تيار المناضل-ة بالمغرب في حوار مفتوح مع القارئات و القراء حول: الحالة النضالية الراهنة بالمغرب و آفاق تثويرها، ودور الاحزاب والقوى اليسارية


المناضل-ة
الحوار المتمدن - العدد: 3387 - 2011 / 6 / 5 - 16:01
المحور: مقابلات و حوارات     

أجرى الحوار: فواز فرحان
من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 54 - سيكون مع الرفيقات والرفاق في تيار المناضل-ة حول: الحالة النضالية الراهنة بالمغرب و آفاق تثويرها، ودور الاحزاب والقوى اليسارية.


1 ــ المغرب يعيش اليوم حالة ثورية كبقية العالم العربي لكنها أخف وطأةً من غيرها الى ماذا تعزون هذا ؟ وكيف تقيّمون دور الاحزاب والقوى اليسارية، والنقابات العمالية في هذا النضال؟

توخيا للدقة، يجدر القول إن الوضع بالمغرب ليس حالة ثورية بالمعنى الماركسي. فأمارات الحالة الثورية [ازمة في القمة، أي ازمة سياسية لدى الطبقة السائدة تكون شقا ينفذ منه الاستياء الشعبي، و تفاقم بؤس الطبقات المضطهدة على نحو يفوق المألوف، ومن ثمة تعاظم نشاط الجماهير ] غير مكتملة. لكن ثمة طبعا وضع جديد نشأ منذ مظاهرات 20 فبراير 2011. يمكن توصيف الحالة بأنها مد نضالي غير مسبوق من حيث الحجم، لكنه في طور سياسي ابتدائي. وهذا هو دلالة الوطاة الأخف المشار اليها في السؤال.
قبل 20 فبراير، كان كفاح الطبقات الشعبية في حدود نضال نقابي محض، تمكنت الدولة من ابقائه في حدود مضبوطة بفضل تعاون الاجهزة القيادية معها، وبفعل مستوى البطالة و هشاشة التشغيل (العمل المؤقت، و تعاظم قطاع الاقتصاد غير المنظم). و الى جانبه حركة خريجي الجامعات المعطلين،كما تنامت الاحتجاجات بالمناطق المهملة، و بلغت ذروة في مدينة طاطا – نهوض شعبي قوى من اجل الحق في خدمات الصحة المجانية و الجيدة - وفي مدينة ايفني العام 2008 من أجل مطالب اجتماعية.

درجة الغليان الشعبي بالمغرب ادنى من بلدان أخرى بالمنطقة بفعل طبيعة النظام السياسي المغربي الذي تمكن من إدماج المعارضة التاريخية في آليات ضبطه للوضع السياسي و الاجتماعي، فمنذ 13 سنة تشارك تلك المعارضة في حكومة الواجهة. و كذا بفعل حياة سياسية و نقابية، لا تقارن بما في انظمة مستبدة اخرى، تشكل مع ذلك صمام امان للنظام. علاوة على أن وفاة الحسن الثاني ذاتها نفست الوضع، وكذلك اقالة الملك الجديد لادريس البصري وزير الداخلية طيلة عشرين سنة، الذي تركز عليه الحقد الشعبي.
باختصار، موجة النضالات التي شهدها المغرب في الاشهر الثلاثة الاخيرة هي في العمق استمرار لحالة كانت قائمة، و لقيت حفزا قويا جدا من السيرورات الثورية الشعبية بتونس و مصر، فاتسعت و شملت البلد كله.

