|
انتفاضة الشعب اليمني وحقيقة الموقف الأمريكي والسعودي!
حامد الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 3320 - 2011 / 3 / 29 - 21:29
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يخوض الشعب اليمني منذ الثالث من شباط/فبراير نضالاً سلميا من أجل إجراء التغيير الحقيقي في البلاد، وإقامة نظام حكم ديمقراطي يحقق الحرية والعدالة الاجتماعية التي حرم منها منذ الانقلاب العسكري الذي قاده علي بعد الله صالح قبل 32 عاماً في صنعاء عاصمة اليمن الشمالي آنذاك، وتآمره على نظام الحكم اليساري التقدمي في اليمن الجنوبي، بالتعاون مع الإمبريالية الأمريكية والبريطانية، وتعاون الأنظمة الخليجية الرجعية، وفي المقدمة منها النظام السعودي، الذي كان يخشى استمرار قيام نظام يساري جنوب المملكة، ويهدف إلى إخضاعه قسراً لما دعي بوحدة شطري اليمن.
ومع اشتداد التآمر الإمبريالي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، وتهديد علي عبد الله صالح بغزو اليمن الجنوبي، اضطرت حكومة اليمن الجنوبي إلى الدخول في مفاوضات انتهت بتحقيق الوحدة بين الشطرين برئاسة علي عبد الله صالح، وتولى الرئيس الجنوبي علي سالم البيض منصب نائب الرئيس، وتعهد صالح باحترام الحقوق الديمقراطية للشعب اليمني.
لكنه ما أن استتب له الأمر، وأمسك بزمام السلطة، حتى بادر للقيام بحملة شعواء لإقصاء كل العناصر التقدمية في الشطر الجنوبي من السلطة، وتجاوز سلطات نائبه علي سالم البيض، مما اضطره إلى مغادرة صنعاء، والعودة إلى عدن، وإعلان انفصال الشطر الجنوبي.
وبدعم مباشر من قبل الإمبريالية الأمريكية والبريطانية، والنظام السعودي، وبعض أنظمة الخليج شن علي صالح الحرب على اليمن الجنوبي، تلك الحرب الهوجاء التي انتهت باغتيال جمهورية اليمن الجنوبي، وتصفية كل مكتسبات الشعب فيها، وزج الألوف من العناصر الوطنية في السجون، وإقامة نظام دكتاتوري فاشي شبيه بنظام الدكتاتور صدام حسين، حتى لقبه الشعب العراقي بـ [صدام الصغير]. واستمر علي صالح يحكم البلاد بالحديد والنار حتى يومنا هذا، وحصر السلطات كلها بيده وبعائلته وأقربائه وعشيرته.
لكن الشباب اليمني لم يسكت على الضيم، واندفع في تظاهرات سلمية في الثالث من شباط /فبراير2011، مطالباً بتغيرات حقيقية وجذرية لنظام الحكم في البلاد، تتضمن سن دستور جديد، وأجراء انتخابات حرة ونزيهة لانتخاب رئيس جديد للبلاد، والتداول السلمي للسلطة، وعدم التجديد للرئيس أكثر من مرة واحدة، وإقامة نظام حكم ديمقراطي حقيقي في البلاد.
لكن صالح بدل أن يصغي لمطالب الشعب، فإنه أمر أجهزته الأمنية بالتصدي للمظاهرات والاعتصامات الشبابية السلمية التي عمت البلاد بالقوة، واطلاق الرصاص على المعتصمين، مما أوقع عشرات الشهداء ومئات الجرحى في صفوفهم.
لكن حسابات علي صالح انقلبت على حكمه الدكتاتوري الفاشي، فقد صعّد الشباب اليمني نضالهم، واشتدت عزائمهم على تحدي سلطته الغاشمة، رافعين سقف مطالبهم بإسقاط النظام، وإنهاء دكتاتورية صالح وزبانيته.
لقد كبرت انتفاضة الشباب اليمني في عيون الشعب، وإصرارهم على النضال السلمي لإسقاط النظام، رغم استخدام عصابة صالح الرصاص الحي ضدهم، مما اكسبهم التعاطف الكبير من قبل الشعب كله، وانظمام عناصر ذات رتب عسكرية كبيرة مع قطعاتهم العسكرية من الضباط والجنود إلى جانبهم، مطالبين علي صالح بالتخلي الفوري عن السلطة، مما اقلق صالح ونظامه أشد القلق، وبدأ في تقديم التنازلات للمنتفضين وأبدى استعداده للتخلي عن السلطة، وقد جرت مفاوضات بين الطريفين، وتم الاتفاق على إجراءات الانتقال السلمي للسلطة.
لكن صالح سرعان ما تراجع عن الاتفاق في اليوم التالي، وعاد إلى المربع الأول، وأخذ يصعّد خطابه السياسي من جديد، فلماذا حدث هذا التراجع ومن كان وراءه؟
إن كل الدلائل تشير إلى تخوف النظام السعودي الرجعي من قيام نظام ديمقراطي على حدوده الجنوبية، ولذلك وجدنا أن الولايات المتحدة لم تعلن صراحة موقفها الداعم لانتفاضة الشباب اليمني، وتبدي قلقها من إسقاط نظام صالح، بحجة كون صالح حليف لها في مكافحة القاعدة!!، وهي حجة مكشوفة لا تنطلي على أحد.
