أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد أمين - الإديولوجية الشيوعية















المزيد.....



الإديولوجية الشيوعية


محمد أمين

الحوار المتمدن-العدد: 3372 - 2011 / 5 / 21 - 16:17
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


مقدمة
قبل بروز الأيديولوجيات الديمقراطية المعاصرة داخل المجتمعات الإنسانية فقد مرت هذه الأخيرة في عصورها القديمة بالنظرية الدينية لشمولية هذه الديانات التي كانت هي منبع كل المعارف، ولاعتبار أن مصدر السلطة ديني للبحث عن شرعية سماوية تعلو عن الطبيعة البشرية، وتحول السلطة من طبيعتها الدنيوية إلى سلطة مثالية متعالية تتأسس على نظرية تأليه الحاكم، فإرادته هي إرادة إلهية ولا مرد لها، وكذلك ترتكز على نظرية التفويض الإلهي حيث أن الحاكم مجرد وسيط بين الآلهة والرعية. وبالتالي كانت محاسبته غير ممكنة سواء أخل بمهمته وأخذت بها مجموعة من الدول والمجتمعات الإنسانية في العالم القديم.
هذا لم يمنع من أخذ بعض الإمبراطوريات بنظرية الحق الإلهي كالإمبراطورية الرومانية المسيحية سنة 800م. ومع بداية هذه النظرية في التقهقر والكسوف وخصوصا مع بداية عصر النهضة والإصلاح في القرن الخامس ميلادية لتحرر السلطة من هيمنة الكنيسة ورجال الدين حيث تم تطوير نظرية الحق الإلهي إلى حق مباشر وحق غير مباشر فالأول يعني عدم محاسبة الملك لأنه يتبوأ السلطة من الله بل تمثلا للإرادة الإلهية والثاني يتجلى حينما تلهم الإرادة الإلهية الشعب في اختيار الحكام الذين تهديهم هذه الإرادة.
رغم أن الفكر السياسي المسيحي يتميز عن واقع السلطة السياسية في العصور الوسطى في كونه يهدف إلى ضمان استقرار واستمرار المجتمع ومعارضة الظلم، في حين كانت السلطة السياسية ممثلة في ملوك العصور الوسطى ذات الحكم المطلق الذي يبرر تعسف هذه الحكومات رغم تسترها تحت عباءة الدين. هذا ما يفسر ظهور فكر نقدي معاصر ينتقد النظرية الدينية في السلطة في القرن السابع عشر التي جعلت الإنسان محور العالم، وتبريرها مقولة ميلاد عالم جديد، تسوده فلسفة حقوق الإنسان لذلك حاول رواد هاته الفترة البحث عن صياغات جديدة للبرهنة على دنيوية الدولة لتنشأ من ذلك النظرية التعاقدية التي شكلت فكرا نهضويا يبحث على أساس عقلاني لأصل الدولة وإرجاعها إلى عقد جماعي دنيوي وافتراض حالة الطبيعة كمرحلة ما قبل ظهور الدولة، واعتبروا هذا العقد هو المنظم للعلاقة بين الحكام والمحكومين. كما أن أبرز دعاة هذه النظرية هم "هوبر"( )، "جوك لوك"( ) و"منشكيو"( ) وغيرهم اللذين شكلوا فكر ليبرالي يرتكز على مجموعة من المبادئ كالمساواة العدالة الاجتماعية، الحرية الفردية والملكية.
ومقابل هذا الفكر الذي عكسته النظريات العقدية، تبلور تصور نقدي على يد "كارل ماركس" و"أنجلز" وأتباعهما. مما أدى إلى خلق فلسفة سياسية جديدة دعيت بالفلسفة الماركسية نسبة إلى مؤسسها، واهتمت بالمجتمع والحق والدولة هذا هو أساس الفكر الاشتراكي العلمي الذي يعتبر أيضا بمثابة تمهيد لأيديولوجية شيوعية تنظر إلى المجتمع بصورة مستقبلية ومحاولة منها تجاوز العوائق والتناقضات داخل المجتمع للدفع به إلى المرحلة الشيوعية كحد أقصى تصله المجتمعات البشرية. والذي سوف تنتفي فيه الطبقات والدولة معا والملكية الخاصة ستلقى نهايتها المحتومة التي هي الزوال. وبالتالي فإن نقدها للمجتمع الرأسمالي الليبرالي من الضروري أن تؤسس النظرية الاجتماعية والتاريخية على أساس المادية التاريخية والمادية الجدلية وكذلك إبراز تناقضات المجتمعات الليبرالية.
رغم التناقضات التي تعرفها هذه الأيديولوجيات في علاقتها فيما بينها ورغم اختلاف وجهات النظر، فإن حمولتها الفكرية لا يمكن أن تفصل عن مفهوم الدولة وكيفية ممارسة السلطة مع إرسائها لمبادئ الأنظمة الديمقراطية الحديثة والمعاصرة وكذلك محاولتها أن ترقى بالإنسان إلى مستواه الإنساني فإنها أعطت تصوراتها كذلك عن كيفية تبلور النماذج الديمقراطية كأنظمة تسودها مؤسسات سياسية وآليات ممارسة هذه الديمقراطية التي اعتبرت دائما على امتداد تاريخ الفكر المبتغى الوحيد الذي تسعى إلى التنظير له من جهة وكيفية تطبيقه عمليا من جهة ثانية.
هذه التطورات التي شملت الفكر السياسي الحديث والمعاصر هي التي شكلت اللبنة الأساسية للأيديولوجيات الديمقراطية التي سيتم تناولها في مسار البحث وعن طريق إبراز تصوراتها النظرية وعلاقتها بالديمقراطية وكيفية تحقيقها داخل المجتمعات رغم الاختلافات والتباينات اتجاه هذا المفهوم لاختلاف الرؤى والمواقف ولو حسب النظرية الواحدة. هذا هو الموضوع الذي تناولته كل هذه الأيديولوجيات بمجموعة من الدراسات والنظريات لإبراز أبعادها السياسية وكيفية ترسيخها داخل المجتمع والدولة هذا ما يولد تساؤل حول مجموعة من المفاهيم التي تحمل في ذاتها عدة دلالات وتأويلات فكرية. إذن ما هي هذه المفاهيم ؟ ما هي علاقة الديمقراطية بهذه الأيديولوجيات المتعددة ؟ أين يتجلى دورها في تحقق الديمقراطية ؟ ما هي أنواع الاشتراكية ؟ ما هي أسسها النظرية ؟ ما هب العراقيل التي عطلت مسيرة الفكر الاشتراكي ؟ ماذا عن الانتقادات التي تم توجيهها على الأيديولوجية الليبرالية من طرف الفكر الاشتراكي ؟ هل تكمن الديمقراطية في الوصول إلى المجتمعات الاشتراكية أم ستظل كنظرية إلى تحقيق مشروع المجتمع الشيوعي كبديل عن الأنظمة الليبرالية. ما هي جوانب هذا الاتجاه الديمقراطي ؟ هل تحققت كذلك الغايات الديمقراطية المنشودة في المجتمع الشيوعي من جهة التنظير ومن جهة الممارسة ؟ إذن إذا كانت هذه الأيديولوجيات تختلف من حيث التنظير لمشروعها الديمقراطي فإن تحقيق ذلك يعد مسألة جوهرية وقضية أولية في كل تأملاتها حول الواقع وقضايا الدولة وكيفية ممارسة السلطة إذن فما هي المستويات الديمقراطية التي حاولت أن تصل إليها كل هذه التصورات ؟ هل الشيوعية متجاوزة أم متكيفة مع العصر الراهن ؟ هل اضمحلت مع اضمحلال الدول الاشتراكية والشيوعية التي تتبناها ؟ لقد مثلت الشيوعية محطة فكرية في غاية من الأهمية سيما من ناحية تنظير فلسفي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي لكن هل يمكن اعتبار مشروعها السياسي قابلا للتحقيق الفعلي أم يندرج ضمن التصورات الطوباوية التي تمثل آفاق سياسية بعيدة المنال ؟
تمهيد: مدخل تعريفي لمجموعة مفاهيم

