أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مالك مسلماوي - توهجات حكاية المقهى (قراءة من الداخل)















المزيد.....

توهجات حكاية المقهى (قراءة من الداخل)


مالك مسلماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3369 - 2011 / 5 / 18 - 00:58
المحور: الادب والفن
    


مدخل : شرعت بتثبيت هذه القراءة , ولمّا أكن قد اطلعت بعد على ما كتبه الآخرون عن تجربة الشاعر أديب كمال الدين , رغبة مني في تحديد وجهة نظر خاصة تتساوق مع صدى التجربة في نفسي , ومدى تفاعلي معها , و تجنبا للوقوع تحت المهيمنات الأسلوبية في العرض والاستعراض , مع كون ذلك يفترق عن منهجية الدرس الأكاديمي البحت . وبعد فراغي مما بين يدي استقرأت مجمل الآراء المكتوبة عن تجربة الشاعر , فوجدتني أجانب الكثير منها , إذ التقت جلّ القراءات حول الحرف ودلالاته اللغوية والتاريخية والصوفية. مما دفع البعض لأن يتساءل : "كيف ومتى سيخرج أديب كمال الدين من شرنقة حروفه ؟" 1 ومن هذا البعض من ذهب بعيدا – ناسيا أو متناسيا - جوهر موضوعة البحث , وصرف الجهد في منطقة أخرى . إلا إني توقفت عند طيف من الملاحظات التي تخطت دائرة الحرف إلى الدائرة الأوسع والأشمل في انشغالات ورؤى أديب كمال الدين . ومن هذا البعض الكاتبة مالكة عسال التي تطرقت إلى خصائص التجربة الأسلوبية في السردية الحكائية حيث تقول : "عانق الشاعراديب كمال الدين الأشياء بسردية حكائية وصفية شعرية فريدة, مقربا المسافة بينه وبينها في تلاحم ممدد , ولم تنفلت من وصفه الدقيق حتى اللحظات التي ينكب فيها لكتابة الشعر." 2 كذلك ما أورده الكاتب صلاح زنكنه في موقع الشاعر أديب كمال الدين على الانترنت . حيث تطرق إلى البنية السردية والوصف معرجا على ما يطرحه جيرارد جنيت " لا يمكن تصور بنية سردية من دون وصف " لكني لا أميل إلى عدّه شاعرا (وصّافا) . فهو شاعر رؤيا , وليس رؤية ( مشهد ) , بمعنى يجيد صناعة أحلامه وأساطيره الخاصة ,ولا يتعامل مع الأشياء بحيادية , بل يخترقها ويخلخل وجودها القائم , وبهذا يكون الشاعر اقرب إلى الرسام التجريدي الذي يصور العالم ليس كما هو , إنما كما يقترح أن يكون ..أما ( الوصف) فهو اعتراف وخضوع للظاهرة ..من هنا تنطبق مقولة جيرارد جنيت - من وجهة نظرنا – على السرد القصصي والروائي ,ولا تقبل على إطلاقها في السرد الشعري .. وعلى أية حال , أرى إن تميز أديب كمال الدين لم يتأت من جهة معاقرته للحرف العربي وحسب , بل من جهات أخر لا يمكن إغفالها في سبر أعماق هذه التجربة , بل إن هذه (الجهات) تشكل النسق العام , بينما يشكل (الحرف) النسق الخاص في التجربة .. وهذا ما ذهبت إليه القراءة التي نحن بصددها الآن , وقد انحصرت في مجموعة ( ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة )3... معتقدا أن هذه المجموعة( أجرأ) من سواها في الإفصاح عن التجربة.
قلت : هل اهتدى أديب كمال الدين إلى طريق تميزه عن الآخرين ؟ أ مصادفة ؟ أم عبر الاشتغال المضني في حقول الكتابة , والانغمار في عالم تشكله الحروف في غياب القناعات الوجودية وجدوى الانسجام , في اختزال الفضاء والزمان بحرف , أو بالأحرى بين ثنائية (الحرف والنقطة) , ليشغل بها حيزا من عالمه الخاص ونظرته المشاغبة تجاه الحياة ؟ وهل استوعب الحرف أديب كمال الدين حلما وهاجسا وذهنا ؟ وماذا لو حذفنا النصوص المنشغلة بالحرف ؟ هل يبقى الشاعر هو هو, أو يفقد خصوصيته ولونه الشعري؟ أو إن الشعر أكثر امتدادا وسعة من الفضاءات المؤطرة . حين يعمل على كسر طوقه المادي الضيق نحو(الميتا مادي) الرحب , ذلك العالم الذي يشكله هو من أسألته الملحة وأحلامه المتفاقمة أبدا , والتي تجترح إجاباتها حيال ما هو سائد , عن المعنى والغاية والفرضيات المطلقة .
