خلدون الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 3299 - 2011 / 3 / 8 - 11:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من ينظر الى المظاهرات الاخيرة التي حدثت في بغداد والمحافظات الاخرى وما رافقها من قرارات وافعال يستطيع ان يشخص الكثير من القضايا ، اولها عدم وجود رؤية سياسية وادارية لدى الحكومة التي لم تستطع ان تتعامل بشكل حكيم مع التظاهرات ، واقصد هنا رئيس الوزراء الذي اصبح هو كبش فداء لاخطاء الكتل السياسية واعتقد ان الفرصة التي رفعت المالكي للقمة هي نفسها التي ستزل به الى الهواية، سلوك المالكي يدل على ضعف اداءه كرئيسٍ للوزراء يفترض ان يكون لديه قدرة في التعامل مع الازمات ، فالمتظاهرون خرجوا ضد الخدمات وازمة السكن والبطالة والفساد، وهي ليست مسؤولية الحكومة وحدها انما مسؤولية مجالس المحافظات والهيئات المستقلة والبرلمان، لكنه وتبعاً لتعامله مع التظاهرات حصر الموضوع بين الحكومة والشعب وهو خطأ كبير لان المتظاهرين لم يطلبوا شيء كبير في بلد غني مثل العراق، وعلى الحكومة ان تستجيب لمطالبهم.
تحول الصراع بين الرأي العام العراقي وبين رئيس الحكومة وحزبه، في حين نجد الكتل الاخرى اصبحت بمعزل تام عن هذا الصدام رغم انها جزء من الخلل والفساد، فرئيس القائمة العراقية اياد علاوي والحكيم والصدر يجتمعون ويقررون وكأنهم يمتلكون ايادي نظيفة ، هؤلاء كلهم اصبحوا خارج دائرة الصراع اصبحوا متفرجين بل وداعمين للمظاهرات لانها حتماً ستزيح المالكي وحزبه عن الطريق والى الابد، وهذا طبعاً تم بسبب تصرفات المالكي غير المدروسة والذي حول الصراع بينه وبين الرأي العام، وهو خطأ كبير لان الزعماء مهما بلغت قوتهم وسطوتهم لا يصمدون امام ارادة الجماهير.
الخطوة الاخرى التي اخطأ المالكي في التعامل معها هي اصداره اوامر باغلاق مكاتب الحزب الشيوعي العراقي مستخدماً قوة عسكرية تعمل بامرته ودون اي قرارات قضائية، هذه الخطوة حسب رأي المتواضع هي القشة التي ستقسم ظهر البعير، لانه سيكون في صراع ليس مع الشيوعين الذين يمثلون اليسار المعتدل بل سيكون مع الاحزاب والتيارات التي تدعم المالكي وكلها من اليمين المتطرف ، فالصدريون لن يتحملون كثيراً اخطاء الحكومة، خاصة في ما يتعلق باغلاق مقرات الشيوعيين ، لان قرار الالغاء جاءت وفق دوافع سياسية وهي المشاركة الفاعلة للحزب الشيوعي في المظاهارات وهو مازعج المالكي الذي قدم دون قصد خدمة كبيرة للشيوعيين من خلال اعادتهم لواجهة الحدث، فاذا كان الحزب الشيوعي هو من دعا الى تلك المظاهرات وقادها، فحتماً انه يمتلك شعبية كبيرة في الشارع العراقي وانه مؤشر لتطور حركات اليسار في العراق واتساع تاثيرها في الناس وهو امر لا يرضي الصدرين ابداً لانهم يعتقدون بانهم هم من يقود شرائح المجتمع وانهم اصحاب القرار وهم وحدهم قادرين على اسقاط الحكومة وان اي بديل عنهم هو مرفوض، فكيف وان حليفهم هو الذي يقدم الحزب الشيوعي كبديل فعال لقيادة الجماهير وتحريك الرأي العام، اعتقد ان الصدريين سيسحبون دعمهم للمالكي نتيجة هذه الخطوة غير المدروسة.
