عن الثورة والثورة المضادّة في تونس

مراد غربي

الحوار المتمدن-العدد: 3351 - 2011 / 4 / 30 - 06:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    

لا شكّ أنّنا نعيش لحظة مفصليّة فارقة في تاريخنا تتحدّد مفصليّتها في كونها قطعت مع زمن الديكتاتوريّة المتسلّطة العميلة لتبشّر بزمن تسود فيه مفاهيم تطلّع إليها شعبنا كثيرا (الحريّة ، الديمقراطيّة ، العدالة الإجتماعيّة ...) فهي إذن تؤسس لثورة شاملة على ما كان سائدا لتقيم على أنقاضه نظاما سياسيّا وإقتصاديّا وإجتماعيّا وثقافيّا جديدا . فلنر ماذا تحقّق خلال أكثر من أربعة أشهر من تفجّر هذه الثورة :

سياسيّا قام الحزب اللّقيط الذي كان يحكمنا بعمليّة تفريخ أنتجت مجموعة أحزاب جديدة تدور في فلكه و تحمل بالتأكيد نفس "مرجعيّته الفكريّة" و السؤال هنا هل يسمح شعبنا بعودة هذا اللقيط الذي قمعه وأذلّه ووقف ضدّ تطلّعاته إلى الممارسة السياسيّة ؟ و التي يقول رئيس الحكومة المؤقتة الحاليّة السيد الباجي قائد السبسي أنّه لا يمكن إقصاء جميع المنتسبين إلى هذا "الحزب" عن هذه الممارسة ..

من جهة أخرى مازال شعبنا ينتظر محاكمات حقيقيّة وفعليّة لقامعيه وقاتلي أبنائه لا مسرحيّات مضحكة بأسلوب أكثر من هزيل وكأنّ مخرجيها يقولون لهذا الشعب العظيم الذي أثبت للجميع أنّ كرامته خطّ أحمر لا يمكن تجاوزه : أنت لم تصل بعد إلى درجة الوعي التي تؤهلك للوقوف أمام تمرير مشاهدها ..

كما أنّ محاولات الإلتفاف على ثورتنا المجيدة سياسيّا تبدو واضحة في عدّة نقاط أخرى أهمّها إستبعاد مجلس حماية الثورة و تنصيب هيئة صوريّة للإصلاح السياسي وكذلك عودة البوليس السياسي في لباس جديد ..

إقتصاديّا لم تفعل الحكومة المؤقتة مع السيّد محمّد الغنّوشي أو مع السيّد الباجي قائد السبسي شيئا غير مزيد إغراق شعبنا في الديون الخارجيّة مع أنّه كان المفترض منها كحكومة منبثقة عن ثورة شعبيّة وبالتالي لا شرعيّة لها غير الشرعيّة الثوريّة أن تعلّق سداد الدّيون السابقة .. فهي لم تفعل شيئا للمناطق التي إستثناها المخلوع من سياسته التنموية كما لم تفعل شيئا للفئات المهمّشة والفقيرة ولا أيضا للمعطّلين عن العمل ..

إجتماعيّا إستمرّت مظاهر الفساد التي كانت سائدة زمن المخلوع من محسوبيّة و رشوة بل أنّها تفاقمت أكثر في غياب المحاسبة الفعليّة .. كما إستمرّ نزول مستوى الخدمات الإجتماعيّة في مستويات مختلفة ..

ثقافيّا ظلّ المشهد الثقافي والإعلامي كما كان عليه وبنفس الوجوه القديمة التي إرتدت لباس الثورة وصارت تتحدّث بإسمها بل أنّها صارت ثوريّة أكثر من الثوريّين أنفسهم .. فالفضاءات الثقافيّة ظلّت حكرا على المتنفّذين زمن المخلوع وكذلك الفضاءات الإعلاميّة .. مستبعدة بذلك كلّ مثقف عضويّ يطرح ما لا يتماشى مع سياسة الإقصاء الممنهج للقوى الوطنيّة الحقيقيّة ..

وإنطلاقا من هذه المعطيات فإنّنا نشهد ثورة مضادّة تحاول الإلتفاف على ثورتنا والإرتداد بنا إلى الوراء نحو تكريس ديكتاتوريّة جديدة تطيح بكلّ مكتسباتنا

وأمام هذا الوضع المحتقن والمرشّح للتفجّر في كلّ حين يلوح الشارع مرّة أخرى سبيلا وحيدا لإنقاذ ثورتنا وتحقيق أهدافها

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات