أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هشام غصيب - جدل العلم والثورة















المزيد.....

جدل العلم والثورة


هشام غصيب

الحوار المتمدن-العدد: 3318 - 2011 / 3 / 27 - 10:00
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


لا نبالغ إن قلنا إن قلب الماركسية، منهجاً ورؤية وطموحاً، يكمن في كتاب ماركس المعروف، “الرأسمال”، بمجلداته الأربعة. وبالطبع، فإن ذلك لا يقلل من شأن كتاباته الأخرى: الفلسفية المبكرة، والسياسية، والمخطوطات الاقتصادية غير المكتملة. لكن أهميتها الكبيرة تنبع في النهاية من علاقتها بكتاب “الرأسمال”. فهي أشبه بالمقدمات والمفاتيح والملحقات لهذا الكتاب المحوري.

و “الرأسمال” هو كتاب اقتصادي، لكنه كتاب اقتصادي غير اعتيادي وغير نمطي. فهو يحمل في باطنه الفلسفة الماركسية في أكثر صورها اكتمالاً، وصورة مفصلة لجوهر الحقبة الحديثة من تاريخ البشرية، ومن ثم لإمكاناتها وكوامنها. إنه الصورة المثلى للمشروع الماركسي، مشروع تحقيق الإنسان حريته وقوته الكامنة. وهو كتاب علمي محكم، اعترف بدقته وإحكامه العدو قبل الصديق، لكنه، مع ذلك، أبعد ما يكون عن الفذلكات الفنية والجفاف، التي تتسم بها كثير من الكتب العلمية الأخرى. إنه عمل فني نابض بقدر ما هو كتاب علمي محكم؛ فني ببنائه المتناسق وأسلوبه النقدي المثير. لذلك كله، فبرغم أنه كتاب اقتصادي “متخصص”، إلا أنه يحتل موقعاً متقدماً في تاريخ الفكر الفلسفي، ناهيك بأهميته السياسية والثورية والسوسيولوجية. ونحن، إذ ندرجه ضمن هذه السلسلة من المقالات التي تهدف إلى نقد العقل الغربي، لنفعل ذلك ارتكازاً إلى إدراكنا محورية هذا الكتاب في تشكيل هذا العقل المهمين عالميا.
يظن بعض الباحثين أن “الرأسمال” هو نقد للاقتصاد السياسي الكلاسيكي. ويظن آخرون بأنه تطوير نقدي لهذا العلم. و يذهب آخرون إلى اعتبار ماركس آخر عمالقة الاقتصاد السياسي الكلاسيكي. و نعني بالاقتصاد السياسي الكلاسيكي ذلك التراث البحثي في آليات الرأسمالية الغربية الصاعدة، الذي ابتدأ بوليم بيتي في القرن السابع عشر في إنجلترا، و تبلور على أيدي الفزيوقراطيين الفرنسيين في القرن الثامن عشر، و وصل أوجه في أدام سميث و ديفيد ريكاردو البريطانيين، وبدأ ينهار ويبتذل في جون ستيوارت مل البريطاني في القرن التاسع عشر.

لكن نظرة معمقة في هذا الكتاب تظهر أنه ليس نقدا للاقتصاد السياسي الكلاسيكي، بقدر ما هو حصيلة، بجهازه المفاهيمي، لهذا النقد. إنه حصيلة النقد الذي وجهه ماركس صوب الاقتصاد السياسي الكلاسيكي في “مخطوطات باريس لعام 1844″، و كتابه “بؤس الفلسفة” (1847)، و “مخطوطات الغروندريسا للأعوام 1857 – 1859″. كما إنه ليس تطويرا نقديا لهذا التراث، و إنما نسف جدلي و تخط له. إنه انتقال من الاقتصاد السياسي الكلاسيكي إلى تراث جديد، تراث المادية التاريخية، أو علم التشكيلات الاجتماعية. و عليه، فإن ماركس لم يكن آخر عمالقة الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وإنما كان أول عمالقة تراث المادية التاريخية. وارتكازا إلى ذلك، فإننا نقول إن “الرأسمال” لم يكن نقدا للاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وإنما كان نقدا لموضوع هذا العلم، أي للواقع الرأسمالي ولنمط الإنتاج الرأسمالي. إنه بحث نقدي تاريخي في هذا النمط هدفه بيانه في صيرورته، أي الكشف عن آلياته، وتناقضاته، ووحدته الجدلية، وآليات الاغتراب فيه، وتاريخيته، وحتمية فنائه، وإمكانات تخطيه صوب نظام إنتاجي أرقى (الشيوعي). بذلك، فهو أوسع من مجرد كونه نقداً للاقتصاد السياسي الكلاسيكي. إنه بالتأكيد يتضمن وينطوي على مثل هذا النقد. لكنه ينقد هذا العلم البرجوازي في سياق نقده نمط الإنتاج الرأسمالي وواقع الرأسمالية؛ أي بيانه التناقضات الداخلية لهذا النمط، وحدوده التاريخية، والقيود التي يضعها على قوى الإنتاج وقدرات الإنسان وطموحاته ورغباته، وبيان جوهره الفوضوي وكونه نظاماً للإنتاج يفقد فيه الإنسان اتزانه وقدرته على ضبط عالمه والتحكم في قواه. وبهذا المعنى، فإنه أبعد ما يكون عن الكتاب الاقتصادي النمطي وفذلكات العالم الأكاديمي، وأقرب ما يكون إلى علم الثورة وفلسفتها. بل يمكن القول إنه يؤسس علميا للثورة الاشتراكية. فهو يبرز خصوصية نمط الإنتاج الرأسمالي، وحتمية فنائه، وآليات الاستغلال الطبقي والاغتراب فيه، وإمكانات تخطيه صوب الاشتراكية، وطبيعة القوى الاجتماعية المؤهلة لتحقيق هذه الإمكانات الثورية. إذاً، فإن الذي ينظر إليه من الزاوية الاقتصادية الفنية الضيقة لا يمكن أن يدرك معنى بنائه الشامخ، وقد يرى في كثير من مفهوماته وأفكاره فائضاً لا لزوم له.