قبل أن نتناول الموضوع قيد الدراسة والبحث من الضروري إيجاد تعريفات لمفاهيم داخل هذا الاستهلال لملامسة دلالاتها المعرفية والعلمية، رغم اختلاف التأويلات التي أعطيت لها نظرا لاختلاف المفكرين في تصوراتهم وانتماءاتهم الطبقية والأيديولوجية الفكرية لذا تختلف التعريفات التي أعطيت لها، وهذه المفاهيم هي الأيديولوجية، الليبرالية، الشيوعية، الاشتراكية والديمقراطية. إذن ما هي مدلولات هذه المفاهيم ؟
أولا: الأيديولوجيا:
يعاني مصطلح الأيديولوجية من سعة المدلول وتنوع الاستعمالات وهذا ما يدفع معناها ليتراوح بين المعنى الواسع أي مظاهر النشاط والإنتاج الفكري في المجتمع، وبين المعنى الضيق الذي يستعمل في علم السياسة وهو جملة الآراء والأفكار والتمثلات المرتبطة بالسلطة السياسية.
وبذلك تكون السياسة مرادفة للأيديولوجية، وكأن الأخيرة مضمون الأولى، والأولى هي التطبيق العملي للأيديولوجيا( ). هذا الترادف يجعل من الايديولوجيا مرتبطة ارتباطا قويا بالسياسة والسلطة وهي في جوهرها فكر علمي يهدف إلى الحفاظ على العالم الاجتماعي كما هو أو تغييره إلى مجتمع قيمي، وبذلك يمكن أن نتحدث عن علاقة الأيديولوجية بالمشروعية السياسية كفكرة في خدمة السلطة والنظام في جل مراحله.
إذا كانت التأويلات الفكرية، والمعرفية لمفهوم الأيديولوجيا تتباين فإن ذلك يؤكده تعدد النظريات السياسية التي شكل لها هذا المفهوم محور تصوراتها الفكرية، فالنظرية الماركسية مثلا ترى أن الأيديولوجيا لصيقة بالفكر الليبرالي لكونه فكر متعلق بوضع يتجاوز التطور الطبيعي وكذلك كونها وعي زائف باعتبارها التبرير الفكري للمصالح الطبقية التي تهدف إليها الأيديولوجية الليبرالية.
أما الليبرالية فتصف من جهتها الاشتراكية بأنها يوتوبيا لأنها متعلقة بمستقبل مستبعد التحقيق إلا أن المصطلحين يشتركان في معنى واحد وهو البعد عن الواقع والعجز عن إدراكه أي أن المصطلحان الأيديولوجية واليوتوبية عملان وجهان لعملة واحدة.
إلا أن "مانهايم" ذهب إلى أن كل منظومة فكرية يمكن أن تأخذ صبغة أيديولوجية أو يوتوبية حسب الظرف التاريخي الذي تظهر فيه والفئة الاجتماعية التي تستعملها، فقد كانت الليبرالية يوتوبية في القرن الثامن عشر، ثم انقلبت إلى أيديولوجية في القرن اللاحق ولذلك يخلص مانهايم( ) إلى أن اليوتوبيا هي الوسيلة الفكرية للطبقات إبان صعودها، والأيديولوجيا هي ووسيلة الطبقات في حالة انحدارها.
ويرى اتجاه فكري آخر أن مفهوم الأيديولوجيا مفهوم اجتماعي تاريخي يحمل بين طياته آثار تطورات وصراعات ومناظرات اجتماعية وسياسية عديدة، لذلك تتعدد استعمالاتها إلا أن فيها تشابه بنيوي يتجلى في أن كل استعمال يفرق بين الظاهر والخفي، بين الملموس والحقيقي، بين الوجود والقيمة ويحدد بالتالي الأدلوجة انطلاقا من الحق الثابت، فيرفع قناع الأدلوجة عن الحقيقة الباطنية( ).
ثانيا: مفهوم الديمقراطية:
ما هي الديمقراطية ؟ أحد الأسئلة التي تصعب الإجابة عليها بصورة مرضية، لا لأنه ليس هناك تعريف متفق عليه فحسب، وكذلك كون الأنظمة السياسية في حالة تطور مستمر. إن الأشياء التي لا يمكن تصورها في الجو السياسي في عصر من العصور لا تصبح ممكنة فحسب في عصر آخر بل ومقبولة عموما إلى حد أن تعتبر صحيحة.
والديمقراطية في أصلها اليوناني تعني حكم الشعب نفسه بنفسه حيث حاول أفلاطون من خلال مؤلفه "ستة كتب عن الجمهورية" و"روح القوانين" أن الديمقراطية تقترن بتوزيع عادل لمراكز القرار الذي يحق لكل مواطن أن يشارك في العمل السياسي وتسند الوظائف في أغلب الأحيان عن طريق القرعة حيث اعتبر الديمقراطية ليس دستورا سياسيا حقيقيا فكثيرا ما توضع قوانين متباينة فيما بينها ولا تقترن بالضرورة بمبادئ محددة إنها تعكس في الواقع اضطراب في الفكر وفوضى في القيم ولذلك سعى إلى إعطاء الفلاسفة والحكماء أولوية في تسيير المجتمعات. يذهب أرسطو إلى أن النموذج الديمقراطي الأثيني هو النوع الراديكالي من بين النماذج السائدة في المجتمعات الأخرى حيث كان معاديا للطغيان واعتبره نقيض الديمقراطية واعتبر كذلك الأحزاب الجهوية في تاريخ أثينا كانت أحزاب سياسية قائمة بذاتها وذات مشاريع سياسية واضحة.
تجدر الإشارة إلى أن الديمقراطية الأثينية مثلت طفرة نوعية في غاية من الأهمية في تاريخ المجتمعات البشرية حيث حملت معها المفاهيم المؤسسة للنظام الديمقراطي الذي ستحدو حدوه الشعوب المختلفة في عصور لاحقة فتم وضع هذه المفاهيم في سياقات نظرية وكانت محطة جدال فكري بين الاتجاهات الفكرية مختلفة وحديثا فذلك يتم بواسطة مجموعة من المؤسسات الممثلة للشعب، إلا أن الصور التي لدينا عن الديمقراطية لا يمنع من التمييز بينها وبين كيفية ممارستها داخل هذه التصورات السياسية المعاصرة.
لذلك فإنها وليدة مجموعة من التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي تتطور معها الديمقراطية.
إن النماذج الديمقراطية ليست من صنع فقهاء القانون وعلماء السياسة بل هو نتاج تطورات تاريخية تمتد خلال عدة قرون بأوروبا هذا ما جعل موريس دوفرجيه يميز بين مرحلتين، تمتد الأولى ما بين 1870 و1939 وهي المرحلة الديمقراطية الليبرالية أما المرحلة الثانية فبعلق عليها "بالتكنو ديمقراطية" أب الديمقراطية التكنوقراطية بدل حكم الشعب.
هذا النموذج الديمقراطي أفرز مجموعة من التوارث كالثورة الأمريكية سنة 1776، والثورة الفرنسية سنة 1789 ووصفت هذه الثورات بالليبرالية لمحاولة طبقة معينة إسقاط النظام الإقطاعي لما يفرضه من قيود على جميع المجالات، وإعلانها مجموعة من المبادئ كالمساواة القانونية والحرية الاقتصادية إضافة إلى إنشاء مؤسسات تمثيلية لتقليص سلطة الملكيات المطلقة السائدة في تلك الفترة.
ثالثا: مفهوم الليبرالية:
لقد ظهرت الليبرالية كأنساق فكرية، واقتصادية واجتماعية وتعليمية وعمرانية وديموغرافية وغيرها لكي تتجاوز النظام القديم والبحث عن نمط جديد لإرساء دعائمه نظرا لاختلاف إنتاجات المجتمع واحتياجاته المتعددة على جميع المجالات، مما يطرح إشكالية ربط الليبرالية بالنهضة والتنوير أي الحقبة التي حاولت في الدول الأوروبية ملامسة التغيير عن طريق إحداث نسق جديد في كل الميادين الحياتية.
إذا كانت الليبرالية ناتجة عن مجموعة من التغيرات فإن محاولة إيجاد تعريف لها يبقى مسألة معقدة تحتمل أكثر من تأويل لما لها من ارتباطات بالحداثة وكذلك التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأيديولوجية.
في ظل هذا النظام ظهرت الدول ذات اقتصاد السوق الرأسمالي مما نتج عنه سيطرة فئة اجتماعية على المستوى الاقتصادي والسياسي.
هذا النمط الأيديولوجي والاقتصادي والاجتماعي الجديد ارتكز على مجموعة من المبادئ كدعامات أساسية لتجاوز النظام القديم أي النظام الإقطاعي، ونذكر من هذه المبادئ الحرية والفردية، الملكية الخاصة، الحرية الاقتصادية، حرية التعبير والرأي التي دعت به مجموعة من المفكرين كنسق جديد سعيا منهم إلى إعطائه طابع كوني عن طريق تجاوز الحدود المفترضة التي قد تعوق انتشار الفكر الليبرالي من جهة ومحاولة منهم تدارك ما استجدت به التغيرات الظرفية من جهة ثانية لكي تتأتى لها الاستمرارية.
هذا يبرز من خلال البعدين الأساسيين اللذين تتميز بهما الليبرالية وهما البعد السياسي والبعد الاقتصادي، الأول يتجلى في الحرية والمساواة في الحقوق وليس المساواة الاجتماعية. ويترجم ذلك في المبادئ التالية؛ السيادة الشعبية، الاقتراع، البرلمان، استقلال القضاء، الحريات العامة، التعددية الحزبية وما للبرلمان من صلاحيات على حساب الملكيات المطلقة وتغير النظام السياسي إلى جمهوريات. أما الثاني فيتجلى في الرأسمالية فوسائل الإنتاج يمتلكها رجال الصناعة، التجار وكبار الملاكين العقاريين في الميدان الفلاحي ثم حرية المبادرة في خلق المقاولات وتسييرها بكل حرية.
رابعا: مفهوم الاشتراكية:
لقد ظهرت النظرية الاشتراكية في صيغتها الأولى على شكل طوباوي خيالي تنتفي فيه بعض الأسس العلمية الواقعية وذلك من خلال مجموعة مشاريع لإقامة دول في صور مدن مثالية تسود فيه القيم الأخلاقية وذات هدف جماعي مشترك بعد مرور مدة من الزمن ظهر تيار فكري جديد أسس اشتراكية ديمقراطية راديكالية تحاول أن تقيم مجموعة مبادئ إنسانية بطرق ووسائل ديمقراطية نتجت عنها عدة ثورات على مختلف الميادين في مجموعة من الأقطار وعلى هذا الأساس استندت الاشتراكية الثورية التي تؤسس تنظيما اشتراكيا على مجموعة متغيرات في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنظيمية والتربوية ووظيفة الدولة فيها تكمن في قمع كل من يخرق الشرعية الاشتراكية وحماية حقوق وحريات الشعب وتهتم بحماية الأساس الاقتصادي وهو الملكية الاشتراكية وذلك لخلق القاعدة المادية للشيوعية.
لذلك فالدول الاشتراكية حاولت أن تقوم بوظيفة الحفاظ على الأمن بجهازها المشكل من الجيش والإدارة وكذلك المحافظة على النظام والحقوق المكتسبة للفرد مع مراعاة اندماجه داخل الجماعة وكان هدفها هدم تلك الفوارق الطبقية السائدة في المجتمع لذلك يتجلى دورها بجلاء في تدخلها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق التوازن.


خامسا: مفهوم الشيوعية:
هي أقصى مرحلة من المراحل التي مرت منها الاشتراكية بالوصول إلى مجتمعات تسوده الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وتنتفي فيه الملكية الخاصة والطبقات بانتفاء الدين كأيديولوجية الطبقة المستغلة والمهيمنة وبالتالي إنشاء تنظيم سياسي واجتماعي على أساس الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج والمساواة الاجتماعية بين جميع أفراد المجتمع وكذلك نفي الاستيلاب الطبيعي للإنسان ومحاولة تجاوز كل تناقضات المجتمع الاشتراكي لتحقيق المبدأ الشيوعي كل بحسب قدر حاجته وبحسب قدر عمله.

إذا كانت الشيوعية كنظام فكري وأخلاقي وكنسق سياسي، اجتماعي واقتصادي، فإنها تشكلت نظريا قبل أن يكون آثارها قد لامس جميع جوانب حياة الفرد والمجتمع على مستوى الممارسة لذا كان تناول الأساس النظري لها ومرتكزاته ثم بعد ذلك النسق القيمي لهذه الأيديولوجية.

المبحث الأول: الأساس الأيديولوجي للشيوعية
إن أي نظرية سواء كانت طوباوية أو علمية، ورغم اختلاف تمثلاتها ومعتقداتها، فإنها تتأسس على مجموعة من المقومات والدعائم، التي أنتجتها وعن الامتداد التاريخي لها. لذا كان لزاما أن نتحدث عن المبادئ الشيوعية داخل النظرية الاشتراكية بنوعيها طوباوية والعلمية، وعن التغيرات التي طرأت قبل أن تصل إلى حد التطبيق.

