أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد الحسب - الممثل والمتفرج: ( العلاقة الثالثة )















المزيد.....


الممثل والمتفرج: ( العلاقة الثالثة )


جواد الحسب

الحوار المتمدن-العدد: 3294 - 2011 / 3 / 3 - 03:36
المحور: الادب والفن
    


لم تكن علاقة الممثل بالمتفرج جديدة، وإنما قديمة قدم المسرح، انبثقت مفاهيم هذه العلاقة وتوطدت من خلال الاحتفالات الطقسية الدينية، وهي احتفالات تمجيد الآله ديونيسيوس (باخوس)، إله الخمر. "وكان عرض المسرحيات في بلاد الإغريق يشكل دائماً جزءاً من الاحتفالات التي كانت تقام تكريماً لهذا الاله، وكان مذبحه دائماً في مكان بارز من المسرح، أمام المتفرجين. والمآسي التي تناهت إلينا مليئة بالشواهد على الرقصات التي كانت تؤدّى تكريماً لديونيسيوس"(1). من خلال هذه الشعائر بدأ المسرح يشكل أهمية قصوى لدى جمهور متميز دأب على المواصلة وتوطيد علاقته به، بدوافع متعددة إلا أن البارز منها أنها – المتعة – التي تجمع كلا الطرفين الممثل والمتفرج. ولايتحقق وجود أحدهما إلا بوجود الآخر، فهذه العلاقة الـتأثرية، لم تتلقَ الاهتمام والتطور في وقتنا الراهن فحسب وإنما كانت منذ بداية المسرح. فمنذ دراسة المسرح والدراما، درست علاقته بالجمهور، إذ لا يكون للمسرح أي وجود ما لم يكن مؤثراً في نفوس المتفرجين. يقول فاسيل اننجييف: "هناك بين المسرح وصالة المتفرجين شبه اتفاق حول قوانين وشرطية التمثيل، الا وهو المحافظة على امرين، الاول يكشف عن جوهر الظواهر وطبيعة الشخصيات وافكارها في جو العالم المتخيل، والثاني يضيف الى العالم المتخيل قليلاً من الفانتازيا، وفي هذه الحالة الابداعية تكمن واحدة من الاسباب المهمة في التأثير الفني في المتفرجين"(2). وإن فعل المشاهدة يرتبط بمفهوم الصورة بكل تشكيلاتها ومحتوياتها، ولقد اهتمت معظم الدراسات الحديثة بالصورة وتشكيلاتها وإلى جانب ذلك تعنى التنظيرات المعاصرة بجمالية الصورة وفعل المشاهدة وما يترتب عليها من فعل القراءة وأهميتها في نقل النص من الأدب إلى الفن أي تحويله كعرض والانطلاق منه إلى عالم أرحب تبعث الحياة في الشخصية الدرامية، حيث أستلت من النص بأبعاد معينة، كملامح وصفات مكتوبة، وتقمصها ممثل يتحرك على الخشبة بكل حيوية. فالنص المسرحي قد أسهمت في إنتاجه عدة عوامل تشكل مجاله الاجتماعي والمعرفي والتاريخي، وتستند هذه العوامل إلى طبيعة الإنسان وما يعتريه من خير وشر، وجمال وقبح، وإلى أفكار ورؤى، وبمجمل المآسي والأحلام، والحياة بواقعها ووهمها وميولها وطموحاتها هذه جميعاً تشكل بنية النص الأساسية وهو الخطاب الذي صيغ بأسلوب المسرح والفعل العام. والنص المسرحي لايحده زمان ومكان بل هو في دينامية تربط ما بين الماضي والحاضر وتمتد نحو المستقبل، والخلاصة التي يرتهن إليها النص في النهاية هو عمل الممثل وجهده الذي يبذله على الخشبة، ويحقق اتصاله مع المتفرج، سواء بالكلام أو بدونه " هناك نوع من الاتصال يتم بين، اثنين دون استخدام الكلام ويتطلب الاتصال الاسترخاء التام ومن ثم شعور الممثل بالمعنى العام لمشاعره فلابد ان يشعر بما يحاول ارساله الى الآخر وان الاتصال أشبه بالتأثير المغناطيسي"(3). فمنذ البواكير الأولى