أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مالك مسلماوي - توهجات حكاية المقهى.. تتمة المنشور قبلا















المزيد.....

توهجات حكاية المقهى.. تتمة المنشور قبلا


مالك مسلماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3371 - 2011 / 5 / 20 - 09:08
المحور: الادب والفن
    


ذاكرة شيطانية
إن الذات النصية تكشف بتلقائية عن دواخلها وما تنوء به من هموم يومية وأحلام تعود به إلى الوراء , منفصلا عن اللحظة الراهنة بذاكرة (شيطانية) مراوغة تلاحقه على الدوام , لتدفع عنه ضغط (اللحظة) , لحظة الوعي المهزوم والمشتت.لكن هذه الذاكرة لا تنصاع للموجهات المنطقية والتاريخية ..الحال الذي يتيح فرصة واسعة للبوح واللعب بالواقعة كما يشتهي هو (الراوي) , أو ما يقترحه النص ( المروي) من مفاجآت ومفارقات واستفزاز خارج توقع المتلقي (المروي له) بما يمكن وصفه ب(الصدمة اللذيذة) , والنص في أدناه يعطي وضوحا كافيا عن ذات الشاعر المفرغة في أي نص من نصوصه , وفق أسلوب اقرب إلى ( اليوميات ) , بلغة سردية مركزة :
" كان المشهد مغريا
صرت اجلس كل يوم عند ساحل البحر
واكتب قصة حبي بواسطة العظام
ابدأ بجمع العظام الصغيرة
وأرتبها واحدا بعد الأخر
حتى اصل إلى العظام الكبيرة
لكن
وا أسفاه
لا أستطيع أن انهي قصة الحب هذه !
لماذا ؟
لأنني ابحث عن جمجمة
أضعها في النهاية
فلا أجد ! ................... ص83
هنا , صورة غرائبية : حب يبحث عن جمجمة , والجمجمة رمز الوعي , فهو حب بلا وعي , مسألة غاية في الالتباس - كما أرى - إذ إننا مادمنا نحب , لا نحتاج إلى ( شراسة ) الوعي .. لنكشف عن نقيضين جديدين : الحب / الوعي .. وإذا كان النص – غالبا ما - يجمع بين ثنائية الوعي واللاوعي فينتج صورا مهتزة يصعب تأطيرها أو تلقيها بذائقة تقليدية., فالصورة هنا :
حب بلا جمجمة = بلا رأس = بلا عقل = بلا وعي
حب غير مكتمل // غير موجود // غير ممكن
فان وصل حدّ الاكتمال , تحول إلى عظام باردة.. أو هو حب محكوم بالموت دائما .. حب ينتهي بانتهاء الجسد .. هنا نجد محورين يتجاذبان هذه القصة: الحب / الموت, إننا إزاء قصة حب غامضة , بلا بداية ولا نهاية , قصة تخون الواقع , وتجافيه , بل تسعى إلى إلغائه والتأسيس لواقعها الخاص الذي يتسع لدلالات ورؤى مغايرة , لا تألفها الأنساق الذهنية السائدة . "لان الشعرية تنبني حتما على خلخلة السياقات الرتيبة والتقليدية." 4 ... وهكذا, فمثلما نشم رائحة الجنس في ثنايا نصوص كمال الدين تباغتنا فكرة الموت دائما , ويبدو انه إحساس طاغ ينتاب الشاعر ويظهر في لحظة وجوده داخل / خارج نصه .

هاجس الموت
"الهي
أرسل اليّ ذئبك : الموت
حتى يواجه قلبي الأعزل
ويمزقه اربآ اربآ ".......... الأعزل ص122

في النص الأول من المجموعة : ( أصدقائي الأوغاد والمنفيون والسذج ) يحتل الموت النص بالكامل , فالموت ومرادفاته ورد لأكثر من عشر مرات , وقد استهلّ ب: (حين جلست إلى الساعة / كانت الساعة شابا مقتولا ) . فهيمنة فكرة الموت على النص تعني هيمنتها على الذات الساردة , إذ إن النص هو الذات / الشاعر , أو ذاته المفرغة في الحكاية .. يقول بابلو نيرودا :(لو كنا متنا قبلا ,لو كنا قادمين من تلك الأزمنة العميقة, إذن لزال من نفوسنا الخوف من الموت )5 .. ويبدو إن الشاعر قد جرب الموت مرارا بصوره المتعددة , وتآلف معه , لكنه يخاف هذه الحقيقة , فيصرخ محتجا :
"كيف يكون..
يا من قال: (كن فيكون)
مقتولا جئت إلى الدنيا
وسأغادرها مقتولا أيضا ؟! ) ص11
هنا يبدو النفي موتا والحزن موتا والضياع موتا .. إن الشاعر هو واحد من هؤلاء الأوغاد والمنفيين والسذج , الذين هم أبطال هذه الحكاية , أو الحكايات التي تبدو على غرابتها صورا متداخلة الأحداث والألوان والدلالات , لكنها تسحبك دوما نحو العمق في عملية البحث المضنية عن الخلاص , عن السر الخفي في قرارة الأشياء. لذا نرى زخم الأسئلة المعلقة في جنبات الصور وفي نهاياتها الغريبة بلغة ذات نبرة صوفية شيقة :
" قالوا : من هذا المقتول ؟
وما معنى الساعة؟.." ص9

