أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أم الزين بنشيخة - الثورة والتنوير كانط نموذجا















المزيد.....


الثورة والتنوير كانط نموذجا


أم الزين بنشيخة

الحوار المتمدن-العدد: 3362 - 2011 / 5 / 11 - 00:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جيل كامل من العقول و النخب الصغيرة ترعرعت في أحضان التنوير مثلما صاغته مقالة صغيرة للفيلسوف الألماني ايمانول كانط ، و لم يكن هذا الفيلسوف نفسه على علم بالحجم الحقيقي لمقالة كتبها من أجل مجرد سؤال طرحه مجرد قسّ من قساوسة الكنيسة.و في الحقيقة مثلت هذه المقالة أفقا عاما لأجيال من العقل العربي ، رئة أخرى لاستنشاق رائحة الحرية في ظل أنظمة استبدادية تستعبد الأجسام و العقول و قد ولدتها أمهاتها أحرارا. قبل يوم 14 جانفي ،مثّل التنوير للفلسفة في الوطن العربي الكبير بديلا ممكنا عن الثورة ..امكانية للتحرر بعقولنا و نصوصنا و مدارسنا من جهلوت الاستبداد و طاغوته و سحقه اليومي للمساحات الحرة..و بالرغم من أن التنوير قد غيّر من مواقعه و من عناوينه مرّات عديدة صرنا نتحدث فيها عن تنوير معتدل و تنوير جذري و تنوير ناقص و تنوير جديد..و حتى عن مضادّة التنوير .،..فان العقل الفلسفي العربي ما آنفك في عود على بدء ، استئنافا أو اختصاما أو مغايرة ، للأفق الوسيع لتنوير رسالته الأولى "تجرؤوا على استعمال عقولكم".
ما الفرق بين التنوير و الثورة ؟ و الى أي مدى بوسعنا أن نستعمل عقولنا في مدننا الحالية المؤقتة؟ و ماذا نستعمل من أنفسنا و نحن في حالة ثورة لا نعرف مصيرها؟ عقولنا أم غضبنا ؟ و هل يصلح العقل كي تولد الثورات و تزهر و ترعرع ؟ أم أن العقل بارد و عاقل و رصين و متعقل و هادىء ،و سعيد ، في حين تحتاج الثورات الى العنف و الغضب و الصراخ و تكسير الأنظمة و الأنساق على رؤوس أصحابها؟ يبدو أنّ الثورات لا تولد الا من الجراح و الآلام و قد صارت جماعية ..في حين أن العقل يبدو وحيدا متوحدا فرح بالصحراء التي تنمو على يديه و تترعرع...
في هذا النص سوف نميز بين التنوير و الثورة من خلال فلسفة كانط . هو امتحان وهو محاسبة تريد أن تكون ثورية لفيلسوف قضيت في الاشتغال على نصوصه سنين من زهرات عمري..ما علاقة الفلسفة بالثورة ؟ و بأي معنى نتكلم عن فلسفة ثورية و عن فلسفة محافظة ؟ أليست الفلسفة في ماهيتها و روحها ثورة على كل عاداتنا و معتقداتنا بل و أدياننا و آلهتنا ..كانوا حكاما طغاة أم أوهاما و لاهوتا يعطل القوى الحيوية للبشر و محبتهم للحياة ..؟ نعم هناك فلاسفة يصنفون ثوريين و غاضبين و هناك آخرون محافظون و هادؤون و مستقيلون من السياسات المباشرة للدول ..الى أي صنف ينتمي كانط ؟ ليس كانط فيلسوفا ثوريا ..لكنه ليس تنويريا بالمعنى الألماني الدقيق للتنوير ..وليس كانط أيضا فيلسوف رجعيا أو محافظا أو جبانا أو خائنا لارادة شعبه ..هذه هي المفارقة التي يعاجها هذا المقال ..لذلك نقترح أن نمتحن الأطروحة التالية: لقد كان كانط معجبا بالثورة الفرنسية ..لكنه كان يعتبر أن التمرد على صاحب السيادة حق غير شرعي أصلا..و فضّل التنوير على الثورة ..لم يكن كانط ضد الثورة لكنه اعترض على الجانب العنيف في الثورة ،أي الاغتيالات و الاعدامات كما في الثورة الفرنسية ، لأن في ذلك مسّ بجوهر التنظيم المدني القائم على وحدة الارادة العامة للشعب التي يجسدها الحاكم .
