أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر الخياط - قصة قصيرة ( امنية فوق السحاب )















المزيد.....

قصة قصيرة ( امنية فوق السحاب )


شاكر الخياط
كاتب ناقد وشاعر

(Shakir Al Khaiatt)


الحوار المتمدن-العدد: 3305 - 2011 / 3 / 14 - 16:57
المحور: الادب والفن
    


في الطريق من الخطوط الامامية لجبهة القتال..الى حافلات نقل كانت بالانتظار، كانت تصطف بعيدا عن مرمى الأ سلحة..وعورة في الطريق المؤدية اليها..كانت تجبرنا والجميع ان نتعثر في المسير تارة، وتارة اخرى نقوم لنواصل المسير اليها..عيون معصوبة..اياد موثقة، آذتنا كثيرا ونحن نحث الخطى في سير جديد..مسير غريب، غير مألوف تماما..الى الخلف..خلف الخطوط الحامية الوطيس، اميالا عديدة، وسط ذلك القصف وقذائفه المتناثرة ارضا، والطائرة عبورا فوق رؤوسنا..في تلك الطريق المريرة..كأننا والدنيا على جنح بعوضة..يجب مقاومة الظرف الجديد، الطاريء، والا ، فالموت سيكون مصير من يتأخر ..الخوف يلف الجميع، الآسر والمأسور..لا شيء يفرقنا سوى الحزن والأسى لتلك النهاية وماآلت اليه الامور..كل منا يندب حظه..في ذلك الطريق كان للمستجدات دورها متوالية على الذهن..الركل..الضرب باعقاب الاحذية..اخامص البنادق.. قريبا من الحافلات ..بعيدا عن مواضعنا التي كنا فيها قبل دقائق..بعيدا عن الحرية التي كنا نعيش..كم هي ثمينة تلك الكلمة، كم هي بعيدة وغالية الان ؟
أُجلس الجميع .. بدأ التفتيش..فتحت العيون..انزلت قطع القماش عنها.. تعرف بعضنا على البعض الاخر.. التفتيش جار..افرغوا جيوبنا جميعا..لم يدعوا شيئا دون ان ياخذوه...التدقيق على النقود والاوراق المالية التي بحوزتنا..خصوصا فئة خمسة وعشرين دينارا..الذهب.. الساعات...الخ ..
وصلني احدهم..قبل ان يبدا بتفتيشي سالني بالفارسية عن اسمي..لم اكن اعرفها انذاك..هززت راسي مشيرا الى اني لم اعرف ماقال..اعاد الكرة ثانية...على اعتقادي انه كان يقصد اسمي..اجبته بكلمة واحدة..اسمي فقط..في تلك الاثناء كنت منتبها اليه باصغاء..سمعت صفعة اعادت لي وعيي الذي غادرته قبل قليل..كان آخر ملتح قد اندفع صوبه اوقعه ارضا نتيجة تلك الصفعة..فهمت منها انه لم يكن راضيا عن كلامه معي..اعاد الجندي التفتيش بعد ان اوعز له بذلك..ادخل يده في جيوبي..واحدا تلو الاخر..انظر اليه..عيوني تتابع حركته بكل دقة..اخرج من جيبي اوراقا ومفاتيح وماكان في جيبي من نقود لم تسنح الفرصة وقتها ان اتصرف بها والايام العشرة لموعد تسلم الراتب الشهري قد انتهت وانا في الجبهة بعيدا عن السوق..كان يمر بيده على ارجاء جيبي موزعا نظره بيني وبين مايستخرجه منها..يلتفت بحذر مصوبا نظره الى مصدر الصفع قبل قليل..جمع الاوراق النقدية كلها..شدها الى بعضها..دفع بها تحت قميصي حتى لامست يده منطقة السرة..ترك الاوراق النقدية هناك..كانت دهشتي كبيرة، كبيرة جدا عندما اخرج يده خالية فارغة متمتما بكلمات لم افهمها..اخذ بقية الاوراق الخاصة والمفاتيح ووضعها في كيس سجل فيه اسمي بعد ان كرره مرات ومرات..غادرني وانا في الف فكرة وفكرة..سرحت بعيدا وقلت مع نفسي وانا اقاوم دواخلي المتيقنة من هؤلاء الناس والتي قطعت فيهم الشك باليقين.. منذ زمن وانا اتصفح اوراق التاريخ بشقيه الحديث والقديم، وماقراته عنهم جعلني اعشق التاريخ والمؤرخين..قلت ورغم كل ما يحمله قلبي من هم، سبحان الله، ربما كان فيهم طيبون..اذن على خطأ كان ظني..لقد ظلمت الناس..استغفر الله.
