا يجبر المتهم على الإجابة عن الأسئلة التي توجـه إليه )).
كما أن حماية الحرية الشخصية للمتهم أثناء الاستجواب تستلزم بالضرورة عدم استعمال وسائل غير مشروعة في استجوابه بُغية انتزاع الاعتراف منه ،فمن السهولة أن يُجبر المتهم على الكلام ولكن ليس من السهل أن يقول الحقيقة ،وكثيراً ما أدت الوسائل غير المشروعة إلى اعترافات لمتهمين أبرياء ، أو إلى اعترافات مغايرة للحقيقة .وتتـخذ هذه الوسـائل صوراً عديدة منها ما تمس سلامة جسم الإنسان ، ومنها ما تمس نفسه بالأذى . وهذه الوسائل تَشُلُّ الإرادة أو تضعفها وتحدث آلام جسمية ونفسية بدرجات متفاوتـة حسب طبيعة تلك الوسائل ودرجة جسامة استخدامها عملياً ، وقد منع المشرع العراقي اللـجوء إلى تلك الوسائل حيث نصت المادة(127) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية على أنه (( لا يجوز اسـتعمال وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على إقراره . ويعتبر من الوسائل غير المشـروعة إساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير ))،كما نصت الفقرة (أ) من المادة (126) من القانون ذاته عل أنه ((لا يحلف المتهم اليمين إلا إذا كان في مقام الشهادة على غيره من المتهمين )).ويمكن إدراج الحالات التي نص المشرع العراقي على عدم جواز استخدامها في الاستجواب في صورٍ ثلاثة هي الإكـراه المادي والإكراه المعنوي والتأثـير الأدبي .ويتمثل الإكراه المادي بالاعتداء بقوة مادية لا قِبَلَ للمتهم بمقاومتها ، فتنعدم حرية الاختيار لديه ، أو تتأثر نسبياً ، فتكون الإرادة معيبة ولا قيمة لإقرار وأقوال المتهم الصادرة نتيجة لها وبغض النظر عن مقدار الألم .ويُعَدُّ التعذيب أَشَدُّ أنواع الإكراه المادي وأكـثرها شيوعاً وخـطورة علـى الحريـة الشخصية للمتهم ، فكثيراً ما تدفع شخصاً بريئاً للاعـتراف لكي يتخلص من آلامـه .حيث يلجأ لهذه الوسيلة المحققون العاجزون لإخفاء عـدم كفاءتهم وقصورهـم في التحقيق والتهرب من بذل الجهود التي يستلزمها مواصلة البحث عن الأدلة الموضوعية السليمة .
والإكراه المادي يُبطل الإقرار الصادر عن المتهم حيث نصت المادة (218) من قانون أُصول المحاكماتالجزائية العراقي على أنه : ((يشترط في الإقرار أن لا يكون قد صَدَرَ نتيجة إكراه مادي … )). ويُعَدُّ الإكراه المادي مبطلاً للأقوال والاعترافات سواءٌ أكان مباشراً كضرب المتهم وكيِّهِ وتمزيق ملابسه ، أو غير مباشراً كتعريض المتهم لأحوال معيشية رديئة مثل وضعه في زنزانة مظلمة لمدة طويلة ومنعه من مواجهة أهله وحرمانه من الدواء . وبالإضافة إلى بطلان الاعتراف فإن الإكراه المادي يُعَدُّ في حَدِّ ذاته جريمة تستوجب العقاب بموجب أحكام المادة(332)من قانون العقوبات العراقي رقم111 لسنة1969 التي تنص على أنه : ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين :- كل موظف أو مكلف بخدمة عامة استعمل القسوة مع أحد من الناس اعتماداً على وظيـفته فأخل باعتباره أو شرفه أو أحدث ألماً ببدنه وذلك دون الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها القانون ))، والمادة (333) من قانون العقوبات المذكور التي تنص على أنه : ((يعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عَذَبَ أو أَمَرَ بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو الإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها أو لكتمان أًمر من الأمور لإعطاء رأي معين بشأنها أما الإكراه المعنوي فيكون في هيئة التهديد قولاً وفعلاً بقصد التأثير على الإرادة وجعلها تتجه في طريق معين على غير رغبة الشخص دون أن يُلغي حُرية الاختيار ، فمن المعلوم أن التهديد يختلف أثره من شخص لآخر بالنسبة لاختلاف السن والجنس ودرجة التعليم والخبرة والبيئة ، وكذلك بالنسبة للاعتياد وعدمه على موقف الاتهام ، فأثره على المتهم لأول مرة يختلف على أثره على من اعتاد موقف الاتهام ، إذ أن المجرم المعتاد لا يتأثر في العادة بالتهديد الذي يَمُسُّ شخصيته كالتهديد بالتعذيب وحرمانه من الطعام والشراب ، ولكن إذا كان التهديد يَمُسُّ أشخاص ً أعزاء عليه كوالديه أو زوجته أو أولاده فإنه من الغالب أن يضعف أمام ذلك التهديد ويعترف بارتكابه الجريمة.