المطلب الأول: أنواع النظرية الاشتراكية
في هذا الصدد سنتناول كيف أن النظرية الماركسية حول المجتمع الشيوعي وقبله الاشتراكي وكذلك الفكر الذي ساهم في إنتاج تصور ماركس نحو المجتمع والتاريخ.
*الاشتراكية الطوباوية
إن أي نظرية لا تولد من عدم لأنها يمكن أن تعتبر كرد فعل للظلم الاجتماعي وإما كشكل تاريخي حتمي للمجتمع يرفضه جدل الحركة الاجتماعية عندما يبلغ المجتمع والعلاقات الاجتماعية درجة من التطور.
فكذلك الشيوعية فهي ترجع إلى بداية التفكير الاجتماعي لدى الإنسان أي وقت إحساسه بالفوارق الناشئة عن الملكية الفردية لذا حاولوا في كل تصوراتهم أن ينشد المساواة والعدالة، لذا نجد بذور هذه الأيديولوجية تدعو إلى إنشاء مجتمع اشتراكي شيوعي عند جل المفكرين وخصوصا عندما تطورت وسائل الإنتاج تطورا كبيرا تنامى موازاة مع ذلك وعي الناس بالتفاوتات الناشئة بين الفئات الاجتماعية.
هذا كان أساسا لظهور الحركات الإصلاحية التي تنشد المجتمعات المثالية في مختلف بقاع العالم تسود فيها قيم العدالة والفضيلة الاجتماعية كالساسنيمونية نسبة إلى ساسنيمون( ) في جانبها الاقتصادي والاجتماعي ذهبت إلى المناداة بتحسين ظروفه، مع مناداتها بالمساواة بين الرجل والمرأة، كما أكدت هذه النظرية مقوم التخطيط كأساس للاقتصاد. هذا أيضا ما ظهر في فكر فوريه( ). الذي يرى ضرورة إقامة المشاعات الصغيرة كوسيلة لإشباع الحاجات الحقيقية لدى البسطاء يعيشون فيه بصفة مشتركة هذا ما جعله يشجب كل الإنتاجات التكنولوجية واقتناعه بأن التغيير يجب أن يمس بيئة الإنسان وليست طبيعته.
وتماشيا مع ذلك نرى أون الإنجليزي( ) يهاجم نظريات الاقتصاد الحر وحارب المبدأ القائل "دعه يمر دعه يعمل" أي عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية. خلال هذه الحركة التي واكبت الثورة الصناعية فإن هناك بوادر التنظير للمجتمعات الشيوعية رغم أنها تبقى تنظيرا طوباويا لأنها حاولت أن تصف الحل للأزمة الاجتماعية محاولة أن تقيم مجتمعات خيالية تسود فيها الفضيلة والأخلاق بين الناس.
هذه التأملات استطاع من خلالها ماركس وإنجلز وأتباعهما أن يركبها تركيبا علميا معتمدا في ذلك على النسق الفلسفي الذي استوعب فيه خلاصة الفلسفة الكلاسيكية التي عبر عنها هيجل في منظومة فلسفية تقوم على الصيرورة وهكذا ظهرت الاشتراكية العلمية كنتيجة لكل من الفلسفة الألمانية والاقتصاد السياسي الإنجليزي والاشتراكية الفرنسية.
*الاشتراكية العلمية
قبل الحديث عن الفكر الماركسي سنتناول التأثير الهيجلي على تصورات ماركس المادية والجدلية حيث ارتكز تصور هيجل على الثوابت التالية وهي الأطروحة، والنقيض ثم التركيب أي أن أي فكرة لا يمكن أن تقوم دون أن تثير نقيضها مما ينتج عنه تعارض لا يمكن تجاوزه إلا بالتركيب هذا الأخير الذي سيستدعي نقيضه أيضا وهذا المبدأ الديالكتيكي ينشئ ما يسميه هيجل بالصيرورة لذا انتقد هيجل كل تفسير للتاريخ يعتمد على نظرة جزئية ذات منهج علمي تجريبي.
لذلك فالتاريخ عنده ينظر إليه من زاوية أفقية ترى التاريخ مجالا لنشاطات متنوعة تقوم بها جماعة من الناس مختلفة تعيش في فترة معينة من التطور تشكل نمطا واحدا هذا من جهة. أما من جهة أخرى أي من زاوية عمودية ينظر للتاريخ على أنه جزء من تتابع زمني تبدو فيه كل مرحلة ضرورية للمرحلة اللاحقة.
رغم النهج الدياليكتيكي عند هيجل في تحليل التاريخ والظواهر الاجتماعية لم يسلم من انتقادات فيورباخ الذي اعتبر أن القوة المتحكمة في التاريخ هي مجموعة الظروف المادية التي يعيش فيها الإنسان. كما تأثر ماركس بكل من برودون وبلانكي اللذان حاولا إعطاء نظر خاص حول المجتمع والدولة حيث الأول دعا إلى ضرورة انتفاء الدولة، أما الثاني دعى إلى إنشاء نخبة من الثوار تقود النقابات العمالية في الاتجاه الثوري لإقامة مجتمع جديد على أساس ديكتاتورية الطبقة العاملة. من تم كان جدال بين المنظرين حيث ألف برودون كتاب عن "فلسفة البؤس" ورد عليه ماركس بكتاب "بؤس الفلسفة".
كما تعرف ماركس على أنجلز حيث حاول دراسة النظريات الاقتصادية وبالتالي قيام فكر ماركس على أساس حصيلة الفكر الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مع الجمع بين جدلية هيجل ومادية فيورباخ وكذلك نظريات الاشتراكيين والشيوعيين الفرنسيين إضافة إلى النظرية الاقتصادية لروادها الأنجليز على أن هذا الجمع لم يكن تأليفا تراكميا وإنما مزجا تركيبيا نتجت عنه كل من تصورات ماركس في المادية بشقيها التاريخي والجدلي وتصوره حول الصراع الطبقي وحتمية تحقيق المشروع الشيوعي هذا ما ترتب عنه مجموعة من المستجدات التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي شكلت أساسا نظريا للشيوعية.
إن الاشتراكية العلمية بنوعيها الكلاسيكي والجديد وظفت في تحليلها للتطور البشري ودراسة نظمه الاقتصادية وعلاقات طبقاته الاجتماعية عدة مفاهيم من بينها المادية الجدلية والمادية التاريخية الأولى منهج في التحليل التاريخي وهو أساسي في طريقة التفكير عند أنصار الاشتراكية والشيوعية والمادية الجدلية مستمدة من جدل هيجل فبدل من أن تكون حركة سير فكرة ونقيضها إلى نتيجة تعلوها طبقت المادية الجدلية على الأوضاع المادية الفعلية حيث أن هذه الأخيرة لا تتبع الفكر ومنطقه، بل هذان الأخيران هما اللذان يتبعان الأوضاع المادية وبالتالي التناقض لا يكون بين فكرة وإنما بين نظامين اجتماعيين يتولد عنهما نظام جديد آخر. أما الثانية إنها تقدم نظرة شاملة لتفسير الحضارة والتقدم وتفسيرها على أنها تجسيد للمادية الديالكتيكية لتصبح مجتمعا وتاريخا. هذا ما يجعل الأولى نظرية تاريخية للإنتاج الفكري والعلمي والثانية تظهر الجانب التاريخي في دراسة مختلف أنماط الإنتاج وتكوين المجتمع في بنيته ووظيفته وأشكال الانتقال من وضع اجتماعي إلى آخر( ).

المطلب الثاني: مستجدات الأساس النظري للشيوعية
إن تصور ماركس للثورة الاشتراكية الديمقراطية داخل البلدان الرأسمالية داخل المجتمعات الأكثر تقدما، استدعت تكملة تبعا لتطور الظروف المادية التاريخية وتغيرها لأن ما توقعه ماركس من نشوء ثورة بروليتارية في الدول المتقدمة لم يقع وكذلك تنبؤه لانهيار المجتمعات الرأسمالية وذلك لعدة عوامل.
*التوسع الاستعماري للرأسمالية
بعد ظهور التوسعات الاستعمارية التي ساهمت في حدوث مجموعة من التطورات على النظام الاقتصادي الرأسمالي، حاول "لينين" أن يدرس هذه التغيرات( ) من خلال إبرازه مجموعة خصائص وقوانين تطور هذا النظام الذي لم يعد أساسا يعتمد على الحرية والمنافسة وإنما أصبح ذو صبغة احتكارية وجماعية رغم أن التملك بقي فرديا خاصا لعدد قليل من الأفراد والتي استطاعت أن تبقى مواجهة للتغيرات بفضل الإمكانات التي منحها الاستعمار، الأولى تتجلى في إمكانية الحصول على المواد الأولية بأثمان بخسة، وعلى اليد العاملة الرخيصة، والثانية تكمن في تصريف منتجاتها وفائض الرأسمال إلى البلدان المستعمرة كشعوب استهلاكية لمنتوجاتها.
هذا ما ساهم في تعطيل الحركة الثورية للطبقة العاملة عن طريق الامتيازات والزيادات في الأجور وكذلك استعمال الربح الزائد في المستعمرات في إرساء الفئات القيادية للنقابات العمالية التي نتجت عنها أرستقراطية لا تخدم مصالح طبقة البروليتاريا. وبالتالي نتج عن هذه التطورات تخلف الثورة التي تنبأ لها ماركس لأنه كما تصور لينين لا يكفي لقيام الثورة الاشتراكية والوصول إلى المجتمع الشيوعي التقدم الصناعي والاقتصادي وحده بل لابد من وضع ثوري ينشأ إذا انظم إلى التغيرات الموضوعية تغيرات ذاتية أي قدرة الطبقة العاملة على القيام بأعمال ثورية جماهيرية تتجاوز النظام القديم.
*التطور الديمقراطي
إن التطورات التي ظهرت في الاقتصاد الرأسمالي الذي لا يقوم إلا على المنافسة الذي يخلق مجموعات أو وحدات اقتصادية كبرى تتحكم في وضع القرار السياسي وذلك يظهر في الدور الذي تلعبه الدولة في الحياة الاقتصادية وكذلك ازدواج الملكية والإدارة بحيث يتجليان في رأس المال بل صاحب رأس المال الذي يكون مالكا للمشروع الاقتصادي ومديرا لأعماله في نفس الفترة( ).
هذا لم يقض على المجتمع الرأسمالي الليبرالي كما توقع ماركس لأنه تتجاوز اختلالاته من خلال تغيير طبيعته وكذلك تحسين الوضعية المادية للعمال سواء من حيث الأجور أو التعويضات والخدمات الاجتماعية وكذلك ظروف العمل كنقص عدد ساعات الشغل عكس ما توقعه ماركس وأتباعه بالإفقار المطرد للعمال الذي سيؤدي إلى ثورة تنتهي إلى بناء المجتمعات الشيوعية على أنقاض الرأسمالية.
كل ما سبق يعتبر كنتيجة لمجموعة من الضغوطات الديمقراطية التي استطاع من خلالها العمال بفضل مجهوداتهم السياسية والنقابية على مدة غير يسيرة من الزمن هي تحسين مستوى حياتهم وصدور مجموعة من التشريعات التي نصت على ازدياد حصة العمال من الدخل القومي سواء على شكل ارتفاع في الأجور أو على شكل الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة التي تمول من الضرائب المفروضة على الرأسماليين. وكذلك وعي العمال في تنظيم أنفسهم داخل نقابات ومنظمات قادرة على التفاوض مع مستخدميهم حول المطالب التي ينشدونها.
وأن الناس في علاقات تتسم بالحتمية والضرورة المستقلة عن إرادتهم بمعنى آخر يجب تتبع حركة التاريخ عن طريق تحليل بنية المجتمعات وليس طرق التفكير وبالتالي فهم العلاقات فوق الفردية التي تتيح تكافؤ الفرص بين جميع الأفراد المكونين للجماعة هذا يؤدي إلى تلاشي الاغتراب لدى العمال داخل الطبقات البروليتارية ورجوعهم إلى أناس عكس ما كان سائد في النظام الرأسمالي لأن الملكية الخاصة ضد ماهية الإنسان والتي تجعل وجوده مقترنا بالأشياء عكس الملكية الاشتراكية أو المشتركة التي تتفق مع ماهية الإنسان وتسخر الأشياء للإنسان داخل مجتمع تنتفي فيه الفوارق الاجتماعية التي كانت سائدة في الأنظمة السائدة هذا ما تناوله ماركيوز( ) كمنظر ثوري حاول تجاوز تناقضات النظرية الاشتراكية كما نظر لها ماركس وغيره كمشروع لتحقيق الهدف التاريخي وهو إنشاء مجتمع شيوعي على الأسس التي رسمها كل من ماركس وأتباعه انطلاقا من طريقة علمية ترد سر الصراع بين الطبقات في بعدها المادي التاريخي من جهة والدياليكتيكي من جهة ثانية وكذلك عن كل من نظرية القيمة، الأجر والقيمة المضافة كمكونات أساسية ينبني عليها الاقتصاد الرأسمالي. مما جعل هذا الفكر يحمل بين ثناياه القيم السياسية والاقتصادية ثم الأخلاقية والاجتماعية كمحددات أساسية تبرز في المنظومة الشيوعية مع مجموعة التي واكبتها دمن خلال رواد ما بعد ماركس الذين حاولوا أن تطويع النظرية لكي تتكيف مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عن مجموعة من تطورات لم يستطع ماركس التنبؤ لها مما جعل هذه المجموعة من الرواد أن تقوم بتكيف النظرية مع الممارسة وخصوصا في روسيا حيث برزت هناك ظروف ذاتية وموضوعية قد تقف أمام تحقيق المشروع الشيوعي.

















