أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوية رياض الصمادي - قراءة لقراءة بشرى بدر لقصيدة إبراهيم سعيد الجاف















المزيد.....


قراءة لقراءة بشرى بدر لقصيدة إبراهيم سعيد الجاف


راوية رياض الصمادي

الحوار المتمدن-العدد: 3335 - 2011 / 4 / 13 - 22:23
المحور: الادب والفن
    


قمحة

أستردني

أستردني أيها المطر

وحدي

وحدي اكتملت للمقاتل

حين عدت

مكتظاً بالنهايات

في وجهك تهاديت

لوجهك تهاديت

لوجهك

تاركاً تلاواتي

سبيات

في موقد الحنين

مسرفاً

أسترسل هبوبي

أتبوب أنحدارات أثري

مستأرضاً خطواتي

ذاهباً

أسيل جذوري

فأنا أنباني

الرماد حدودي

وفاجأتني ترهاتي

وهنيهات الصخب

مباحاً

حين تساقطت مباحاً

وأنا أخطو

نزهات حانتها السواقي

استردني أيها المطر

استردني أيها المطر

من فوهة في وجهي لفوهة في وجهك

فأنا من وجهك

ألج الفرح واكتمال الفصول

مدى اقترحني

جرجروا زمانه من ميازيب السطور

كذباً

كذباً احترفت

النوم بين ذئبين

متدلياً فوق الليل

موصداً بالزمان

فاملأني تراباً

فاملأني تراباً

فاملأني قمحاً

فاملأني قمحاً

واستدرج جسدي

لاستمطار المنافي

وألبسني

الأول من بقيتي

والآخر من بقيتي

حتى أجئ الرماد

وأجمعني متوكئاً

مداخل السلب

وأتبنى قمحة

أنحني فيها فصولي

للشاعر إبراهيم سعيد الجاف



كيف قرأت بشرى بدر قصيدة إبراهيم سعيد الجاف القمحة

1- ذكرت أسباب الخلاف على النص.

2- أبدت رأيها بطريقته لعرض النص وهو رأي شخصي مبني على الذوق الخاص.

3- أستخدمت وصفاً دقيقاً لخطوات يجب على كل ناقد أتباعها ومن ذلك (ليس لنا سوى المرور بإبداعه ... فإذا ما راقنا شكرنا وأبدينا الإعجاب وإذا لم يصادف أثراً فينا نطلب توضيحاً أو نحاول أخرى أو نمر دون تسفيه وقدح).

4- كلماتها ووصفها دقيق وواضح تستخدم لغة سلسة وغير معقدة على مسمع من يقرأ لها.

5- ذكرت أمور جداً مهمة يجب أن تتواجد في النص ليتم التعامل معه بطريقة منصفة ومن هذه النقاط المهمة (إن النص الأغنى هو الذي تتعدد قراءاته وتتشعب رؤاه وركزت على أن الفرد يجب أن يقرأ النص أكثر من مرة ليرى الجماليات التي غابت عنه في القراءة الأولى).

6- ذكرت بحيادية تامه ما رأته في النص وستعرضته بأمانه علمية دون محاباة أو مجامله ومن ذلك (أن نص الجاف فيه مضامين تختلف دلالاتها من قارئ لآخر وقد سبقه كثيرون أمثال أمل دنقل وحمود درويش في بعض نصوصه).

7- أكدت على أحقية الشاعر بمتلاكه لمعجمه الخاص وعالمه الخاص، وركزت على أن النص لا يمكن ولوجه إلا بمتلاك دلالات ومفردات معجمه.