وقد منع المشرع العراقي استعمال الإكراه الأدبي لحمل المتهم على الإدلاء بأقواله ومن صورها الواردة في المادة 127 من قانون أُصول المحاكمات الجزائية العراقي التهديد بالإيذاء والوعيد ، كما أن المادة 218 من القانون ذاته اشترطت لصحة الإقرار أن لا يكون صادراً نتيجة إكراهٍ أدبي ، وأعتبر المشرع العراقي هذا الفعل يُشَكِلُ جريمة بحد ذاته عاقب عليه بموجب المادة 333 من قانون العقوبات سالفة الذكر . وقد عَدَّت المادة 127 من قانون أُصول المحاكمات الجزائية الوعد والإغراء من الوسائل غير المشروعة في الاستجواب فالوعد يكون بعرض الأمل بفائدة صادرة من الواعد قد يحققها أو لا يحققها ، بينما الإغراء هو عرض أمل الفائدة قد تأتي تلقائياً للمتهم من جراء تغيير موقفه -أي الإدلاء بأقواله أو اعترافاته- دون أن يكون للواعد أي دور في أحداث تلك النتيجة. والملاحظ أن المادتين 332 و333 من قانون العقوبات العراقي جاءت خالية من ذكر الوعد والإغراء باعتبارهما نوعٌ من إساءة استعمال السلطة ، لذلك فإن القيام بمثل هذا العمل يكيف وفق أحكام المادة 331 من القانون ذاته والتي نصت عل أنه : ((يعاقب بالحبس أو الغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين : كل موظف أو مكلف بخدمة عامة ارتكب عمداً ما يخالف واجبات وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها بقصد الإضرار بمصلحة أحد الأفراد أو بقصد منفعة شخص على حساب آخر أو على حساب الدولة )).
الدستور : اذا كان تعقد وتشابك الحياة المعاصرة يستلزم العمل على محاولة اكتشاف مصالح الشعب كحقيقة تاريخية وتنظيم هذه المصالح بناء على أهميتها وصياغتها في مؤسسات ، أو بعبارة أخرى إلى تأسيس شعور الشعب بالعدالة وخلق الشروط القانونية السياسية والاجتماعية لحماية سيادة تلك المؤسسات في الدولة لأنه إن لم تحترم سيادة القانون ومبادئ العدالة فسيكون الميل جارفا لاستبدال القانون بسلطة الفرد ، الأمر الذى يستلزم وجود دستور يحمي حقوق المواطنين التي لا يمكن الاستغناء عنها في تقدمهم الإنساني في عملية تحقيق أهدافهم كأفراد وكأعضاء مسئولين في المجتمع .
فمن الثابت أن سيادة القانون تستمد من سيادة الدستور ، فهو الذي يضع الأسس التي يقوم عليها القانون في كل فروعه ؛ فيسمو عليها بحكم مكانته ، وتخضع له جميع قواعده القانونية بحكم وحدة النظام القانوني الذي يعلوه الدستور . وبهذه العلاقة العضوية بين الدستور والقانون ، تتدرج القواعد القانونية من حيث المرتبة ؛ فيتخذ منها الدستور وضعه الأسمى .
