حسن محمد طوالبة
الحوار المتمدن-العدد: 3373 - 2011 / 5 / 22 - 00:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تباينت مواقف دول الإقليم الكبيرة من انتفاضات العرب, بين مؤيد أو معارض أو صامت. الكيان الصهيوني يرقب الأحداث ويتحين الفرص للانقضاض على أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة , ولا سيما بعد اتفاق المصالحة بين فتح وحماس , إذ هدد نتنياهو السلطة الفلسطينية ,؟ بين اختيار السلام أو المصالحة مع حماس , ورفض الانسحاب إلى حدود 1967 , متحديا اوباما الذي صرح بضرورة قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح ضمن حدود 1967 , ولا عودة للاجئين إلى ديارهم . وهاهي القوات الصهيونية تواصل عدوانها على قطاع غزة وتقتل وتجرح العشرات منهم , وقد تشن عدوانا كبيرا على القطاع بهدف شل قدرات حماس العسكرية . كما تصادر بيوت ومزارع الفلسطينيين بهدف إقامة مستوطنات فوقها .
ومن الواضح أن الكيان الصهيوني لا يخفي انزعاجه من الانتفاضات العربية , وخاصة في مصر , وقد أرسل شباب الثورة المصرية أولى رسائلهم في ( جمعة التضامن ) مع الشعب الفلسطيني في ذكرى النكبة , بإطلاقهم شعارا مركزيا يدعون فيه عباس وهنية إلى عدم ترك البندقية . وعليه فان نتنياهو يسابق الزمن من اجل بناء المزيد من الوحدات السكنية في الضفة الغربية وبالقرب من القدس الشرقية, بهدف تهويدها بالكامل, وجعلها عاصمة له.
أما تركبا المسلمة فقد وجدت فرصتها الذهبية في الفراغ السياسي في الأقطار العربية, وغياب الدور المحوري للأقطار الكبيرة مثل مصر والسعودية والعراق المحتل.فقد سارعت لملئ هذا الفراغ بعمل دبلوماسي ناعم نال إعجاب المواطنين العرب , وتغنوا بشخصية رئيس الوزراء التركي طيب رجب اردوغان , تلك الشخصية التي دافعت عن القضايا العربية ووقفت ضد النزعة العدوانية الصهيونية , كما فعل في مؤتمر دافوس عندما انسحب احتجاجا على كلمة شمعون بريس العدوانية .
لقد عززت تركيا دورها في المنطقة من خلال مبادراتها ودبلوماسيتها الناعمة البعيدة عن النزعة الطائفية , أو الاستفزازات العسكرية , فلم تجري مناورات عسكرية تزعج العرب أو تهدد أمنهم القومي ,وعلى هذا الطريق قامت بالوساطة بين سوريا والكيان الصهيوني , كما قامت بدور من اجل نزع فتيل الأزمة النووية الإيرانية , عندما أبرمت اتفاقا مشتركا ضم تركيا وإيران والبرازيل .وزاد من دورها في الساحة العربية عندما سيرت أسطول الحرية لفك الحصار عن قطاع غزة , وتقديم عشرات القتلى والجرحى في اشتباك مع القوات الصهيونية , وصارت تركيا بنظر العرب حامية القضايا العربية أكثر من أهلها , وصار اردوغان رمزا يشار له بالبنان , وسد الفراغ الذي تركة عبدا لناصر وصدام حسين وياسر عرفات بالنسبة لفلسطين .
كل ما سبق كان محط تقدير واحترام , ولكن عندما اندلعت الانتفاضات العربية , تغيرت النظرة إلى تركيا والى اردوغان بالذات , لان مواقفه أخذت تنظر إلى الثورات بمكيالين , لقد أيد ثورتي تونس ومصر , ورحب بتنحي كل من بن علي ومبارك ,في حين تغيرت النظرة نحو ثورتي ليبيا وسوريا , الأمر الذي اثأر حنق المعارضة الليبية والسورية , وقد اضطر أن يساير الشارع العربي ولو اغضب الزعماء حتى لو كانوا من أصدقاءه وخاصة مع يشار الأسد , وبذلك أفسح المجال لإيران أن تؤكد لسوريا صداقتها والوقوف إلى جانب بشار الأسد .
