أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلامة بوشامة - دورمنظومة القيم في التنمية السياسية















المزيد.....


دورمنظومة القيم في التنمية السياسية


سلامة بوشامة

الحوار المتمدن-العدد: 3301 - 2011 / 3 / 10 - 23:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعتبر التنمية السياسية أقوى فكرة فاعلة،خصوصا بعد حصول دول العالم الثالث على استقلالها، وفشل التحليلات والتطبيقات التنموية الاقتصادية في تحقيق تنمية فعلية، لذلك فقد انطلقت مجموعة من النظريات في محاولة التأصيل لمسألة التنمية والتخلف من خلال براديغمات سياسية، حاولت تجاوز الاقتصادي المحض إلى أبعاد أخرى تتفاعل داخل أنظمة العالم الثالث .
وتؤثر منظومة القيم في هذا الإطار، كآلية من آليات التحديد التي تشتغل داخل مشاريع التنمية السياسية،وتتشكل منظومة القيم عبر مجموعة من القنوات الأساسية الرسمية والغير رسمية، والتي تضطلع بها مؤسسات التنشئة الاجتماعية .
وتبقى القيم كعنصر يصعب حصره أو تحديده، لأنها تتداخل بمجموعة من العناصر الإنسانية المتميزة بعدم الاستقرار والثبات والمتميزة بالتحول ...
ومن أجل تحقيق تنمية سياسية وفق معاييرها النظرية لابد من توفر البنيات" القيمية " الموازية لهذه التنمية.
فما الذي نقصده بمنظومة القيم؟
وكيف تتحدد التنمية السياسية؟
وكيف تساهم منظومة القيم في تفعيل وتحديد مسار التنمية السياسية؟
وماهو الدور الذي تضطلع به منظومة القيم داخل المشاريع التنموية؟
وماهي الوضعية التي تتفاعل من خلالها منظومة القيم بالتنمية السياسية بالمغرب؟.

-:مدخل مفاهيمي ونظري.
لمحاولة فهم موضوع دور القيم في التنمية السياسية، لابد من البحث في التأصيل النظري لمجموعة من المفاهيم الأساسية، والتي من خلالها سيتسنى لنا وضع إطار للموضوع، ولعل أهم مفاهيم هذا الموضوع هي القيم، والتنمية السياسية.
الفقرة الأولى: حول مفهوم القيم.
يتداخل مفهوم القيم مع مجموعة مفاهيم أساسية في الدراسات الاجتماعية ، لذلك فإن محاولة إعطائه تعريف محدد تبقى دون جدوى ، لارتباطه بمجموعة مفاهيم أخرى كالثقافة السياسية...وبالرغم من ذلك فإن القيم هي مجموعة الأفكار، التمثلات ،المواقف ، العادات والتوجهات التي تحدد سلوك الفرد والجماعة اتجاه المجتمع والسلطة وإتجاه القضايا العامة، والقيم تحكم وجود المجتمع وتنظيمه وسيره بما هو مجموعة علاقات ذات طابع مؤسسي تخضع لقواعد تحظى بالإنفاق النسبي للأفراد والجماعات ، وتساهم في تشكيل منظومة القيم مجموعة مؤسسات اجتماعية عبر عملية التنشئة الاجتماعية والسياسية التي توفر رصيد مشترك من المعرفة يكفل مشاركة أعضاء المجتمع في الحياة العامة بوعي وتآزر والتي يخضع لها الفرد منذ بداية تفاعله مع محيطه، وتعتبر الأسرة نقطة الانطلاق بالنسبة لتربية الفرد منذ طفولته وعبر مختلف مراحل حياته، فالأفراد داخل الأسرة يتعرضون للاحتكاك ويأخذ الصغار عن الكبار مجموعة من المبادئ والقيم والعادات التي ترافقهم طيلة حياتهم فالأسرة هي الملقن الأول لمجموعة لمجموع القيم التي تستقر مع الأفراد وتحدد سلوكياتهم ،وتلعب الأسرة دورا فعالا في تلقين المفاهيم السياسية، فهي رمز من رموز السلطة الاجتماعية والسياسية وبعد الأسرة ، تأخذ المدرسة عملية إتمام مراحل التنشئة الاجتماعية وتحديد قيم الأفراد وتقنينها، وللمدرسة دور أساسي باعتبارها تخضع لقواعد التوجيه الممنهج والذي غايته صناعة القيم حسب الطلب ، فالمدرسة كامتداد تساهم في نشر المبادئ والقيم السائدة ،ويذهب فريق من العلماء الاجتماعيين الى إن المؤسسات التعليمية ليست أداة تغيير ثقافي بقدر ما هي أداة للحفاظ على ما هو قائم ،فهي تجسد القيم والاهتمامات والتصورات السائدة في ثقافة المجتمع ككل وليس أمامها من خيار سوى تدريب النشئ على التكيف والتلائم مع الثقافة السائدة .
وعموما تلعب منظومة القيم دور أساسي في الحياة السياسية للمجتمع والدولة، فهذه الأخيرة تسعى دائما من خلال التنشئة السياسية الرسمية الى نشر مجموعة من المفاهيم والمبادئ السياسية التي تضمن الاستقرار للنظام السياسي وتضمن على الأقل الحد الأدنى من التوافق السياسي بين مختلف الفاعلين السياسيين.
وتساهم منظومة القيم في تحديد مسار التنمية السياسية ، فالقيم ومن خلال قنوات إنتاجها أذا كانت تكرس لسلوك وعادات ومواقف تتبنى معايير وشروط التنمية السياسية، من خلال الاعتراف أصلا بها و الإيمان بيميكانزماتها ، فعملية استيراد التجارب التنموية في مختلف المجالات تبقى قاصرة إذا لم يتم تدعيمها بوجود عقليات فردية وجماعية تتحدد بقيم تتماشى مع هذه التجارب وتتبناه نظريا وممارسة.
ولا يفوتنا أن ندرج مجموعة وسائل أخرى تساهم في يومنا هذا بدور فعال في عملية تحديد منظومة القيم، فجهاز الميديا والإعلام ووسائل الإيصال والتواصل الحديثة التي اخترقت الحدود الوطنية والتي تكتسب قدرة كبيرة على التأثير ، تساهم في تشكيل منظومة القيم، بل إن هذا الجهاز أصبح يكتسي قدرة سريعة في عملية الإنتاج وضبط القيم، وهو ما تبعناه من خلال موجة الاحتجاجات والثورات التي اجتاحت الوطن العربي في الآونة الأخيرة ، وكيف ساهمت وسائل الاتصال والاعلام في توجيه هذه الأحداث ، وقد خلفت حركية تكنولوجيا الإعلام والاتصال تحولات كبيرة تعددت في حجمها ونوعيتها كل التطورات التكنولوجيا التي عرفتها الإنسانية لحد ألان طالت كل مناحي الحياة .
تتضافر مجموعة عوامل ووسائل في تشكيل منظومة القيم، وقد تجاوزت في أيامنا هذا الوسائل التقليدية لتشكلها(الاسرة ،المدرسة، الحزب...) ، لتساهم هذه المنظومة في تحديد بعد السياسة تتحقق من خلال المنظومة التي تتبنى المبادئ و القيم المساهمة في هذه التنمية ، فإما الى تنمية سياسية ، وإما إلى جمود سياسي ينطبع بالعناصر التقليدية واللاعقلانية ينعكس سلبا على التنمية ليس فقط في السياسة ، بل في كافة المجالات الحياتية للمجتمع والدولة ، لذلك لابد لنا من تحديد طبيعة المعايير التي تتحدد من خلال التنمية السياسية والتي يجب أن تتشكل قيم تتبناه تروم المحافظة والدفاع عنها بشكل إرادي أو لا إرادي.
-حول التنمية السياسية.