وقد عبرت المحكمة الدستورية العليا المصرية عن ذلك في قولها بأن " الدولة القانونية هي التي تتقيد في جميع مظاهر نشاطها – وأيا كانت سلطاتها – بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطا لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازا شخصيا لأحد ، ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها ".
وإذا كان الدستور- كحقيقة يؤكدها التاريخ – ليس منحة من حاكم كما أنه ليس ديكورا يزدان به جبين نظام وليس زخرفا يتباهى به الحاكمون ، وإنما هو القول الفصل بين إدارة الحاكم وإدارة المحكوم . وهذه العلاقة تتسم بالقوة والفعالية " فوجود قانون الإجراءات الجنائية وما يعترضه من تنظيم للقضاء وتحديد لأسلوب عمله ، هو وفاء بالتزام تفرضه على الدولة المبادئ الدستورية العامة بكفالة توزيع العدالة بين المواطنين ، واهتمام قانون الإجراءات الجنائية بكفالة حقوق الدفاع وحماية كرامة المتهم وحقوقه الأساسية هو وفاء بالتزام دستوري بصيانة الحريات العامة ونتيجة لذلك كانت خطة الشارع في قانون الإجراءات الجنائية مرتبطة بسياسته الدستورية العامة .
ولم يثر شك في أن قانون الإجراءات الجنائية في نظام سياسي استبدادي يختلف عنه بالضرورة في ظل نظام ديمقراطي حر ، ذلك أن قيمة الفرد وكرامته وما ينبغي الاعتراف له بها من حقوق – ولو كان متهما – يختلف باختلاف هذين النظامين وتفسر هذه الصلة الوثيقة بين قانون الإجراءات الجنائية والدستور كيف أن بعض قواعد الإجراءات الجنائية الأساسية قد ارتقت في سلم التدرج التشريعي فاتخذت مكانها بين نصوص الدستور وتفسر هذه الصلة الوثيقة كيف أن التعديل الجوهري في الدستور إزاء الحقوق الفردية والحياة العامة ينبغي أن يتبعه تعديل في نصوص الإجراءات الجنائية ، وبغير ذلك ينتفى الاتساق بين الدستور وقانون الإجراءات الجنائية ، وتتعرض بعض نصوص الأخير للدفع بعدم دستوريتها ويؤيد ذلك أن تطبيق دستور جديد في مصر 1971 قد استتبع إدخال تعديل هام على قانون الإجراءات الجنائية بالقانون رقم 37 لسنة 1972 .
والمادة (19)من الدستور العراقي الدائم لسنة 2005 تنص على انه:
اولا- القضاء مستقل لاسلطان عليه لغير القانون.
المادة (47)من الدستور العراقي تنص على:
تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات.
الحقوق والحريات العامة من أهم الموضوعات التي تتناولها دراسات القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، والحق لدى فقهاء القانون هو تلك الرابطة القانونية التي بمقتضاها يخول لشخص على سبيل الإنفراد والاستئثار التسلط على شئ بمعنى إختصاص الشخص بقيمة معينة وحده دون غيره ، وينبغي أن يكون الإستئثار - وهو جوهر الحق - مستندا إلى القانون . والتصرف في الحق مشروط بعدم الإضرار بالغير . أما الحرية فهى الرخصة والإباحة للقيام بكل مالا يحظره القانون ، فهى رخصة للحصول على الحق فحرية التملك رخصة أما الملكية ذاتها فحق .
والحقوق والحريات العامة عرفتها المادة الرابعة من إعلان حقوق الإنسان الصادر في 1789م بأنها : " القدرة على إتيان كل عمل لا يضر بالآخرين " ، وطبقا لذات الإعلان فإن الحدود المفروضة على تلك الحرية لا تجوز إلا بقانون ، فالحرية إذا : هي تقييد إرادي بالنظام كما يقرره القانون والخضوع الإرادي للنظام هو الذي يميز الحرية عن الفوضى ، والسيادة بالنسبة للدولة بمنزلة الحرية بالنسبة للفرد ، فالدولة لها سيادتها كذلك الفرد له سيادته الشخصية وهي حريته .