أنهم يخافون من عودة الحزب الاشتراكي إلى السلطة، ومن قيام نظام حكم ديمقراطي حقيقي في البلاد، وهي التي سعت من قبل بكل جهودها لدعم نظام صالح لاغتيال جمهورية اليمن الجنوبي.
إن الولايات المتحدة لا تبحث إلا عن مصالحها، وهي من أجل ذلك لا تكيل بمكيال واحد، بل بمكيالين، وهذا ديدن السياسة الأمريكية منذ أمد بعيد، فهي لا يهمها قيام نظام حكم ديمقراطي في البلاد، وهي التي تدعم النظام السعودي الذي شطب على نصف المجتمع السعودي المتمثل بالمرأة، وجعلها حبيسة البيت، وحرمها من ابسط حقوقها في الحياة والحرية والعمل، بل وحرمها حتى من قيادة السيارة، وفرض عليها هذا الكابوس الأسود الذي لا ترى منه سوى عيونها، ونحن اليوم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين!!.
فالسعودية اليوم ما زالت بلا دستور، ولا برلمان منتخب، ولا قوانين مدنية وضعية تحترم حقوق وحريات المواطنين، وما زالت الحكومة السعودية تقطع الرقاب والأيدي والأرجل بكل وحشية، باسم الشريعة التي عفا عليها الزمن، ومع كل ذلك فهي تنال رضا واستحسان الولايات المتحدة، وتدافع عن هذا النظام ما دامت شركات البترول الأمريكية تعمل فيها، وما دام البترول يتدفق إليها، وما دام أصحاب الكارتيلات النفطية يملأون جيوبهم بمئات المليارات من الدولارات سنويا، ولا يهمها ما تعانيه الشعوب المالكة للبترول من حياة بائسة وفقر وحرمان.
إن على حكام السعودية أن يرفعوا أيديهم عن انتفاضة الشباب اليمني، وعليهم الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لليمن، وترك الشعب اليمني يحل مشاكله مع نظام الطاغية علي عبد الله صالح، وعدم تحريض الولايات المتحدة على الوقوف ضد أماني الشعب اليمني في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم.
إن هذا الموقف سيغيض الشعب السعودي بكل تأكيد، ويعجل بالانتفاضة ضد النظام، والمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وإقامة نظام حكم دستوري في البلاد، وسن دستور مدني ديمقراطي، وأجراء انتخابات نيابية، وتحديد صلاحيات الملك بما لا يتعارض مع النظام الديمقراطي، وفصل السلطات، واستقلال القضاء، وسن قانون مدني يصون حقوق الإنسان، وحرية الصحافة والإعلام، وإقامة حياة حزبية علمانية في البلاد، وإن أي تجاهل لهذه الإصلاحات الديمقراطية سوف لا يعني سوى هبوب عاصفة الحرية التي اجتاحت العديد من دول العالم العربي، فليست السعودية بمعزل عن هذه العاصفة التي لا بد أن تعم دول العالم العربي أجمع لكنس كل الأنظمة المستبدة.
إن الشعب اليمني الشجاع والصبور قد عقد العزم على مواصلة انتفاضته السلمية حتى إسقاط النظام مهما غلت التضحيات، وما زالت الانتفاضة الشعبية تتوسع، وتشتد سواعدها يوماً بعد يوم، وينحاز لها المزيد والمزيد من العناصر العسكرية والمدنية التي تعزز صمودها وأيمانها بالانتصار على نظام الطاغية علي عبد الله صالح الذي جثم على صدور الشعب 32 عاماً كالحة السواد، وسوف تتحقق أماني الشعب اليمني بكل تأكيد، وسيرحل الطاغية لا محالة إلى مزبلة التاريخ. النصر والظفر لانتفاضة الشعب اليمني وكل الشعوب المناضلة من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
#حامد_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظام البعث في قلب العاصفة، والشعب السوري يطالب بالحرية
-
وثيقة تدين الطالباني والبارزاني بخدمة المصالح الأمريكية، واب
...
-
لماذا يتلكأ المجتمع الدولي بإنقاذ الشعب الليبي من بطش القذاف
...
-
زيف الديمقراطية في العراق الجديد!
-
بمناسبة عيد المرأة: لترتفع راية النضال من أجل تحرر المرأة وم
...
-
النهوض الثوري للشعوب العربية يتطلب قيام جامعة عربية تمثل إرا
...
-
غداً يقول الشعب العراقي كلمته الفاصلة
-
النصر والظفر لثورة الشعب الليبي الجسور ضد نظام الطاغية المجن
...
-
أنتم مدعون للنهوض يا شباب العراق، والمستقبل لكم قطعاً
-
مقدمة كتاب :صدام والفخ الأمريكي
-
ثورة شباب مصرالشجعان تزازل عروش الطغاة في العالم العربي
-
فاقد الشئ لا يعطيه
-
لتتعزز ثورة الشعب التونسي من أجل الحرية والديمقراطية والعدال
...
-
لبنان في مواجهة العاصفة!
-
تاريخ الجيش العراقي ودوره السياسي في البلاد
-
مكافحة الإرهاب يتطلب حملة عالمية واسعة على المستوى العالمي
-
حكومة الماكي الجديدة، ومحنة الشعب والوطن!
-
أهية اختبارات الذكاء في تحديد مستقبل ابنائنا
-
الوالدين والموقف من الغريزة الجنسية لدى الأبناء المراهقين
-
أحزاب الإسلام السياسي وديمقراطية آخر زمان!
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|