المبحث الثاني: النسق القيمي للأيديولوجية الشيوعية
تشير فكرة النسق إلى الترابط بين مجموعة عناصر يساهم كل منها في بقاء الكل الذي تشكله هذه العناصر وكذا في ضبط العلاقات التي تربط هذا الكل بمحيطه كما هو في الأيديولوجية الشيوعية التي تتأثر ببنيات التفاعل الذي ينتج عن كل القيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الأخلاقية التي يمكن أن تدخل في مجال هذه الأيديولوجية كلما كانت أهدافها تخص رهانات منظريها. بعد تحديد مدلول النسق سنعطي تحديد كذلك لمفهوم القيم الذي هو عبارة عن تصورات ومفاهيم دينامية تميز الفرد أو الجماعة، وتحدد ما يطمح إليه داخل المجتمع، وتؤثر في اختيار الأهداف والأساليب والوسائل الخاصة بالفعل. تتجسد مظاهر القيم في اتجاهات الأفراد والجماعات وأنماطهم السلوكية وتمثلاتهم ومعتقداتهم ومعاييرهم ورموزهم الاجتماعية، وترتبط ببقية البناء الاجتماعي تؤثر فيها وتتأثر بها.

المطلب الأول: القيم السياسية والأخلاقية
للكشف عن هذه القيم سنحاول الرجوع إلى النظرية الشيوعية من خلال التصورات في هذا المجال التي أعطيت لهذه الق يم سواء في فترة التنظير أو أثناء الممارسة.
*القيم السياسية
هناك مجموعة من وجهات النظر التي تحمل في طياتها هذا النوع من القيم وخصوصا في التصورات الاشتراكية والشيوعية.
كما جاء في قول أنجلز: "إن الجمهورية الديمقراطية هي الشكل الملائم بصورة خاصة لديكتاتورية البروليتاريا" ويؤيده في ذلك أحد رموز النظرية الشيوعية لينين بقوله "إن وحدة البروليتاريا في عهد الثورة الاجتماعية، لا يمكن أن يحققها إلا الحزب الثوري إلى أقصى حد، حزب الماركسية، الحزب الشيوعي وإلا فالنضال بلا هوادة ضد جميع الأحزاب الأخرى" من خلال المقارنة بين تنبؤات ماركس وأنجلز من قيام ثورة اجتماعية بقيادة البروليتاريا والدور الذي أناطه لينين بالحزب الذي سيقود هذه الطبقة نحو تحقيق مبتغاها التاريخي، فالأخير حاول أن يبدع ويعطي دينامية جديدة لهذه النظرية الثورية ويؤكد ذلك بمقولة أساسية في هذا المجال وهي: "كلما تقدمنا في طريق تكوين حزب (ثوري) حقيقي عندنا، يصبح من واجب العمال الواعي أن يتعلم التمييز بين نفسية المكافح في الجيش البروليتاري، ونفسه المثقف البورجوازي ويصير من واجبه أن يتعلم المطالبة بإتمام الواجبات المفروضة على أعضاء الحزب وأن يطالب بذلك لا الأعضاء العاديين فحسب بل الناس الموجودين فوق أيضا"( ).
هذا يبين أن العمل السياسي عنده يعتمد على قوة الحزب في تنظيم النضالات العمالية مما يجعله يتناقض وما يدعو إليه كل من بليخانوف ومارتوف اللذين شكلا تصورا سياسيا آخر مما يجعل الحزب الشيوعي السوفياتي ينقسم إلى جناحين الأول ثوري تطوري يشكله البلاشفة بزعامة لينين والثاني معتدل يتزعمه "بليخانوف" و"ماراتوف" هذان التياران اختلفا في عدة قضايا تخص المجتمع الشيوعي ومن بينها المسألة السياسية التي حاول المناشفة أن يحافظوا عن التعاليم الماركسية والاشتراكيين الكلاسيكيين وجعل الحزب هيئة ديمقراطية يتمتع أعضاؤه بحرية النقد كما تأثروا بالأحزاب الاشتراكية الغربية أي أن الوصول إلى الحكم الجمهوري الديمقراطي سيتطور إلى شكل اشتراكي بواسطة الانتخابات النيابية أما تيار البلاشفة فقد دعى إلى مقاطعة الانتخابات واعتبارها لعبة برجوازية ودعى إلى الحرية السياسية الكاملة والجمهورية الديمقراطية وجعل حزب العمال كمنظمة عسكرية تستخدم الطبقة البرجوازية للإطاحة بالنظام وفرض ديكتاتورية البروليتاريا هذه الظاهرة برهنت عليها ثورة أكتوبر 1917 التي أطاحت بنظام الحكم القيصري في روسيا وتشكيل بوادر النظام الشيوعي.


*القيم الأخلاقية
إذا كانت الثورة العمالية ستنهي كل قيود الاضطهاد، والاستغلال وكذلك ستقوم بتحرير الطاقات البشرية التي كانت مهدورة أثناء وجود الصراع بين الطبقات خلال النظام الرأسمالية وما كان للنظام الشيوعي من انقاد الإمكانات المادية وتخصيص المزيد من الوقت لتنمية الملكات الفكرية( ). والتي سيكون هدفها تنمية وعن الطبقات الاجتماعية لكي تتحول إلى ثقافة إنسانية أصيلة تنعدم فيها الفوارق والتي إن دلت على شيء فإنها تدل على المساواة ليس القانونية فقط بل كذلك الاجتماعية. كل هذا لن يمنع الطبقة العاملة من استعمال جميع الأساليب سواء السلمية أو القوية لتحقيق ديكتاتوريتها وكذلك لمواجهة خصوم الثورة والنظام الشيوعي وترتكز على ما تحتمه الضرورة من قوة التماسك والتنظيم الجيد داخل حزب طليعي كالحزب الشيوعي الذي يستوعب المصالح الحقيقية لطبقة البروليتاريا. كما يقول أرنست مانديل( ) "…فتتعلق بما أسماه ماركس قاعدة أخلاقية، أمرا مطابقا للكفاح، دائما وفي كل مكان وبدون شروط ضد أشكال الاستيلاب والاضطهاد والقمع والاستغلال المسلطة على بني الإنسان. هنا يكمن شيء هام وجليل في هذا اليقيني الأخلاقي. وهنا غير مسموح بوجود ذرة شك واحدة (…) هذا الالتزام الأخلاقي (…) إذا ما تشبثنا به هو أيضا منع سعادة ذاتية لا تعكره أية عقدة أو إحساس بالذنب. وقد نخطأ كما يخطئ كل الناس نخطأ في سبيل قضية صحيحة. نحن لم نخطأ القضية…" هذه المقولة تذهب إلى أن الأخلاق تتماهى مع السياسة لما لها من تصور حول كيفية الالتزام السياسي والنضال ضد الأشكال المنافية للطبيعة الإنسانية بروح ماركسية معبرة( ).
إلا أن بلد مختلف كروسيا فإن الحزب هو الذي يقرر في مصير هذا المجتمع الذي يتحرك في مجمله مستندا على العفوية الديناميكية وبالتالي ضرورة هذا الحزب لتأدية واجبه التاريخي.
رغم الأمل والطموح الجامح أثناء قيام ثورة أكتوبر 1917 في روسيا التي قامت على أساس ديكتاتورية البروليتاريا لم تصمد طويلا أما التغيرات الموضوعية والذاتية هي الأخيرة التي تشكلت في رغبة بعض زعماء الحزب بإنشاء طبقة بيروقراطية تتحكم في قرارات ومصالح الطبقة العاملة مما يبين تنامي غريزة حب البقاء الذاتي وظهور نوع من "عبادة الشخصية" عكس ما كان متوقعا من تنامي مجتمع بدون دولة وبدون طبقات( ).
"فالطبقة البيوقراطية الحاكمة تكونت منذ نهاية العشرينات وتبتت سلطتها بحركة التطهير التي امتدت من 1936 إلى 1938 في عهد "ستالين" حيث بدأت هذه الطبقة في عام 1940 في اتخاذ وسائل لاحتكار السلطة ومنع دخول الطبقات الأخرى لمشاركتها في الحكم وبهذا خطت الخطوة الأولى نحو جعل السلطة، والامتياز الطبقي وقف على أبنائهم يرثونه من بعدهم"( ).
إن جوهر الأخلاق يكمن في مكانتها داخل الحياة الاجتماعية حيث تشكل مجموعة من المعايير والقواعد عن تصرف الناس في المجتمع تميز تصوراتهم عن العدالة والظلم، والخير والشر، والشرف والعار…الخ وخلافا للقواعد القانونية فإن القواعد الأخلاقية ليست مسطرة في قوانين وإنما تجري مراعاتها بقوة الرأي العام والعادات والتقاليد والتربية، بقوة الدوافع الداخلية لدى الإنسان. إنما تحدد موقف الإنسان تجاه المجتمع وتجاه شعوب البلدان الأخرى وكذلك اتجاه العائلة وسائر الناس.
وبالتالي فإن الأخلاق تتغير بتغير الواقع الاجتماعي والتاريخي التي تشكلت فيه.