للدراما، بدءاً من المسرح الإغريقي وحتى المسرح المعاصر، وقد التصق بالمسرح عنصر المشاهدة وهي الخاصية التي تحقق المتعة. فالمسرح يعكس الحياة بشكل عام، ويصيغ علاقته بالمتفرج على أنها انعكاس لشعوره السايكولوجي، ومن ثم فالممثل وحركته على الخشبة تحقق العلاقة التي يبحث عنها المتفرج، فالدراما والمسرح هما وسيلتا تعبير واتصال بالجماهير ذلك أنهما يخلقان حالات المشاعر الإنسانية ويشركان الجماهير في مشاهدة هذه المشاعر التي تسود بينهم والدراما بغض النظر عن كونها تقدم للمتفرجين نماذج حية من الحالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الكثيرة، والصور والحكايا، إلا أنها تهتم بشكل أكيد في ربط المشاعر الإنسانية والوجدانية بين الممثلين والمتفرجين على حد سواء، أو بين المتفرجين فيما بينهم، وهي القدرة الخلاقة لتوسيع مجال التجارب في الحياة من أجل الزيادة لممارسة انفعالات تعمق تجاربهم لتطورها وتقدمها، فالمسرح معني بهذه المهمة وإلا ما معنى وجوده، هل هو اللاجدوى واللامعنى، أم أن وراء ذلك أهمية قصوى تدعو المتفرج لمعرفتها لتعميق تجاربه ودوره في الحياة ؟ " من جهة أخرى يعتبر المتفرج منتجاً أيضاً، إذ به – وبه وحده – يتم المعنى، ذلك المعنى هو الذي يصنعه. وذلك بمفرده. أما الآخرون فيقدمون عروضاً للمعنى، أما المتفرج وحده وبطريقة حاسمة أكثر من القارئ؛ فتقع عليه مهمة أن يغلق الحدث"(4). وبهذا يكون وجود المتفرج في الصالة ليس وجوداً سلبياً يتلقى الرسائل دون انفعال أو تفاعل، بل بالعكس أنه يقوم على إثراء الممثل بانفعالاته وردود أفعاله، فعلاقة الممثل بالمتفرج علاقة تبادل (مرسل) و(مستقبل) من دون أن يتخلل هذه العلاقة أي نوع من السلبية، قد تكون العلاقة في حدود هذا المفهوم اجتماعية نقدية، على أن الممثل لايعمل دون متفرج، والمتفرج لايأتي الا من أجل الممثل، فهذا التجاوب بينهما تجاوب مثمر لا يتم بوجود أحدهما دون الآخر، فكل منهما يكمل الآخر." ولهذا يسعى الممثل جاهداً للتوصل إلى أسلوب في الأداء يحمل مثل النص المكتوب إمكانات دلالية متعددة أي يحتمل التفسير بطرق مختلفة. وفي هذا الأسلوب يوحى المؤدى بتفسيره للمشهد والأحداث دون تقييد أو إلزام تاركاً للمتفرج مساحة واسعة للتفسير والتخمين والإكمال"(5). فالمتفرج في كل الأحوال يبحث عن المسرح الجيد والهادف وهذا مبني على طبيعة الوعي والثقافة لديه. وعندما يتدهور المسرح ويصل إلى حال بحيث لايرتقي إلى الثقافة السائدة، وله أهداف متدنية يغادره المتفرج للبحث عن أشكال أخرى من الفن تتكافأ مع تطلعاته وتجاري همومه ومستوى إدراكه ووعيه. "طوّرت الأنواع الدرامية من قدرات وطاقات الممثلين الإنجليز وعرضتهم لدراسات في علم النفس وعلم الشخصية. وهو ماعكس – بفنونهم التمثيلية – على ترقية أحاسيس وفكر الجماهير المتأثرة وجدانياً وعقلياً بالمسرحيات والعروض"(6). فالشخصية التي يجسدها الممثل هي ليست غريبة عن المتفرج ولا مستقلة عنه، وإنما هي تشبهه إلى حد ما، أوتتناول حالة من حالاته، أو وجه من وجوه الحياة المتعددة. فالمؤلف المسرحي يحدد صفات الشخصية وعلى الممثل أن يجسدها ويقوم في خلقها على خشبة المسرح، وبهذا تستند عملية خلق الشخصية إلى الممثل والمتفرج معاً، ذلك أن الممثل