المبنى الحكائي (هيمنة السرد)
قلت : أن ما يميز أديب كمال الدين ليس في مغامرته (الحروفية) وحسب , على فرض الحرف و النقطة يشكلان منطلق مرموزاته إزاء ما هو مزيج من الواقع واللاواقع , من المادي والغيبي , من الخرافة والحقيقة .. إلا انه غالبا ما ينفصل عن هذه الخاصية ليذهب بعيدا في عالم لا متناه خارج دائرة حروفه , وان كانت هي المعطى الشكلي الخاص في التجربة .. لكن النص يبقى يعبر بشكل صريح عن كونه شاعرا لا يخذل نصه , في الوقت الذي لا يعلّم له الطريق , إنما يفتح له نافذة يطل منها على عالم مفترض قادر على استيعاب همومه ونزواته , ويوفر له طاقة مخيالية , وحقلا فسيحا يكدح فيه , وبابا يطل منه على حاضر تسوده الفوضى والتشتت والاغتراب .مما يلجئه - دائما- إلى غسيل الذاكرة. لذا نجد النص يأخذ شكل الحكاية المرتبطة بنيويا بالزمن الفائت .. ولا يفوت القارئ كثرة ما يحويه النص من ظروف زمانية ومكانية وأفعال ماضية , وبخاصة الفعل الناقص (كان) مفتاح ألحكي العربي منذ (كان ياما كان) :
" كنا أولادا
ولنا أب شيخ
حين غيبه الموت
لم يترك لنا شيئا
سوى بئر طيبة الماء
غير أن احدنا
لسبب ما بال في البئر
فضربه أخوته حتى كادوا يهلكوه ... " جثة في بئر ص 41
فالمقطع المتقدم كأنه - في بنيته الشكلية- من حكايات المقهى, التي تتمحور حول حدث أو ثيمة معينة , تتصاعد دراميا لتبلغ مداها , ولكن أية حكاية وأية مقهى ؟ ! لاشك إنها حكاية الوعي , ومقهى الوعي المتلبس بالأفكار الفلسفية والسيكولوجية العميقة ... فمثلما اغرم الشاعر بالحرف , كان غرامه شديدا وحاضرا بالحكاية , الحكاية المتخيلة ذات الملمح الأسطوري , الذي يسم النص بالجاذبية والتشويق المستمر. فالنص لذة دائمة , تتصاعد حتى بلوغ الذروة , كما هو فعل الجنس المقتول عند غايته . لكنه (النص / الحكاية ) يترك أثرا متوالدا من زخم التساؤلات وما يثيره من تضادات وفتوحات تأويلية واسعة . فالنص – ظاهرا - على قدر بعيد من الشفافية واليسر, في الوقت الذي هو عميق وملغز ومستفز, وتلك سمة بارزة في شعر أديب كمال الدين ... نقرأ :
" لخمسين عاما
كان يرسم اللوحة ذاتها :- لوحة الموت :-
امرأة دون عمر محدد
تسوق سيارة سوداء
سيارة مسرعة
تسوقها امرأة عارية
عبر نافذة السيارة
ترى ثديي المرأة عاريين
وترى شعرها اخضر منثورا
وترى ملامحها الساذجة
خلفها توابيت
توابيت من؟
السيارة مسرعة
والرسام مرتبك
لان المرأة ذات الشعر الأخضر
بثدييها العاريين
بعينيها الكبيرتين
بملامحها الساذجة
تحدق فيه طوال الوقت
هل كانت تدعوه ؟
لأي شيء؟ امرأة بشعر اخضر ص 97- 98
فلوحة الموت هذه , تبدو وكأنها رواية حلم , يرويها الشاعر/ الرسام مازجا بين الواقعة الموضوعية وامتداداتها (الفنتازية) .. واهم عناصرها : الإنسان/المرأة , الآلة/ السيارة , أما العناصر المتفرعة فهي : العري , الشعر الأخضر, الثديان , العينان , الملامح الساذجة ( صورة المرأة ) , ثم : اللون الأسود . السرعة ( صورة السيارة) ,. فمن خلال الصورتين المتداخلتين ينتظم السرد/ألحكي بشكله التقليدي , إلا إن ما يشحن النص / الحكاية بالتشتت واهتزاز الدلالة هو مفارقة الواقع في امتداد الزمن ( لخمسين عاما ) وفي التكرار المقصود , فضلا عن التساؤلات , ومنها ما ختمت به الحكاية ., لتبقى الاحتمالات قائمة عن مغزى الدعوة : أهي للحب أم للموت , بدلالة شبه الجملة (خلفها توابيت) , وهل كانت هناك دعوة فعلا , أم إنها إحساس مجرد ..
ثنائية الرمز... ثنائية الوجود