ويشترك “الرأسمال” مع غيره من أمهات التراث العلمي في أنه يرتكز إلى التمييز بين الظاهر والباطن من جهة، وبين الجوهري والعرضي من جهة أخرى. فهو يسعى إلى النفاذ إلى قوانين الباطن من أجل تفسير الظاهر ونشوئه من الباطن بها. ووسيلته الرئيسية لتحقيق ذلك هي التمييز بين الجوهري والعرضي في الظاهرة المراد دراستها. وبتعبير آخر، فإنه يسعى إلى تحديد ما أسميه الهرم الأنطولوجي (الوجودي) في الحقل المراد دراسته، أي تحديد درجات مادية مستويات هذا الحقل وفاعلياتها السببية والعلائق المتشعبة بينها. وقد اكتشف ماركس أن الأولوية الأنطولوجية (الوجودية) في فهم المجتمعات والتاريخ هي من نصيب العمل الاجتماعي. إذ اكتشف أن الإنسان هو مجمل علائقه الاجتماعية الموروثة، وأن التاريخ هو خلق الإنسان (بهذا المعنى) ذاته عبر خلقه بيئته الطبيعية وفق احتياجاته ورغباته وطموحاته وأهدافه. إن المجتمع البشري هو مجموعة من الفاعليات التحويلية التي تقوم بينها علائق اجتماعية موروثة ومطبوعة في البيئة الطبيعية. وتدخل هذه العلائق جوهريا في تشكيل هذه الفاعليات، مثلما تدخل هذه الفاعليات في تغيير هذه العلائق وتحويلها. هذا هو الأساس الأنطولوجي للظاهرات التاريخية والاجتماعية لدى ماركس. لذلك، كان على ماركس أن يدرس بنية العمل الاجتماعي في المراكز الرأسمالية في عيانيتها وحركيتها وتاريخيتها، ثم أن يبين آليات إنتاج الظاهر وتحول الباطن إلى ظاهر (تحول العمل الاجتماعي في ظل علائق الإنتاج الرأسمالية إلى سلع، فمال، فرأسمال، وتحول القيم إلى أسعار، وتحول فائض القيمة وفائض العمل إلى ربح وفائدة وريع). ولا نعني بالباطن هنا عالما مثاليا خارج إطار الرؤية العلمية، يستدل عليه بالعقل وحده أو بالرؤية الصوفية وحدها، كما عند أفلاطون والغزالي مثلاً. كلا! إنه ظاهر بوصفه عيانيا، ويستدل عليه بالحواس والدراسة التجريبية التحليلية. لكنه باطن بوصفه أساساً ومنتجاً لظاهرات السطح. وعليه، فإن ماركس لم يبنِ مفهومه لهذا الباطن بالنظر الفلسفي البحت ولا بالمنطق البحت، صوريا كان أو جدليا، وإنما بناه بالتحليل المنهجي النظري للواقع التاريخي وأحداثه. فلم يكن مشروعه، كما تبلّر في “الرأسمال” تحديداً، مشروعاً فلسفيا منطقيا يهدف إلى تعريف جوهر عقلي منطقي وبيان انبثاق تجلياته منه بسيرورة عقلية منطقية، وإنما كان مشروعاً علميا يهدف إلى تحديد الهرم الأنطولوجي للتاريخ والمجتمع، وإلى بناء تصور علمي مادي تاريخي للباطن (العمل الاجتماعي) بالدراسة العلمية التجريبية التحليلية، ثم إلى دراسة كيفية انبثاق ظاهرات سطح المجتمع الرأسمالي ماديا من قلب هذا الباطن.