المطلب الثاني: القيم الاقتصادية والاجتماعية
يمكن أن نلامس القيم الاقتصادية في نمط الإنتاج الاشتراكي والشيوعي وكذلك العلاقات الإنتاجية التي تحكم هذا الناظم الذي يؤثر ويتأثر أيضا بالمجال الاجتماعي رغم اختلاف بين النظرية والممارسة أي بين ما كان يتوقع قبل حدوث الثورة البروليتارية وبعد حدوثها ما يلخص في النظرية قبل الممارسة وما استجد فيها نتيجة تغير الظروف المادية والتاريخية في تلك الفترة.
*القيم الاقتصادية
إن وصول المجتمع إلى مرحلة الشيوعية الذي يرتكز على القضاء على كل الملكيات الفردية لوسائل الإنتاج وتأسيس على أنقاضها التملك المشترك الجماعي داخل المجتمع. فالمجال الاقتصادي أيضا لم يسلم من مستجدات أثارت الجدال حول مجموعة قضايا بين كل من المناشفة والبلاشفة هذان التياران اللذان يشكلان الدعامة الأساسية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي دائما نستدل بهذا البلد لأنه هو مهد الثورة البروليتاريا في أول مرة أي مهد التصور الشيوعي وتطبيقاته العلمية من طرف منظريه. ناهيك عن ذلك فإن البلاشفة يطالبون بتأميم الأراضي الفلاحية تماشيا مع فكرة ديكتاتورية البروليتاريا القائمة على اشتراكية الدولة عند هذا التيار حيث أقرت قانونا يحدد كيفية استهلاك الأرض وبموجبه "يلغي حالا حق كبار الملاكين في الأرض دون أي تعويض"( ).
هذا القانون نتج عنه إلغاء الملكية الخاصة وإقامة ملكية جماعية للأرض والمصارف ومشاريع الصناعات الكبرى مع تسليمها للشغيلة الذين لهم الحق في استثمارها فقط دون أن يكون لهم حق بيعها أو شرائها، أما المناشفة فذهبوا إلى أن الأراضي يلزم أن توضع تحت تصرف البلديات لاستئجارها من طرف الفلاحين كل بحسب رغبته ووسائله إلا أن ما توقعه المناشفة هو الذي تأتي له الظهور رغم وجود بعض التناقضات والصعوبات على مستوى التطبيق التي تستثمرها النظرية من خلال تصوراتها في الحياة الاقتصادية ولتجاوزها كان لزاما لأن تؤدي الملكية الجماعية لأدوات الإنتاج والتوزيع إلى سيطرة الطبقة العاملة على هذا المجال وبجانبه الميادين الأخرى المكونة لبنية المجتمع حيث يتحول هذا الأخير إلى ورشة عمل كبيرة للإنتاج المشترك الذي تنعدم فيه المنافسة بين جل المشاريع الاقتصادية وبالتالي تكريس الطابع التعاوني داخل المجتمع الشيوعي. وكذلك ستخير التوزيع لسد الحاجيات المباشرة لا توجيهية لمتطلبات السوق مع خلق إدارة تتولى هذه العملية أي توزيع الإحصاء وتناوب العمال على هذه الوظائف لكي لا تكون طبقة أخرى في حد ذاتها. حيث يتم توزيع المنتوجات حسب كمية العمل المبذولة في المراحل الأولى للمجتمع الشيوعي وفي المراحل اللاحقة حسب حاجات الأفراد إليها.
*القيم الاجتماعية
إذا كانت الأيديولوجية الشيوعية ترتكز على المادية التاريخية كنظرية جدلية عن التطور الاجتماعي التي تشير إلى طريق البشرية نحو مستقبل أفضل حيث تساءلت عن الأسباب الرئيسية للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، واعتبارها لم تظهر هذه القضايا بشكل عفوي لأن الفرد يرتبط بروابط لا يمكن أن يشغله غير مصير المجتمع والطرق التي يتطور بها حيث تحدث ماركس وغيره عن مدى تأثير الوجود الاجتماعي عن الوعي الاجتماعي فالأول يشكل الحياة المادية للمجتمع وقبله نشاطه الاجتماعي والعلاقات الناشئة عن هذا النشاط. أما الثاني الذي يعبر عن الحياة الفكرية والآراء والنظريات التي يسترشدون بها في نشاطهم العملي داخل الجماعة وبالتالي تكون المساواة الاجتماعية سواء في توزيع الثروات ووضع حد للاستغلال الناشئ عن الصراع حد ينتج عنه خلق طبقة ذات تكوين ثقافي ينبني على التعاون درءا للاستغلال والاضطهاد. كما ينبني لينين بقوله: "إن التناحر والتناقض ليس شيئا واحدا أبدا فالأول سيختفي والثاني سيبقى في الاشتراكية"( ). أي أن الطبقة المسيطرة في المجتمع الشيوعي هي البروليتاريا التي تتوفر على تناقضات معينة تنشأ بين النظام الجديد التقدمي والنظام القديم الرجعي تبعا لقانون الديالكتيك الماركسي.
إن معالم النظام الرأسمالي ستبقى داخل المجتمع الاشتراكي التي ستضمحل بعد تأسيس ديكتاتورية الطبقة العاملة وقيام الملكية الاشتراكية وهذا النظام الاشتراكي بدوره تتخلله عدة تناقضات ستعرقل الانتقاد إلى مجتمع شيوعي تنتفي فيه الطبقات الملكية الخاصة والدين كذلك كأيديولوجية للطبقة المهيمنة مما يجعل مهمة تحقيق هذه المبادئ تقع على عاتق الدولة والحزب.
وفي صدد الحديث عن القيم الاجتماعية سنتناول مفهوم الثورة الاجتماعية التي نشأت عن تطور ظروف حياة المجتمع المادية في مراحل معينة من تطوره، وعن التناقضات الملازمة له، إنها انقلاب كبير في حياة المجتمع السياسية والاقتصادية والأيديولوجية وتتبدل نتيجة هذه الثورة، الطبقات المسيطرة وأنواع الدول وتصفى علاقات إنتاجية قديمة بعلاقات إنتاجية جديدة وتتبدل من الأساس الأفكار والتصورات والمعتقدات وكذلك المؤسسات الاجتماعية( ).
































في هذا الفصل ستتم دراسة كل ما يتعلق بخاصيات، أو مميزات النظام الشيوعي سواء ما يتعلق بكيفية احتواء الصراع، وما يمكن أن تلعبه المؤسسات السياسية، والحزب الشيوعي خلال مرحلة الانتقال من الاشتراكية إلى الشيوعية. لهذا سيتم دراسة كل هذه القضايا من خلال تجربة تاريخية لإحدى الدول التي تبنت هذه الأيديولوجية وهي الدولة السفياتية الروسية كنموذج للدول الاشتراكية والشيوعية العالمية.

المبحث الأول: خصائص وطبيعة النظام الشيوعي
لا يمكن الحديث عن خصائص وطبيعة النظام الشيوعي دون الحديث عن نظيره الاشتراكي كتمهيد وكنشأة أولى لهذا النظام لذا كان لزاما دراسة كيفية تجاوز الصراع الطبقي ومن تم ضرورة إبراز كيف تم القضاء على هذا الصراع؟ وكيف استطاعت الطبقة العاملة تكريس ديكتاتوريتها ؟

المطلب الأول: القضاء على الصراع الطبقي
إن تاريخ المجتمع الطبقي، كما جاء في الأدبيات الاشتراكية إنما هو تاريخ الصراع أي بين الطبقات المالكة لوسائل الإنتاج، والطبقات التي تبيع قوة عملها أي بين المضطهِدون والمضطهَدون حيث أن هذا التناحر يكون مرة مستترا ومرة أخرى ظاهرا.
باعتبار هذا الصراع من النوع الذي لا يقبل المصالحة، أي أنه ناشئ عن التضاد الجدري بين الطبقات من خلال وضعها الاقتصادي والسياسي. لهذا ما كان قد ساد في المجتمعات الرأسمالية سبب في ظهور المجتمعات الاشتراكية، عن طريق مجموعة من الأشكال النضالية على مجموعة من المستويات ففي الميدان الاقتصادي مثلا كان نضال الطبقة العاملة لتحسين الوضعية المادية لها وظروف عملها، وفي مجرى هذا النضال تنامى وعي الطبقة العاملة لتشكيلها عدة تنظيمات ونقابات في المجال السياسي والتي استخدمت من خلالها مجموعة الوسائل كالإضرابات، والمظاهرات السياسية والنضال بنوعيه السلمي والمسلح. إذا كان هذا هو هدف الفعل السياسي الاشتراكي فإن نظيره الشيوعي يتميز بقيم مجتمع متحرر من تناقضاته ومن فوضى الإنتاج ومجتمع بدون طبقات يرتكز على العمل واعتبار النضال البروليتاري لابد أن يكتسي طابع سياسي عن طريق دراسة جميع خصائص الوضع الاجتماعي والسياسي.
*القضاء على الملكية الفردية لوسائل الإنتاج
إن زوال التركيب الطبقي ببناء الاشتراكية أزيلت معه كذلك الملكية الخاصة وتم إلغاء استغلال الإنسان. هذا لم يمنع من وجود طبقتين في المجتمع الاشتراكي لكنهما متآخيتين وهما الطبقة العاملة والفلاحون الكلخوزيون وكذلك المثقفون الشغيلة، وبالتالي فالعمل الجماعي في هذه التعاونيات الفلاحية أو المصانع أدى إلى التوفيق بين المصالح الشخصية، والاجتماعية في المجتمع الاشتراكي الروسي، والذي شكل عاملا قويا لتطور المجتمع نحو إنتاج متقدم.
كذلك فالحزب الشيوعي الروسي ساهم في توجيه كل الميادين المشكلة للاقتصاد بل للحياة العامة للمجتمع وخصوصا أثناء مرحلة الانتقال إلى الشيوعية حيث هناك عدة تناقضات تعرقل سير الحركة الشيوعية في روسيا إذن ما هو جوهر هذه التناقضات ؟
يتجلى محور هذا التناقض في أن الاشتراكية تأسست على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج والتي تمثل سلسلة معقدة من التأثير المتبادل بين العمال في الصناعة والزراعة، وبين مختلف الفروع الإنتاجية الخاصة بالميدان الصناعي والزراعي، بين القرية والمدينة، وبين أناس العمل الفكري والعمل العضلي( ).
هذه التقابلات التي تولدت عن الاشتراكية تشكل عقبة أمام التطور المنشود من خلال بلوغ أقصى مرحلة من مراحل تطور المجتمع، وهي الشيوعية. مما أدى بالحزب والحكومة معا إلى إعادة تنظيم الصناعة والفلاحة، لتمتين الروابط بين هذين القطاعين، واهتمت بكيفية الانتقال إلى علاقات شيوعية إنتاجية مما أدى بهذا المجتمع إلى دخوله عالم المنافسة مع الدول الرأسمالية ومحاولته لضمان أعلى إنتاجية على الصعيد العالمي. والتي تطمح بكل المؤسسات المشكلة لهذه الدولة إلى تجاوز التناقض الأساسي في مجتمعها وهو أن الاشتراكية تقوم على ملكيتين جماعيتين ملكية الشعب، ملكية الدولة والملكية التعاونية عكس الشيوعية التي ستكون فيها ملكية واحدة، وهذه الأخيرة لن تتأتى إلا عن طريق تطوير وترقية شكلي الملكية الاشتراكية. وكان ضروريا أن تنضج كذلك ملكية الدولة نتيجة تمركز الإنتاج المطرد وازدياد الطابع الاجتماعي للعمل، واتساع التخصص والتعاون وكذلك تطور الكولخوزات واتساعها لكي نشمل بل تندمج مع ملكية الدولة في المجتمع الشيوعي.
*ديكتاتورية البروليتاريا
إن ديكتاتورية البروليتاريا هي دولة من نوع خاص تختلف جذريا عن سابقتها، من حيث جوهرها الطبقي، ومن حيث أشكال التنظيم الحكومي، ومن حيث الدور الذي يتوجب عليها القيام به.
إن جميع الدول من منظور هذه الأيديولوجية كانت أداة بين الطبقات المستغلة، أي أداة قمع استهدفت في بدايتها الأولى انقسام المجتمع إلى طبقات وديكتاتورية البروليتاريا هي سلطة الطبقة العاملة.
كتب لينين: "إن ديكتاتورية البروليتاريا، إذا فسرنا هذا التعبير اللاثيني، العلمي، التاريخي، الفلسفي، بلغة إنما تعني أن طبقة معينة أي أعمال المدن، وبوجه عام، عمال المصانع، العمال الصناعيين، هي وحدها القادرة على قيادة كل جهود الشغيلة والمستثمرين في النضال من أجل خلع نير الرأسمال، وخلال عملية الخلع خذه، وفي النضال من أجل محو الطبقات ومن أجل الحفاظ على النصر وتوطيده، وفي خلق نظام اجتماعي، جديد، اشتراكي، وفي كل النضال من أجل محو الطبقات محوا تاما"( ).
وبالتالي فهذه الديكتاتورية أيضا تشكل مركز للصراع سواء من داخل الأيديولوجية نفسها أو في علاقتها مع الأيديولوجيات الأخرى. وهذا ما أغنى النقاش الذي دار بين كل من لينين ومن سماهم بالتحريفيين والإصلاحيين الذين يؤمنون بقيام ديكتاتورية البروليتاريا بوسائل ديمقراطية وفي دول متقدمة وفسروا تواجدها في روسيا بسبب تخلفها لذلك قال لينين: "إن ديكتاتورية البروليتاريا هي أكثر الحروب بطولية، وأبعدها عن الهوادة، التي تخوضها الطبقة الجديدة ضد عدو أشد بأسا، ضد البورجوازية التي تضاعفت مقاومتها عشرة أضعاف بعد إسقاطها"( ).
رغم الجانب العنفي لديكتاتورية البروليتاريا ليس الهدف منه سوى بناء الاشتراكية، خلق اقتصاد جديد، لأن الثورة تبدأ دون أن تكون أشكال جاهزة لها لذا يكون لزاما على الطبقة الشغيلة ودولتها تنظيم حياة المجتمع الاقتصادية وهذا ما يشكل جانبها البناء الذي يتأتى لها من خلال التحالف فيما بينها عن طريق العمل التربوي داخل كل الميادين الذي أسس عليه مجموعة من رواد الفلسفة الماركسية بأن "ديكتاتورية البروليتاريا لا تنبغي سلطة طبقة واحدة. تنبغي قوتها تنظيمها، وروحها النظامي، تنبغي قوتها الممركزة المستندة إلى جميع مكتسبات الثقافة والعلم والتكنيك في عهد الرأسمالية، تنبغي وشائجها البروليتارية مع ذهنية كل شغيل من الشغيلة، ونفوذها المعنوي بنظر شغيلة الريف أو وشغيلة الإنتاج الصغير"( ) لكن الحديث هن هذه الجوانب لا يتم بمعزل عن الترابط القائم فيما بينها لأنها مترابطة عضويا لتشكل وحدة لا تتجزأ وهي ديكتاتورية البروليتاريا.