8- سخرت بطريقه لبقه من نصه عندما حاولت أن تلقي الضوء على نص يمتلك من الغرابة الكثير ولكن هذه السخرية كانت لبقة وفطنه لأبعد الحدود عندما ذكرت (أن إبراهيم الجاف شاعر لعصر ربما سيأتي وربما لن يكون)، ولكنها بعد ذلك تحاول أن تلطف من عدم قدرتها على استساغتها للنص بقولها (لكنه يحاول سبق عصره والخروج عن الأعتياد) وهنا يتبين لكل من يقرأ بشرى بدر أنها وجدت صعوبة في غوص غور أعماق إبراهيم الجاف لتتكلم على هامش القصيدة، وبدل أن تدخل في عمق القصيدة حاولت أن تستعرض وجهات نظر الآخرين بنصه ومن هنا نعلم أن قصيدة الجاف تمتلك من الدلالات العميقة التي تحتاج ليس فقط للتعمق في القراءة بل استحضار روح الجاف حين كان في سكرته الشعرية، وكأن القصيدة حلم يقظة استفاق منها على حروف سطرت بإبداع يحفه الجنون. ومن دليل أنها لم تستع الغور في غيبوبة الجاف وأنها قرأت كثيراً القصيدة إلا أنها لكثرة دلالاتها لم تجد إلا هذه الكلمات لتقولها (فإذا أردنا المحاولة معه فليكن، ولكن ليس أن نضع في دربه الحجارة ونغلق على صوته الأسماع، وبخاصة إذا رأينا أن كثيراً من الشعراء يغربون إغرابه ومعظمهم من اليمن، وهذا لعمري يبشر بتوهج أقوى لشعر العرب وامتداد أوسع لمساحة انتشاره). وهذا اعتراف صريح منها أنها وجدت نفسها حتى بعد قراءات عديدة أنها لم تستطع إلا قراءة بعض مفاتيح النص وفسر هذه المفاتيح التي أستطاعت فك رموزها، إلا أنها لم تستطع أن تدرك النص بكامله بل أتهمته إتهاماً صريحاً بأنه نص غريب على السامع وقد يجد من يرمي الحجارة في مستنقع الدلالات الغير المفهومة بل أنها لعجزها على الفهم بدأت بذكر الشعراء الغريبون بشعرهم ودليل ذلك قولها ( إذا رأينا أن كثيرون من الشعراء يغربون إغرابه ومعظمهم من اليمن)، ولكنها بعد ذلك تستدرك هذه الغرابة في النص والدلالات بقولها (بأنه توهج يبشر بأقوى لشعر العرب ومتداد واسع لمساحة انتشاره.).

9- الكاتبه تحاول أن تبرر دفاعها عن الجاف بأن أوضحت خلافها معه وهذا الكلام من وجهة نظرها الخاصة خلاف كما أسمته (إنه كان أول من تلقى حرفي بالنقد الجاف) أي أن ما نقدته به لم يعجبه أبداً وعتبره اجحافاً في حقه ولكنها تبرر هذا النقد الذي أسماه الشاعر إبراهيم الجاف (بالجاف) بأنه موقف محايد من طرفها وهو موقف يستند إلى ما أسمته (بالوقوف إلى جانب الحق ولإنصاف ليس إلا معنى هذا أن بشرى بدر لم يعجبها النص ورغم أنها لفتت الإنتباه إلى أن النص يحتوي على جماليات إلا أنه غريب غير مستساغ بل وقست بحكمها عندما أشارت (فإذا ما أردنا المحاولة معه فليكن .... ولكن ليس لنا أن نضع في دربه الحجارة ... ونغلق عن صوته الأسماع) إذا فهي حكمت مسبقاً على النص رغم القراءات العديدة ورغم التأمل ورغم كل ما أدعته في مقدمة فأنا أختلف معها في كثير من الأمور.