أربعة أسئلة نحاول معالجتها :1) ما الفرق بين التنوير و الثورة ؟
2) لماذا تحمس كانط للثورة الفرنسية ؟
3) لماذا اعتبر كانط الثورة أمرا غير شرعيا؟
4) ما حدود التصور الكانطي للثورة ؟
1) ما الفرق بين الثورة و التنوير؟
في مقالة ما هو التنوير؟((1784 كتب كانط ما يلي :"عن طريق الثورة يمكن أن نسقط استبدادا فرديا ، أو أن نضع حدّا لاضطهاد يقوم على التعطّش للثروة و للنفوذ، و لكننا لن نبلغ بها اصلاحا حقيقيا لنمط التفكير ، على العكس من ذلك ستنتعش بسببها أحكاما مسبقة جديدة على غرار الأحكام القديمة لتشدّ الى حبالها السواد الأعظم المفتقر الى الفكر ". انّ هكذا نصّ على استقراره المزعوم أودعه كانط لغما فلسفيا علينا تفجيره. فحينما يفضّل الفيلسوف الاصلاح عن الثورة فهو يبرر ذلك بحجتين ، تبدوان حكيمتين فيما أبعد من الخصومة بين الثوريين و المحافظين ،لكن خطيرتين على كل الثورات في الوقت نفسه .كيف ذلك؟ أن الاصلاح الحقيقي للعقول أفضل من ثورة تسقط حكما استبداديا ، فذلك ينبهنا الى نمط مغاير لمشاركة الفيلسوف في الشأن العام. ذلك أن الأخطر على البشر هو الوصاية على عقولهم و ليس الاستبداد بثرواتهم .ثورة على العقول لا ثورة على البطون : ذاك هو موقف كانط.
أما عن الحجة الثانية فتقوم على أن الثورة قد تنشط أحكاما مسبقة جديدة تشد اليها الدهماء التي تفتقر الى الفكر . كل ثورة تجلب معها أحكاما مسبقة و قد تنشط أوهاما قديمة وقع تجميدها من طرف الاستبداد .مع الثورات العربية طفت على السطح أحكاما مسبقة و أوهاما قديمة. عودة على المكبوت الايديولوجي بأطيافه المختلفة تظهر هنا و هناك من تونس و ليبيا و مصر و اليمن و سوريا...
ان كانط يفضّل اذن الاصلاح على الثورة . و هنا علينا أن ننبه الى التصور الذي يقصده الفيلسوف من مفهوم الاصلاح. لا يتعلق الأمر بادخال اصلاحات أي تغييرات على القوانين أو التنظيم المدني ،من أجل ترميم بناء مهدد بالانخرام .الاصلاح المقصود هو تغيير حقيقي بمعنى جذري لآلة العقل البشري نفسه..هو اصلاح حقيقي لنمط التفكير ..و ليس مجرد تغيير و ترميم لنظام الدولة..وهنا نلتقي بمفهوم التنوير بوصفه البرنامج الأمثل لاصلاح العقول بدلا عن اسقاط المستبدين .الذي قد ينتهي بمستبدين جدد.
علينا أن نقف هنا عند مفهوم التنوير. و لنذكّر بداية أن النقاش حول التنوير قد بدأ منذ 1780 ،و أن كانط لم ينخرط فيه الاّ بشكل متأخر .و في الحقيقة انطلق هذا النقاش حول التنوير في ألمانيا من خصومة حادة حول كيفية استعمال التنوير.و كان هناك استنكار لشطط و افراط في التنوير.و جاءت مقالة كانط "ما هو التنوير؟" بمثابة الاجابة عن سؤال طرحه القسّ البرليني زولنر حول مشكلة الزواج المدني ..و قد كان القسّ يدافع عن الزواج الديني ، مستنكرا بذلك الاستعمال المشط لمفهوم التنوير، طارحا سؤاله الاستنكاري "ما هو التنوير؟اذن "
.و قد سبق كانط الى الاجابة عن هذا السؤال مندلسون في شهر سبتمبر 1784 ، و مندلسون هو تنويري حقيقي حيث التنوير الألماني يعني تحديدا ضرورة احترام.الانسان لا بوصفه كائنا عاقلا فحسب بل بما هو كائن حي له تاريخ و عادات د ينية ينبغي معاملتها باحترام. يقول ماندلسون معرفا التنوير:
"ان التنويري ، صديق الفضيلة، ينبغي عليه أن يفعل وفق التيقظ و التبصر ، و أن يتحمل بالأحرى الأحكام المسبقة بدلا عن أن يرفض القسط من الحقيقة الذي يرتبط بهاعلى نحو عميق...ان التسامح ازاء الأحكام المسبقة أفضل من شطط التنوير الذي يؤدّي الى اضعاف الشعور الأخلاقي و عدم التدين و الفوضى".
