الممثل والممثل الآخر: ( العلاقة الأولى ).

جواد الحسب

الحوار المتمدن-العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 22:03
المحور: الادب والفن
    

تقترن علاقة الممثل بالممثل الآخر في العرض المسرحي، من خلال دائرة العلاقات التي تكون الشخصيات محكومة بها، وتعمل على أساسها، وتفصح هذه العلاقة عن الحالة من خلال الحوار أو من خلال إيماءة تصدر من وجه الممثل أو نظرات العيون مع الممثل الآخر. ويمكن أن تدل حركات الأيادي ونظرات العيون عن الكثير الذي لاتستطيع أن تفصح عنه الكلمات. فالمسرح ليس مجرد حوارات طويلة وإنما أن تكون للممثل القدرة في استعمال طريقة معينة تحبب ما يقوله من حوار، مرهون بالدلالة البصرية التي تكشف عن طبيعة العلاقات.
(المتفرج) يدرك حالة الممثل وطبيعة عمله، ومن ثم علاقته بالممثلين الآخرين الذين يشاركونه في العرض المسرحي. فالممثل يقيم علاقة اتصالية متبادلة مع ممثل واحد أو أكثر سواء كانت هذه العلاقة تنطوي على مواقف سلبية أو إيجابية، فإن الذي يجعل المسرح أن يكون مسرحاً هي الطريقة التي ينطق بها الممثل حواراته من ناحية ومن ناحية أخرى الدلالة البصرية التي تنطوي عليها.
والممثل لابد أن يشعر بالمسؤولية عندما يكون أمام شريكه الممثل الآخرعلى الخشبة وكذلك أمام نفسه، ذلك أن الممثل هو الشخص المعني بخلق الدور. وهنا تكمن الصعوبة حيث يبلغ الصدق غايته، عملاً بالقاعدة التي تقول: إن الفرد للجماعة. لهذا فالممثل من خلال تجربته الطويلة يسعى دائماً إلى معرفة الآخرين معرفة حقيقية، حتى يبلغ في تعامله معهم غاية الصدق. ولابد أن يدرك مكمن الحياة الداخلية التي تحفزة على خلق الدور من خلال ذاكرته الانفعالية وتراكم تجاربه الفنية." إن الحياة الحقيقية على خشبة المسرح تتولد من خلال التعاون الفني المتبادل بين الممثلين"( ). المسرح يعتمد على مبدأ التكاتف الجماعي والإبداع المشترك، فالممثل يبرز إبداعه من خلال المجموع. إن علاقة الممثلين بالعناصر السينوغرافية تقوم بتوليد الدلالات، والممثل من خلال حركاته وإيماءاته وصوته يتولد المعنى، كل حركة تصدر من الممثل لها غاية وهدف. الممثل في عملية التجسيد يقوم بمهمة صعبة وعصية في بعض الأحيان، فالأداة التي يعتمد عليها هي جسده وصوته. والقدرة التي يتحلى بها هي تقمصه الداخلي والخارجي كما يعبر عنها ستانسلافسكي بأنها مهمة الممثل منذ البداية " ويرى أن بلوغ التقمص الروحي والخارجي الكامل على خشبة المسرح هدف صعب المنال مثلما هو صعب المنال كل مثل أعلى إلا أنه يعتبر السعى الحثيث إليه هو الذي يفتح أمام الموهبة آفاقاً جديدة ومجالا حرا للإبداع، ومعينا لا ينضب للعمل وقوة الملاحظة ودراسة الناس والحياة، وبالتالي إلى التهذيب والكمال الذاتى.( ). فموهبة الممثل تأهله أن يلعب أدواراً متعددة وإلا سيصبح نمطياً بحيث يجسد شخصية واحدة في كل مسرحية، وهذا النوع من الممثلين موجود، وهو ليس مبدعاً وإنما يريد أن يجد الدور على مقاساته فهو بهذا يناقض فكرة أن الممثل خلق ليلعب الأدوار وإنما الأدوار خلقت من أجله. نجد في بعض العروض أن هناك ممثلاً يؤثر سلباً على شريكه الممثل الآخر، من خلال التمثيل الرديء مما يجعل الممثل الآخر يدخل في رداءته حتى وإن كان هذا الأخير ممثلاً قديراً، فالأداء الرديء يهبط من عمل الممثلين جميعاً إلى مستوى بما يطلق عليه موت الممثل، وأما التمثيل الجيد فهو يرفع المستوى بحيث يصبح حياة، أي الحياة في الدور. "إن الممثل الذي لايقدم دوره بأسلوب العرض ولا يتكلف في الأداء، والذي يقوم بفعل أصيل ومثمر وهادف، بل ومستمر أيضاً، الممثل الذي لا يتصل على الخشبة بالمتفرج بل بشريكه في المشهد، هذا الممثل هو الذي يحافظ على نفسه في مجال المسرحية والدور ويخلق جوا نابضا بالحياة والصدق الإيمان"( ).
الممثل هو فعل المسرحية والتعبير الجمالي ونقل الاحساس إلى الآخرين. سواء عن طريق الكلمة أو عن طريق الحركة والإيماءة والإشارة. فالممثل يقرأ الشخصية الدرامية قراءة بعمق ليستشف منها التعبير سواء بالكلمة أو بالحركة، فالحركة اذن عنصر اساس لوجودنا وهي اهم من الكلمة واكثر منها تأثيراً وفعالية وان عيني المشاهد اكثر حساسية واسرع التقاطاً لما تراه، والممثل يدرك طبيعة إبداعه ودلالاته في التعبيرعن الشخصية على خشبة المسرح ويساعده المخرج في ذلك. كذلك يدرك الشخصيات الأخرى التي تشاركه الفعل والتجسيد، وحين يتحاور معها في كل مرة على عدد مرات العرض يشعر المتفرج كأنه يتحاور معها أو يتعامل معها لأول مرة ، فالممثل لايكتمل إبداعه إلا من خلال إبداع الآخرين، وبمجرد أن يفكر بأن يريد أن يبرز من خلالهم، لن يصل بتفكيره هذا إلى ما يريد، فالمسرح إبداع جماعي، يسهم الكل من أجل العرض المسرحي. فالنص المسرحي الذي يستنبط الممثل سمات الشخصية ومجمل أفعالها، يتحقق وجود هذا النص من خلال الشروع به إلى العرض. فحركة الممثل الجسمانية مع ما يأخذه من حركات الآخرين يحقق به حركة الشخصية المجسدة ، أي يستطيع الممثل أن يصنع حركة خاصة بالشخصية وهذا هو جل إبداعه، فبحث الممثل الدؤوب بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة في كل ما يصادفه من أناس ويصبح لديه رصيد يستثمره في أدائه على الخشبة، وهكذا يفعل معظم الممثلين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1) البدوية، صلاح الدين: الممثل في الفرقة المسرحية، مصدر سابق، ص50.
(2) ستانسلافسكي، كونستانتين: إعداد الممثل، مصدر سابق، ص6.
(3) ستانسلافسكي، كونستانتين: إعداد الممثل، مصدر سابق، ص264.

#جواد_الحسب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات