أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - كاظم المقدادي - في اليوم العالمي للصحة النفسية:الصحة النفسية للطفولة العراقية بين الواقع والمتطلبات















المزيد.....



في اليوم العالمي للصحة النفسية:الصحة النفسية للطفولة العراقية بين الواقع والمتطلبات


كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)


الحوار المتمدن-العدد: 982 - 2004 / 10 / 10 - 10:19
المحور: الطب , والعلوم
    


العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام هو اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي تقرر ان يكون شعاره لهذا العام "العلاقة بين الصحة الجسدية والصحة النفسية"، تعبيراً عن الاهتمام العالمي ‏بمشاكل الصحة النفسية وبالعلاقة العضوية بين الصحة الجسدية والصحة النفسية، لتسليط الضوء على الامراض الجسدية ‏‏الخطيرة المصاحبة للمشاكل النفسية والعاطفية والسلوكية المصاحبة لها، والتى غالبا ما يتم ‏ ‏تجاهلها او التقليل من اهميتها. ويهدف الى الإهتمام بزيادة الوعي بالاضطرابات النفسية ودورها في ‏ ‏تقدم العلاج، وفي خطط الوقاية من امراض العصر الرئيسة، وفي مقدمتها أمراض اوعية القلب الدموية، والسكري، ‏والسرطان، ونقص المناعة المكتسب (الايدز)، وغيرها.
نغتنم هذه المناسبة لنلفت الإنتباه الى مشاكل الصحة النفسية عموماً والصحة النفسية للطفولة العراقية خصوصاً،اَملين ان تجري دراستها، والعمل على معالجتها جدياً وعاجلا، والسعي الى تصفية عواملها تدريجياً.

تركة ثقيلة وخطيرة
ورثت الطفولة العراقية، شأنها شأن بقية شرائح المجتمع العراقي الضعيفة، تركة ثقيلة ورهيبة، خلفها نظام البعث العراقي المقبور، يتوقع المختصون ان تمتد تداعياتها الخطيرة لسنوات طويلة، وكانت حصيلة حتمية لنهج الإضطهاد والإرهاب والقمع الدموي، ولسياسات الطاغية الهوجاء، ولحروبه العبثية، الداخلية منها والخارجية، التي لم تثمر للبلد سوى الدمار والخراب، ولمواطنيه غير الفقر، والبؤس، والحرمان، والمرض، والموت، ولمن بقي حياً من براعم حاضر الشعب ومستقبله التشرد، والضياع، وكم هائل من الإضطرابات والأمراض النفسية والعقلية.
كان من أبرز "بركات" النظام البائد هو إنتاجه لأزمات خانقة متواصلة، وفي مقدمتها الأزمات الإقتصادية-الإجتماعية،التي طالت إنعكاساتها عموم شرائح المجتمع العراقي، وشكلت الضغوط النفسية من بينها هماً يومياً- بإعتراف المصادر الرسمية، حيث إزدادت من 24.8 % قبل عام 1989 الى 62 % في عام 2002. وأكدت تقارير دولية، نشرت عشية سقوط نظام صدام حسين، وجود 5 ملايين و 300 ألف طفلاً يتيماً، وقرابة 900 ألف من ذوي الإحتياجات الخاصة، من المعاقين جسدياً وعقلياً، وأكثر من مليون ونصف المليون أرملة، عدا مئات الآلاف من المطلقات. وكانت أغلب تلك النساء يقمن بإعالة فلذات أكبادهن، الذين شكلوا نحو 7 ملايين طفلاً، وجميع هؤلاء يعيشون بمستوي مادي جد مترد ودون الحد الأدني للمستوي المعيشي. ولم تتوفر لتلك الأسر موارد مالية منتظمة، ولا برامج محددة وثابتة لإعانتها ورفع مستواها المعيشي. حيال هذا إضطرت وزارة العمل والشؤون الإجتماعية في الحكومة العراقية المؤقتة الى إدراج نحو 300 ألف عائلة محتاجة جداً للحصول علي اعانات من الدولة، في ميزانيتها للعام 2003/2004..

