أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - الأزمة العربية بين الهوية والتحول














المزيد.....

الأزمة العربية بين الهوية والتحول


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 3163 - 2010 / 10 / 23 - 10:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أمام ما يظهر للناظر من أوضاع بائسة تعيشها المجتمعات العربية المعاصرة، يكاد القسم الأكبر من المحللين والباحثين يعرض عن الأخذ بالمقاربات التي طورتها العلوم الاجتماعية الحديثة والتي تنظر في الشروط التاريخية، الجيوستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية، لولادة النظم الاجتماعية وتحولها، وينزع مقابل ذلك إلى البحث عما يعتقد أنه الجذور الأبعد للداء، تلك الجذور التي تتصل بالشخصية أو الهوية أو الثقافة أو الدين. وفي هذه المقاربة لا يكون الاضطراب والضياع، وربما الشلل الذي تعرفه هذه المجتمعات، هنا وهناك... حالة طارئة تعبر عن تحولات اجتماعية أو سياسية أو ثقافية داخلية، وعن تبدل البيئة الخارجية وتحولها، وإنما تعبير عن علل كامنة تمس بنية الشخصية الثقافية أو ما يسمى العقل الجمعي. من هنا تأتي موجة النقد الذاتي التي نشهدها، والتي تصل أحياناً إلى حد الندب والجلد، لتتجاوز كل معايير التحليل المنطقي، في محاولة لإثبات وجود عاهات موروثة يتعذر علاجها دون الخروج من الذات أو القبول بمعاداتها!

وفي الواقع فإن معظم المقاربات الثقافوية تنزع إلى تأكيد عنصرين: الخصوصية التاريخية النابعة من فرادة التطور، والجوهرانية النابعة من النظر إلى المجتمعات كما لو كانت تجسيداً لجوهر روحي ومادي جامد لا يتغير.


وفي اعتقادي أن كل ما تعرفه المجتمعات العربية اليوم من ظواهر سلبية؛ في أنماط إنتاجها، وأساليب حكمها وسياساتها، علاوة على عقمها الثقافي البادي للعيان... لا يمكن فهمه لا من داخل الدين ولا الثقافة ولا التراث، وإنما يعود بشكل رئيسي إلى الإجهاض الذي تعرضت له مسيرة التحول والتقدم التي انخرطت فيها تلك المجتمعات قبل حوالي قرن، وكان يفترض أن تنقلها من أنماط الفكر والسلوك والإدارة والحكم القديمة نحو أنماط حديثة، مستدركة التأخر التاريخي الذي لحق بها نتيجة جمود وتلكؤ نخبها القائدة خلال القرنين الماضيين.

وبعكس ما تشيعه الأدبيات الرائجة، كانت المجتمعات العربية طليعية في دخول مغامرة الحداثة، لأنه لا يوجد في ثقافتها الزمنية والدينية ما يعيق النظر العقلي والتجديد الفكري والديني: لا سلطة بابوية، ولا تقاليد إقطاعية ثابتة ومتجذرة. فمحمد علي باشا سبق اليابان إلى شق طريق التحديث منذ بداية القرن التاسع عشر، وبقيت مصر أكثر تقدماً، من الناحية الصناعية والعلمية والتقنية، مقارنة بمعظم بلدان أوروبا حتى الربع الأخير من القرن نفسه. ورغم الضغوط والتهديدات الاستعمارية، فقد استمر -وإلى وقت قريب- النزوع داخل المجتمعات العربية ونخبها الثقافية وأحزابها السياسية وقواها الاجتماعية الصاعدة، قوياً من أجل التغيير والتحديث واللحاق بالعصر. ولم تستطع الهيئات الدينية المحافظة أن تحبط هذا التحرك القوي في اتجاه التغيير أو أن تشكل عقبة تذكر أمامه، بل إن رجال دين تقدميين وإصلاحيين ساروا في اتجاه التحويل والتحديث لمجتمعاتهم ونظّروا له ودعموه، كما فعلت الحركة الإصلاحية الإسلامية. ولم يضعف سقوط الأقطار العربية تحت الاحتلال من زخم تيار الحداثة والتحديث. ففي ظله نشأت الحركات الوطنية حول مفاهيم وقيم ومطالب حديثة في بناء الدولة والأمة والسياسة والشورى والديمقراطية، وولدت الأحزاب الليبرالية والاشتراكية والقومية. وما أن تحقق الاستقلال حتى انطلقت مسيرة التحديث والتقدم بأقوى صورها، رافعة شعار القومية العربية التي حددت أهدافها باستكمال الاستقلال وتوحيد الوطن العربي ومواجهة النفوذ الأجنبي، وبناء أمة حديثة، وإحداث ثورة صناعية وتقنية وعلمية شاملة.

من هنا كانت الصدمة قوية عندما ظهر إخفاق هذا المشروع، أعني مشروع الانخراط الإيجابي في روح العصر، وتأكيد السيادة الكاملة، وتطوير البنى الاقتصادية والعلمية للعالم العربي. وسوف ينقلب الحلم إلى كابوس عندما يفتح الفراغ الأيديولوجي والسياسي الذي خلفه إجهاض مشروع النهضة والتقدم الباب أمام عودة القوى القديمة، والتي كانت تنتظر الفرصة لتنقض على منجزات المشروع التقدمي وإقامة نظامها الخاص وتعزيزه في وجه أي معارضة قادمة.

وإذا تأملنا في كل ذلك، سيكون من السهل أن نكتشف بأن جذور الأوضاع المأساوية التي نعيشها، لا تمتد بالضرورة بعيداً في التاريخ، وإنما تكمن في النظام الاجتماعي والإقليمي الجديد الذي ولد على أنقاض النظام القومي العربي الذي رفع توقعات العرب التاريخية إلى السماء قبل أن يتركهم يسقطون صرعى أمام خصومهم التاريخيين. ففي سياق هذا النظام الجديد، أمكن لإسرائيل التي لم تكن تطمح لشيء أكثر من الاعتراف العربي بوجودها، إطلاق مشاريع التوسع الاستيطاني في ما تبقى من فلسطين وسواها من الأراضي العربية المحتلة، وفيه استعادت الدول الغربية النفوذ الذي فقدته أو كادت، وأصبحت تشارك بقوة في أجندة السياسة الإقليمية وتوجهاتها، وصعدت طبقة رجال المال والأعمال على انقاض ما كان يسمى الاقتصادات الوطنية المركزية المعتمدة على ملكية الدولة والخطط التنموية والأهداف السياسية الوطنية الواضحة.

ولو أردنا الاختصار، لقلنا إن عوامل الأزمة العميقة التي تعيشها المجتمعات العربية، والتي تضعف من إنجازاتها وتفسد مضمونها في جميع الميادين، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، تتلخص في أربع كلمات رئيسية: الاحتلال، التبعية، الاستبداد، واقتصاد الهدر. هذه هي مصادر الأزمة الفعلية، وما تبقى قنابل دخانية، لا قيمة لها سوى في طمس العلل الحقيقية والتغطية عليها وتبريرها.



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة ا ...
- النظام الدولي و-طبقات- الدول
- العرب ومعركة تحجيم إسرائيل
- إسرائيل والاستيطان
- مفاوضات السلام التي تضمر الحرب
- محنة العراق بين الطائفية والضحالة السياسية
- ساعة الحقيقة وإرادة الحرب
- طريق السياسة المسدود
- لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
- وضع العرب أسوأ مما تقوله التقارير الدولية
- غزة ومصر وسياسات العزل العربية
- هارا كيري فلسطيني
- العلاقات السورية التركية ودرس الديمقراطية
- عودة القرون الوسطى
- العروبة والهوية العربية في القرن الواحد والعشرين
- في صعوبة قيام شراكة عربية
- السودان والمحكمة الجنائية وهدر القانون
- الاستقرار الاجتماعي والأزمة العالمية
- شقاء الوعي العربي
- الأزمة الفلسطينية وضرورة مراجعة الذات


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - الأزمة العربية بين الهوية والتحول