قد استمدها من الواقع وتعرف على خصائصها وملامحها وهي تشبه إلى حد ما المتفرج ذاته الذي جاء ليشاهدها، وهو في الحقيقة جاء ليشاهد نفسه في ( مرآة ) المسرح. المتفرج على معرفة وطيدة بأداء الممثل على مستوى الجودة والتأثير من خلال الدور الذي يؤديه أو تأثيرات الصورة بشكل عام. والمسرح هو جوهر الحقيقة أثراً وتأثيراً. والمسرح يخرج من مألوفيته، إلى التجديد، وهو حقل (التجريب)، الذي يخرج على المحددات، وصولاً إلى منابع لم تعرف بعد. لا ينغلق العرض بدلالاته وشفراته أمام المتفرج بل على العكس يمنحه حرية الاكتشاف والتواصل، حتى يستوعب ما تمت قراءته بصرياً بشكل فردي للعرض المسرحي. فتصبح كل العناصر السينوغرافية وغيرها التي اعتمدها العرض مع الممثل معطاة بفعل اشتغالها المتنوع والتي أنتجت معه لغة بكل معانيها التي تدفقت من خلال صور تثبت في الذاكرة وتتلاشى وفي نفادٍ، عبر زمن محدد يمر إلى غير رجعة. " إن أهم أنواع التربية بالنسبة للمتفرج هي الذاكرة. وتعمل كل إشارات العرض المسرحي على الذاكرة، حيث إن المسرح هو فن الحركة. ويستند كلية على تغييرالحركات ويعني الأحساس بالمشهد إتمام العمل المزدوج لترسيخ العلامات في الذاكرة والأنتباه إلى تغييرها"(7). وتبقى على مر العصور، إن النصوص العظيمة تؤسس عروضاً لم تغب عن الذاكرة عبر أجيال وأجيال. لذا فالأعمال من هذا النوع المؤثر، وفرت لها فرصة البقاء والخلود عبر سنوات طويلة، فسوفوكليس وشكسبير وأبسن وتشيخوف وغيرهم مازالت أعمالهم مؤثرة فينا رغم البعد الزمني بيننا، فخلود الأعمال المسرحية إنما خلودها في نفوسنا نحن وإلى زمن آخر لانعرف حدوده. إن المتفرج في المسرح يحفز تفكيره، لكي يدرك معانى العرض وأهدافه إدراكاً فكرياً، ويشحد طاقة خياله لرؤية ما يوحي به العرض من أبعاد نفسية وجمالية التي شاءت أن تجعله يغيب عن نفسه حيناً من الزمن، هو زمن العرض "ومعنى هذا أن ثمة فعلاً منعكساً جمالياً يتمثل في استجابة الذات للموضوع الجمالي بإيقاف مجرى تفكيرها العادي، والكف عن مواصلة نشاطها الإرادي، من أجل الاستغراق في حالة من المشاهدة أو التأمل التي تكون مفاجأة لها. (...) إن للسلوك الجمالي قدرة انتزاعية هائلة، لأن من شأنه أن يستبعد من مجال إدراكنا كل ما عدا الأثر الفني أو الموضوع الجمالي"(8). فعملية الامتثال للعرض من قبل (المتفرج) وتحقيق فعل المشاهدة لا يتم إلا بوجود الطرفين الممثل والمتفرج حتى تتم شروط اللعبة المسرحية، ويتحقق تأثيرها في نفوسهم. وإن غاب هذا التأثير تختل اللعبة وشروطها ويصبح أمر المشاهدة لا جدوى منه. لابد للمسرح أن يحقق الاستجابة والتأثير، وإلا أن يكون شيئاً آخر غير المسرح. حيث أن مضمار نشاط المسرح هو الفكر متحققاً في صورة ومن المعروف أن نظريات المسرح كثيرة، فمتى ما استقر على نظرية تأتي الأخرى وتفندها .. وهكذا، إن حقل المسرح، حقل معرفي لا يعرف الثبات والاستقرار. وعالم المسرح الحضاري والثقافي مشحون دوماً في الرؤى والصور والتطلع إلى مفاهيم جديدة تغاير وجهة المسرح التقليدية على الدوام. إن فعل المشاهدة هو الفعل المكمل والظروري في المسرح، وبدونه لا تتم عملية المسرحة، بأي شكل من الاشكال. لهذا فالمتلقي في المسرح يعادل وجوده العرض بكامله، أو أن