علي فردان
الحوار المتمدن-العدد: 995 - 2004 / 10 / 23 - 05:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
خلال سنوات الطفرة واستقدام الملايين من الأجانب في ظل نقص شديد للكوادر السعودية وقلّة عدد السكان، تم طرح موضوع التجنيس للكفاءات العربية والأجنبية على السواء، خاصةً وإن المملكة حينها كانت بلاد خير وأمن. هذا الموضوع تم إهماله لفترة طويلة في الوقت الذي كان في المملكة مئات الألوف من الكفاءات الطبية والعلمية والمهنية تحلم بأن يتم تجنيسها. أماّ الآن وبعد انتشار الإرهاب وهروب الأمن من النافذة وانخفاض مستوى المعيشة وزيادة البطالة بين السعوديين بشكل مقلق وفي ظل غياب إصلاح سياسي واقتصادي شامل، فإن موضوع التجنيس ليس له أهمية كما كان سابقاً.
التجنيس يهدف إلى الحصول على الكفاءات المتميزة التي يتم استقطابها من الخارج، مثل علماء في تقنية المعلومات والعلوم الأساسية من طب وفيزياء وكيمياء وذرة، وكذلك لبعض الكفاءات العالية التدريب في مجال صناعة الأسلحة والإدارة، وكذلك رجال الأعمال البارزين وغير ذلك. أمّا العمالة الأجنبية الفنية فليس هناك أي سبب لتجنيسها لأنه ممكن إحلالها وفي فترة قصيرة بتدريب كوادر وطنية التي تعاني البطالة حالياً بشكل كبير. إضافةً إلى أن هذه العمالة الفنية تلقّت تدريبها في المملكة، أي بمعنى آخر، كما تقول الإحصاءات هي أن أكثر من 80% منها هي عمالة ليست مدرّبة، وتدرّبت على رأس العمل في السعودية.
لقد عاش مئات الألوف من العرب والأجانب في السعودية هم وآبائهم وربما أجدادهم ويعيشون هنا بشكل مستمر وليس لهم مكان آخر، ولهم أعمال متميزة ووجودهم له مردود اجتماعي واقتصادي على الوطن، ومع ذلك لم يتم تجنيسهم مع محاولاتهم المستميتة في ذلك. في نفس الوقت ظهر لنا العديد من الأجانب بالجنسية السعودية، بعضهم لا يتحدث العربية مطلقاً، بعضهم من الجالية الهندية، فقط لأنهم يعملون كأطباء (أو طبيبات) عند أمير أو مسؤول عند أحد الأمراء النافذين. كذلك هناك العديد من العرب، وخاصة من لبنان ممن يحملون الجنسية السعودية، مثل رئيس وزراء لبنان يحمل الجنسية السعودية، وغيره من أصول سورية ومصرية ودول عربية أخرى.
بالمقابل يعيش في المملكة ألوف وربما عشرات أو مئات الألوف من قبائل معروفة، يعيشون كما يعيش مثلهم في الكويت تحم اسم "بدون"، وهؤلاء هم من يجب تجنيسهم لأنهم من هذه البلاد وينتمون لها وكانوا يعيشون بين السعودية والكويت والأردن والعراق. يعيش في المملكة أيضاً، وخاصة في الرياض والحجاز مئات الألوف من البشر، من أصول أفريقية وأسيوية، قدموا منذ زمن بعيد ولا زالوا يعيشون على الهامش، فهم بدون جنسية وإن كان يحق لهم العمل، فلا زالوا "بدون" وكأنهم ليسوا بشراً حيث أنّ ليس لهم بلد ينتمون إليه، خلافاً للقانون الدولي الذي ينص على أن كل إنسان له الحق في الحصول على جنسية بلد ينتمي إليه.
إن القرار الذي صدر من مجلس الوزراء بالتشاور تحت رعاية وزارة الداخلية وفي هذا الوقت بالذات يرجع في رأيي لأسباب أخرى أبعد ما تكون عن الوطنية والمواطنة والإصلاح. كذلك مرور هذا القانون دون دراسته في مجلس الشورى ليبدي رأيه فيه يعني أن الدولة تستهتر بهذا المجلس وإن المجلس فعلاً لا قيمة له، حيث تعرض الحكومة عليه دراسة مشاريع تافهة ولا تعرض عليه موضوع بهذه الأهمية. حتى إعلامياً، لم يتم التعرض لموضوع التجنيس ولم يعلم به أحد أصلاً، وتم إقرار القانون بشكل سريع جداً، إذا ما قارناّ ذلك بدراسات أخرى لازالت قيد التداول ولها سنوات ولم يتم الانتهاء منها. ولا ننسى أن الدولة تعاني من تدني الخدمات الطبية والتعليمية والخدمات العامة بشكل كبير، فكيف إذا أضافت إليها عدد آخر من البشر وفي وقت واحد لتقوم بتوفير خدمات التعليم والصحة وغيرها؟ أعتقد جازماً بأن ما حدث من تفجيرات واضطراب الأمن وهروب العديد من العاملين في المجالات الطبية وقطاع النفط وغيرها من المملكة خوفاً على حياتهم، هو السبب في هذا القرار.