موجة النضال الجارية، منذ 20 فبراير، يقوم فيها اليسار الجذري اساسا بدور فعال، ومنه حزب النهج وتيار المناضل-ة، ومجموعات التيار القاعدي بالجامعة، و تيارات اخرى اقل تهيكلا. هذا مع أن فعل هذا اليسار الجذري منقسم بفعل تباين الموقف من العمل المشترك مع اسلاميي "العدل و الاحسان". اما اليسار الاصلاحي فوحده الحزب الاشتراكي الموحد منخرط بفعالية في الدينامية بمطلبه الرئيسي، مطلب ملكية برلمانية.
اما النقابات العمالية، فدورها في النضال من اجل انهاء الاستبداد والفساد ضعيف جدا. يقتصر الفعل النقابي لحد الآن على نضالات شغيلة الدولة بالدرجة الأولى من اجل مطالب أولية [ اجور، تسوية اوضاع مهنية،...]، وحدها بعض الفروع النقابية ايدت مظاهرات 20 فبراير، ويشارك النقابيون اليساريون بصفتهم افرادا . اما القيادات النقابية فقد سعت الى رفع الحرج الناتج عن تخلفها عن الركب باعلان تأييد لفظي لحركة 20 فبراير ليس إلا. فتلك القيادات منحازة سياسيا الى الدولة وتساعدها على تدبير الوضع الاجتماعي بسياسة تعاون طبقي منهجية. و طبعا يعكس هذا الوضع ضعف اليسار النقابي، لا بل حتى امتناع القسم الاعظم من اليساريين في النقابات عن بناء معارضة نقابية متسلحة ببرنامج نضال بوجه سياسة البيروقراطيات.

2 ــ هل ترون تحقيق ملكية دستورية حقيقية تسودها العدالة الاجتماعية مطلباً جماهيرياً ؟ أم أنها حالة عابرة ستخف مع تحقيق إصلاحات جزئية بسيطة من قِبَل الملك؟ او هناك توجه جماهيري نحو إسقاط الحكم الملكي؟

مطلب الملكية الدستورية الحقيقية مطلب نخبة، و عديم العمق الجماهيري. قسم من اليسار – لا سيما الحزب الاشتراكي الموحد- رفع هذا المطلب حتى قبل موجة النضال الجارية، وقد انضاف اليه الشباب الذي وضع مطالب حركة 20 فبراير. لكن دلت المسيرات الشعبية التي شهدها البلد في الاشهر الثلاثة الاخيرة ان المطلب الاجتماعي [ البطالة، الخدمات العامة...] هو المحرك الرئيسي للجماهير، مع استياء سياسي مبهم غير متبلور في مطلب دقيق. وعي الجماهير السياسي ادنى بكثير من مطلب الملكية البرلمانية. وقد كشفت المقاطعة العريضة لآخر انتخابات برلمانية و بلدية استياء شعبيا من لعبة النظام السياسية، لكنه استياء بلا افق. لا غرابة في الامر حيث تعرضت هذه الجماهير لتخبيل سياسي طيلة عقود شاركت فيه قوى المعارضة التاريخية بقوة، بفعل احتكارها المديد للمعارضة فيما اليسار الثوري عرضة لحملة استئصال بالقمع، علاوة على اوجه قصوره الذاتية.

اصلاحات الملك المرتقبة لم تقنع المطالبين بملكية برلمانية، وقد قاطعوا اللجنة التي شكلها الملك لصياغة تعديلات دستورية. و لا يستبعد مع تسيس محتمل للنضالات الجارية ان يكتسي مطلب الملكية البرلمانية طابعا جماهيريا، فعادة ما يجتاز وعي الجماهير طورا اصلاحيا قبل بلوغ مستوى ثوري. لذا لا يوجد ثمة لحد الآن توجه جماهيري نحو اسقاط الحكم.