ضدّ هذا المعنى للتنوير يكتب كانط في ديسمبر 1784 مقترحا تصورا فلسفيا جذريا هو الذي سيبقى في ذاكرة العقل البشري منتصرا على تصور مندلسون.ان أهم أطروحات التنوير الكانطي و هي التالية:
أولا : التنوير هو خروج المرء من حالة القصور الى حالة الرشد..و هو قصور ناتج عن عدم استعمال المرء لعقله و القبول بالعيش تحت الوصاية .لذلك شعار التنوير هو "تجرّأ على استعمال عقلك".
ثانيا :من الصعب على المرء أن يتحرر بمفرده..و أمّا أن يستنير جمهور برمته ..فهو أمر أقرب الى الامكان ..شريطة أن ينعم هذا الجمهور بالحرية ..
ثالثا : لا يبلغ جمهور مرحلة التنوير الاّ على مهل ..لا يمكن أن نستنير على نحو فجئي و عنيف و في كرّة واحدة ..
رابعا : ان التنوير الذي يريده كانط يتعلق تحديدا بالتجرّأ على استعمال الانسان عقله بشكل حرّ و بعيد عن كل وصاية و رقابة في المسائل المتعلقة بالدين خاصة .و انه بالتالي كل من يعطل التنوير في معنى تعطيل عمل العقل البشري ، أو من يعترض على الاستعمال العمومي للعقل سواء كان الحاكم أو رجل الدين أو أي شخص آخر ، فان ذلك يُعتبر مسّا بالحقوق المقدّسة للانسانية و دوسا عليها .
و بكلمة واحدة بوسعنا أن نعتبر أن مقالة "ماهو التنوير؟" لكانط هي بمثابة البيان السياسي الثوري لكانط في بلاد لم تقم بثورتها لا على الطريقة الانغليزية (1649)، و لا على الطريقة الأمريكية (1775) و لا على الطريقة الفرنسية (1789). لكن التنوير الذي رسم كانط معالمه ليس ثورة في معنى الحدث التاريخي العنيف و الجذري الذي يكنّس في كرّة واحدة تنظيما سياسيا من أجل استبداله بآخر. التنوير ليس ثورة لكنه فعل ذاتي أخلاقي باطني للتفكير بأنفسنا ..أنطولوجيا جذرية لعصر برمته يطمح الى الحرية و يراهن على العقول و على التقدم الأخلاقي و على الارتقاء بالانسانية الى مواطنة كونية و سلم دائمة. ان الفرق هنا بين التنوير و الثورة هو أن التنوير لا يقتضي غير الحرية الفكرية وهي حرية غير عنيفة و تملك مفعولا ثوريا ما دامت تهدف الى اصلاح جذري لنمط التفكير ..
2) لماذا اعترض كانط على الحق في ثورة شعب ما على صاحب السيادة؟
نحن ههنا ازاء مكان خطير ينبغي أن نحسن الدخول اليه و الخروج منه بسلام .أن تعترض الفلسفة على حق شعب ما في الثورة على حاكم مستبد ، أمر يهدد الفلسفة و الفلاسفة في الصميم .وهنا نقف عند أخطر نص كتبه كانط عن الثورة. يقول في احدى صفحات كتاب ميتافيزيقا الأخلاق ضمن قسم "نظرية القانون" ما يلي :
"ان تغييرا للدستور ..لا ينبغي أن يكون الاّ من طرف الحاكم نفسه و ذلك يتمّ عبر اصلاح ، و لا يتمّ ذلك من طرف الشعب باللجوء الى الثورة ، وهو اصلاح يقتصر على السلطة التنفيذية فحسب دون أن يمتدّ الى السلطة التشريعية".و انه بالتالي "ليس ثمة أية مقاومة شرعية للشعب ضد المشرع الأسمى للدولة".
