لا حل رأسمالي نهائي للأزمات متعددة الأوجه، يوجد بديل؛ الاشتراكية


المناضل-ة
الحوار المتمدن - العدد: 7706 - 2023 / 8 / 17 - 10:52
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


يوجد العالم في مفترق طرق؛ أزمة عميقة بأبعاد متعددة: اقتصادية واجتماعية ومالية وبيئية…الخ. تهدد الرأسمالية البشرية بكوارث عظمى ليست أزمة كوفيد 19 مؤخرا سوى نذيرها الذي كشف كل عيوبها وفاقمها.
يولد النظام الرأسمالي أزمات مركبة: الأزمة الغذائية والاقتصادية والبيئية وأزمة الطاقة والمالية والأزمة الصحية والأزمات الاجتماعية والتوترات والحروب الدولية، والتي تكون عواقبها مأساوية دائمًا. وأنصار الرأسمالية باختلافهم مجمعون على أنها أبعد ما تكون عن مسؤولية معاناة البشر، وعن تدمير محيطهم البيئي…الخ، وهم يرجعون كل ذلك لأخطاء ليست من صميم الرأسمالية.
إن الأزمات ملازمة لنمط الإنتاج الرأسمالي الحامل للأزمة كما تحبل الغيوم بالعاصفة. ليست الأزمة حصيلة الصدفة أو صدمة “خارجية”، بل يجري تضليل الناس بشأن جوهرها، وتعفى الرأسمالية من مسؤولية أزماتها بواسطة أضاليل كون السوق الحرة والمنافسة الحرة والنزيهة كفيلين بضمان الاستخدام الأمثل للقوى الإنتاجية وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وحين تحدث أزمات تعزوها الأيديولوجية السائدة لعوامل “خارجية” من قبيل تدخلية الدولة والسلوك السيء للبعض… أي أن أصل الأزمات الرأسمالية يعود لعوامل أخرى غير منطق الرأسمالية بالذات.
إن تاريخ الرأسمالية بالذات تاريخ تعاقب فترات ازدهار وفترات ركود، وهي حاليا تجتاز فترة أزمة طويلة الأمد منذ نهاية سنوات 1960 وبداية سنوات 1970، لم تجد معها الحلول البرجوازية نفعا حتى الآن، وحتى سنوات الليبرالية المنفلتة من عقالها، المدمرة للمكاسب، والمصادرة للحقوق الإنسانية الأكثر أولوية، لم تنجح في تخطيها، ودخول فترة ازدهار جديدة أطول، رغم التطور الهائل الذي شهدته القوى الإنتاجية جراء الثورة التكنولوجية…
تكفي الحقائق الماثلة أمامنا اليوم لتوضيح مدى الكارثة الاجتماعية والإيكولوجية التي تتسبب فيها السيطرة الرأسمالية على العالم، كما أنها كافية لإبطال خطاب مؤيدي النظام المتمثل في اعتبار أن التقدم، بلمسات صغيرة متتالية، يولد تحسنا شاملا في الظروف المعيشية والحد من أوجه عدم المساواة. لكن، عكس ذلك، حتى في أوقات النمو، تتفجر كل مصائب الرأسمالية المكرسة لكل أوجه عدم المساواة.