" قالوا: ما معنى المرأة ؟
وكيف يكون العري اسود " ص10

" كيف يكون اللحن على هذا الحال ؟
كيف سأصف , اللحظة ,موتي الأبدي
وضياعي في جسد من لعنة الحب
وعذابات الرغبة والشوق ؟
كيف يكون الحال على هذا المنوال ؟ ص10

إن سؤال الموت لا يسعه مكان , فهو ينبت ويتفرع في أي نص مهما كانت طبيعته وجوّه العام , ففي (صيحات النقطة) ينعطف الحوار هكذا :
هل جربت الموت ؟
- نعم
هل أناديه من أجلك ؟
- ولم تناديه وهو ينظر اليّ
من خلال عينيك
ويديك
وكلماتك ؟! ص75
ومع هذه القناعات الدامغة بحتمية الأشياء , وعجز الإنسان والتسليم بقدره , لا يغفل النص استحضار الموت كعلامة نصية راسخة , ينساق نحوها في فجوات الحوار :
سألت النقطة الحرف:
كيف تعرفت إلى جنون الموت
ولم تتعرف إلى جنون الحقيقة؟
قال الحرف: لاني شغلت نفسي
فانا ألموت
وأنا الحقيقة ! ص64


التماهي مع الرمز
في النص الثالث (ضجة في آخر الليل) تتحرر (الأنا) من الضغط , بالتواري خلف المحور الرمزي (الحرف/النقطة) ليأخذ هذا المحور مدياته الدلالية المؤطرة .إلا إن الحرف يوظف -غالبا – كرمز مغلق (يسميه ارك فروم : الرمز العرضي) , إذ لا علاقة ظاهرية أو جوانية بينه وبين المرموز له , مما يجعل النص ملتبسا بعلاقات اعتباطية توفر له قدرا من الإيهام أو الغموض , الأمر الذي يجعل القارئ يعول على ما يفصح عنه السياق :
"قالت النقطة:
انظروا إلى هذا الأرعن الذي ملأ
علي الشارع
ضجيجا وصراخا.
وقال الحرف:
انظروا إلى هذه الخائنة التي سرقت
قلبي وفلذة كبدي
وتركتني أنام على الرصيف ..." ص22
فالسياق هنا يحيلنا إلى مشهد مألوف عن علاقة متوترة بين زوجين..وهو جزء مما تختزنه الذاكرة الجمعية , عن تخلخل الرابطة المقدسة , فالنقطة هي الزوجة والحرف هو الزوج.. ويبدو أن لا مشاكلة بين الرمز( النقطة , الحرف ) وبين المرموز له ( الزوجة , الزوج) . سوى التأنيث والتذكير في اللفظ (وجود علامة التأنيث "التاء" ) , لكن السياق يسهم في إقامة هذه الصلة على أساس المشاكلة الآنية .. أما النص فلا يقف عند حد معين , فهو في حركة دائبة , يمتد إلى أكثر من جهة , لفتح أفق المشهد ,فالقصيدة وطن , والناس الكلمات , أما الحروف فهم الأفراد :
صمت الناس
اعني الكلمات
واحتاروا في أمر هذه الضجة الغريبة
آخر الليل
جاء احدهم وصب الماء
فوق رأس الحرف
وجاء آخر
ليسال الحرف عن مدلوله ومعناه
وجاء ثالث
ليحدق كالمشدوه في هذا الحرف
المرمي في آخر القصيدة
أما النقطة
فاختفت وسط بيت خيانتها المنيف
لتترك الحرف يبكي ويصرخ ويولول
وسط صهيل الكلمات
اعني وسط صهيل الناس ! ص22/23