كيف نفهم هذا الأمر؟ ثلاثة معطيات تساعدنا على تتبرير موقف كانط هي التالية :
أولا : أن هذا النص قد كتبه صاحبه سنة 1795 أي بعد الاغتيالات و الاعدامات التي استهدفت الحكام و رجال الدين ،و التي تلت الثورة الفرنسية .و هي أحداث استنكرها كل الفلاسفة تقريبا منهم بوركا الانغليزي و فيشته و شيلر ..بما هي مسّ بحرمة أرواح البشر و مقدساتهم و بقداسة التنظيم المدني و بجوهر الأخلاق .
ثانيا : أن كانط فضّل الدفاع عن نظرية في القانون كونية و ملزمة و كفيلة بانقاذ الدستور الشرعي الضامن لكل الحريات بدلا عن الدفاع عن الثورة الفرنسية كحدث خاص لازالت نتائجه آنذاك غامضة و فوضوية .
ثالثا : انه ضمن تنظيم مدني قائم على القانون ، لا يجوز للشعب أن يعترض على قرار صاحب السيادة ، لأنه في تلك الحالة ، من سيحسم الامر ؟ من صاحب الحق؟ و بأي حقّ و الحال أن القانون لم يعد هو الشرعية العليا لكل حقّ؟ هكذا يخلص كانط الى أن كل تمرد على القانون الذي يمثله الحاكم انما هو هدم لدولة القانون نفسها.
رابعا : ينبغي أن نشدّد هنا على التصور الثوري الذي يقدمه كانط لدولة القانون : انها دولة لا يكون فيها الحاكم غير مجرد ممثّل للارادة المدنية للشعب ..وهو شخص عام مهمته أن يمارس السلطة التي منحها له شعبه وفق القانون الذي يبقى دوما فوق الجميع.و هذا الحاكم لا يملك أي شيء لا الذوات و لا الأرض و لا ثروات البلاد .فهو بحسب كانط السيد الأسمى للعدالة التوزيعية حيث يضمن توزيع الخيرات على أصحابها دون أن يكون له أي حق في ملكيتها أو الاستيلاء عليها .
خامسا: و بالتالي أن المواطن في دولة القانون لا حقّ له في التمرد لأنه يسلّم ضمنيا بأن الحاكم لا يقترف في حقّه أي نوع من الظلم.و اذا ما وقع ذلك ، فانه من حق المواطن ، حسب كانط ، أن يدلي برأيه و بحكمه و بنقده علنا و بشكل عمومي ّ، لأن دولة القانون هي نفسها دولة التنوير حيث ينعم الجمهور بالحرية.
سادسا : لقد كان كانط يعوّل على المثقف القادر على الاستعمال العمومي لعقله بما هو نوع من المقاومة السلمية أو من التمرد الهادئ الذي يتكفل بمراقبة دائمة للحاكم حتى لا يحيد عن مبادئ دولة الحق و القانون .و ذلك لان الدولة في جوهرها تنظيم مدني يقوم على الارادة العامة و القانون الكوني الذي لا يمكن الاحتجاج عليه.
لماذا تحمّس كانط للثورة الفرنسية ؟
في نص من نصوصه الأخيرة تحت عنوان "نزاع الكليات "(1797) يكتب كانط عن الثورة الفرنسية ما يلي :"ان هذا الحدث لا يتمثل في وقائع جميلة أو وخيمة قام بها البشر ، بحيث صار فيها ما كان عظيما أمرا مبتذلا بين الناس ..وحيث انقرضت كما بسحر أجهزة سياسية جدّ لامعة و جدّ قديمة و انبثقت في مكانها أخرى كما من عمق الارض.لا .لا شيء من كل هذا . يتعلق الأمر فحسب بطريقة تفكير المتفرجين التي تتجلى بشكل عمومي بمناسبة هذا اللعب للتحولات العظيمة ...و التي تظهر ..موقفا كونيا ..خاصية للنوع البشري ..خاصية أخلاقية ..لا تمنحنا فقط الأمل في التقدم بل هي هذا التقدّم عينه ". هذا النص يعبر فيه كانط صراحة عن حماسته و فتنته القصوى بحدث الثورة الفرنسية . انها تجسد في تأويله ،أملا يحمله كل البشر، أمل كوني هو الأمل في التقدم الأخلاقي نحو عالم يكون فيه الانسان غاية في حد ذاته و الحرية هي مفتاح كل الحقل العملي للبشر .ان الثورة الفرنسية التي قام بها "شعب ثري جدا من الناحية الروحية" تبعث في ذهن المتفرجين الذين ينتمي اليهم كانط ،حماسة قصوى للثورة ، تعود الى الأمل في التقدم ، أمل جسدته الثورة الفرنسية .