ويبدو أن تركيا تريد الهدوء في سوريا خوفا من حصول فتنة طائفية فيها قد تمتد إلى تركيا , ولا سيما أن فيها حوالي 10 ملايين تركي علوي . ومن اجل يحافظ اردوغان على سمعته في أوساط العرب , فانه اضطر إلى اتخاذ موقف مناهض لنظامي الحكم في ليبيا وسوريا ,رغم أن مصالح تركيا في كلا البلدين كبيرة .
أما إيران فان لها مصالح سياسية وعقائدية مذهبية في الأقطار العربية , فمن إستراتيجيتها نشر المذهب الجعفري في البلدان الإسلامية وخاصة العربية , وبالذات في العراق والخليج العربي .
كما استثمرت تركيا الفراغ في الأقطار العربية فقد استغلتها إيران أيضا , ولكن أسلوبها اختلف عن أسلوب تركيا ,فقد استخدمت العنف والإرهاب لتحقيق خططها وتوجهاتها الإستراتيجية , مثل إجراء المناورات العسكرية في البر والبحر لإظهار قوتها العسكرية وإخافة جيرانها في دول الخليج العربي ,كما اعتمدت على أتباع المذهب الشيعي لإثارة حكام تلك البلدان وزعزعة الاستقرار فيها كما حصل في البحرين والسعودية والكويت والعراق .
لا يعني أن كل المواقف الإيرانية سلبية وغير مرضي عنها من قبل العرب , بل لها مواقف داعمة لحزب الله في لبنان , وحماس في غزة , أثارت إعجاب بعض العرب في وقت غاب فيه الدور العربي الرسمي الداعم للمقاومة في لبنان وغزة . ورغم هذه المواقف التي تعد ايجابية إلا أن مواقف إيران مزعجة وتثير الخوف والرعب لدى المواطنين العرب , ولا سيما دورها في العراق .
وعندما يدافع النظام في إيران عن حقوق الإنسان في الوطن العربي , فإنه ينسى حقوق الإنسان الإيراني المظلوم ولاسيما حقوق القوميات غير الفارسية مثل العرب والبلوش والأكراد ,إذ واجه النظام حركة الإصلاح في البلاد بأقسى درجات القمع , ولم يكتفي النظام الإيراني بضرب المعارضة في الداخل , بل عمل على ضربها في الخارج وأخر أنماط الهمجية ضد الإنسانية كان الاتفاق مع حكومة بغداد للهجوم على مخيم اشرف الذي يسكنه حوالي 3400 إيراني ينتمون إلى منظمة مجاهدي خلق المعارضة , وقتل 35 , وجرح أكثر من 500 من سكان اشرف الذين تحميهم اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين .
لقد وقفت إيران موقفا مؤيدا للمتظاهرين في البحرين, وسخرت كل وسائل اعلامها والموالية لها للهجوم على دولة البحرين والسعودية بدعوى قمع المعارضة فيهما, في حين
لم تفعل ذلك أثناء ثورتي تونس ومصر, لقد برز الموقف الطائفي بوضوح في حالتي البحرين واليمن.في حين سكتت عما يجري في سوريا . وهذا هو الكيل بمكيالين إزاء الأحداث العربية .
الدول الإقليمية ليست متساوية في المواقف , ولا يجوز النظر إليها بمنظار واحد أبدا , ولكن الحقيقة التي تهمنا هي أن مصالح الدول هي التي تحدد مواقفها وخاصة الاقتصادية منها , ونأمل أن تستعيد مصر دورها القيادي العربي بعد انتصار الثورة وتأخذ الدول العربية المتحررة دورها القومي المطلوب .
إن الانتفاضات العربية ستعيد النظر في تركيبه المنطقة ,وتعيد صيغة التحالفات من جديد . والحديث عن انضمام الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربي هو إحدى حالات هذه الصياغة الجديدة , وقد تظهر تحالفات أخرى في النصف الثاني من هذا العام . ومع ذلك تبقى هذه الصياغات غير بعيدة عن الاهتمام الأمريكي ودول الإقليم التي اشرنا إليها .
#حسن_محمد_طوالبة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