ان التنمية في تعريفها البسيط هي المسار الذي من خلاله الدولة تنمي ثروتها وإعادة توزيعها على الأفراد، وقد ارتبط هذا المفهوم بعدة مفاهيم أخرى كالتحول والتغيير...وقد استعمل مفهوم التنمية في الحقل الاقتصادي وذلك منذ خمسينيات القرن الماضي خصوصا بعد الحرب الكونية الثانية ، ففي مجال البحث الاقتصادي كان مفهوم التنمية يشكل موضوعا محوريا وهو ما نجده في كتابات ادم سميت(أبحاث حول طبيعة وأسباب ثروة الأمم )وكارل ماركس(الرأسمال) ، وبعد موجة الاستقلال التي عرفته دول العالم الثالث ،أصبحت التنمية الاقتصادية تحديا كبيرا بالنسبة لهذه الدول ،وقد عجزت مجموعة من النظريات المرتبطة بعلم الاقتصاد في التحليل العميق لمسالة التنمية ،او إعطاء تفسيرات للبنيات المعيقة لمسالة التنمية داخل هذه الدول، لأنها تعيش السياسة بشكل مغاير لما كانت تعريفه وعرفته اروبا على المستوى المؤسساتي ومستوى الممارسة ، لذلك بات البحث ضروريا عن حل سياسي للتنمية ، خاصة ان هذه الدول تعرف مشاكل سياسي ،وتحولات معاقة في بنياتها، فهناك نخب تسعى الى الاستمرارية ...ومجموعة ظواهر لم يتعود البحث السياسي والاقتصادي مقاربتها، وفي هذا الإطار ظهرت مجموعة من النظريات التي حاولت التاصيل للتنمية السياسية.
فهناك النظرية البوليارشية التي يعتبر "روبير دال" من انصارها ، وينطلق من نظرة نقدية وتحليلية لمفهوم الديمقراطية ليتوصل بعد ذلك إلى إن هذه الأخيرة تتحقق بالتدرج في شكل بوليارشي ، ذلك أن المجتمعات تزداد تعقيدا خلال تطورها، حيث يزداد عدد الجماعات التي تتكون منها المجتمعات، كما يزداد عدد الزعماء الذين يترأسون هذه الجماعات ، ويضطر هؤلاء الزعماء الى الحوار فيما بينهم باستمرار لإيجاد حلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع ، وفي هذا الإطار يرى "روبير دال" إن كل المجتمعات تسير في تطورها نحوى البوليارشية وتحدد هذه النظرية مجموعة من الشروط لتحقيق ذلك:
وجود نموذج خاص من التلقين المفوض.
وجود حد ادني من التراضي.
وجود تعددية اجتماعية.
تداول كبير للنخب.
والى جانب هذه النظرية والنظريات الاقتصادية، نجد نظرية التعبئةMOBILISATION عند" كارل دوتش"، حيث تربط التنمية السياسية بالتطور الاقتصادي الذي الاقتصادي الذي يعبر عنه بواسطة مايسميه بالتعبئة، ويرى بأن التعبئة هي مجموعة الممارسات التي تدعم إدماج أفراد مجتمع ما في إطار نظام سياسي معين، وكل ما كانت التعبئة الاقتصادية والتكنولوجية قوية كلما تطور الإدماج عن طريق تطور التواصل بين فئات المجتمع، ويعد تطوير أساليب التواصل بين فعاليات المجتمع أحد الشروط الأساسية لتحقيق التعبئة. وحسب هذه النظرية فإن الآليات التواصلية التي تتحكم في السياسة حيث لا يمكن أن تتم عملية التنمية بدون عملية التعبئة، ولا يمكن أن تمارس السياسة بدونها، وقد طرحت هذه النظرية بعدما فرض النموذج الغربي كنموذج مركزي ومصدر للقيم. أما "كابريال ألموند" في النظرية الوظيفية فيتعامل مع النظام السياسي كمجموعة من العناصر المتداخلة فيما بينها، وكل عنصر يقوم بمهمة ولايمكن لعنصر لوحده أن يقوم بالأدوار الأخرى، ورغم الاختلافات بين المنتظمات السياسية فإن التنشئة من بين الوظائف التي تشترك في هذه المنتظمات وتحدد على أساسها طبيعة البنيات السياسية.