أستعراض الخلافات بيني وبين بشرى بدر

وهذا ينقلنا مباشرة إلى موقف آخر يجب علينا الإمعان به والتعامل معه بطريقة جديدة الرؤيا بل قد تكون مختلفة كلياً ومن ذلك ما أشارت إليه بشرى بدر في قولها (ومن قرائتي في نصه رأيت أنه ينقل لنا حالة وجدانية فيها من التمرد على المألوف ما فيها ..... هي حالة عطاء متفرد رمز إليه بالقمحة ..... وقد أجحفته الأرض حقه ونتقصت قيمته فأراد العودة إلى أصل العطاء وأمه ... إلى المطر .... ومن هنا نجد قوله:-

استردني
استردني أيها المطر
وحدي

صعود فيه التفرد والحركة المعاكسة لقانون الأشياء)


سأقف هنا قبل أن أكمل حتى أبين الأختلاف في وجهات النظر نحو النص، ومن وجهة نظري الخاصة وجدت خلط لفهم النص الواضح من طرفي فأنا وجدت بشرى بدر قد لم تستطع فك رموز النص منذ البداية، وأنه أختلط عليها فهم القصيدة وهذا واضح، والسؤال الذي يستوقفني هل كان يقصد الجاف منذ مطلع القصيدة حتى نهايتها ما حاولت بشرى أن ترمي إليه من تفسيرات، من وجهة نظري الخاصة أجدها أصابت وأخفقت في تأويل النص، لهذا أعتبر الجاف نقدها مجحف بل (جاف) كما وصفه، النص يؤول بأشكال تختلف بختلاف من ينقده ويتأمله ويقرأه، فإذا تأملت النص ككل ستجد أن ما ذهبت إليه بشرى لا يمت بصله للقصيدة، نعم هناك حالة وجدانية، نعم هناك حالة من التمرد على المألوف، ولكن أين تكمن دلالات النص في ما ذهبت إليه عندما أشارت إلى أن القمحه هي رمز العطاء، قد يكون هذا التأويل مرهون بما جاء به مطلع القصيدة

أستردني
استردني أيها المطر
وحدى

فهل كان يقصد العطاء كما ذهبت إليه بشرى أم أنه كان يرمز إلى الأمل في غد جديد، فالقمح دائماً رمز العطاء والأمل وليس العطاء فقط، وأنا في أعتقادي أن القمحة في نص الجاف جاءت رمزاً للأمل في غد جديد مليئ بالعطاء، فهو كان في حالة يأس شديدة، يأس يعبق بمضمون الهزيمة بل أن وجع الخيانة ضرب عمق روحه فكأنما أرد أن يستمطر السماء لتطهر روحه من أوجاعها فهو لكثرة الألم يعاني الوحدة، حب من نوع مختلف حب فيه مشاعر مسلوبة فهو خائر القوى والعواطف وكأنه ينشد المجهول بعواطفه، ثائر يريد الأنتقام بل القتال لو سنحت له الفرصة لذلك، ولكنه مكتظاً بالنهايات الحزينة.


أشارت بشرى بأن القصيدة كتبت من أجل الوطن وهنا واضح في تعبيرها (عطاء لم يكتمل إلا في القتال والفداء لكن البشر أشبعوه موتاً وأثقلوه بالنهايات بدل أن يكون فعل ابتداء لخير قادم وجمال وهذا ما استشفه من قول القمحة:

وحدى أكتملت للمقاتل
حين عدت
مكتظاً بالنهايات

ثم تتوالى الصور المكثفة والمواشاة بالغموض لنرى القمحة عطاء).

لنستوضح قليلاً .... هل كان (الجاف) عندما كتب القصيدة يقصد الوطن أم الحبيبة، هنا يكمن الأختلاف في قرائتي للقصيدة، عندما تقرأ القصيدة ستجد أنها تنحرف بجزئيتها نحو الحبيبة وقد يكون أستعمل لغة الرمز العالية الصنعة ليحرف القارئ عن مقصده الحقيقي، عندما قرأت القصيدة لأول مرة عرفت أنه يخاطب أمرأة بطريقة مغايرة عن ما عهدنا في أغلب قصائد الحب التي نقرأها، فالحبيبة قد تكون الوطن، والأم، والعشيقة، بل قد تكون الحياة كلها في نظر رجل عاشق مثل (الجاف).