ومن ضمن الاكتشافات الكبرى، التي توصل إليها ماركس بهذا المنهج المادي الجدلي التاريخي، قانون القيمة. وقد عبّر المفكر المصري الكبير، سمير أمين، عن هذا القانون، في كتابه “قانون القيمة والمادية التاريخية”، بالقول: “ماذا ينص قانون القيمة؟ أن المنتوجات، عندما تكون سلعاً، تمتلك القيمة؛ وأن هذه القيمة قابلة للقياس؛ وأن وحدة قياسها هي كمية العمل التجريدي الضروري اجتماعيا لإنتاجها؛ وأخيراً، أن هذه الكمية هي مجموع كميات العمل، المباشر وغير المباشر (المنقول)، المسخرة في عملية الإنتاج”. هذا القانون يشكل محور “الرأسمال” والأداة الرئيسية لتفسير الظاهرات الاقتصادية وتوحيدها.

والاكتشاف العظيم الآخر في “الرأسمال” هو اكتشاف آليات الاستغلال في نمط الإنتاج الرأسمالي، ومكمن الصراع الطبقي الرئيسي فيه. فالفرق بين الرأسمالية وأنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية في هذا الصدد هو شفافية عملية الاستغلال في النظم القديمة وكمد هذه العملية في الرأسمالية، الأمر الذي يستلزم تنقيبا علميا جدليا للكشف عن آليات الاستغلال في الرأسمالية. فالنظام الرأسمالي يخفي هذه الآليات وراء مظاهر برّاقة خدّاعة من عمليات المساواة والحقوق والقيم المتساوية، فيعطي الانطباع بأن كل طرف في عملية الإنتاج يأخذ حقه كاملاً، ويظهر العلاقة بين هذه الأطراف وكأنها علاقة تعاون وثيق لخير الجميع، لا علاقة تناقضية تناحرية. وقد استطاع ماركس تعرية واقع الرأسمالية ببيان أن العلاقة بين العمل والرأسمال هي علاقة استغلالية تناحرية وغير متساوية، وأن الطبقة الرأسمالية لا تقل استغلالاً للعمل عن الطبقة الإقطاعية، التي ثارت الطبقة الرأسمالية عليها. فالبرجوازية تتملك فائض العمل، أي تنهب جهد العامل، تماماً كما كان الإقطاعيون يتملكون فائض عمل الفلاح، وينهبون جهده. والفرق هو في الطريقة والآلية. فالإقطاعي ينهب الفلاح بطرق مباشرة جلية (بالقوة السياسية العسكرية والقوة العقائدية). أما الرأسمالي، فهو ينهب العامل بالطرق الاقتصادية المستترة خلف سطح ليبرالي زائف. وكانت أداة ماركس الرئيسية في تحقيق هذا الاكتشاف الكبير هو تمييزه الدقيق بين العمل وقدرة العمل. فالرأسمالية تحول قدرة العمل إلى سلعة يمتلكها العامل ويعرضها في السوق الرأسمالية. ويقبل عليها الرأسمالي لأنه يستطيع تسخيرها، لامتلاكه أدوات الإنتاج، من أجل توليد القيمة بكميات تفوق قيمة قدرة العمل التي ابتاعها. لكن الأمور تبدو وكأن ما يبتاعه الرأسمالي هو العمل نفسه، وليس قدرة العمل. أما حقيقة الأمر، فهي أن العمل يولد قيمة أكبر من قيمة قدرة العمل التي ابتاعها الرأسمالي. والفرق بين القيمتين هو فائض القيمة أو فائض العمل، الذي يتملكه الرأسمالي وكأنه حقه الطبيعي، مع أن أساس تملكه إياه هو احتكاره الخاص لأدوات الإنتاج وشرائطه.



#هشام_غصيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة والجماهير
- الشيوعية وفخ الوجودية
- المغزى النهضوي للفلسفة
- الاستغراب وتحدي الحداثة
- تميز العقلانية الماركسية
- علمنة الوعي
- من الفلسفة إلى نقد الاقتصاد السياسي
- مفهوم النهضة عند الحركات اليسارية العربية
- ماذا يعني لك أن تكون يساريا اليوم؟
- هل الماركسية علم؟
- تجديد لينين في مجابهة تجديد ماخ


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هشام غصيب - جدل العلم والثورة