إن هذه النظريات التي حاولت تحديد العناصر الأساسية في التنمية والتنمية السياسية ورغم اختلاف مقترباتها، إلا أنها تجمع على أن بلدان العالم الثالث تحدد تنميتها بمكنز مات تختلف عن تلك التي نمت وترعرعت بالبلدان الغربية.
جميع الحالات كان لمنظومة القيم دور حاسم في مسأسة التنمية السياسية والتنمية بشكل عام، فهي تساهم في بلورة السلوكيات والمواقف التي تساهم في تحقيق التنمية السياسية من خلال احترام معاييرها واحترام قواعدها.
وتعد الثقافة والثقافة السياسية بشكل عام كأحد المرتكزات السياسية داخل منظومة القيم حيث جميع عناصر هذه الأخيرة تتداخل مع الثقافة السياسية، لذلك سنحاول البحث في إشكالية دور منظومة القيم في التنمية السياسية من خلال دور الثقافة السياسية مع البحث في هذه الجدلية من خلال الواقع السياسي للنظام السياسي المغربي.
المحور الثاني: القيم كمحدد للتنمية السياسية.
أتبث عملية استيراد التجارب التنموية والديمقراطية فشلها، فوصفات المؤسسات الدولية التي أعطيت للدول النامية في صورة مخططات عرفت باسم التقويم الهيكلي وغيرها من الوصفات لم تأتي النتائج المرغوبة، وذك للآن منظومة القيم تلعب دورا محوريا في توفير البيئة الملائمة لنشأة هذه تجارب تنموية بشكل تراكمي، لذا فلا يمكن الحديث عن تنمية سياسية بدون وجود قيم وثقافة سياسية موازية.
-دور الثقافة السياسية:
يعرفها محمد عبد الباقي الهر ماسي: أنها منظومة المعايير والمعتقدات والمشاعر السياسية السائدة في مجتمع ما وفي فترة زمنية معينة، والتي تحدد درجة الإحساس وتنوعه وتنظيم المواقف وتحدد طرق الالتزام الفردي وأساليبه، وتحدد أنماط المشاركة والاتصال، وكذا واجبات من يمثلون الدولة ، فالثقافة السياسية تتحدد من خلال المثل، العواطف المعتقدات، المواقف، القيم والتقييمات المهيمنة لذى الأفراد والجماعات المكونة للمجتمع حول النظام السياسي دور الذات في هذا النظام.
ولابد من الحديث ن أنماط أساسية في الثقافة السياسية :
ثقافة رعوية: تعكس موقف تغلب عليه اللامبالاة والتجاهل اتجاه الدولة، والانطواء في أطار انتماءات محلية ( قبلية، قرية...) على حساب الشعور بالانتماء الوطني.
ثقافة الخضوع: تنطلق من معرفة واقع وحقيقة النظام السياسي الوطني ترافقها سلبية اتجاهه.
ثقافة المشاركة: تتميز برغبة الأفراد في ممارسة حقوقهم وواجباتهم، والتأثير على مسار اتخاذ القرارات السياسية، وهي الثقافة السياسية التي تقوم على أساسها الديمقراطية.
ومن خلال النظر في النظريات التي درست مسألة التنمية السياسية ورغم اختلاف مرتكزاتها إلا أنها تؤكد على ضرورة توحيد أساليب التربية أي توفير تنشئة متكافئة بالنسبة لمختلف مكونات المجتمع، فالثقافة السياسية تلعب دورا هاما في هذا المجال وذلك من خلال وظيفة التي تقوم بها في نشر القيم والمبادئ المساعدة على خلق حد أدنى من التوافق بين النخب والفعاليات الاجتماعية والسياسية وذلك بتوطيد مبدأ التعددية... في إطار توافق عام.