عُصبت العيون ثانية..استقل الجميع الحافلات، سرنا والاصوات المحذرة والمنذرة والمتوعدة لنا لم تنقطع حتى وصولنا محطة استراحة قرب مطار كانت تحط عليه احدى طائرات الشحن ذات المراوح الاربع..ثبتت اسماؤنا..مجموعة تتحدث العربية بلهجتها العراقية تشرف على تلك العملية.. عصبت العيون مرة اخرى..صعدنا الى الطائرة..جلسنا ارضا تم ربط الجميع بحبل يلف ايادي الجميع من الخلف..دارت مراوح الطائرة، وعلا هديرها في السماء..صوتها كان من الازعاج بحيث انه لازمني فترة طويلة لم يفارق اذني اياما..ارتفعت الطائرة عاليا..حلقت فوق السحاب، برودة الجو خرمت جسدي بكامله..اسناني تصطك من شدة البرد الذي يواجهني.
حدثني صاحبي مستفسرا عن الوجهة التي يريدون ، لم اُجبه بعد حتى صافحت رقبته من الخلف ضربة قوية بواحدة من بنادق الجنود المرافقين لنا، احدث صوت الضربة عندي فضولا بان ادفع الخرقة التي عصُبت بها عيوني بركبتي قليلا لكي ارى مايدور..وقد فزت بهذا الامتياز دون رفاقي، وكانني ارى العالم كله في محيط الطائرة..لحظات صمت خالية الّا من صوت الطائرة المزعج، شعرت بشيء حار يلامس جسمي من الاسفل..انه من قبيل الماء الحار..لكن المصادفة والفضول دفعاني ان اكتشف ذلك..كان احدهم يتبول على احد رفاقي الذي كان بجنبي قريبا مني..حتى انساب ذلك البول النازل من اعلى ليلامسني..كانت الفعلة تلك قد اعادت الى داخلي ماكنت مقتنعا به منذ زمن تجاه اولئك، ذلك الصنف الغريب من البشر .
سرحت بخيالي بعيدا مع ما كان ينتابني من افكار لم يألفها ذهني من قبل..في الطائرة..مع الريح التي كانت تعانق اجنحة الطائرة لتحملها عاليا في السماء، وتحملني الى حيث العالم الجديد الذي لم اعرف عن حيثياته شيئا بعد..وفوق السحاب، توالت الامنيات وليس سواها فما عساك ان تفعل؟! شعرت بالانهاك والتعب ليوم مرير كلُّ مافيه جديد وغريب..اسندت راسي على كتفي الايمن بعد ان حاولت جاهدا منع ادمعي من مغادرة مخابئها ..لكنها تجاهلت اوامري وانسابت من تحت الخرقة لتفرغ من راسي همّا ثقيلا كاد يقتلني وياليته فعل..كل ما اذكره تلك الساعات، وجه امي..مدينتي والحبيبة..المقارنة وقتها بين العزِّ والكبرياء الذي كنت فيه قبل ساعات وبين ماسيواجهني، ولا احد سوى الله جل شأنه يعلم النهاية.. كانت كلمات جواد رفيق السلاح ترن في اذني ونحن نعتلي عتبات الحافلة :
-اصعد يارفيقي..انها بداية المأساة..اصعد امامنا درب مجهول..
كانت تلك الكلمات المحرك المؤثر وانا اضع راسي على كتفي الايمن في اغفاءة قسرية اجبرني حالي المتعب على ان امر بها ولو هنيهة...
تتحرك مجموعة من الاسرى في الطائرة منقضة على الحراسات حيث قيدتهم جميعا واستولت على اسلحتهم..القسم الآخر منهم توجه الى طاقم الطائرة لاجباره على تغيير مسار الطائرة الى بغداد..مجموعة قامت باحتجاز الجنود، الحراسات مع اسلحتهم في زاوية من الطائرة بعيدا عن غرفة القيادة..فتحت يدي ورميت وثاقهما جانبا وانا اتفحص الوجوه..سنعود الى بغداد..آه..كم هو عمل عظيم وضخم ..ستتناقله وكالات الانباء كلها.