النص يحتمل الدلالات الكثيرة فقد تكون بشرى بدر قد قرأته وأولته للوطن وهذا أقرب الدلالات بالنسبة لها، ولنني وجدته يخاطب المرأة بعواطفها وجنونها ولأنها مختلفة كان الجاف بعواطفه وقصيدته مختلف الصياغة فعندما قال:

وحدى اكتملت للمقاتل
حين عدت
مكتظاً بالنهايات

عبر عن نفس ضاقت من كثرة الألم والصراع الداخلي فعشقه أدمى روحه وهو كان مستعداً أن يبذل أقصى ما عنده من أجلها حتى لو كان القتال ولكنه يعود مستسلماً لأنه يعلم بأنه قد لا يفوز بحبها وعبر عن ذلك بعبارة (مكتظاً بالنهايات).

ثم تعود بشرى إلى أنه (لا يليق تكامله إلا مع المطر لذلك تريد العودة إليه تاركة ترجيها العناصر التي لم تدرك أبعادها ... ورافضة تواصل حنينها إلى من يعي قيمتها .... لذا وبحركة معاكسه أيضاً تعيد جذورها للمطر فيصير لأعلى أرضاً بعد أن عافت أرض البشر التي حاصرتها بصخب ورماد أعماقها .... ثم بالخيانة استباحتها .... وغيرت مجراها ومنعت عنها الحياة ....

في وجهك تهاديت

لوجهك
تاركاً تلاواتي
في موقد الحنين
مسرفاً
أسترسل هبوبي
أتبوب انحدارات أثري
مستأرضاً خطواتي
ذاهباً
أسيل جذوري )

أنني هنا لا أختلف مع بشرى إلا في أنني أرى النص من وجهة نظر مختلفة تماماً، فكما قلت أن نص الجاف يحتمل العديد من التأويلات، بشرى طرحت فكر الأرض والقتال وفكر المطر والعطاء وأسهبت في وصفها لأعتقادها الجازم أنه يخاطب الأرض وهذا من وجهة قد يكون فيه شئ من الصحة لماذا؟ لأن هذه القصيدة تحتمل دلالات قد تؤول على أنها وطنية، ولكن عند التعمق بها ستجد أنها قصيدة مثيرة للدهشة بل أن الكاتب إبراهيم الجاف قد أبدع في تضليل القارئ بمهارة، ولكنني أجده مختلف، فعندما قال: -

في وجهك تهاديت
لوجهك
تاركاً تلاواتي
في موقد الحنين
مسرفاً
أسترسل هبوبي
أتبوب انحدارات أثري
مستأرضاً خطواتي

فأنت ترى معاناته واضحه فهو يذكر عواطفه وكل ما فعله من أجل أمرأة خائنة لا تستحق العاطفة وهو كمن يقف على الأطلال يناجي الماضي والعواطف ويستبيحها كما يستجدي الدموع أن ترحمه، هو كما ذكر مسرفاً بل مفلساً عاطفياً يحاول أن يخطوا ولكن خطوه خطف عمق أحساسه وكأنه ورقة تسترسل في هبوبها، بل يؤكد على أن الأبواب قد أقفلت في أقتفاء أثره، فهو يسترضي خطواته اللاهثة من أجل المضي قدماً.

تعبر بشرى عن رؤيتها لأبيات إبراهيم الجاف ....

ذاهباً
أسيل جذوري
فأنا أنباني
الرماد حدودي
وفجأتني ترهاتي
وهنيهات الصخب
وأنا أخطو
نزهات حانتها السواقي

(بأنه لا عجب بعدئذ أن نرى تكرار نداء مخلصها المطر ليبرز إلحاحاً على العودة إلى العطاء كلاً .... لتتكامل معه بشكل جديد يفتح أبواب فرح يأمل به الشاعر بعد أن مل الأمان الكاذب وعاش الخوف والحصار وضيق الأرض على قمحته .... لكنها للولادة من جديد في أرض تضم من شردهم زمن العقم والظلم ... ولادة تنحل فيها القمحة الفصول والزمن بما يوافق طموحها).