أما حروب الطغمة الحاكمة، فقد خلفت تأثيرات خطيرة على حياة الأطفال، وصحتهم، ونفسيتهم، وسلوكيتهم. ذلك لأن التعرض، خاصة طويل الأمد، للصدمات والقلق والضغط من جراء الحرب، يترك بصماته على البناء النفسي، وأحياناً الجسدي، للطفل.فالحرب- بحسب د. فيوليت داغر- لا تهدف فحسب بتشويه الجسد، وإنما الطاقات العقلية والنفسية للآخر.ومصادر النظام السابق نفسها كشفت، في مطلع عام 1995، فقدان 12.9 % من مجموع الاطفال العراقيين لآبائهم، و9.3 % لامهاتهم، و 36.5 % لافراد من عوائلهم. وقد أزدادت هذه المؤشرات كثيراً عقب الحرب الأخيرة في عام 2003.
وكان تقرير، أعده فريق من الخبراء الحقوقيين وإختصاصيي الصحة العامة من جامعة هارفارد، صدر في تشرين الأول/ اكتوبر 1991، أي بعد 7 أشهر على إنتهاء حرب الخليج الثانية، كشف بان الأطفال العراقيين يشبهون الناجين من قنبلة هيروشيما، ويتصفون بالخمول ويفتقرون الى الإحساس.وقد علق البرفسور الدكتور ماغن راوندالن- مدير برنامج بحوث الأطفال في مركز علم نفس الأزمات التابع لجامعة بيرغن بالنرويج:إن الأطفال يشبهون "الأموات الأحياء"، وإنهم " فقدوا مشاعرهم كافة، وهم لا يتمتعون بحياتهم.وإستناداً الى مجموعة من علماء نفس الطفل، ولهم خبرة عقد من الزمن في حروب أوغندا وموزمبيق والسودان، فأن الأطفال العراقيين هم " الأكثر معاناة بين أطفال الحروب، الذين تم وصفهم".وقد ظهر على ثلاثة أرباع الأطفال، الذين قابلهم أعضاء الفريق، علامات اليأس، وعبر 4 من كل 5 أطفال، عن الخوف من فقدان عوائلهم، ولم يكن ثلثا الأطفال يستطيعون النوم أو التركيز على نحو صحيح، وعبروا عن الشك في بقائهم على قيد الحياة الى سن البلوغ.وعلق علماء النفس اَنذاك بأن "هذه معدلات عالية جداً حتى في منطقة صراع"، مستنتجين بان أغلبية أطفال العراق سيعانون مشكلات نفسية شديدة في حياتهم، وطالبوا ببذل جهود وطنية ودولية واسعة لمساعدة العدد الكبير من الأطفال المصابين بالصدمة.وعلق التقرير على هذا الجيل المنكود من الأطفال العراقيين:" إن الصدمة والفقد والأسى وغياب الآمال ومشاعر التهديد هنا، وإن ما حدث سيتكرر، وتأثير العقوبات الإقتصادية يجعلنا نتساءل:أليس هؤلاء الأطفال الأكثر معاناة في العالم؟"
Public Health in Iraq after Gulf War, Harvard Study Team Repor,May 1992))

الى هذا أكد الدكتور ماجد الياسري-أستاذ الأمراض النفسية في العراق- ان نسبة المواطنين في العراق، الذين طالتهم الأمراض النفسية والعقلية بعد حرب الخليج الثانية، قد إرتفعت بشكل كبير، وكان يعاني نحو 50 % من العراقيين من إغتراب، وقلق، وتوتر، وفقدان الذاكرة، وهيستيريا، وبارانويا، وغيرها ("بغداد"، 4/10/1996).وذات الحقيقة أكدها مختصون اَخرون، وأكدت مجلة " ألف باء"، في العدد 1451، إنتشار الأمراض النفسية والعقلية، وقالت:"إنها أمراض تتكرر أمامنا بشكل متزايد، ففي الشوارع نرى كثيراً ممن أصيبوا بلوثة في عقولهم، وتصرفات كثيرة غريبة لا تدل إلا على الإنهيار النفسي والأمراض العصبية". وأشار تقرير للصليب الأحمر الدولي الى أن أعداد الناس الذي يبحثون عن العلاج من الأمراض النفسية والعقلية في العراق قفز من 200 ألف في عام 1990 إلى 510 آلاف عام 1998. ونقلت "الف باء" عن أخصائي الأمراض النفسية الدكتور أحمد شاكر العاني قوله: لم يواجه مجتمعنا من قبل الأمراض النفسية بهذه الكثرة وهذا الإنتشار، وتكاد تكون أمراض الإنفصام، والإكتاَب، والقلق، أهم الأمراض المنتشرة.. وحتى الزيادة في جنوح الأحداث، التي بلغت 217 % لعام 1998 قياساً لعام 1990- طبقاً لاَخر أرقام رسمية أعلنت اَنذاك. وقال طبيب أخصائي بالأمراض النفسية في مستشفى اليرموك،أحجم عن ذكر إسمه: لمسنا من خلال عملنا بالمستشفى محاولات إنتحار كثيرة بسبب تردي الأوضاع العامة..