المتفرج والممثل يتساويان من حيث التواجد في المسرح دون شك، فمن شأن المتفرج أن يقول وهو يتابع عرضاً مسرحياً ما "إن تتبعي للمسرحية ليس من شأنه أن ينسيني موقفي من العمل الفني بوصفي مجرد متفرج، ولكن من المؤكد أن تذوقي للمسرحية إنما يعني أنني على علاقة حية بشخصياتها"(9). فقدرة العرض تؤدي إلى فعل الغواية والسحر التي تقود المتفرج إلى حيث العوالم المبهرة التي تصنعها السينوغرافيا في العرض بشكل جلي بدلالاتها وأهدافها التي تبرز هوية المسرح، والذي ينحو إلى الاختزال والتشفير. لكنه لا يمثل الحقيقة بل هو مرآتها أو معالجة أخرى لها. والمسرح من أكثر الفنون ديموقراطية، وذلك لأن المسرح له القدرة على تغيير كل ماهو سائد ومألوف، ويحتوي على طابع الجماد. فالمسرح الحقيقي يدعو بشكل دائم على ممارسة الحرية في التصدي لأشكال السلطة، وممارساتها، حتى ولو بالترميز والدلالات المشفرة. لأن المتفرج يحمل حساسيته الرؤيوية إلى المسرح، وهو معارض في معظم الأحيان سكونية الخطابات السائدة التي تأخذ به إلى رصد مفاهيم جديدة للتجريب المسرحي وصولاً إلى اللامألوف ذلك من أجل توسيع طاقاته التخيلية، ويصل به طموحه إلى خلق فضاء تخيلي وجمالي لطرح قيم فكرية وجمالية وإنسانية في آن. ولكن يبقى التأكيد المسرحي على الجوانب العقلانية والثقافية " اذا كنا نريد لفكرنا ان يبلغ الصالة لتوصيل الفكرة، ولكي يدرك المتفرج المضمون، يجب علينا أن نطور وسائلنا في التعبير، وان نجعلها اكثر مضاء ومرونة وقدرة على توصيل ذلك الفكر. يمكننا ان نضع نصب أعيننا اهدافاً فكرية كبيرة، وان نبذل كل ما في وسعنا من أجل ان يشمل عملنا فكرة عظيمة."(10) فتأثير المسرح يكمن في أنه يتناول الحقيقة بطريقة ممسرحة، ويبقى المتفرج هو الوجود الضروري للعرض، لأنه يغني بدوره عملية المسرحة وذلك من خلال تحفيز عالمه الباطني كثقافة ومعرفة سواء كانت مباشرة وغير مباشرة. وله الحق في التمتع والتفاعل مع المنجز المسرحي (العرض)، ويجاهر في الدفاع عن هذا الحق إذا اقتضت الضرورة لكي يصبح مشاركاً فيه ولا يجوز مطلقاً الاستغناء عنه. ويبقى العمل الفني، " في أحد تعريفاته مجموع قراءاته المختلفة على مدى العصور. والعمل الفني الخالد هو ذلك الذي يسمح بأكبر عدد من القراءات المختلفة التي تتم داخل أطر... مرجعية مختلفة"(11). فالمخرج يقدم عرضه المسرحي إلى مجموعة من المتفرجين، وليس إلى الفراغ. وهو يريد أن يشركه بالعرض اشراكاً حقيقياً، ليحقق بذلك دوره الإيجابي والفعال. فضلاً عن الانفتاح الاستئنافي المطلق الذي تصل إليه دعوة المخرج إلى المتلقي، وما ينطوي عليه فعل المشاهدة من إشاعة روح التواصل، والتوغل في أعماق الحالة الدرامية المعروضة. فالمعرفة بدأت بالعين، ومن خلال المشاهدة المباشرة، والمعرفة العينية التي استمدت تفاعلها من خلال الحركة والضوء، ورؤية العرض بشكل أفضل. فالممثل من خلال فعل التقمص، وهو الفعل الأول في الحراك الدرامي، يريد أن يحقق التأثير المستمر في المتلقي. لهذا فان نظرية المسرح المعاصرة، تهتم بالمتفرج والمتلقي كعنصر فعال في العملية المسرحية الإبداعية كلها. إن المتفرج يرتبط بالممثل بردود الأفعال، من حيث الانفعال والصدمة والادهاش. ولقد عني (أرسطو) عناية خاصة بالاثر