رؤيتي للنص مختلفة فبطبيعة الحال أنا أرى القصيدة من وجهة نظر مختلفة عن تأويل بشرى ورؤيتها فعندما قال الجاف ...

ذاهباً
أسيل جذوري
فأنا أنباني
الرماد حدودي
وفاجأتني ترهاتي
وهنيهات الصخب
وأنا أخطو
نزهات حانتها السواقي
أستردني أيها المطر
استردني أيها المطر
من فوهة في وجهي لفوهة في وجهك
فأنا من وجهك
ألج الفرح واكتمال الفصول
مدى إقترحني
جرجروا زمانه من ميازيب السطور
كذباً
كذباً احترفت
النوم بين ذئبين

لقد وجدت الشاعر يحاول هنا أن يعود إلى أصل جذوره ومعتقداته التي باتت كما الرماد، لكنه يتفاجئ بمدى ما وصلت نفسه من ضعف وتراهات، فالصخب الذي أصبح مباحاً في حياته يجعله يسقط من علي ويبيح كل ما هو غير مباح.

جنون يتراكم فهو يخطو بتثاقل كمن يتلفت حوله، يجثو على ركبتيه ينظر إلى عمق نفسه صارخاً مستجدياً بأن تتساقط الأمطار على جسده المنهك من عواطفه ولكنه في لحظات يأسه يرى ملامح وجهها التي كانت في مامضى لا تفارق وجهه وكأنه يصرخ يناجي روحها (فأنا من وجهك ... ألج الفرح واكتمال الفصول)، أي تشبيه بليغ هذا الذي وصف به معشوقته الخائنه، حب قاسي فرغم خيانتها إلا أنها في روحه طاهرة كما الفرح بل كما أكتمال الفصول.

ولكنه يعود للسخرية من نفسه رافضاً لهذا الحب عندما يتسائل بكل تعاسه (مدى إقترحني)، بل أنه يشعر كانه قد تم اغتياله قبل ذلك بعصور فهو مقهور من كذب النساء بل من أحترافهن في الخوض بعواطف مزيفة ويعيد التساءل في نفسه منذ متى والمرأة تقبل أن تنام وفي قلبها عاطفة لرجلين .

متدلياً فوق الليل
موصوداً بالزمان
فاملأني تراباً
فاملأني تراباً
فاملأني قمحاً
فاملأني قمحاً
واستدرج جسدي
لأستمطار المنافي
وألبسني
الأول من بقيتي
والآخر من بقيتي
حتى أجئ الرماد
وأجمعني متوكئاً
مداخل السلب
وأتبنى قمحة
أنحل فيها فصولي

ويشعر بأن هذا الحب الذي يسكن قلبه من طرف واحد هو حب يدمي عواطفه وقلبه ويقف أمامه مستسلماً، ويشبه نفسه كمن تدلى على الألم، مستعيراً الصور والتشبيهات بطريقة فنية متقنه الصنع والحرفة، فحياته كما الليل الذي تدلى فوقه الألم وهذا الألم مرهون بالزمن الذي قد يشفيه وقد لا يشفيه.

حتى أنه يحاول أن يهرب من واقعه بأن ينهي حياته وعذابه ويكرر بيأس قاتل (فاملأني تراباً) ولكنه بعد ذلك يحاول أن ينشر السعادة بأن يقول (فاملأني قمحاً) والقمح هنا رمز، لأن القمح هو الغذاء الضروري للحياة وبموته هكذا لا فائدة ولكن بزراعة القمح فوق قبره، الذي هو لغز قصيدته، فلا بد أن تحكي السبلات قصة عشقه وتهمس بآهاته، وكأن القمح هنا رمز للعطاء ما بعد الموت، ويعود من جديد ليستعير الصور الشعرية برمزية عالية الأتقان ليبين حالة ما جرى له من غربة الروح وفتقار الأمل.