كيف نفهم حماسة كانط للثورة؟ نحيل هنا على ليوتار المفكر الفرنسي ما بعد الحديث الذي اشتغل على هذا الأمر رأسا.وهي أطروحة نكتفي بتجميع عناصرها للقارئ العربي في النقاط التالية:
..أولا : أن كل ما يحصل في الحقل السياسي التاريخي لا يحدث فحسب من جهة الركح ، بل يحدث أيضا من جهة المتفرجين الغامضين البعيدين الذين لا أحد ينتظرهم و لا أحد ينظر اليهم .هؤلاء فقط هم من بوسعهم التمييز داخل ضجيج الثورة بين ما هو عادل و ما هو غير عادل.
ثانيا : أن مفهوم الحماسة في السياسة هو المفهوم المناظر لمفهوم الاحترام في الأخلاق و لمفهوم الرائع في الجماليات .و أن الحماسة قريبة من الشعور بروعة حدث ما أي بعظمته .هو شعور بفرحة قصوى ازاء حدث عظيم ..عاطفة حادة تدفع بالمخيلة الى تخومها ..بل هو حدث غير قابل للتخييل أصلا و ذلك من فرط هوله و روعه و عظمته .و هنا ينبغي التمييز بين الحماسة و التعصب : الحماسة حسب كانط تهب النفس دافعا حيويا من أجل تجاوز حدود التخييل البشري.في حين أن التعصب فيه يتوهم المرء أنه يرى شيئا ما ،فيما وراء حدود المخيلة ،في حين أنه لا يرى غير أوهامه: الحماسة انفعال سياسي في حين أن التعصب انفعال ديني .
ثالثا:ان الثورة الفرنسية هي في عيون كانط ،تحقيق لحلم التقدم التنويري في ذاته. ههنا لا فاصل بين التنوير و الثورة و لا بين الأخلاقي و السياسي .لكن الى أي حدّ بوسع ثورة ما أن تكون أخلاقية؟ أو متخلقة؟ يبدو أن كانط ههنا يرفع الأخلاق الكونية و الحس المشترك الجمالي و البعد الكسموسياسي للمواطنة في العالم الى مستوى الثورة السياسية الفرنسية ..الشعب الفرنسي يثور في فرنسا و في ألمانيا يشرّع الفيلسوف للتنوير ، و تلتقي الشعوب و العقول في أمل واحد هو التقدم الأخلاقي بالانسانية نحو تنظيم مدني يكفل الحرية و الكونية و احترام الانسان كغاية في حد ذاته.
4) حدود التصور الكانطي للثورة و للدولة :
أهم عيوب التصور الكانطي للشأن السياسي هو تعويله على فكرة الفضاء العمومي الذي يقوم بمهمة رقابة الدولة عبر النقد العلني أو ما يسميه كانط بالاستعمال العمومي للعقل. لقد عوّل كانط كثيرا على دور الفيلسوف في نشر ثقافة الحق و الاحترام و المواطنة ، معتقدا في قوة الفيلسوف على الاقناع و في شفاقية الفضاء العمومي . و لم يكن في كل ذلك ليتنبأ بالتغيرات الجوهرية الطارئة على الفضاء العمومي الذي تحول الى فضاء تهيمن عليه و سائل الاعلام الالكترونية و الوقائع الافتراضية . اضافة الى كل ذلك لم يكن كانط ليقدّر مدى خطورة الكلمة التي تحولت من وسيلة للتنوير الى دمغجة صمّاء و أدلجة مخادعة .