نادرا ما يخلو نص كمال الدين من بوح أو إشارة أو تلويح جنسي بحضور المرأة وغيابها , حيث تأخذ حيزا لافتا في مسارده الشعرية . ثم أن اشتغاله على ثنائية الحرف والنقطة ( فضح ) لانشغاله بثنائية الوجود المادي :- رجل / امرأة, حياة / موت , بحر / صحراء ...... والوجود المعنوي اسود / ابيض , فرح / تعاسة , نور / ظلمة ..... الخ . فالضد لا يكتمل إلا بضده والنقيض بنقيضه في وجود حتمي تتجاذبه السعادة والشقاء معا . فالتضاد والتناقض والتقابل ...من سمات النص الأساسية , وغالبا ما يتجلى ذلك في استحضار اللون كرمز(اصطلاحي) مشبع الدلالة , ذي مرجعية سسيولوجية . بل إن اللون يعبر عن هذه الثنائية المهيمنة على عنونة النصوص : هو ازرق وأنت زرقاء / مطر اسود مطر احمر / خنجر اسود.. صرخة بيضاء ..... نقرأ في نص ( حصان اسود واحمر ) :
" مرت ساعات الذهول
ساعة اثر أخرى
وأنا انظر إلى جسدك العاري
يمتطي الحصان الأسود ويختفي في الأعماق
ثم سرعان ما عصف بي الشوق
وعذبني الحب
فالتفت إلى حصاني الأحمر
لم أجده
ووجدت الشمس تغيب على امتداد الصحراء
مثل أسد احمر . ص 91
في النصوص السالفة والتالية يختفي الحرف كمؤصل ترميزي , ليدور النص حول دائرة الانكشاف الدلالي في إنابة اللون أو الصورة الكنائية أو الاستعارية .. للإبقاء على مستوى الدفق التعبيري/ الإيحائي .. فالشاعر لا يكتفي باستنطاق الحرف ولا يلزم نفسه بالدوران في فلكه دائما , لذا كثيرا ما نراه يتحرر من إغوائه ليرتهن بمحايثات يخلق منها بؤرا ومرتكزات يؤثث منها بنية النص الناضجة بتوهجها السردي الدائم ..مما يدفعنا إلى القول : إن الشكل السردي والبنية الحكائية وراء جمالية النص وسعة تأثيره .إضافة إلى ما يكتنزه من الشفرات والتلميحات , لكنه يبقى نصا سائغا خاليا من الإرهاق والعقد مع ما فيه من تشظّ وتداخل وجنوح كما في ( عرق ودم ) :
" كتب صديقي الشاعر
قصيدة عن النجمة
فأصيب بالالتهاب السحايا
ووجدوه بعد أربعين عاما
ميتا في الشارع
وبيده قنينة عرق
أما أنا فكتبت قصيدة عن الغيمة
فأصبت بالجنون
ومت في آخر قارات العالم
لكنهم , لحسن الحظ , لم يجدوا جثتي
ووجدو , بدلا عنها قنينة دم " ص 71
ولو توقفنا قليلا عند حدود النص السابق , خلصنا الى انه نص يتجاوز حدوده , فالمبنى الحكائي / ظاهر النص , يبدأ بكتابة قصيدة ( الثيمة المحورية ) وينتهي بالموت (قنينة دم ) , وبين الثيمتين كم من الأحداث والمنعطفات والتقابلات : كتب / كتبت , أصيب/ أصبت , نجمة / غيمة , قنينة عرق / قنينة دم , وجدوا / لم يجدو ... لكن النص بحدوده الواقعية ينهض إلى فضاء ما وراء الواقع إلى الحلم . هنا تكون كتابة قصيدة لحظة اختيار ينتهي إلى مأساة , ولا مأساة افضع من موت تعددت صوره ليغتال الإنسان وهو في أوج عزيمته , ف "الموت خيانة لأوج الاكتمال" كما تناوله فاغنرعلى حد وصف صاحبه نيتشه . وهكذا ينتشر النص أفقيا في البحث عن ذروته المنتظرة .. الذروة هنا هي الموت أو ما يحيل إليه...وإذا كان جلجامش لم يعدم الأمل في بحثه عن الخلود , فان الشاعر هنا بلا أمل , انه أكثر وعيا , يعرف قدره ويدرك تماما لعبة الحياة وحتميتها , ومع حضور قناعاته الناضجة , نجده يرثي نفسه تحت وطأة الألم والغربة : (مت في آخر قارات العالم) ...... يتبع



#مالك_مسلماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في صحة الديمقراطية
- جدلية المعرفي والجمالي في الخطاب الادبي
- شهوة الانتماء
- زمن بسعر الغبار
- زمن بسعر الغيار
- من مؤسسِّات العنف في الفكر الإسلامي


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مالك مسلماوي - توهجات حكاية المقهى (قراءة من الداخل)