3 ــ الحكم بالمغرب مستبد، لكن امكانات العمل المتاحة لليسار، أفضل من تونس بنعلي، ومصر مبارك، ناهيك عن سوريا الأسد، ، هل ترون لليسار دوراً كبيراً في الساحة لا تعبّر عنه وسائل الاعلام أو أنها تتجنب الحديث عن هذا الدور؟ وكيف تقيمون التنسيق والعمل المشترك بين القوى اليسارية في المغرب؟

فعلا لا تعكس وسائل الاعلام مكانة ودور اليسار المغربي في المجتمع. فرغم الصعود الاسلاموي الذي شهده المغرب على غرار بلدان المنطقة، حافظ اليسار على دور كبير في الساحتين السياسية و النقابية، و صمد بالجامعة على نحو لا نظير له بالمنطقة.
الحركة الوطنية بالمغرب لم تستلم الحكم بعد الاستقلال، و قد اتاح ميزان القوى وجود نقابة عمالية قائمة الذات، لم يصنعها الحكم، و احزاب يسار ومنظمة طلابية، وصحافة ، الخ. ورغم حملت القمع المتتالية اضطر النظام الى ترك هامش حريات، على تلك الصعد كافة.
اما تعاون قوى اليسار فليس بعدُ في مستوى ما يقتضيه ظرف. فقد كان تجمع اليسار الديمقراطي يضم الى جانب النهج الديمقراطي كلا من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و حزب المؤتمر الوطني الاتحادي [واجهة سياسية لجهاز نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل]، والحزب الاشتراكي الموحد. و قد اقتصر هذا التجمع على اعلان نوايا، واصدار بيانات، فيما غاب اي برنامج عمل ميداني، وقد انفرط عقد هذا التجمع قبيل الانتخابات الاخيرة لبقاء النهج متمسكا بموقف مقاطعتها، بينما الاحزاب الاخرى تبني استراتيجيتها عمليا على الانتخابات.
اما اليسار الجذري، فلا يزال يعاني من تشتت قواه، وضعف تبلور بعضها سياسيا و تنظيميا. كما يعاني مصاعب في توحيد تدخله في الساحة النقابية بفعل استمرار تباين تكتيكات العمل الناتج عن فهم غير موحد لدور الثوريين في النقابات.

4 ــ المرأة المغربية لا تزال تعيش في إطار المجتمع العربي الاسلامي وهناك ضغوط تمنعها من التقدّم الى الامام سواء من قبل الحكومة ام من المجتمع ، كيف يمكن بعث الثقة لدور المرأة على الساحة المغربية و تعزيز نضالها من اجل المساواة الكاملة بعد التغييرات القانونية مثل مدونة الأسرة وتوقيع اتفاقية - سيداو - بدون اي تحفظ من قبل المغرب؟

تظل مكاسب النساء بالمغرب طفيفة ، رغم التغييرات القانونية. انما تدبو متقدمة فقط بالقياس الى انظمة مغرقة في الرجعية مثل السعودية، و اكثرية الانظمة بالمنطقة. فحتى المكاسب الطفيفة تصطدم بواقع متخلف. فالميول المحافظة قوية في المجتمع، و نسبة الأمية عالية، لاسيما بين النساء [الثلثان]، ناهيك عن المستوى الثقافي، وسطوة التقاليد. فرغم التحسين الطفيف بقانون الاسرة، تستمر ظاهرة تعدد الزوجات والطلاق الأحادي و تزويج القاصرات، فضلا عن ضعف تفعيل عدد من المساطر المفيدة للمرأة المطلقة، ثم اللا مساواة في الإرث بين الجنسين..وغيرها من المظاهر التي تكشف التمييز ضد المرأة بشكل عام.
كما أن رفع الدولة المغربية تحفظاتها على اتفاقية القضاء على كل اشكال الميز ضد المرأة – سيداو- لم يجد سبيلا الى التفعيل بعد مضي عامين ونصف العام على اعلانه. وقد اضيف مؤخرا – 26 مايو 2011- مصادقة مجلس الحكومة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية سيداو.
تظل هذه المكاسب مجرد نقاط ارتكاز لتطوير النضال النسائي. و قد بلغت الحركة النسائية المغربية مداها بحكم طبيعتها النخبوية. بفعل ضعف قاعدتها الاجتماعية، بوجه حركة اسلاموية أقوى، ارتمت عمليا في احضان الملكية و اصلاحاتها المبتورة. تحقيق المساواة يستدعي بناء حركة نسائية جماهيرية ببرنامج نضال يدمج البعد المناهض للراسمالية في اضطهاد النساء. فالراسمالية التابعة تستعيض عن بنيات الرعاية الاجتماعية باستعباد النساء بالعمل المنزلي و وبمهام رعاية الشيخوخة و الاعاقة، و فضلا عن ذلك تفرط استغلالهن في العمل.