لا رأسمالية دون أزمة، فهذه من صميم منطق تلك. وأزمة الرأسمالية اليوم تهدد الجنس البشري ومحيطه البيئي زيادة على أهوال مصائبها الاعتيادية: البطالة الجماهيرية والبؤس والهشاشة وكل الأمراض الاجتماعية المصاحبة لها، بل إن الكارثة جارية أصلا في أطراف الرأسمالية: فقر وبطالة وحروب وأوبئة، وأزمات سياسية عميقة ودائمة…
لن تموت الرأسمالية تلقائيا جراء أزماتها، فهي إحدى أعمدتها، من جهة تأتي الأزمة جوابا على تراكم هائل لأرباح الرأسماليين التي لا تجد لها منفذا استثماريا مربحا، ومن جهة أخرى تخدم الأزمة رأس المال كي يستعيد ربحيته وتراكمه، وغزو مجالات وفضاءات أخرى ظلت منفلتة من قبضته.
بالتالي لا مخرج من أزمات الرأسمالية سوى بالقضاء عليها. إن الحل الوحيد لأزمة الرأسمالية المعولمة هو الكفاح الذي يعتمد عليه مستقبل البشرية، الكفاح من أجل اشتراكية ديمقراطية وبيئية ونسوية.
اتسمت العولمة الرأسمالية بهجوم الطبقات الحاكمة على العمال والشعوب من أجل زيادة الأرباح، وهي تقود البشرية إلى أزمة عميقة وهيكلية لنمط الإنتاج الرأسمالي نفسه تهدد تبعاتها مستقبل الكوكب.
تفاقم، منذ ثمانينات القرن العشرين (صعود النيوليبرالية وانحدارها)، الاستغلال، والتنافس بين العمال في إطار تقسيم دولي حاد للعمل، وتعميق أوجه عدم المساواة بجميع أنواعها، وإدامة نهب الشعوب في إطار العلاقات الإمبريالية، واستنزاف الموارد، وتدمير كوكب الأرض.
إن ويلات هيمنة رأس المال تضفي كل راهنيته لخيار «الاشتراكية أو الهمجية».
لا توجد رأسمالية أكثر “إنسانية”، يتوقف كل شيء على موازين القوى التي يجري بناؤها عبر نضالات وثورات طبقية جبارة. كان هذا صحيحا في السابق (فترة الثلاثين “المجيدة” التي أعقبت مآسي ازمة سنوات الثلاثينيات من القرن العشرين، وأهوال الحرب والفاشية، وميزان قوى لصالح الطبقة العاملة وحلفائها)، وهو أصح اليوم.
كي يتم إنهاء الأزمات يتوجب إنهاء الاستغلال، وبالتالي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والتبادل والاتصال الرئيسية، التي تشكل الأساس. ينبغي تأميم النظام المالي، والخدمات الأساسية، ووضع الشركات الكبرى تحت رقابة العمال والسكان، الذين سيتولون ملكيتها وإدارتها في إطار تخطيط ديمقراطي متحرر من قبضة رأس المال. هكذا فقط يمكن لإنتاج الثروة وتوزيعها أن يفيد المجتمع ككل. فالغذاء والسكن والرعاية الصحية والتعليم والترفيه احتياجات أساسية يجب ضمانها للجميع.
من الواضح أن الاشتراكية، التي ندعو لها، لا علاقة لها بالسياسات الرأسمالية للقوى السياسية والاجتماعية النيوليبرالية، وللأحزاب الحاملة ليافطة اشتراكية في حين تتبنى سياسات تعاون طبقي رأسمالية. وبالمثل، فاشتراكيتنا تتعارض بشكل جذري مع اشتراكية الديكتاتوريات البيروقراطية المغتصبة للاسم (الاتحاد السوفياتي السابق والصين…) والتي أعادت إنتاج آليات الاستغلال والقمع التي ادعت محاربتها، وشجعت أسوأ أشكال الإنتاجوية.
نريد الوصول إلى تنظيم ذاتي ديمقراطي للمجتمع متحرر من الاستبداد والاستغلال، ما يعني أوسع الحريات في التنظيم والتعبير السياسي. نريد مجتمعا تتعزز فيه الحريات، ونعتقد أن الاشتراكية هي بالفعل عهد الديمقراطية الحقيقية.
هذا ما يتطلب:
بناء منظمات نضال طبقي ديمقراطية وكفاحية
رفع درجة وعي المستغَلين/ات والمضطهدين/ات وقتاليتهم/هن
ضرورة قوة/قوى سياسية معبرة عن تطلعات الطبقة العاملة الآنية والمستقبلية
منظور إقليمي وأممي للتحرر من نير الرأسمالية ومن أجل أفق اشتراكي ايكولوجي
هذا ما نعمل من أجله في تيار المناضل-ة وندعو طلائع النضال إلى الوحدة لتحقيقه.