واستدرج جسدي
لاستمطار المنافي

وكأنه هنا يحاول أن ينفي جسده بأن ينسى ما في قلبه، بستعادة الماضي بعواطفه التي كانت تتنقل بين أصناف النساء لعله ينسى، ولكن هذا الذي يحاول أن يخوض به يرزح على كاهله عبئ عواطفه لحبه وبين عواطفه لمعاشرة النساء ولكثرة ما يعاني يشعر كما الرماد الذي يجتمع داخل أعماقه ويسلبه، ولكنه يزرع قمحة في هذا الرماد لتغدوا في ما بعد أمل جديد يبشر بنفراج يقشع عن نفسه كل هذه العواطف البالية.

أما بشرى فقد توقفت عند دلالاتها دون أن تفسر الشطر الأخير من القصيدة وكتفت بأن قالت (وأخيراً ... بقي لي أن أقول: هكذا وصلني النص .... وربما يصل قارئ آخر برؤية أخرى .... تكون أغنى بالدلالات .... وبخاصة أن فيه من الجماليات ما لم أورده هنا ... إذ اكتفيت بإبراز خفايا الدلالات .... ويبقى لكل رأيه كما قلت في البدء ولكن لي أن أشكر الجاف على طروحاته وليس لنا جميعاً إلا أن يشد بعضنا على أيادي بعضنا الآخر ... ليكون الحوار لقاء لقطرات الفكر لا تناثراً لها في الشتات ... وربما كان في تاريخ الأدب تذكرة ... فلكم هوجم أبو تمام ... ولكم هوجم محمد الماغوط يوم قال (أتنفس في حذاء محارب) وكلاهما ما فهما لبعد حين )

أنني أستغرب إنها دبلوماسية عالية وتهرب دبلوماسي من عدم القدرة على الأستمرار في فك رموز القصيدة، لقد أكتفت بأن أشارت إلى أنها أستاعت أن تفك بعضها ولكن هل أنصفت البعض الآخر الذي لم تستطع أن تفكك رموزه، قد أكون أختلف معها في رؤيتي وفهمي للنص ولكن من حق من ننقد نصه أن نعطيه حقه فهل أنصفت بشرى الجاف عندما قالت (إكتفيت بإبراز خفايا الدلالات) وهل استاعت أن تفكها بالشكل الصحيح، بل وهل أنا أستطعت أن أصل إلى فهم وإدراك الكاتب عندما كان في لحظة غيبوبته الشعرية؟ إلا أنني مقتنعة قناعة تامه بأن الشاعر خاطب عواطف المرأة بطريقة مغايرة وبحلة جديدة.

إنني أستغرب من معشر النقاد أجمع أنهم عندما لا يستطيعون أن يفسروا نصاً يأتون بأتون بالأمثال والحكم لتفسير العجز الحاصل في النص قيد الدراسة، فأنا بعتقادي الخاص أن الكاتب عندما يستخدم جمل معينة كما أستخدمها محمد الماغوط عندما قال (أتنفس في حذاء محارب) أنه لم يقصد الحذاء ولم يقصد التنفس بل قصد واقع يشبه كمن يتنفس في حذاء محارب، وأغلب الذين يقرؤن للأدب أو الشعر أو أي مجال من مجالات الأدب قد يغيب عن ذهنهم أن هناك مصطلحات تستخدم ليس بالضرورة أن تعني بالحرفية ما قد يقوله الشخص، فهناك مثلاً باللغة الأنكليزية مصطلحات لو فسرت بحرفيتها لن تكون إلا شتائم في نظر من لا يعرف اللغة بالشكل الصحيح وهكذا اللغة العربية، فهي تحتمل جمل لا تفسر بحرفيتها بل تأخذ بالمعنى الأشمل للجملة، الماغوط فهم بشكل خاطئ لأن من فسره فسره بحرفية ما قال ولم ينظر إلى أبعد من كلمات مسطورة، ولهذا قد يكون حورب من الفئة التي لم تفهم اللغة العربية جيداً، وللعجيب أن القرآن الكريم يحتمل من الكلمات والمعاني الكثيرة والتي لا نستطيع تفسيرها بحرفيتها بل بمجمل ما جاء في الآية حتى يتسنى لنا الفهم، فكم منا فهم القرآن كما أرسل؟ وكم منا من أساء الفهم ولم يدرك ما معنى الآيات؟ فإذا كان الماغوط قد هوجم، من قبله القرآن هوجم ولم يفهم كما أراد الله منا فهمه.

