أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - سورية: فراغ السلطة ومولد المعارضة















المزيد.....

سورية: فراغ السلطة ومولد المعارضة


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 3382 - 2011 / 5 / 31 - 06:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن الشعور بفراغ السلطة في دمشق قويا عند الرأي العام السوري والعالمي كما هو عليه اليوم. فبعد أكثر من شهر ونصف على آخر خطاب للرئيس السوري توجه به إلى أعضاء حكومته الجديدة لحثهم على تحسين نوعية الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، يكاد يكون المشهد خاليا من أي مبادرة أو قرار أو توجيه سياسي أو بيان من قبل الحكم، إذا استثنينا حديث وزير الخارجية وليد المعلم الذي قال فيه إنه ليس رجل سياسة وإنما هو منفذ فحسب. لا يعني هذا الصمت المريب لرجال الدولة أنه لا توجد هناك سياسة ولكنه يعني أن السياسة الوحيدة التي اختارها أصحاب النظام هي أن يطلقوا يد الأجهزة الأمنية والعسكرية في الأحياء والمدن للاستمرار في تطبيق سياسة القمع والعقوبات الجماعية على المتظاهرين، بانتظار أن تحدث معجزة تسمح لرجال السياسة في النظام أن يخرجوا على الرأي العام بخطاب جديد يؤكد أنهم انتصروا، وأنهم هم الوحيدون الذين يقررون مصير البلاد، وبرنامج الاصلاح ورزنامته وحدوده. وهذه السياسة هي التي لم يكف المسؤولون السوريون على التأكيد عليها بتردادهم دائما أنهم لا يقبلون بالضغط عليهم ولا ينبغي لأحد أن يحلم أن يستطيع بالضغط أن ينال شيئا منهم. هم أسياد البلاد وسوف يبقون أسيادها، وأي إصلاح يمكن تقديمه سيكون كرما منهم ولا معنى له إلا إذا قبله الشعب كما هو وأعلن أنه مدين به للنظام .

لكن الحملات التأديبية التي نظموها منذ أكثر من شهرين لتحقيق هذا الهدف، والتي ترجمت باجتياح منهجي للمدن والأحياء التي تشكل بؤرا قوية للثورة، وما قاموا به من قتل عشوائي للمتظاهرين، واعتقالات بالجملة للألوف منهم، قد باءت جميعا بالفشل. وبدل أن تخلق الوضع الذي حلم به النظام، كما صرحت به منذ أسبوعين مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان عندما قالت إن السلطة سيطرت على الوضع واستعادت المبادرة، وما نقل عن الرئيس نفسه بعد أيام من ذلك، من أنه يعتقد أن القضية انتهت، قدمت هذه الحملات البرهان القاطع على أن بركان ثورة الحرية يزداد زخما يوما عن يوم، وأن المبادرة لا تزال في يد القوى الشبابية التي لم تكن أفضل تنظيما وتنسيقا في ما بينها مما هي عليه اليوم، وأنه إذا كان هناك من انتهى بالفعل فهو النظام نفسه وليس العكس. والمقصود هنا من الانتهاء أن النظام استنفد خياراته جميعا.

والواقع أن القيادة السياسية السورية لم تفكر ولو لحظة واحدة في احتمال أن لا تستطيع قمع الثورة وإخمادها، ولم يكن لديها أي رؤية سياسية لما يمكن أن تفعله في حالة كهذه. لقد كانت على ثقة مطلقة بأنها تملك وسائل القمع التي تمكنها من إعادة الشعب إلى أقفاصه القديمة، وأن المسألة ليست سوى مسألة وقت وتوسيع منظم لدائرة العنف والتنكيل والعقاب الجماعي للسكان لعلهم ينقلبون أيضا على فكرة ثورة الحرية ومسيراتها. وقد وضعوا في خدمة هذه الخطة كل ما لديهم من موارد عسكرية وقمعية ومن أجهزة إعلامية، ومن رصيد سياسي وعلاقات دولية، ولم يسألوا عن شيء لا عن رأي عام سوري ولا عربي ولا دولي، بل لم يسألوا حتى عن رأي حلفائهم السياسيين في العالم العربي والعالم. فتورطوا بجرائم يندى لها جبين البشرية، وذاع صيت عنفهم في أصقاع الأرض، فابتعد العالم عنهم، في الوقت الذي فقدوا فيه أي أمل في أن ينظر إليهم أحد بوصفهم نظاما سياسيا أو يتمتع بالحد الأدنى من منطق السياسة ومفهومها، كما هي ممارسة في بداية هذا القرن الواحد والعشرين.

من هنا شكل إخفاق خطة قمع الحركة الاحتجاجية الشعبية مأزقا استراتيجيا خطيرا للنظام. فمن جهة فقد النظام بسبب انتهاكاته الخطيرة لحقوق الانسان وتحوله في نظر العالم إلى ما يشبه نظام احتلال أجنبي، آخر ما كان يملكه من رصيد، ولم يعد هناك من يراهن، حتى من القوى المؤيدة له، في سورية وخارجها، على أي مبادرة إصلاحية، تصدر عنه أو عن رئيسه. وهذا ما عبر عنه إلحاق اسم الرئيس السوري بقائمة الأسماء أو الشخصيات التي تطبق عليها عقوبات دولية من قبل الحكومات الاوروبية والأمريكية. لكن من الجهة الثانية قطعت سياسات العنف الدموي التي مارسها تجاه الشعب بأكمله لانتزاع النصر على الحركة الاحتجاجية بأي ثمن كل احتمالات فتح حوار جدي مع قوى المعارضة، تسمح للنظام بالمناورة للبقاء او لاستعادة جزء من المبادرة السياسية. ولم يعد أحد يؤمن في سورية والخارج أن نظاما يستخدم هذا القدر من العنف يمكن أن يستمر، فما بالك بقبول شباب الانتفاضة مبدأ الحوار مع مسؤولين تحولوا إلى رمز للعنف والقتل المنظم ولا يوفرون وسيلة للايقاع بهم والقضاء عليهم.

باختصار إن فشل الحل الأمني المطبق منذ عشرة أسابيع متواصلة والذي راح ضحيته ألوف القتلى والجرحى والمعتقلين والمنكوبين والمشردين من جهة، واستبعاد الحل السياسي، أي احتمال القبول بحوار مع النظام من قبل قوى الاحتجاج للتوصل إلى تسوية من الجهة الأخرى، لم يبق أمام النظام أي خيار سوى الهرب إلى الأمام والتصعيد النوعي في العنف بحيث يزداد الضغط على الشعب، ويتعمق الخوف مما هو أعظم. هذا هو مغزى التوجه نحو قتل الأطفال والتمثيل بجثامينهم وجثامين الشباب أيضا، كما كان معنى إطلاق النار على النساء العزل منذ بضعة أيام، وتسليم هذه الجثامين الممثل بها لأسرها، في الأسبوع الماضي، ثم إطلاق النار على حافلة للأطفال يوم السبت الفائت، بعد جمعة حماة الديار، راح ضحيتها عشرة أطفال، خمسة منهم بجروح خطيرة وهاجر الطفلة الشهيدة الإضافية. كل ذلك جزء من رسائل مزدوجة موجهة أولا للشعب السوري مفادها أن هذا هو ما ينتظركم إذا قررتم الاستمرار في مسيرات مناهضة النظام والعمل على تغييره. وثانيا للرأي العام العالمي تؤكد له أن عزل النظام ومحاصرته ومعاقبته لن تزيده إلا شراسة وتحللا من أي التزامات أخلاقية أو سياسية، من تلك التي تحدد سلوك الدولة تجاه مواطنيها، وفي مقدمها حفظ أمنهم، مما تؤكد عليها اليوم منظمات حقوق الانسان والمحافل الدولية.


أمام نظام يتهاوى سياسيا، ويترك فراغا يغري جميع القوى المعادية للنظام بمحاولة استثماره، ليس من المقبول ولا المسموح أن تبقى المعارضة السياسية مشتتة أو غائبة عن الصورة. وبقاؤها في هذا الوضع، مهما كانت مبرراته، تخلق فراغا خطيرا يثقل على شباب الثورة بمقدار ما يترك آفاق التغيير مجهولة وغامضة، ويغري أيضا الكثيرين بالاستفادة من هذا الفراغ لتحقيق مصالح ليس لا علاقة لها بما بذله الشهداء من دماء من أجل تحرير وطنهم من الاستعمار الداخلي. من هنا ربما أصبح من الضروري لشباب الانتفاضة أن يشاركوا هم أنفسهم في إطلاق شرارة تكوين الهيئات السياسية التي تتماشى مع تطلعاتهم وتعكس طموحاتهم وتواكب كفاحهم من أجل سورية جديدة، سورية حرة وديمقراطية تضمن الأمن والحرية والعدالة والمساواة لجميع أبنائها. وربما سيساعد مثل هذا العمل على تحرير المعارضات السياسية التي وجدت صعوبات في التحرك إلى الأمام، بعد شهرين ونصف من الكفاح البطولي والدامي لشباب الثورة المعجزة، من قيودها، ويدفعها إلى الالتحام بهم ومواكبة مسيرتهم الظافرة.



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لنتحد حول انتفاضة جميع السوريين
- شهران على انتفاضة الكرامة السورية: الخيار الوحيد هو النصر
- الخصوصية السورية
- الأزمة السورية والمخرَج السياسي
- كلمة مابعد الجمعة العظيمة
- المعجزة السورية
- نداء إلى شعوب الأمة العربية
- قنبلة الفتنة الطائفية أو إجهاض المواطنية
- سورية على طريق ثورة الكرامة والحرية
- عهد المواطنة العربي الجديد
- مقتطفات من كتاب النخبة والشعب، دار بترا دمشق 2010
- الثورة التونسية أو دخول العرب في الحداثة السياسية
- في جذور تفكك عالم العرب وبؤس أحوالهم
- 2011 عام القلاقل والتحولات
- تونس تفتح طريق الحرية
- من أجل إدانة شاملة لحرب التطهير الديني ضد المسيحيين في العرا ...
- الأزمة العربية بين الهوية والتحول
- د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة ا ...
- النظام الدولي و-طبقات- الدول
- العرب ومعركة تحجيم إسرائيل


المزيد.....




- قطر ترفض تصريحات -تحريضية- لمكتب نتنياهو حول دورها في الوساط ...
- موقع عبري يكذّب رواية مكتب نتنياهو بخصوص إلغاء الزيارة إلى أ ...
- فرقة -زيفربلات- الأوكرانية تغادر إلى سويسرا لتمثيل بلادها في ...
- -كيماوي وتشوه أجنة-.. اتهام فلسطيني لإسرائيل بتكرار ممارسات ...
- قطر ترد بقوة على نتنياهو بعد هجومه العنيف والمفاجىء على حكوم ...
- موسكو تؤكد.. زيلينسكي إرهابي دولي
- برلماني روسي يعلق على تصريحات روبيو بشأن حدود أوكرانيا الحال ...
- -واشنطن بوست-: خبراء يتحدثون عن مشاكل بتنفيذ اتفاقية الموارد ...
- محللون: نتنياهو يخطط لاحتلال غزة دون تحمل مسؤولية سكانها
- رحلة إلى عاصمة السفاري


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - سورية: فراغ السلطة ومولد المعارضة