المطلب الثاني: كيف تنتفي الدولة بانتفاء الصراع
بين الطبقات
إن كيفية انتفاء الدولة واضمحلالها وخصوصا في المجتمع الروسي الشيوعي لا يمكن الحديث عنها إلا بدراسة كيف تنتفي الطبقات وتتلاشى داخل المجتمع لكي تشكل دولة الشعب بأسره لكن هذا يستدعي عدة شروط موضوعية وذاتية لحصوله إذا توفرت هذه الشروط أو سيصبح شيئا متخيلا ومتوقعا فقط دون أن يصل إلى درجة التحقق الفعلي له داخل المجتمع.
*انتفاء الطبقات
لقد نتج عن المرحلة الإنتقالية من الرأسمالية إلى الاشتراكية كان يرتكز أساسا على ديكتاتورية البروليتاريا كما تم تناولها في السابق. حيث استخدمت هذه الطبقة الناتجة عن اضمحلال مجموعة من الطبقات الأخرى – سلطة الدولة حيث أنجزت الاشتراكية لكن هل انتفت لعدم وجود الدواعي الضرورية لصيرورتها، ولإنجاز وظائفها الداخلية ؟
استطاعت الطبقة العاملة إنشاء المجتمع الاشتراكي الذي غالبا ما كانت تنشده، وتسير هذا المجتمع حتى وصوله مرحلة الشيوعية. حيث جاء في برنامج الحزب الشيوعي السوفياتي: "إن الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة في التاريخ التي لا تستهدف تخليد سلطتها. فإن ديكتاتورية البروليتاريا التي أمنت انتصار الاشتراكية – أول طور من الشيوعية. انتصارا تاما ونهائيا، وانتقال المجتمع إلى بناء الشيوعية على نطاق واسع، قد أدت رسالتها التاريخية، ولم تعد ضرورية في الاتحاد السوفياتي من وجهة نظر مهمات التطور الداخلي، إن الدولة التي أنشأت فيها ديكتاتورية البروليتاريا قد تحولت، في المرحلة الجديدة، الراهنة إلى دولة الشعب بأسره، إلى هيئة تعبر عن مصالح الشعب بأسره".
إن الطبقة البروليتارية تتلازم مع تحقيق المجتمع الشيوعي على نطاق واسع أي لا يمكن الحديث عن انتفائها دون أن تقوم بهذه الوظيفة سواء على المستوى الداخلي، أو على المستوى الخارجي حيث اعتبر ماركس تحقيق الاشتراكية لن يتم إلا بثورة عامة بين صفوف الطبقة العاملة التي تستولي بعدها على مقاليد السلطة للقضاء على المؤسسات البرجوازية ويصبح المجتمع بعد ذلك خال من الطبقات. إلا أن لينين ارتأى هو الآخر تنظيرا مغايرا لبرهنته على أن الطبقة الكادحة لن تستطيع الاستيلاء على السلطة السياسية إلا إذا مثلها فريق متماسك ومتمرس من الثوريين القادرين على استشارة الجماهير إلى العنف( ). هذا ما يبين عدم قدرة الطبقة العاملة على المهام المنوطة بها في تحقيق الشيوعية وغي تلاشي هذه الطبقة تدريجيا لكي يكون الشعب مسيرا لنفسه هل هذا الفرض سينعكس كذلك على عدم انتفاء الدولة والوصول إلى المجتمع بدون دولة خلال المراحل اللاحقة داخل المجتمع السوفياتي ؟
*انتفـاء الدولـة
إذا كانت طبقة البروليتاريا ستوظف ديكتاتوريتها في تعزيز وتطوير الدولة الاشتراكية لا يعني أنها ستضل موجودة كدولة إلى الأبد بل كان من المنتظر اضمحلالها بعد ذلك ستفقد تدريجيا، طابعها السياسي الطبقي، وباندماجها في المجتمع تصبح أجهزة إدارة ذاتية، اجتماعية، يقود جميع أعضاء المجتمع عن طريقها الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وسوف لن يكون هناك وجود للدولة. "إن تطوير الدولة الاشتراكية سيفضي شيئا فشيئا إلى تحولها إلى إدارة ذاتية شيوعية تضم السوفيتات والنقابات والتعاونيات وسائر منظمات الشغيلة الجماهيرية"( ).
إن اضمحلال الطبقات والدولة بعدها سيكون بصورة تدريجية قد تشمل عصرا تاريخيا بأكمله وذلك أثناء وصول المجتمع إلى النضج المطلوب لتطبيق الإرادة الذاتية فإن الحاجة إلى الدولة كذلك ستزول آنذاك. قال لينين: "لا يمكن أن تضمحل الدولة تماما عندما يطبق المجتمع قاعدة، كل بحسب طاقته، وكل بحسب حاجته" أي عندما يعتاد الناس تماما على مراعاة القواعد الأساسية للحياة في المجتمع، وعندما يصبح عملهم منتجا لدرجة تجعلهم يعملون طوعا حسب طاقاتهم"( ) وبذلك يكون اضمحلال الدولة يستوجب توفر شرطين أساسيين، الأول داخلي، وهو وعي الشعب ووصوله مستوى أرقى من حيث توجيهه نحو التقدم. والثاني خارجي يتجلى في انتصار الاشتراكية على المستوى الدولي واتساع رقعتها الجغرافية لأن التعارض الأيديولوجي بسبب في تقسيم العالم إلى معسكرين كبيرين يتصارعان على جميع المستويات من هنا تكمن وظيفة الدولة الدفاعية سواء كان دفاعا أيديولوجيا، أو سياسيا، أو اقتصاديا وبالتالي فإن زوالها رهين بزوال هذه المتغيرات التاريخية. لذلك عمل كل من ستالين ولينين على الاحتفاظ بفكرة "ماركس" عن انقسام العالم إلى معسكرين اشتراكي ورأسمالي. وبذلك يكون إقرار الشيوعية في واحدة أو في بعض الدول لا يبرر انتفاء الدولة في هذه البلدان الشيوعية. وانطلاقا من هذه المقولة لستالين: "إن انتصار الاشتراكية في دولة مات ليس عملا قائما بذاته، والثورة التي تنتصر في دولة واحدة يجب ألا تعتبر نفسها وحدة قائمة بذاتها بل عملا مساعدا ووسيلة للإسراع بانتصار البروليتاريا في كل الدول، لأن انتصار الثورة في روسيا ليس إلا بداية الثورة العالمية وبأساسها"( ). هذا ما شكل اختلافات عميقة بين رموز الحركة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي بين من يحاولون إيقاف الثورة في روسيا ومن ينادون إلى تصديرها نحو الخارج. بالإضافة إلى هذه القضايا التي ظلت عالقة فإنها لم تجعل الأيديولوجية تأخذ مسارها الطبيعي في سيرها نحو تحقيق مبتغاها لذلك بقي الحياة العامة توجه من طرف الحزب والمؤسسات السياسية المكونة للدولة وبالتالي استحالة انتفاء الدولة نظرا للواقع الذاتي والموضوعي المؤثر في ذلك.
*اضمحلال الدين
لقد نظرت الشيوعية وصاغت وجهات نظر متعددة دينية وفلسفية وفكرية حيث اعتبر أن لظروف حياة الإنسان ولعلاقته ولوجوده الاجتماعي والفكري أو باختصار وعيهم له برهان يقدمها تاريخ الأفكار ليس سوى أن الإنتاج الفكري يتبعه الإنتاج المادي وعندما يقع الحديث عن الأفكار تتغير أفكار مجتمع بأكمله لأن انحلال ظروف العيش القديمة أو تغييرها يسير جنا إلى جنب مع اضمحلال الأفكار القديمة.
هذا ما يبرزه التاريخ حيث عندما كان العالم القديم في طور سقوطه انتصرت المسيحية على الديانات القديمة وحين تركت الأفكار القديمة مكانها لأفكار الرقي كان للمجتمع الإقطاعي معركته الأخيرة ضد المجتمع البرجوازي الثوري آنذاك وقد تكون الأفكار القائلة بحرية المعتقد والحرية الدينية إيذانا بسلطة منافسة في ميدان المعرفة لذلك تحتفظ بحقائق أزلية التي تشترك فيها الأنظمة الاجتماعية. أما الشيوعية فإنها تلغي هذه الحقائق، تلغي الدين والأخلاق لأن تاريخ كل مجتمع قائم على التناحر والصراع بين طبقاته وذلك يرجع إلى أن الاستغلال من الأمور المشتركة للمجتمعات القديمة الماضية.
ومن تم تكمن القطيعة التي تعتبر أكثر جدرية للشيوعية لأنها قطعت الروابط مع الأفكار التقليدية أثناء تطورها. إذا كانت الشيوعية أحدثت قطيعة مع الدين كأيدولوجية الطبقة المهيمنة داخل المجتمع فإنها كذلك حاولت إلغاء العائلة لأنها تقوم على رأسمال والربح الفردي ولازمتها الإلغاء القسري لكل عائلة بالنسبة للبروليتاريا وتعميقا منها لهذه الفكرة قررت تعويض تربية العائلة بتربية المجتمع، لكونها تحددها ظروف المجتمع الذي تؤثر فيه الطبقة المهيمنة.
ألغت كذلك إرادة الوطن والقومية لأنه ليس للعمال وطن لأن زوال استغلال الإنسان للإنسان سيؤدي إلى زوال استغلال أمة لأخرى الذي سيترتب عنه اضمحلال استغلال بين الدول بزوال الصراع الطبقي.
لهذا تكون الشيوعية قد نفت مجموعة من الصلات والروابط سواء الدينية أو الأخلاقية وكذلك الأسرية واعتبارها الدين إيديولوجية الطبقة المسيطرة داخل المجتمع.