الذي يتركه الفن في نفوس المتفرجين، ولاسيما الفن المسرحي، "وعلى هذا، فإن الادهاش المتولد، يكون أعظم مما لو وقعت هذه الأحداث من تلقاء ذاتها، أو بالمصادفة وحتى الأحداث التي تقع اتفاقاً، أو بالمصادفة، تبدو أكثر ادهاشاً عندما تتم وكأنها وقعت عن سابق تخطيط"(12). فليس المفهوم الجمالي هو ما يحققه العرض فحسب، وإنما المفهوم القيمي على المستوى الفكري والنفسي، هو ما يدفع إلى مسالك التغيير والفعل. "فكلمة ( مسرح ) يقصد بها هنا أنها ترجع إلى مركّب ظاهرة تشارك في تعامل المؤدي – المشاهدين : أي في إنتاج المعنى وإيصاله من خلال العرض نفسه والأنساق التي تشكل أساساً له"(13). فالعرض المسرحي لا يتحقق وجوده إلا من خلال تأثيره في نفوس المتفرجين عن طريق الاستقبال والاستجابة محققاً بذلك المتعة التي تربط الطرفين (الممثل + المتفرج) معاً . وهو ضرورة جماهيرية، وحضارية. يمكن أن نستدل من هذا أن رقي بعض الشعوب كان نتيجة وجود (المسرح) كمؤسسة ثقافية واجتماعية تستقطب الجميع. "إن وجود المسرح الغني بتقنياته، والطموح بتطلعاته، والذي يجسد الفكر الإنساني، يعني تحديداً أن هناك شعباً حياً باحثاً عن الجمال والأفق والشمس"(14). الممثل على المسرح يؤكد حضوره من خلال الصورة التي تدعو المتفرج إلى التواطؤ أو الارتباط معها من خلال إشاراتها وإيماءاتها وحواراتها وحركتها التي تعم الفضاء وإلى غير ذلك من ارتباط على أن يجعله هذا الارتباط صامتاً في حدود زمن العرض سوى الحركة الداخلية التي يثيرها العرض فيه، وللمتفرج الحق في أن يعرب عن اعجابه سواء كان في الممثل أو بحركة العناصر إضاءة وديكور وملابس وموسيقى، بالتصفيق والحماس في مجرى المشاهد أو في نهاية العرض المسرحي. "المسرح قرين للحياة وأنه لابد ان يهز المشاهد داخلياً ويشعره بقسوة الوجود على روحه وانعكاس تلك القسوة على جسده"(15). وفي حديث (آرتو) مع (جان لوي بارو) عام 1935، حيث يقول: "إن التراجيديا فوق خشبة المسرح ليست كافية بالنسبة لي، لانني سوف انقل تلك التراجيديا الى حياتي الخاصة"(16). وآرتو هو من يمقت فكرة أن المسرح مبعث المتعة والبهجة ويؤمن إيماناً راسخاً بأن للمسرح القدرة على تغيير المجتمع ويؤمن بقوته الثورية ويمكن أن يكون منبراً تحريضياً ضد الظلم وضد السلطة الاستبدادية. فالمسرح كالطاعون لأنه ينتقل كالعدوى على حد تعبيره، بل بما هو رؤيا ومقدرة على "التغيير الجذري في المجتمع وبالتالي منح الوجود البشري كله ثراء أكبر وميزة أسمى"(17). إن الفرجة المسرحية الذي يتقابل فيها المتفرج مع العرض، وتستطيع أن تعدل من طبيعة العرض وتفعيله، فالمخرج المسرحي يعرف مستوى الجمهور الجالس في الصالة والذي سوف يشاهد عرضه المسرحي، وعليه فالمتفرج لابد أن ينبثق منه فهم العرض وتأويله واستشفاف معانيه، كي تتم عملية التواصل بشكل جيد (مرسل – مستقبل) وإلا سوف تنهار عملية التواصل ويفقد العرض غايته وهدفه وجدواه. فالمسرح كما هو معروف عمله يستند إلى المجموعة، كاتب ومخرج وممثل وفنيين ومصممين وحرفيين إلى غير ذلك، وكل هؤلاء ينصب عملهم وخلاصته من أجل وجود المتفرج، ولا يمكن أن يكون هناك مسرح بدون متفرج. لقد وجد المسرح لكي يُشاهد وقد أُزُيل الجدار الرابع لكي يتحقق فعل المشاهدة، بوجود