لهذا أنا أجد أن بشرى بما وضعته في نهاية قرائتها كان غير موفق بل أظهر ضعف قرائتها للنص ومدى الصعوبة التي واجهتها لقراءته بل حتى في فك رموزه والدليل على ذلك أنها بعد أن أنهت الدراسة شكت في مدى ما وصلت إليه عندما قالت (أخيراً ... بقي لي أن أقول: هكذا وصلني النص ... وربما يصل لقارئ آخر برؤية أخرى تكون أغنى بالدلالات).

أي أنها وهي تجري هذه الدراسة، كانت مترددة أو غير قانعة بما تفعله ولكنها حاولت، وهذه المحاولة جيدة ولكنها غير كافيه لأنصاف إبراهيم سعيد الجاف، وإعطائه حقه من الدراسة الوافية لنصه، محاولة من وجهة نظري الخاصة قاصرة ... لأن فك رموز القصيدة شئ ونقدها شئ آخر، القصيدة وحدة متكاملة برموزها وغرابتها، لست متحاملة ولكنني هكذا قرأت ما جاءت به، وإنشاء الله أكون قد وفقت في عملي.



#راوية_رياض_الصمادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - البرنامج التطوعي الكوري في الأردن- يعزيز التنمية الاجتماعي ...
- زوهرة تثير البلبلة وغادة عبد الرازق تستعرض الأزياء
- الأحزاب الأردنية ودور المرأة في الحياة السياسية
- عندما يتحول الصراع من أطماع محدودة إلى أحتلال يتجاوز البقاع ...
- شباب المسلمين يشجعون ويفرحون لمن أساء للرسول
- سيث ليرر يؤرخ لقارتين مستثني أدب الأطفال في باقي القارات ... ...
- ما هي المعايير التي إتبعتها نتائج الدورة الثالثة للجائزة الع ...
- اعتقادات .... نسائية شائعة !! الدكتور جهاد سمور السيدات يلجأ ...
- الغذاء المتكامل والتمرينات البدنية كفيلة لتقوية عضلات الجسم ...
- مليار وخمس مئة مليون (2.2 مليار دولار) تقريباً ...... هارودز ...
- أم أحمد
- رواية النعيمات أم رواية الشرطة
- محمد عابد الجابري في ذمة الله
- بين سوريالية الأسلوب وواقعية الأحداث نهلة الجمزاوي في -الولد ...
- الإعلامي الأردني عمر العزام
- نصائح غذائية سلوكية تساعدك على خفض وزنك .......... للنساء فق ...
- قافلة العطش رحلة على أوتار العاطفة المحمومة للدكتورة سناء ال ...
- الخلايا الجذعية تفتح باب الامل بالعلاج حفظ دم الحبل السري لل ...
- موضة اسمها الهوس بأستخدام المسكنات المخذرة !!!
- الأمومة منتظرة تستحق الاهتمام !!! ..... سؤال وجواب مع المستش ...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوية رياض الصمادي - قراءة لقراءة بشرى بدر لقصيدة إبراهيم سعيد الجاف