أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - شقاء الوعي العربي















المزيد.....

شقاء الوعي العربي


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 2583 - 2009 / 3 / 12 - 10:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تشكل العروبة موضوع نقاش متجدد في عالم اليوم. وإذا كان من الصعب لأحد أن يشكك في صينية الصيني أو فرنسية الفرنسي أو أميركية الأميركي، رغم أن الصين تضم عدداً لا يحصى من القوميات الصغيرة، وأن فرنسا تشكلت من مجموعات قومية لم تنصهر بعد تماماً في كتلة لغوية واحدة، فإن أميركا رغم سيطرة المزيج الأوروبي الأبيض عليها، تؤلف مزيجاً من القوميات التي هجرت إليها، بل هي أمة المهاجرين بامتياز، أوروبيين كانوا في أصلهم أم غير أوروبيين. لكن الأمر ليس كذلك مع العروبة. ولا يقتصر التشكيك على معناها، بل يشمل وجودها أيضاً، كما لا يقتصر على الآخرين، الغربيين بشكل عام، وإنما يتعدى ذلك غالباً إلى عدد كبير من العرب أنفسهم. فإذا كان الأولون يعترضون على وجود شعب عربي يقطن أقطاراً متعددة لكن توحده مصالح ومشاعر وتطلعات واحدة، فهم يؤكدون على وجود شعوب مختلفة أخفاها الدين الواحد واللغة الواحدة التي ارتبطت به، لكنها في طريقها لأن تستعيد وعيها بذاتها وهويتها الخاصة... فإن قطاعات واسعة من العرب تنزع إلى نكران عروبتها أو إلى تجاهلها أو عدم إعطائها قيمة ومعنى، أحياناً لأسباب أيديولوجية أو سياسية. ولم يعد الأمر يقتصر، كما كان في الماضي، على الإسلاميين لخوفهم من أن تكون العروبة بديلا عن الانتماء الديني، أو لرؤيتهم فيها عصبية جاهلية، ولا على الشيوعيين والقوميين السوريين وأصحاب الأيديولوجيات القطرية، المتمحورة حول الدولة عموماً، في الماضي القريب، ولا على الحداثيين أو العلمانيين المتطرفين اليوم الذين ينظرون إلى العروبة على أنها أيديولوجية قومية، بل ربما أيديولوجية عنصرية ورديفة للاستبداد.
ليس هناك شك في أن بروز العروبة كمحور هوية جمعية قد شكل في القرن الماضي انقلاباً عميقاً في الوعي الذاتي للعرب، بعد قرون طويلة من سيطرة الهوية الدينية الإسلامية. ولم يكن هذا التحول في استراتيجية الهوية، أو التماهي الذاتي، على مستوى واحد عند جميع قطاعات الرأي العام والفئات الاجتماعية. ولا يزال مصبوغاً، إلى اليوم، في أوساط كثيرة، بذاكرة الهوية الملية أو الطائفية التي ميزت تاريخ العالم الإسلامي الطويل وتقاليده. ولم ينجح القوميون، أصحاب الفكرة القومية وفلاسفتها، في تحرير الشعور بالانتماء العربي كلياً من الانتماء الإسلامي، رغم الجهد الكبير الذي بذلوه في سبيل ذلك. ولعل أكبر مؤشر على هذا كان شعور بعض قادة الفكرة القومية العربية من المسيحيين بالحاجة إلى اعتناق الإسلام أو التقرب من فلسفته ومبادئه، لإظهار انتمائهم العربي أو تأكيده، كما حصل مع ميشيل عفلق.
يضاف إلى ذلك أن التاريخ لم يشهد، في أي حقبة من الحقب، تطابقاً فعلياً بين حدود الجماعة الثقافية العربية وحدود الدولة السياسية التي تنتظم فيها. فقد انقسم العرب في الجاهلية قبائل وعشائر وممالك أو شبه ممالك متنافسة، اشتهرت منها المملكة المنذرية والمملكة الغسانية. وقد تفاقم الأمر مع حركة الفتوح التي واكبت انتشار الإسلام وأدت إلى بناء دولة إمبراطورية تجمع إلى جانب العرب شعوب شرق وجنوب المتوسط جميعاً، وتصهرهم تحت راية إسلامية واحدة. وإذا كان العهد الراشدي ثم الأموي قد احتفظ للعرب بموقع متميز في الدولة الجديدة، فإن تقدم المشروع الإمبراطوري قد فتح المجال أمام صعود شعوب وأقوام أخرى إلى مقدمة المسرح السياسي للدولة، وسمح لهم بإضفاء خصائصهم الفكرية والثقافية، وأحياناً لغاتهم، عليها. وخلال قرنين أو ثلاثة أصبحت السيطرة العربية على الدولة الجديدة من ذكريات الماضي. وجاء العثمانيون منذ القرن الرابع عشر الميلادي ليعيدوا صهر المنطقة نفسها وشعوبها في مصهر الهوية الإمبراطورية التي تجمع بين ملل دينية عابرة للقوميات والثقافات.
القطيعة المزدوجة بين الجماعة والدولة، الثقافة والسياسة... هي ما يغذي الشعور العميق بخيبة الأمل التاريخية، وتشكل مصدراً لشقاء الوعي العربي حالياً.