5 ــ الشبيبة الثورية في المغرب هي التي شكلت أغلبية في المظاهرات المطالبة بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية في المغرب ، وشكلت عنصراً لا يمكن تجاهلهُ في الساحة المغربية ، كيف يمكن الاستفادة من هذه الموجة الكفاحية وإبقاءها حاملة للشعلة الثورية ؟

تميزت فعلا المظاهرات المنطلقة بالمغرب منذ 20 فبراير الاخير بنسبة عالية من الشباب، شباب متطلع الى حل مشاكله الاجتماعية، على رأسها مشكل البطالة. وحتى قبل 20 فبراير كان لهذه الفئة من الشباب دور بارز في الاحتجاجات التي شهدها البلد، وكانت منظمة خريجي الجامعة المطالبين بالعمل [الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب] فاعلا رئيسيا بساحة النضال الاجتماعية، فهي التي كرست تقاليد الاحتجاج بالشارع، و نقلتها الى كافة ارجاء البلد، وكان لذلك تاثير كبير على نمو النضالات الاجتماعية بالعالم القروي و المراكز الحضرية الصغيرة. وقد كان اليسار الجذري يمارس دوما تاثيرا موجها داخل تلك المنظمة. و الى جانبها ثمة مجموعات معطلين، ذوي تكوين عال، جعلت الساحة امام البرلمان ميدانا رئيسيا لاحتجاجاتها، وكانت عرضة دائمة لقمع شرس. كما كان للطلاب، لا سيما ببعض المدن الجامعية التي تواصل بها نشاط المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، دور فعال في المظاهرات الشعبية من أجل الحرية و العدالة الاجتماعية. لكن الثوريين ضمن موجة الشباب هذه اقلية، حتى قياسا بالشباب المؤيد لحركة العدل و الاحسان الاسلاموية ، وهي ايضا فاعل ضمن الدينامية النضالية الجارية.
الشحنة الثورية موجودة ضمن الشباب، لكن ثمة عوائق ذاتية لا تزال تشل تحول الوجود بالقوة الى وجود بالفعل. فعلى سبيل المثال تحطم ظاهرة العنف بين تيارات اليسار الجذري بالجامعة، وبينها وبين التيار الامازيغي، عقبة كبيرة في وجه تثوير وعي الطلاب بصفة عامة. وهذه ظاهرة ضمن حالة اعم من تغييب الديمقراطية في تسيير النضالات، وفرض وصاية على القاعدة الطلابية.
امكانات تطور الشباب المناضل في افق ثوري ُتهدر نسبيا، و لا يمكن السير قدما الا بمراجعة تيارات الحركة القاعدية [ النهج الديمقراطي القاعدي] لسلوكها اللاديمقراطي و العنيف من جهة و تجاوزها لازمتها الناتجة عن طابعها الطلابوي و تحجرها الفكري، و قدرة غيرها من التيارات الطلابية الجذرية على اعطاء مثال ممارسة ديمقراطية حقيقية، و تجارب نضال كفاحية وجماهيرية.

كما يتوقف التطور الثوري للشباب على نجاح اليسار الجذري في تطوير حركة النضال ضد البطالة، بالتسيير الذاتي الديمقراطي للنضالات، فهو الكفيل باستيعاب القوى المتدفقة الى الجمعية، وبتطوير وعيها السياسي. فلحد الآن ثمة ميل الى تعارض الاقلية المسيسة مع القاعدة العريضة التي يحركها اساسا مطلب فرص العمل.