فلا تتحقق تنمية سياسية بدون ثقافة سياسية تروم ترسيخ القيم المرتبطة بها، كالتوافق على الحدود الدنيا في العملية السياسية الديمقراطية، والإيمان بثقافة التعدد، والعمل السلمي في إطار القواعد المتعارف عليها ديمقراطيا داخل العمل السياسي، فالثقافة السياسية المبنية على الأسس التي تتعارض مع أهداف التنمية السياسية لايمكن لها إلا ان تكون عائق وإكراه أمام التنمية السياسية.
إن عملية التنمية السياسية تتطلب تضافر شروط ومعايير، كما تتطلب قيم وعادات ومواقف إيجابية من هذه الشروط من أجل تفعيلها والمساهمة في تحقيقها لتنمية سياسية بتكريس علاقات عقلانية، وقيم حداثية تمكن من تحسين وتخليق حياة الأفراد والرفع من قيمتهم ماديا ومعنويا.
وعموما فالتنمية الاجتماعية هي العملية الواعية الموجهة لتخطيط بناء مشروع حضاري اجتماعي شمولي ومنسجم ومتكامل يؤكد فيه المجتمع من خلال أفراده هويته ووجوده وكينونته .
لا نريد من تحديد هذه المفاهيم التوسع أو التعمق في مقاربتها باعتبارها موضوع من الموضوعات التي بنيت عليها سيسيولجية التخلف والتنمية، أو الوقوف عند حقل اشتغالها وآليات بحثها وطبيعتها والإشكالات التي تتناولها والمدارس التي بلورتها والأسس والنظريات التي ترتكز عليها، ولكن سنحاول معرفة الكيفية التي تتفاعل فيها منظومة القيم مع عملية التنمية السياسية بالمغرب، ومدى إجرائية على الواقع وفعاليته واستنطاق مظاهر تجسيده.



- القيم السائدة والتنمية السياسية بالمغرب:
إن دراستنا لمنظومة القيم من خلال الثقافة السياسية تروم الاختصار للان منظومة القيم تتشكل بمجموعة ميكنزمات فيها الظاهر والخفي، والتا بث والمتحرك، سيما بمجتمع كالمجتمع المغربي الذي عرف تحولات عميقة في بنياته وتشكيلات ليست بالحديثة في نظامه، فالمجتمع بالمغرب تتدخل فيه عدة عناصر تراكمت عبر السيرورة التاريخية علت من منظومة قيمه متعددة الأوجه، إلا أن معظم الباحثين يجمعون على أهمية ومركزية "المخزن" وقوة حضوره في الثقافة السياسية المغربية، كما يجمعون على أهمية الفترة الأخيرة داخل النظام السياسي المغربي لما عرفته من جدال ونقاش وأحيانا مشاريع تروم إطلاق تنمية سياسية اقتصادية واجتماعية، ورغم خصوصية هذه التجربة ومحدوديتها إلا أنها أفرزت مفاهيم جديدة داخل النظام السياسي المغربي.