المبحث الثاني: مدى تحقيق كل من الحزب والدولة المشروع الشيوعي

خلال هذا المبحث سيتم تناول دور كل من الحزب والدولة ما كانت تشده الأيديولوجية نفسها وهو انتشارها على المستوى الواسع وكذلك كيف ساهمت هذه العوامل في التفكير في إنشاء مجتمع شيوعي ديمقراطي هل استطاعت النظرية أن تصل إلى مبتغاها، أم قد تكون هناك عوامل تحول دون ترجمة ذلك على مستوى الواقع ؟

المطلب الأول: دور الحزب والدولة في تحقيق الشيوعية
إن الحزب الشيوعي السوفياتي له مكانة بارزة في تحويل مجرى الأحداث التاريخية للوصول إلى الاشتراكية وكذلك طموحاته نحو تحقيق البرنامج الشيوعي هذا لن يجعلنا نغفل عن دور الدولة السفياتية كذلك في مراحل انتقال المجتمع من الاشتراكية إلى الشيوعية.
*دور الحزب الشيوعي
لقد نظر ماركس للمجتمع الاشتراكي حيث انتهى به الأمر إلى أن التخلص من الحكم البورجوازي لن يتم إلا بثورة عامة بين صفوف الطبقة العاملة التي ستأخذ زمام السلطة وكذلك قضائها على جميع المؤسسات البورجوازية لكي يصبح المجتمع الخالي من الطبقات حقيقة واقعية وإيمانه بحكم الأغلبية. إلا أن لينين ذهب حد هذه النظرية حيث اعتبر أن للحزب الشيوعي ممثل هذه الأغلبية "إن البروليتاريا ولو تركت لحالها أمكنها أن تقوم بثورة وإن تحقق المجتمع الشيوعي. فالشيوعية يجب –أن تكون- أن تأتي من البروليتاريا من فوق عن طريق فريق متمرس من المحترفين".
لذا نستجلي دور الحزب الطليعي في تنظيم الطبقة العاملة وكامل قدرته القيادية لهذه الطبقة لانتزاع الحكم في روسيا رغم مجموعة من الصعوبات المتعددة مثل التغلب على عادات التملك الفردي لدى سائر ذوي الملكيات الفردية الصغيرة، وتحويلهم إلى بناة واعين للاشتراكية. وفي هذا المجال يبرز دور الحزب في تثقيف الطبقة الشغيلة وكذلك توجيه نشاطها السياسي والنقابي وكما جاء على لسان لينين لا يمكن التفكير في بناء الاشتراكية بنجاح دون "حزب حديدي، وتمرس في النضال، حزب يتمتع بثقة جميع الشرفاء من طبقته، حزب باستطاعته أن يرقب مزاج الجماهير وأن يؤثر فيه"( ). فالحزب يصبح بعد انتصار الثورة الاشتراكية، حزب الطبقة الحاكمة هذا ما يضع على عاتقه مسؤوليات جسيمة ويتعاظم دوره بوصفه قائد الطبقة العاملة لمعرفته بالقوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي لكونه متمسك بأيديولوجية تنبني على الجدل، وبالتالي يكون دوره قد شمل جميع ميادين التي تعمل فيها الدولة البروليتارية الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والفكرية. إنه بمثابة خط سياسي عام في جميع الحياة العامة للدولة.
إلا أن هذا الاندماج الذي ينتج عن قيادة الحزب يؤدب إلى تطابق الجهازين الحزبي والحكومي وبالتالي خرق المبادئ الديمقراطية أي أن ضرورة إبعاد الحزب عن قيادة حياة المجتمع تبقى ملحة محاولين في ذلك اقتصار دور الحزب في تطوير الوعي الاشتراكي ليس إلا.
لكن الحزب يحقق دوره القيادي عن طريق الأجهزة الحكومية والمنظمات الاجتماعية المتعددة، النقابات، التعاونيات، ومختلف منظمات الشباب( ). ويقوم الحزب جهود هذه المنظمات ويوجهها نحو هدف مشترك دون أن يتحكم في إرادة هذه الأجهزة وإنما يطور مبادرتها بجميع الوسائل ويسعى إلى تحقيق مثل الديمقراطية في عملها وبالتالي تكون اهتماماته باستمرار هو توطيد الدولة وتكوين الصلات مع الشعب لكي يتحول إلى وحدة متراصة بين المجتمع والحزب في ظل أفقها السياسي والاقتصادي. لكن التجربة التاريخية تثبت أن القيادات الحزبية تتحكم بصورة تعسفية في تطبيق قراراتها فستالين مثلا اعتبر مصالح الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم هي نفسها في الاتحاد السوفياتي والواقع أن هذا يرى أن المثل القومية ذات نفع للسياسة السوفياتية ينالها التشجيع وإذا تعارضت مع مصالح هذه الدولة كان نصيبها المعارضة وعلى الحركة الشيوعية أن تدين للزعامة السوفياتية بالطاعة مثل هذه التعسفات وغيرها يجعل النظرية تضيع الطريق التي رسمته لنفسها وهو أن تحقق على المستوى الواقع العلمي.
*دور الدولة الاشتراكية
قبل الحديث الوظيفة التي أدتها الدولة الاشتراكية في سبيل تحقيق الشيوعية، فهي مجموعة مؤسسات تتأثر فيما بينها لكي توجه المجتمع في كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والأخلاقية. وهذه المؤسسات اختلفت عن سابقتها في الدول الرأسمالية والتي انقسمت إلى وزارات اتحادية وأخرى جمهورية تقوم بتسيير الاقتصاد بمجاليه الصناعي والزراعي، حيث وضعت الصناعات الميكانيكية وصناعة الدفاع، ووسائل النقل تحت إدارة وزارات اتحادية ووضعت الصناعات الاستخراجية والخفيفة، والغذائية والزراعية وكذلك التجارة تحت إدارة وزارات اتحادية، جمهورية وتركت الصناعات التالية تحت مراقبة الوزارات الجمهورية صناعة محلية، خدمات مخصصة للسكان، الاقتصاد القروي، شبكة الطرق، صناعة الوقود( ). وتنظيم (الإنتاج) المؤسسات يكون في إطار المؤسسات بل الوزارات في نوعين اتحادات إنتاج، واتحادات صناعية كما في الميدان الزراعي فتعدد المؤسسات كالسوفخوزات –مزارع الدولة- والكولحوزات –المزارع الجماعية- والمستغلات الزراعية التي تسمى بالمساعدة.
كذلك ميدان التوزيع والخدمات والتأمينات الاجتماعية التي تسير بقرارات متخذة من طرف مجلس وزراء الاتحاد السوفياتي الذي يكلف اللجان التنفيذية المرتبطة بالوزارات الجمهورية لتنفيذ تلك القرارات الصادرة من المجلس.
رغم تعدد دواليب تسيير الحكم وإدارة السلطة في الاتحاد السوفياتي فإن الدولة كذلك لعبت دورا كبيرا في بناء الاشتراكية والشيوعية في ميدان السياسة الداخلية أو الخارجية سواء في الفترة الممتدة من قيام الثورة 1917 إلى تحقيق الاشتراكية أو في المرحلة الانتقالية إلى المجتمع الشيوعي فالمرحلة الأولى حاولت قمع الطبقات المستغلة وإرساء اقتصاد اشتراكي يرتكز على الملكية الجماعية وتثقيف الشغيلة أي نشاطها الثقافي والتربوي وكذلك اقتصر دورها في حماية الأساس الاقتصادي للاشتراكية، وحماية حقوق وحريات السوفيات والقوانين الاشتراكية، حيث صار هدف الدولة بعد بناء المجتمع الاشتراكي هو خلق القاعدة المادية للشيوعية( ) وتغيير العلاقات الاشتراكية إلى الشيوعية وزيادة الرفع من المستوى المادي للشعب بصورة مطردة وتعزيز دور الدولة في تحقيق معايير العمل والاستهلاك. وخلال هذه المرحلة كان ضروريا أن تخلق الدولة وعي ثقافي لدى العامل لكي يعتبر العمل ليس واجبا وإنما حاجة حيوية وقضية الحياة –نفسها- الاجتماعية في شموليتها.
في هذه المرحلة الانتقالية إلى الشيوعية تطورت كذلك الوظائف إلى أبعد مدى في ميدان السياسة الخارجية لأنها مرتبطة بتغيرات حديثة الوضع العالمي حيث تمت المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات التي تجعل السلم كخيار لها من أجل التعايش فيما بين الدول.
رغم ما سهرت عليه الدولة الاشتراكية من قرارات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي هل تم تحقيق المشروع الشيوعي بطريقة سلمية أم العكس ؟ وما هي مجهوداتها المبذولة آنذاك في تحقيق حكم ديمقراطي شيوعي ؟