الممثل على الخشبة والمتفرج في الصالة أو في أي مكان آخر، فالمتفرح يمثل التجاوب الجماعي الذي ترتكز عليه خاصية ومفهوم المسرح عن غيره من الفنون الأخرى، وهو حالات الشعور السمعي والبصري أمام العرض المسرحي. وبهذا نجد أن المتفرج يمثل بتعبير مجازي حواس العرض وحكمه الصادر من شعوره، برفضه أم برضاه، لكل ما قدم لأجله. فللمتفرج طرقه وإمكانياته في فهم العرض، حيث يقوم باستحضار الصور التي مرت من أمامه وتلاشت عبر الزمن باسترجاعها وربطها فيما بينها، أي أنه يقوم بمونتاج خاص كي يعيد ماشاهده مراراً وتكراراً من أجل أن يفهم بشكل أكيد العرض بكامله واتخاذ موقفاً منه. ويبقى ضمن كل العروض التي ينتجها المسرح موقف المتفرج الذي لا غنى عنه، ويبقى العرض كلاً متصلاً يضم إلى جعبته فنونً أخرى، وإلى غايات وأهداف يكون أسماها حضور المتفرج. الخطاب المسرحي الدرامي يحمل في أثنائه سمة التأثر والتأثير، فالمتفرج هو المتأثر والعرض هو المؤثر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1) ميليت، فرد ب، و بنتلي، جيرالد ايدس: فن المسرحية، مصدر سابق، ص53.
(2) اننجييف، فاسيل: فن البانتوميم التمثيل الصامت،تر/ د. محمد عبد الرحمن الجبوري، ط 1، مكتب الفتح، بغداد، 2009، ص13.
(3) يوسف، عقيل مهدي، نظرات في فن التمثيل، مصدر سابق، ص81.
(4) سفيلد، آن أوبر، مدرسة المتفرج، مصدر سابق، ص331.
(5) هلتون، جوليان، نظرية العرض المسرحي، مصدر سابق، ص224.
(6) عيد، كمال، سينوغرافيا المسرح عبر العصور، مصدر سابق، ص86.
(7) سفيلد، آن أوبر، مدرسة المتفرج، مصدر سابق، ص347.
(8) إبراهيم، زكريا: مشكلة الفن، دار مصر للطباعة، القاهرة، 1976، ص219.
(9) إبراهيم، زكريا: مشكلة الفن، مصدر سابق، ص227.
(10) مايرخولد، فسيفولود، في الفن المسرحي، مصدر سابق، ص158.
(11) صليحة، نهاد: المسرح بين الفن والفكر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، القاهرة، 1986، ص110.
(12) أرسطو: فن الشعر، مصدر سابق، ص116.
(13) إيلام، كير: سيمياء المسرح والدراما، مصدر سابق، ص7.
(14) يونس، محمد عبد الرحمن: المسرح المعاصر والجمهور، مجلة الحياة المسرحية ، وزارة الثقافة والارشاد القومي، ع 37، ص21.
(15) آيسلن، مارتن: أنتونان آرتو الرجل وأعماله، تر/ سعيد أحمد الحكيم، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2001، ص5.
(16) آيسلن، مارتن: أنتونان آرتو الرجل وأعماله، المصدر نفسه، ص18.
(17) آيسلن، مارتن، أنتونان آرتو الرجل وأعماله، المصدر نفسه، ص145.



#جواد_الحسب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الممثل والعناصر السينوغرافية: ( العلاقة الثانية )
- علاقة الممثل بعناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي
- الممثل والممثل الآخر: ( العلاقة الأولى ).
- ديناميكية جسد الممثل في العرض المسرحي .
- السيرة الذاتية للكاتب والمخرج المسرحي جواد الحسب
- مسرح سامي عبد الحميد الانتقائي والتجريبي
- شذرات من أعمال جواد الأسدي في المسرح
- طقوس سامي عبد الحميد في مكبث (**)
- تجليات مسرح الصورة عند القصب


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد الحسب - الممثل والمتفرج: ( العلاقة الثالثة )