وتفتح هذه الثنائيات حوارات ذات إيقاع صوفي عميق يتجاوز المعطيات الموضوعية إلى ما يختلط بالبعد الميتافيزيقي المطلق , حينذاك يصبح الرمز أكثر نضجا وأعمق تأثيرا , مما يمنحه القوة في التسامي على التلقي ومطلبية المعنى .. يقول بول ريكور: " يبدو لي الآن أن في داخل الرمز شيئا لا دلاليا بقدر ما فيه من شيء دلالي " 6 فالبحث عن الدلالة لا يوصل إليها دائما , فقد تكون غائبة أو مختبئة في نفق اللاوعي , أو لم تكن أصلا إلا في التداعيات الهامشية للتأويل .
في نص "حوارات النقطة" يتحرر الرمز من حدود الوصف ويتماها مع رمزية الموقف في توليد الأسئلة :
قالت النقطة : من أنا؟
قال الحرف : أنا من ؟
قالت النقطة : من أعطاني تاجا ؟
أنا الذي ادعى كينونتي الأولياء والصاحون ؟
قال الحرف : من سرق حذاء طفولتي
أنا الذي نسف ذاكرتي الكذابون والشويعرون ؟
قالت النقطة : هل يكفي أن أطلق رصاصة
على رأس شاعري لأموت
وأريحه من عذاب الموت ؟ ..... ص60
و يتشظى الحوار في محاولة كشف المسكوت عنه من خفايا الوجود والظواهر الإنسانية والطبيعية , وموقف الإنسان تجاه قدره ... ذلك كله تحت نظر السارد ووعيه وتجربته وذاته المتوهجة , مما يجعل الحوار اقرب إلى المناجاة الصوفية :
"قال الحرف: هل يكفي إن أفاجأ
بخراب الماء وفضيحة الماء
بموت كاتبي-
وأموت قبله فرحا دون ذنب؟ ".... ص60/61

"قالت النقطة:
هل تصدق أن شعرك سيغير من كتاب الثمرة؟
وهل سيغير من كتاب النهر؟
قال الحرف : لا
وهل سيجعل الشمس أكثر اصفرارا أو احمرارا؟
قال الحرف : لا
وهل سيجعل الثدي أكثر لذة وإخلاصا؟
قال الحرف: لا
قالت النقطة: إذن كل الثمرة
ايهذا المغفل "..... ص 61/6

وفي نصوص أخر, يتمحور السرد الشعري حول (الرمز الشامل) أو ما يسميه أريك فروم ب "الرمز الجامع الذي يرد في الأحلام والأساطير في الحضارات البدائية والمتطورة على حد سواء " 7. حيث تنطلق الحكاية منه .. واليه , فهو يستغرق سيمياء النص كاملا , إذ انه الوعاء الذي يمدنا بالأفكار والتصورات والمعاني .. كما في نص (حمامة) :
"يوما ما
كانت لنا حمامة بيضاء
أحببناها بشغف
أحببناها بجنون
ولان السماء مليئة بالعواصف والصواعق
فقد قتلت الحمامة فجأة
هكذا فجأة
فأخذت أنت ساقها الجميلة
وأضفت لها ساقا
وصنعت منها سريرا للذة
وأخذت أنا جناحها الكسير
وعلمته الكتابة والحروف
فصار يعلمني الشعر " .............. ص114

فيما تقدم , حاولت هذه المقاربة تحديد ملامح تجربة أديب كمال الدين الشعرية , ومنها : هيمنة المبنى الحكائي المشحون بعناصر التشويق والتحريض وملامسة وجدان القاري وتحريك أحاسيسه وأفكاره . ومنها أيضا : لغته المرسلة المكتنزة بالإثارة والتأمل , وتوليد الصور الشعرية الجديدة , إضافة إلى ولعه بالرمز والمجاز بألوانه المختلفة ..إلا إن أهم ما في التجربة هو القدرة على استدعاء الواقعة واللعب بها, في فضاءات أسطورية مثيرة . تناوئ الواقع وتستفزه لتنقذه من الانغلاق والموت.. بإعادة خلقه على الدوام في عوالم التخييل الفسيحة... ذلك ما اعتقده يوفر خاصية الإمساك بحقيقة الشعر.. مما يجعلني اعد التجربة علامة من علامات الشعرية العراقية الحديثة ..
============================================
1- ألحروفي . إعداد وتقديم د . مقداد رحيم .المؤسسة العربية للدراسات والنشر مقال : حوار النقطة والحرف .د حاتم الصكر ص75
2- مالكة عسال. مواقع ميدوزا والمثقف وأقلام
3- أديب كمال الدين. ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة . ط1 2006 أزمنة للنشر والتوزيع
4-ناجح المعموري .أسطورة الثلوج الخضر. مجلة نيفين العدد 18نيسان 2008 ص167
5- مسرحية "تألق جواكان مورييتا ومصرعه" بابلو نير ودا . المقدمة بقلم محمد عيتاني ص9
6- بول ريكور . نظرية التأويل. ترجمة سعيد الغانمي . المركز الثقافي العربي
7- سيميائية النص السردي .الدكتور عبد الهادي الفرطوسي . منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق2007




#مالك_مسلماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توهجات حكاية المقهى (قراءة من الداخل)
- في صحة الديمقراطية
- جدلية المعرفي والجمالي في الخطاب الادبي
- شهوة الانتماء
- زمن بسعر الغبار
- زمن بسعر الغيار
- من مؤسسِّات العنف في الفكر الإسلامي


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مالك مسلماوي - توهجات حكاية المقهى.. تتمة المنشور قبلا