خاتمة :
كانط و الثورات العربية: ماذا لو دعونا نصوص كانط للتفكير معنا في الثورات العربية؟ ماذا تشبه هذه الثورات ؟ هل بوسعنا قراءتها وفق نموذج قراءة كانط للثورة الفرنسية؟ هل سيتحمس كانط لثوراتنا ،و هل سوف يعتبرها تجسيدا لحلم كوني هو حلم التقدم الاخلاقي بالانسانية؟ هذا السؤال بوسعه أن يجرنا نحو جهتين من التفكير لا نملك بعدُ الاجابة عن أيهما سوف يرسو بنا على برّ الأمان :
أوّلا : أن الثورات العربية شبيهة في أسبابها و دوافعها العامة بالثورات الغربية الحديثة ، فذاك أمر مفروغ منه .ما دامت جميعها قامت على رفض قطعي و ارادة تحرر جذرية من دول الاستبداد و قمع الحريات و سحق لارادة الشعوب . لذلك لن يكون موقف فيلسوف التنوير الا الاعجاب و التحمس للثورات العربية و عضدها و مباركتها بوصفها علامة على امكانية أن تتحرر الجماهير من أجل تدبير مصيرها بنفسها . أن يثور شعب ما عند كانط معناه أنه قرر دفعة واحدة و بارادة واحدة و في كرّة واحدة أن ينعم بالحرية .و ذلك يعني أيضا أن هذا الشعب قد قرر في سورة واحدة أن يفكر بنفسه و بكل ما أوتي من الاستعداد الطبيعي و الأخلاقي و الحيوي .أن شعبا ما قد ثار ضد المستبد معناه أنه قد نجح في الخروج على نحو جماعي من حالة الوصاية و القصور الى حالة الرشد و الحرية.أنّ شعبا ما قد هبّ و انتفض من السديم و من العدم معناه أنه نجح أخيرا في أن يتجرّأ لا على استعمال عقله فحسب بل و على استعمال جسمه و انفعالاته و رغباته و كل قواه الحيوية من أجل السير نحو الحرية و العيش الكريم.
ثانيا : لكن هل أن الثورات العربية تجسيد للأمل التنويري الذي بشّر به العقل الحديث أي التقدّم الأخلاقي ؟ أم أن ما عاشته الانسانية منذ قرنين من الزمن من تجاوز لأحلام التنوير و قد صارت في عقول نقّاد الحداثة الى كابوس بل والى كارثة و بربرية و عدمية يجعل علاقة ثوراتنا بالأحلام الحديثة أمرا اشكاليا ؟ ماذا تريد الثورات العربية تحديدا: هل تريد الديمقراطية على الطريقة الغربية الحديثة ؟ أم هي تريد استعادة للهوية العربية أو للهوية الاسلامية ؟ هل تريد ثوراتنا التقدم بالمعنى التنويري أم هي رغبة في العودة الى الماضي الذي ظلّ مكبوتا لمدة سنين طويلة من طرف دول الاستبداد العربي ؟ هل مللنا التنوير و صرنا بحاجة الى تجاوز مبادئه التحديثية التي صنعت ملامح الانسان الغربي ؟ هل أن الثورات العربية التي نعيشها هذه الأيام واعية بخطة المستقبل الذي تريده الشعوب؟ أم أن هذه الشعوب نفسها لم تنضج بعدُ من أجل مستقبل مغاير؟ و أيّ مستقبل نريد ؟ مستقبل سوف يأتي من أفق مغاير تماما و جديد تماما و مفاجئ تماما ؟ أم نحن بصدد السقوط في مستقبل مضى بعدُ؟ حذار ..الكثير من التضحيات و النضالات لازالت أمامنا من أجل توجيه ثوراتنا على الدروب الآمنة لمستقبل يأتي من جهة لم نمر بها بعدُ..حذار ما مات شهدائنا الا من أجل أن نعبر الى الضفة الأخرى ..هل عبرنا ؟ كل من يعطّل هذا العبور يقتل الشهيد ثانية ..حذار من التورّط بين دماء الشهداء و ارادة الشعوب ..



#أم_الزين_بنشيخة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -رائع- ما بعد الحداثة أو الفن والثورة (ليوتار، نغري...)
- قراءات فلسفية في الثورة التونسية


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أم الزين بنشيخة - الثورة والتنوير كانط نموذجا