ثمة ملاحظة يمكن تشخيصها في مايخص المظاهرات تتعلق بتعامل الحكومة مع الاعلام وكذلك تعامل وسائل الاعلام مع الحكومة، اثبتت التجربة ان الحكومة لاتحمل نوايا صادقة ازاء حرية الاعلام لانها منعت التغطيات المباشرة ومنع الصحفيين من تغطية الحدث بشكل واقعي بل ان الكثير من الاعلاميين تعرضوا للضرب والاهانة من قبل الاجهزة الامنية التي لم تكن محايدة ابداً لكن ينبغي ان نفرق بين الاعلامي الذي كان في مهمة رسمية لتغطية المظاهرات وبين الاعلامي الذي كان جزء من المظاهرات ومشاركاً فيها، هذا المقارنة لابد ان تحدث لان الاعلامي الذي كان يغطي الحدث يختلف تماماً عن المشارك في الحدث، اما بالنسبة لوسائل الاعلام فان الكثير منها لم يكن بمستوى المسوؤلية، وحاولت ان تصفي مشاكلها الشخصية مع الحكومة من بوابة المظاهرات.
لقد استغلت العديد من الفضائيات المتظاهرين وحاولت الصعود على اكتافهم وتلاعبت بمطالبهم المشروعة وبررت للحكومة ادعاتها بانها مظاهرات مسيسة، فمثلاً اصبح حضور النائب عن اتلاف دول القانون كمال الساعدي الى مكان قريب من المتظاهرين برفقة القادة الامنيين ذريعة كبيرة لوسائل الاعلام، وبصرف النظرعن كون تواجد النائب في هذا المكان ايجابي ام سلبي فانه لا يستحق هذه الضجة الاعلامية الكبيرة، لان في المقابل اي جانب المتظاهرين حضر النائب صباح الساعدي والنائبة مها الدوري الى ساحة التحرير لمناصرة المحتجين لكن المتظاهرين طردوهم، كما ان الجميع شاهد النائب كمال الساعدي يقف الى جانب الاجهزة الامنية لكن هذا لا يعني انه يتحكم بتلك الاجهزة او انه يدير الملف الامني للتظاهرات فلم نرى الرجل يحمل سلاح او يرشق المتظاهرين بكلمات نابية، كما انه يمكن ان يستثمر حضوره بشكل ايجابي من خلال الادعاء بانه حضر لسماع مطالب المتظاهرين لايصالها الى مجلس النواب اولاً كونه نائب في البرلمان والى الحكومة ثانياً كونه من نفس حزب رئيس الوزراء ومقرب جدا منه، خاصة وان البرلمان لم يشكل لجنة لسماع مطالب المتظاهرين وكان الامر لا يعني، وهي خطوى اعتقد ان المالكي التفت اليها، لانه حاول من خلال الساعدي ان يزحم البرلمان في الموضوع رغم عدم تمكنه من ذلك.
بعض القنوات الفضائية اظهرت مقاطع فيديو لعمليات القمع التي مارسها الجهاز الامني في زمن النظام البائد يظهر "علي كيمياوي" يضرب الثوار في الانتفاضة الشعبانية ويأمر باعدامهم ويقارنها بتواجد النائب الساعدي في موقع التظاهرات وهذا امر غير منطقي لان سبق وان ذكرت الرجل لم يضرب احد ولم يحمل سلاح، ونحن عندما نذكر هذا الامر ليس لمجاملة احد انما لنقل الحقيقة كما هي التي تعد اساس عمل الاعلام وتوضيح الاخطاء التي ترتكبها وسائل الاعلام .
الاعلام مهنة لا تحتمل العواطف بقدر ماتهتم بنقل الحقيقة كما هي لكن للاسف فان بعض المؤسسات الاعلامية تطرح نفسها كمشروع سياسي لكن المتظاهرين لم يتفطنوا لذلك.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