وكانت محنة الأطفال الصغار صارخة. فقد أفادت السيدة سناء فرنسيس- مديرة مشروع الرعاية النفسية للأطفال اَنذاك، بان الغالبية العظمى من الأطفال العراقيين يعانون من مشكلات نفسية كبيرة وخطيرة، مما أثر سلباً على إستيعابهم لدروسهم، وبالتالي على مستواهم الدراسي ("ألف باء"،العدد 1451). وقبل ذلك نبه الباحث جيف سيمونز الى إرتفاع حالات السلوك العدواني وسط التلاميذ من 24 % عام 1989 الى 60 % في عام 1993.
Geof Simons,The Scourging of Iraq: Sanctions, Law and Natural Justice, London, MacMillan Press,Second edition,1998

وقد حذر تقرير لممثل وكالة إنسانية دولية عملت في العراق من إن المستقبل قاتم بالنسبة للأطفال الذين ينمون في ظل العقوبات، فهم يحصلون على تعليم محدود، وفاتتهم ثورة المعلوماتية، فيما يبدأ الكثير منهم العمل اعتبارا من عمر الثانية عشر عامًا.ونبه هآنز فون سبونيك- المنسق السابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنساني- في تقرير له الى ان الوضع القائم في العراق سوف يؤدي إلى ظهور جيل من الشباب أكثر تطرفا وعنفا من أي وضع سابق معروف، فهؤلاء الشباب يشعرون بالمرارة والغضب، ويحسون أن العالم كله قد تخلى عنهم (الأضرار النفسية والسلوكية للحصار على العراق،" الجزيرة نت"، 12/12/2000.

وإقتراناً بتفشي ظواهر الرشوة والفساد والإفساد وبيوت الدعارة،إنتشرت ظاهرة الإدمان على المخدرات، وطالت الشباب وحتى الصبيان.وقد أكد الدكتور هاشم حميد زيني- مدير مستشفى إبن رشد لمعالجة الإدمان، بان ظاهرة المخدرات موجودة منذ زمن النظام السابق، لكن التكتم عليها حال دون معرفة الاخرين بتفشيها، لاسيما في عقد التسعينيات عندما اشتدت قسوة الظرف الاقتصادي على العوائل العراقية، التي وجدت نفسها عاجزة عن تلبية متطلباتها ومتطلبات ابنائها، لذلك انحرف الكثير الى جادة العبث وتعاطي المخدورات. وأكد الباحث الدكتور حيدر عبد الرزاق المتخصص في الدراسات الاجتماعية بان الدراسات العلمية اثبتت بان الفئات التي تتعاطى المخدرات اغلبها من الشباب، وبالتالي فانها ستصبح قوة معطلة وعبئا على الاقتصاد الوطني وعلى المجتمع برمته ("الصباح"، 7/10/2004).وكانت دراسة عراقية أشارت الى إرتفاع نسبة المتعاطين للأقراص المخدرة في أطراف بغداد وعدد من المحافظات الى 11.3 % في عام 1999. وبينت بأن إدمان الأحداث والشباب أدى الى تفاقم جرائم القتل والسرقة والإغتصاب والسطو المسلح والشذوذ الجنسي ("الزمان" ، 19/7/2000).

وقد إفتضح الدور الكبير للنظام البائد في تفشي الظواهر الإجتماعية المرضية، حيث لم يكتف بما أنتجته سياساته الرعناء، ونهجه السلطوي الأهوج، من واقع حياتي تفرد ببشاعته وماَسيه، خيم كابوسه البغيض على صدور مئات اَلاف الأسر العراقية طيلة ثلاثة عقود، متوجاً طغيانه بعملية "عسكرة المجتمع" برمته، خدمة لمشاريع رأس النظام وخططه العدوانية، وحفاظاً على كرسي حكمه وإمتيازاته، بالإعتماد الى مؤسسات القمع والبطش الدموي،التي لم يكف عن تشكيل المزيد منها حتى اَخر يوم من تسلطه، مجنداً فيها إجبارياً حتى الأطفال،الذين دربهم على حمل السلاح، وعلى ممارسة القتل، ومنها: تشكيلات " أشبال صدام"، و "فدائيو صدام" العسكرية، التي غرست وسط الناشئة العنف، والعدوانية، والكراهية، والغطرسة، والتسلط، والهيمنة، والتعالي، والإذلال، والدوس على كرامة الآخرين، ونشرت الخوف والرعب، وعاثت في المجتمع فساداً وإجراماً، حتى أنه لم يسلم من براثنها أسر أعضائها، الذين تجسسوا وراقبوا، وأضطهدوا حتى الوالد والوالدة، خلافاً للأعراف والتقاليد، وتمزيقاً للأواصر الأسرية، وتفتيتاً لمعدن العراقي الأصيل.