وفي الحكومة الديمقراطية يكون الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات بمعنى أن إرادته هى الإرادة العليا التي لا توجد إرادة تساويها أو تعلو عليها داخل الدولة .
وقد كفل الدستور الكويتي للمواطنين الحقوق والحريات المعترف بها للمواطنين في دساتير البلاد الديمقراطية ، وقد تعرضت نصوص الدستور الكويتي إلى تلك الحقوق والحريات بإشارات مباشره وغير مباشره ، فديباجة الدستور تنص على إرساء دعائم ما جبلت عليه النفس العربية من إعتزاز بكرامة الفرد ، وهذا ما أكدته أيضا المادة (29) عند إشارتها إلى الكرامة الإنسانية وتساوي الناس فيها . والحريات التي كفلها الدستور الكويتي
حق الأمان
الإنسان بإعتباره إنسانا له الحق في الحياة مادام قد أتى إليها فمن حقه أن تكون له أرض ينتسب إليها "حق الجنسية" وأن يكون آمنا فيها يمارس حرياته وحقوقه دون خوف .
والدستور الكويتي احتوى كثيرا من النصوص التي تؤكد هذا الحق ، فنصت المادة (27) على أن : " الجنسية الكويتية يحددها القانون ، ولا يجوز اسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون " . فهي أقرت حق الكويتي في أن ينتسب إلى وطنه وأن يكون آمنا من سحب جنسيته منه أو إسقاطها عنه ويعد حق الجنسية مرتبطا بحق الإنسان في الحياة إذ لابد أن ينتسب الإنسان إلى أرض تحدد هويته ، وفي ذلك ما يقرره قانون الجنسية الكويتي رقم 15 لسنة 1959م وتعديلاته المختلفة من أن : " من يولد في الكويت لأبوين مجهولين يكون كويتيا بحكم الميلاد في أرض الكويت ما لم يثبت أنه قد جئ به من بلد آخر " . كذلك أشارت المادة (30) على أن : "الحرية الشخصية مكفولة ، وتشمل هذه الحرية الشخصية بكافة ما يلتصق بشخص الإنسان من حقوق وحريات باعتباره كذلك . وهي تتم بحدود مراعاة النظام العام والآداب وهو واجب عام على جميع من في الكويت من مواطنين وأجانب .
وتأكيدا لقوة هذه العلاقة الوثيقة فيما بين قانون الإجراءات الجنائية والدستور ؛ نذكر ما جاء بحكم المحكمة الدستورية العليا المصرية في القضية رقم 37 لسنة 9 ق دستورية بتاريخ 19/5/1960 من أن " الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور 1923 على تقرير الحريات والحقوق العامة في طيها قصدا من الشارع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام وفي حدود ما أراده الدستور لكل منها من حيث إطلاقها أو جواز تنظيمها تشريعيا فإذا خرج المشرع فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستوري بأن قيد حرية أو حقا ورد في الدستور وقع عمله التشريعي مشوبا بعيب مخالفة الدستور .



#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)       Majid_Ahmad_Alzamli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توازن القوى الدولية
- ألإجراءات الجنائية والدفاع عن حقوق ألإنسان
- الدولة القانونية
- كيف تتهاوى الدكتاتويات
- الاسس التي تحافظ على ديمومة الديمقراطية


المزيد.....




- الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة -الأونروا- بقيمة ...
- حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية
- بن غفير يدعو لإعدام المعتقلين الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ ال ...
- حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية
- المواجهات تعود لمدينة الفاشر رغم اكتظاظها بالنازحين
- شهادات مروّعة عن عمليات التنكيل بالأسرى داخل سجون الاحتلال
- دهسه متعمدا.. حكم بالإعدام على قاتل الشاب بدر في المغرب
- التعاون الإسلامي تؤكد ضرورة تكثيف الجهود لوقف جرائم الحرب بح ...
- -العفو الدولية- تتهم السلطات الكردية بارتكاب جرائم حرب في سو ...
- فرنسا تطرد مئات المهاجرين من باريس قبل انطلاق الألعاب الأولم ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - ماجد احمد الزاملي - ضمانات الحريات العامة بين قانون الاجراءات الجنائية والدستور