بعد الأعمال الإرهابية الأخيرة والاغتيالات، اتضح أن سياسة الحكومة السعودية غير فاعلة ولم تكن هناك نية أصلاً لسعودة العديد من الوظائف في القطاعات المهمة، وهي قطاعات النفط والصحة وقطاعات حكومية وخاصة أخرى. ولهذا أصبح هناك ضغطاً كبيراً على الخدمات لعدم توفر الكوادر المؤهلة الوطنية، فهي كانت ولا تزال تُدار بأيدي أجنبية، والكثير منها فرّ إلى غير رجعة خوفاً على حياته. إذا ما تم تجنيس العديد من هؤلاء بحجة استيفاءهم للشروط، خاصةً وأن القانون ينص على سحب الجنسية الأجنبية، أي بمعنى آخر سيكون مضطراً للبقاء هنا في السعودية وهي محاولة حكومية لمنع تأثر قطاعات النفط بصورة خاصة في حالة حصول اضطرابات سياسية. هؤلاء السعوديون الجدد، سيكونون حطب ناراً تشتعل لإثبات أهليتهم في البقاء في السعودية وسيتم وضعهم في أماكن الخطر لسد النقص، مثل الأعمال الخطرة في مواقع إنتاج النفط، وكذلك في قطاع الخدمات العامة الذي سيتأثر بشكل كبير، وسيضطرون للعمل ليل نهار لإثبات ولائهم لأن الجنسية السعودية يمكن أن تُلغى منهم خلال العشر سنوات الأولى.
لقد طالب العديد من المثقفين وخلال عقود عدة خاصةً في الوقت الذي كانت فيه البلاد تعيش بحبوحة كبيرة من العيش ونقص حادة في الكفاءة المحلية، طالب بتجنيس مئات الألوف من الأخوة العرب وغيرهم الذين عملوا ولازالوا يعملون هنا بإخلاص منذ عقود، ومع ذلك لم يتم لأن وزارة الداخلية تتعامل مع موضوع الجنسية من ناحية سياسية، كما الآن، فتم تجنيس آخرين استناداً للواسطة والمحسوبية والرشاوى. أعرف أحد الأخوة السعوديين من أصل يمني، حيث هو من يقوم بعمل "كفيل" لأبوه لأن أباه لازال غير مواطن؛ هذا كان من أبرز إفرازات حرب تحرير الكويت حين قامت السعودية مئات الألوف من اليمنيين بسبب موقف حكومة اليمن الرافض لحرب تحرير الكويت. لقد ماطلت الحكومة السعودية حتى في حصول أبناء السعوديين من زوجات غير سعوديات على الجنسية، إلاّ مؤخراً عندما زادت مشاكل هؤلاء وهم بالآلاف في الدول العربية والأجنبية، وهناك ألوف الحالات من المشاكل العائلية بسبب زواجات من خارج البلاد حيث تمنع السعودية زواج السعوديين من غير السعوديات ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، مما يعني معاناة من تزوج من أجنبية، ومن زار إدارة الأحوال المدنية لرأى العجب من المشاكل والمآسي بسبب نظام التجنيس الجائر.
عملية تجنيس الأجانب ليست مشكلة حقيقية إذا ما تم تفعيلها لمصلحة الوطن وقد ضيّعت الحكومة فرصة في السابق لهذه المسألة، فقد كان وقتها قبل أكثر من ثلاثين عاماً حين كانت البلاد تعيش وضعاً اقتصادياً وأمنياً ممتازاً مع قلة عدد السكان، لكن في ظل أزمة بطالة وغليان سياسي وإرهاب، ونقص في تدريب الكوادر الوطنية، ووجود عمالة سائبة غير مؤهلة بالملايين تدور في البلاد، فإن تجنيس الأجانب والذي سيخضع بدون شك للواسطات ووسائل أخرى غير أخلاقية وغير نزيهة ولا تصب في مصلحة الوطن العليا، كل ذلك سيجعل من الوضع المتأزم حالياً أكثر سوءاً في المستقبل. يبدو أن الحكومة السعودية لا تثق في الشعب السعودي الذي تفتخر به وبوقوفه صفاً واحداً مع الحكومة، ولا تريد أن تكون يوماً ما رهينة اضطرابات يرفض فيها الشعب العمل. يبدو أيضاً بأن الحكومة تؤمن بأن المستقبل يحمل في طيّاته اضطرابات سياسية تؤدي إلى توقف الكثير من النشاطات، منها نشاطات متعلقة بإنتاج النفط والكهرباء، وتوقف العديد من القطاعات الخدمية الأخرى، وهذا يعني تعويض ذلك بوجود سعوديون جدد من دول مثل الهند والباكستان واندونيسيا ودول أسيوية وأفريقية أخرى تعمل في هذه القطاعات خوفاً من توقف كل النشاطات الاقتصادية في السعودية.
#علي_فردان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