المطلب الثاني: علاقة النظرية بمشروعها الديمقراطي
لقد سعى كلا الطرفين –الحزب والدولة- كل من جهة إلى تحقيق الاشتراكية وظل الحلم الوحيد هو الوصول إلى مجتمع شيوعي تسود فيه كل المبادئ والتصورات التي جاءت من صميم الأيديولوجية نفسها.
*تحقيق المشروع الشيوعي الواسع النطاق
إن تحقيق أي شيء ما يستدعي مناهج وطرق لذا ارتأى التاريخ أن ينقسم المجتمع الروسي إلى قسمين يشكلان الدعاة للاشتراكية ويرسمان السبيل نحو الوصول إلى الشيوعية واللذان يتجليان في البلاشفة والمناشفة فالطائفة بل الجناح المنشفي أراد أن تكون الاشتراكية بوسائل سلمية أي عن طريق الطرق البرلمانية والانتخابية على طريقة الأحزاب الشيوعية الغربية وهذا الجناح تزعمه كل من مارتوف وبليخانوف أما البلاشفة وبفضل قوة التكنيك التي يمتاز بها لينين فقد استطاعوا الإطاحة بالنظام القيصري في روسيا وإعلانها روسيا كدولة اشتراكية تطمح إلى بلوغ وتحقيق المجتمع الشيوعي عن طريق القضاء على وسائل الاستغلال واعتبار العنف هو الوسيلة الأنجع الهدف الأساسي من قيام الثورة. على إثر ذلك ركز لينين على ضرورة إزاحة السلطة القائمة إذا أريد للشيوعية أن تسود في ما "من الضرورة القصوى لكل حزب شيوعي أن يقرن بطريقة منظمة من الأعمال القانونية بغير القانونية والتنظيم الشرعي بالتنظيم غير الشرعي"( ). لذلك اعتبر أعمال التخريب، الاغتيال والقوة المسلحة كلها مسموح بها في سبيل تحقيق حكومة شيوعية محل حكومة قائمة ولا تتورع الشيوعية في سبيل استخدام كل الوسائل وأنواع الضغط الاقتصادي والكراهية القومية فضلا عن استغلال أي فريق أو منظمة تساعد على تحقيق ذلك الهدف –الاتحاد السوفياتي- معقل الثورة الدولية ومركزها. وبعدم تحقيق مجتمع شيوعي بدون طبقات وبدون دولة وكذلك بالنظر إلى الصراعات الدولية على عدة مستويات هل سنرى ميلاد أو توطد القيم الديمقراطية داخل المجتمع الشيوعي ؟
*كيفية تحقيق البرنامج الديمقراطي
إن أعظم ما يمكن أن يطمح إليه الكائن البشري في الوسط الذي يعيش فيه هو أن يكون ذا قيم ديمقراطية بما يحمله هذا المفهوم من معنى ودلالة قيمية قد لا يرقى الإنسان على هذه القيمة التي يتمتع بها الديمقراطية.
فالأيديولوجية الشيوعية ساهمت في ترسيخ مجموعة من القيم الديمقراطية كالعدالة الاجتماعية الناتجة عن القضاء على الملكية الفردية والفوارق الطبقية التي كانت سائدة وخصوصا بعد ثورة 1917 ثم الثورات التي أتت من بعدها حيث ساهمت في إعطاء الشعب حق الاحتجاج والرفض للأوضاع اللاإنسانية التي كان يعيش فيها.
هذا من حيث التنظير أما على المستوى الممارسة فإن ديكتاتورية البروليتاريا قد تنشد العمل الديمقراطي داخل الدولة الاشتراكية الشيوعية لن تصمد أمام الصراعات التي تدخل في حساسيات أساسية ذاتية وشخصية لن تجعلها ترقى إلى مستواها المطلوب.
"إن تطوير وترقية الديمقراطية الاشتراكية من النواحي، واشتراك جميع المواطنين اشتراكا نشيطا في إدارة الدولة وفي قيادة البناء الاقتصادي والثقافي وتحسين عمل جهاز الدولة وتعزيز الرقابة الشعبية على نشاطه، ذلك هو الاتجاه الرئيسي لتطور نظام الدولة الاشتراكية في مرحلة بناء الشيوعية"( ). إذا كان الشعب حقيقة هو الذي يساهم في حياة البلاد السياسية والبناء الحكومي عن طريق السوفيات أو الأجهزة الحكومية الأخرى وعن طريق المنظمات والنقابات العمالية فإننا يمكن الحديث عن الديمقراطية في ظل الشيوعية رغم أنها لم تصل إلى مداها الواسع وتحقيق عالما واقعيا يهتم بإنسانية الإنسان ويجعل كذلك المسائل التالية في خدمته وهي الوعي الكامل بإنسانية الإنسان أيا كان انتماؤه الثقافي والحضاري، ووعي اقتصادي يحث على تدبير هذا الأخير ليبقى في خدمة الإنسانية وأخيرا وعي سياسي يحث على تدبير السياسة على أساس قيم ثابتة كالمساواة، العدالة، الحرية، التواصل، والكرامة….







خاتمة
إن الشيوعية نظام اجتماعي لا طبقي تقوم فيه ملكية الشعب بأسره الواحدة لوسائل الإنتاج، والمساواة الاجتماعية التامة بيم جميع أعضاء المجتمع، حيث إلى جانب تطور الناس في جميع النواحي، ستنمو أيضا القوى المنتجة على أساس العلم والتكنيك المتطورين على الدوام، وتتدفق جميع مصادر الثورة الاجتماعية سيلا كاملا ويتحقق المبدأ الأعظم الكل حسب كفاءته ولكل حسب حاجاته".
والشيوعية إنما هي مجتمع منظم لكادحين أحرار وواعين، ترتسخ فيه مبادئ الإدارة الذاتية الاجتماعية، ويغدو فيه العمل لخير المجتمع الحاجة الحيوية الأولى في الجميع وأمرا يدركون ضرورته، وتطبق فيه كفاءات كل فرد بأحسن وجه في صالح الشعب( ). هذا ما يجعل قضية الشيوعية لم تعد تحتاج اليوم إلى الدعاية والتبشير بقدر ما هي في حاجة إلى التوضيح والتحديد، توضيحا وتحديدا يتطلبان إعادة النظر في المقومات الفكرية الجدلية التي جعلت منها ضرورة حتمية تطمح إليها كل المجتمعات الاشتراكية وانقسام الناس بين المؤيدين والمعارضين لها إلا أن مبادئها وأسس تحليلها العلمي، والتاريخي للمجتمع جعلها في وقت من الزمن تفرض نفسها إلى درجة أن أي أحد، مهما كانت علاقته الحقيقية بتحقيق مدلولاتها سلبية، لا يستطيع المجاهرة بالعداء لها أو التنقيص من قيمتها. وخذا وإن كان كإيديولوجية مسلم بها فإنها لا يعمي قد انتصرت ولو كفكرة على الأقل. لأن الفكرة عند انتصارها تحتفظ بمدلولاتها الحقيقية وبارتباطها بالواقع المستمدة منه، أما عندما تطلق كشعار من فوق، من دون أن يكون هناك وضوح تام فيها يشدها إلى الواقع، فإن الأمر لا يعدو أن يكون أحد الأمرين، إما التمني وإما التضليل ومن هنا مصدر ما تتعرض له من الخلط والغموض والتشويش لأن الأمر يتعلق باختلاف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية من حيث التركيب عن الأوضاع التي كانت أساسا الباعث الأول للأفكار الشيوعية والاشتراكية ولا ننسى كذلك دور روادها ودعاتها الذين يعطونها صبغة العقائدية ويسقط النظرية من صرحها العلمي كالحركية، والمرونة والقابلية الدائمة للتجدد المستمر لذا برز رواد الاشتراكيين الجدد مثل لويس ألتوسبير، نيكوس بولونتزاس، هنري لوفيفر، ماركيوز..، حيث قاموا بتجديد التراث الفكري الكلاسيكي لهذه الأيديواوجية ليغدو مطابقا للتحولات العميقة التي شهدتها مجتمعات النصف الثاني من القرن الماضي ليس بداخل الغرب وحده، بل أيضا بوسط الأقطار الاشتراكية ذاتها وبالتالي دعوتهم إلى إعادة التفكير في موضوع الدولة وأساس السلطة لاعتبار ألتوسير أن الدولة ليست جهازا قمعيا فقط بل هي كذلك جهاز أيديولوجي تستطيع عبر عدة مؤسسات، العائلة، المدرسة، الإعلام، الثقافة، الأحزاب أن تحافظ على مركزها وسيطرتها دون اللجوء بالضرورة إلى القمع الجسدي والمادي أما نيكوس بولونتزاس( ) فقد ساهم من جهته باجتهاد مفاده أن الدولة في المجتمعات الغربية الرأسمالية تتمتع كذلك بقدر من الانسجام الداخلي والاستقلال النسبي تجاه نمط الإنتاج السائد أي البنية الاقتصادية وفي مواجهة الطبقات على الصعيد الاجتماعي وبالتالي فالدولة عند بولونتزاس تمثل كل الطبقات الاجتماعية المتصارعة وبالتالي تكون إطار لإدارة الصراع بين هذه الطبقات وكذلك أداة لتوفير قدر من الملاءمة بين مصالحها أو التحالف المهيمن ومصالح الطبقات المحكومة. هكذا كانت الأيديولوجية الشيوعية المرتكزة أساسا على الفلسفة الماركسية والتي جاءت للرد على ليبرالية القرن الثامن والتاسع عشر حيث استطاعت التأثير في الليبرالية وتهذيبها. عبر الحركات الاجتماعية المنظمة من طرف مختلف التيارات الاشتراكية، والتي أفرزت تصورات وتجسيدات عديدة الدولة وطرق إدارة السلطة داخلها. رغم أم دولة الاتحاد السوفياتي تلاشت كما اضمحلت معها مجموعة من الدول الاشتراكية التي كانت تحت نفوذها. فهذا لا يعني اضمحلال وتلاشي الفكر المؤسس لها، فالفلسفة خالدة لا تموت، لأنها تنتمي إلى عالم الفكر تؤثر وتتأثر وتخلق أشكالا عديدة للتعبير عن تصوراتها ويمكن أن تخلق تأملات جديدة للفرد والمجتمع والدولة هذا ما يجعلنا نتساءل عن عدة قضايا كمدى مصداقية الأيديولوجية في عصر النهايات التي وصل إليها تاريخ المجتمعات البشرية –نهاية التاريخ- نهاية الأيديولوجية ؟ هل يمكن القول بأن انتشار المبادئ الديمقراطية بصفة عامة سيؤدي إلى تضييق نطاق ودور الدولة داخل المجتمع ؟ هل التطور العولمي يكرس وجود الدولة والسلطة أم العكس ؟ ما هي الحدود التي تصطدم بها سلطة الدولة؟ ما قيمة أشكال الحكم المتعددة ؟ ما هي آفاق الأيديولوجية الشيوعية وسط نسق النظام العالمي الجديد ؟ من هنا يظهر أن مفهوم الدولة يستدعي أكثر من نظرية تختلف فيما بينها أشد التباين ذلك تعبر عن أراء وتمثلات كل مفكر بحسب الظروف التي أنتجت هذا الفكر الذي أبرز اختلاف الباحثين على أساس مفهوم الدولة لكن بقيت المقومات الأساسية كما هي لا ينالها التغيير الذي طال الوظائف والأجهزة وعي الرقعة الجغرافية للسكان وكذلك السلطة السياسية ناهيك عن شكلها جمهورية أم ملكية، أو مذهبا سلوكيا رأسمالية أم اشتراكية موجهة أو نمطا في القيادة: جماعية ديمقراطية أم فردية تحكمية.




#محمد_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جامعة الأزهر الفلسطينية في مهب الريح
- أربع سنوات على -التحرير- , الجامعات العراقية الى أين؟
- حتى الطب الامريكي في العراق أصيب بعدوى الفشل
- الطب في العراق و وعكة الطالباني الصحية البسيطة
- تداعيات التعليم الطبي العالي في العراق في مرحلة ما بعد سقوط ...
- تداعيات التعليم الطبي العالي في العراق , مرحلة ما بعد سقوط ا ...
- تداعيات التعليم الطبي العالي في العراق في زمن العقوبات الاقت ...


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد أمين - الإديولوجية الشيوعية