وقد استمرت القطيعة بين حدود الجماعة الثقافية وحدود الجماعة السياسية قائمة في القرن العشرين، رغم انحلال السلطنة وظهور نموذج الدولة "الوطنية". فبسبب غياب قوة سياسية عربية مركزية، لم يسفر تفكك الإمبراطورية العثمانية عن نشوء جماعة عربية موحدة ودولة عربية تتطابق فيها حدود الثقافة القومية مع حدود الدولة السياسية، وإنما أسفر عن سيطرة القوى الأوروبية التي أعادت تشكيل المنطقة من وجهة نظر مصالحها الخاصة، أي من منظور تقاسم مناطق النفوذ، وبالتالي تقسيمها بما يضمن تحقيق هذا النفوذ وتوزيع دوائره بين الدول الكبرى الأوروبية. وكان هذا التقسيم فاتحة لأزمة هوية عربية لم تنته إلى اليوم نجمت عن تصادم الوعي القومي العربي الصاعد، تمثلا للقيم القومية الحديثة نفسها، بواقع السيطرة الاستعمارية وتقسيمها للمنطقة العربية.
من هذه الأزمة، وجواباً عليها، نشأت حركة القومية العربية التي وضعت نصب عينيها توحيد العرب وتحريرهم من النفوذ الغربي والسيطرة الأجنبية، بهدف الوصول إلى الصيغة القومية الحديثة المنشودة، أي مطابقة حدود الجماعة الثقافية، الناطقة بالعربية، مع حدود الجماعة السياسية، أو تكوين دولة عربية قومية بالمعنى الحديث للكلمة، تضع العرب على المستوى ذاته من التطور السياسي والدولي الذي بلغته الشعوب الأخرى.
لكن ما سوف يفاقم بشكل أكبر من أزمة الهوية العربية لحقبة ما بعد الثورة القومية هو إخفاق الحركة القومية العربية ذاتها في تحقيق حلم الدولة القومية أو الدولة الأمة التي تتطابق حدودها الثقافية (الأمة) مع حدودها السياسية (الدولة). فقد أدى هذا الإخفاق إلى وضع الهوية العربية في طريق مسدود، بقدر ما كرس انتصار الخيار النقيض، أي خضوع المنطقة لمنطق تقاسم النفوذ الأجنبي الذي يعني هنا ترسيخ التحالف بين النخب المحلية الحاكمة والقوى الغربية، الأوروبية والأميركية، مما زاد حدة التناقض بين منطق الجماعة الثقافية ومنطق الجماعة السياسية. فلم يعد مصدر الأزمة الشعور بالقطيعة المتزايد والمكرسة بين الانتماء الثقافي المتنامي، بفضل تقدم عملية التحديث والانفتاح على العالم، والانتماء السياسي المرتبط بدولة قطرية أو جزئية فحسب، وإنما أضيف إليه الشعور المتزايد بالقطيعة بين الدولة القطرية المتحولة إلى إطار للتحالف بين النخب المحلية المفروضة بالقوة والسيطرة الأجنبية من جهة والشعب الذي يخضع لها ويعاني من اضطهادها وسياستها التمييزية الاجتماعية والثقافية من جهة ثانية. وهذه القطيعة المزدوجة بين الجماعة والدولة والثقافة والسياسة هي التي تغذي الشعور العميق بخيبة الأمل والخديعة والإحباط التاريخي، وتشكل المصدر الرئيسي لشقاء الوعي العربي والعروبي حالياً.
فليست الهوية صفة ثابتة وجامدة مرتبطة بخصائص جسدية وثقافية موروثة، كالأصل الإتني واللغة، وإنما هي علاقة بين الخصائص الموروثة ومشاريع المستقبل التي تتطلع إليها الشعوب عبر الأيديولوجيات التي تتبناها في حقبة ما. وعندما تخفق هذه المشاريع تعود الإبرة إلى نقطة الصفر، أي إلى الفراغ المقلق والمؤلم. ولا يمكن الخروج من هذه الأزمة إلا بتحقيق النجاح في عمليتين مترابطتين: تحرير العروبة كمفهوم وصفي، أي كأصل وانتماء خام، من العروبة كما يجسدها هذا المشروع الأيديولوجي أو السياسي الذي أخفق أو فقد الأمل بالبقاء، وفي موازاة ذلك تبلور مشروع ثقافي سياسي جديد، يقدم للناس رؤية واضحة للمستقبل، وقيماً ومعايير أخلاقية فاعلة للتوجه الذاتي وبناء السلوك الإيجابي في المجتمع والعالم. وهذا ما لا يمكن فصله أيضاً عن طبيعة البيئة العالمية السائدة والخيارات الفكرية والسياسية والاستراتيجية التي تقدمها للشعوب والجماعات.




#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأزمة الفلسطينية وضرورة مراجعة الذات
- إسرائيل في طريق مسدود
- إلى جورج ميتشيل: عن صناعة العدوان
- امتحان غزة: لا يمكن للجبن أن يكون سياسة عربية
- تبا لأوربة وتبا لشراكتها المتوسطية
- غزة والمسؤوليات العربية والفلسطينية
- في ما بعد الجماعة الدينية والأمة السياسية
- في موت السياسة وغياب القانون
- معادلة القوة وحوار الأديان
- آن الأوان لطي صفحة العنف السياسي
- برهان غليون..... العرب يدفعون ثمن انبهارهم بالثروة النفطية
- عودة الديمقراطية الاشتراكية
- الأزمة المالية العالمية ونهاية الليبرالية
- في مديح التعددية الإتنية والدينية
- -الربيع العربي- على خطى نيكولا سركوزي في دمشق
- عطالة التاريخ
- زمن الفتنة
- إعادة اكتشاف المعرفة
- مصير الحلم الجمهوري
- السكون الذي يسبق العاصفة


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - شقاء الوعي العربي