ظاهريا يبدو المغرب على غرار باقي الدول الحديثة يتوفر على جميع العناصر التي من شأنها تحقيق ممارسة ديمقراطية حقيقية دولة مركزية تتوفر على دستور ينظم العلاقات بين مختلف السلط، التنفيذية والتشريعية والقضائية، كما يتوفر على حياة سياسية عادية وأحزاب سياسية من المفروض أن تعكس التمثيلية السياسية لمختلف مكونات المجتمع المغربي إلا أن المغرب لازال ضمن الدول السائرة نحو النمو، حيث الديمقراطية لازالت تعرف تعثرات، والمشاريع الكبرى تعرف توقف...وهذا ليس بسبب ضعف التجربة السياسية أو عدم نضجها ولكن لوجود منظومة قيم لازالت يتفاعل فيها التقليدي بالحداثي، فعمليات إنتاج النخب تتحكم فيها قنوات تقليدية تساهم في تبادل النخب للمواقع أكثر منه تداولا أو دورانا لمراكزها، كما أن حاجة المجتمع للتعددية الحقيقة باعتبارها مجتمع الثقافات لازالت موقوفة التنفيذ ،والعمليات الانتخابية تعبر هي كذلك عن إفلاس ديمقراطي... وغير ذلك من الإكراهات والعوائق التي تميز الحياة السياسية المغربية، فحتى تجربة " التناوب التوافقي" وبما لها من إيجابيات حيث ساهمت هذه التجربة في خلق انفراج اجتماعي وتنشيط ديناميكية سياسية وثقافية تحولت في إطارها بعض الأفكار والقيم والمفاهيم والقضايا والممارسات الفكرية والسياسية الاجتماعية إلى مواضيع للبحث والتفكيك والمسائلة وإعادة النظر والمراجعة والنقد ، أتبثت أن الثقافة المغربية التقليدية السائدة هي المحدد لكل ممارسة سياسية رسمية فلازالت كل التوافقات والاختيارات غير خاضعة للقانون وتجعل من الملك الممثل الأسمى للأمة وهو المهيمن على الحياة السياسية المغربية، فالنسق المخزني يعتبر حقيقة راسخة ومتجدرة في النظام الحالي حيث تتعايش المؤسسات والممارسات المخزنية قلما نجد لها نظيرا .
وإذا كان دور السلطة داخل النسق المغربي ذو أهمية بالغة في تحديد نوعية القيم السائدة لدى الأفراد من خلال تحكمها في وسائل إنتاج هذه القيم فإن النخب وقيادات الجماعات لا تبتعد قيمها عن الصفة التقليدية اللاعقلانية، فهي كذلك تساهم بممارساتها التي تعبر عن منظومة القيم التي تحملها في إعاقة عملية التنمية السياسية.
إن منظومة القيم السائدة داخل المجتمع المغربي والتي لازال يتفاعل التقليدي بداخلها بحدة، ولازالت تحدد بثقافة الخضوع، تتمحور حول " السلطة" بما يجعلها تخدمها، في حين المجتمع يبقى خارج هذه الدائرة، وبالتالي فإن عملية تنمية سياسية أو اقتصادية خلاقة تبقى مؤجلة في أفق المراكمة لثقافة المشاركة والتعددية والتوافق الإيجابي والمساهمة في التنمية في المحافظة على الموارد، وخلق تنشئة اجتماعية متساوية لجميع الأفراد، واعتماد المنطلقات العقلانية والحداثية فأي عملية سياسية وداخل المشهد السياسي.
تساهم منظومة القيم في تحديد مسار التنمية السياسية، فتتحقق بشكلها الطبيعي وفق المعايير والشروط التي تنطلق من الإيمان والعمل على تحقيقها، فالعادات والسلوكات والمواقف وكل القيم والثقافة السياسية... ق تكون دافعا ومساعد موازي يساهم في أجرأة وتسهيل عملية التنمية السياسية إذا كانت تسير وفق القيم التي تتطلبها هذه الأخيرة، كما قد تكون عائقا للأي تنمية سياسية إذا كانت هذه القيم تتفاعل بشكل عكسي اتجاه أسس التنمية السياسية والتي تتطلب وجود تعددية حقيقية في ميع مجالات وتوافق على المنطلقات.
إن منظومة القيم لها دور حاسم في دعم أية تنمية سياسية أو اقتصادية... بل تظل الميكانيزم الخفي أحيانا والذي يتداخل مع جملة من التوابث والمتغيرات التي تخترق العملية التنموية.
وقد أكدت معظم النظريات التي اهتمت بالتنمية السياسية على ضرورة وجود آليات مشتركة وموحدة لخلق تنشئة اجتماعية وثقافة سياسية تروم وضع الإطار الاجتماعي والسيكولوجي للأفراد والجماعات لمساهمتهم في التنمية السياسية إراديا أو غير إراديا.



#سلامة_بوشامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرائة في وثائق المفاوض الفلسطيني.


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلامة بوشامة - دورمنظومة القيم في التنمية السياسية