استقبال رائع في مطار بغداد الدولي..مجموعة من الاسرى أسّرت آسريها..جلبتهم مع طائرتهم الى بغداد..حدث عظيم..فريد من نوعه في التاريخ..ذوو الاسرى حضروا الى المطار..الكل يعبر عن فرحته بهذه العملية الجريئة وسلامة ابنائهم..الحافلة تلتهم الطريق حاثة الخطى نحو اهلي..بلدتي الجميلة..كم هي مفاجأة سارة ربما لن تتحملها امي وانا على بوابة الداراهم بالدخول وتقبيل رأس امي وأبي..الاطفال يحيطون بمبنى الدار متجمعين..الاصدقاء جاؤا مهرولين وقسم منهم كان يرقص..بيني وبين امي الدموع، وبين ابي والحبيبة كان العناق..مدينتي الجميلة المتواضعة بصغرها كانت تبتسم في كل زواياها..ازقتها.. نواعيرها كانت تغني مع الصبايا..اخي كانت قد طوقتني ذراعاه، يحمي ظهري من الخلف ويرد التحية والتهاني على المباركين في شعور ثائر لايمكن ان يتصوره احد الا هو..والتقت عيناي بالحبيبة بعد ان تجاهلت الجميع وسط زحمة اللقاء..مندفعة نحوي، فاتحة ذراعيها لتحتضنني امام عيون الملأ.. ورغم تقاليد المدينة واعرافها التي لاتجيز ذلك علنا قابلتها بالعناق..وانا ابكي من الفرح الغامر والسعادة التي ليس لها مثيل..لم يكن يعتريني حينها سوى دوي محركات الطائرة ومنظر الاسرى وهم يقومون بعملهم البطولي الذي سجّل للجميع وبتوقيعهم.. تبادلنا النظرات..امسكت بها.. وجهها قريب من وجهي..عيناي اوقفت كل حركاتها..لم يعد امامي سوى أن اقبّلها..دنوت منها اكثر.. هممت بما كنت فيه..وهمّت هي الاخرى وكأننا قد أجدنا فهم لغة العيون.. وبينما انا اقترب منها..وهي تقترب مني..ابي وامي واخي والجميع ينظرون الى اللقاء المعجزة..امتدت يد تعبث في اسفل قميصي ملامسة جلدي..تبحث عن ماذا؟!!..لا ادري..كان العبث مزعجا بالنسبة لي لانه جعلني اصرف النظر ساعتها عن حبيبتي..تحركت في موضعي..تململت قليلا وعلى حركة اصابع ذلك القميء الذي كان يبحث عن النقود التي سلبها مني خلف خطوط النار واودعها رهينة عندي، افقت من حلم جميل، وانا اقترب من مشارف طهران التي اقترب المدرج في مطارها منا لنهبط بعد ان كانت نقودي قد استقرت في جيب ذلك اللص الفنان..حمدت الله ان مافي قلبي تجاهه واجداده لم يتغير..
وبدموع كدموع الثكالى مريرة انهمرت من عيني بعد ان فارقني ذلك الحلم وتلك الامنية وانا فوق السحاب.


* * * * *



#شاكر_الخياط (هاشتاغ)       Shakir_Al_Khaiatt#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة ( السفر الى وراء )
- الى الحبيب رياض الحبيّب...
- حلم في ساحة التحرير/ بغداد
- صيدة النثر من اين؟! والى اين؟؟!!
- مؤتمر المنظمات الثقافية غير الحكومية المنعقد في بغداد 19-21 ...
- قراءات في شعر سميرة عباس التميمي
- انصفوا اللحن العراقي الاصيل
- الى من غادر دون استئذان
- أدباء الانبار على قارعة الطريق
- مابعد الغروب
- هل يعتزل الشاعر / سؤال للجميع
- محمد غني حكمة.. الانسان الفنان
- قصيدة للنشر
- البعيتي يتفوق على بلابل العراق- مسابقة امير الشعراء
- تضامن مع الكاتب احمد عبدالحسين من ادباء ومثقفي مدينة هيت


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر الخياط - قصة قصيرة ( امنية فوق السحاب )