بموازاة ذلك، وإقتراناً به، ونتيجة منطقية له، كان يتعاظم في المجتمع العراقي، وأمام أنظار أجهزة النظام ولاأباليتها،إن لم نقل برعايتها وتشجيعها، " جيشاً " اَخراً، لا يقل ضخامة، قوامه أطفال الشوارع، من اليتامى، والمتسربين من المدارس، والمتسولين، و" العمال الضغار"، والمتعاطين للمخدرات والمهدئات والنشوق.وتفاقمت ظاهرة جنوح الأطفال، والسلوكية العدوانية، والعنف بأشكاله، وسطهم، مع تعاظم الجريمة المنظمة في المجتمع، التي كان يديرها محترفون من عصابات النظام السابق وأزلامه والمقربين إليه.

هذا الواقع الإجتماعي أفرز، كنتيجة متوقعة، مشاكل عويصة في الصحة النفسية وسط الطفولة العراقية، تحولت الى معضلة طبية وإجتماعية خطيرة،كانت تتفاقم يوماً بعد اَخر. حيال هذا الواقع أعلن بوليام فينكينفيردر - مساعد وزير الدفاع الامريكي للشؤون الصحية- في 27/7/2003، أن "هناك حاجة كبيرة لخدمات الصحة العقلية في ضوء ما مر به الشعب العراقي من صدمات نفسية وعقلية". وقال: "ان العراق يحتاج بشدة لتحسين خدمات الصحة العقلية لمساعدة العراقيين علي التخلص من الرعب المزمن الذي كانوا يشعرون به في ظل حكم صدام حسين"..

حصاد الحرب والأوضاع الإستثنائية
ضاعفت الحرب الأخيرة واَثارها النفسية المدمرة من مستويات المعضلة النفسية والعقلية،التي كانت سائدة في العراق عشية الحرب، مسببة إزدياد أعداد العراقيين الذين يعانون من حالات الصدمة، والإنهيار، والخوف، والقلق، والإكتئاب الشديد، والضغط النفسي، والكوابيس، والتبول اللاإرادي، وغيرها، أضعاف ما كانت عليه.أكد ذلك أطباء متخصصون ووكالات إغاثة دولية، وحذروا من مغبته، ومن إحتمال أن تمتد آثاره لسنوات طويلة وسط المجتمع. وناشدوا جميع المعنيين بالمشكلة حماية الأطفال في العراق من كل ما يؤثر سلبا عليهم من الناحية النفسية والجسدية، منطلقين من وخامة تداعيات الصدمة والأزمة النفسية، التي يصاب الأطفال بها أثناء الحرب،والتي ستؤثر على نموهم، وتنعكس على شخصيتهم وسلوكيتهم وتدوم لفترات طويلة، ومن نتائجها جنوح الأطفال،والسلوكية العدوانية، والعنف، وإنتشار الجرائم، وما الى ذلك..

ولعل الأدهى، وهو ما زاد الطين بلة، ان الحرب الأمريكية على العراق في عام 2003، والآلة الحربية الرهيبة، التي إستخدمت خلالها، وتميزت بدمارها الهائل وفتكها الرهيب، وبما تركته من مشاهد وذكريات واَثار مأساوية لا تنسى، لم تضع، بعد كل التضحيات والخسائر، حداً نهائياً لماَسي الشعب العراقي ولم تخلصه من دوامة الصدمات والتوترات والخوف والرعب، ولبقية أسباب وعوامل الإضطرابات النفسية والأمراض العقلية، مع أن خيار الحرب خلص العراق من أعتى نظام للرعب والقتل والمقابر الجماعية..

في الواقع أن الحالات المرضية المذكورة تفاقمت أكثر أيام الحرب وبعدها،حتى يومنا هذا، في ظل التخبط المشين للقوات المحتلة، وضعف قوات حفظ الأمن العراقية، وعدم ردع المجرمين.وكل هذا شجع إستمرار العبث بأمن المواطنين، وتصاعد العمليات الإرهابية، وإستشراء العنف وجرائم القتل الجماعي، عبر القصف العشوائي، والتفجيرات، والعمليات الإنتحارية،التي نشرت الخوف والرعب الى جانب الموت، وأصبح ضحيتها الأولى الأطفال والنساء. ولا أدل على ذلك من مجزرة حي العامل التي حصلت ظهر يوم الخميس الموافق 30/9/2004،وراح ضحيتها 34 طفلاً،الى جانب العديد من النساء والمدنيين الأبرياء، وكانت أبلغ شاهد على همجية ووحشية مقترفيها. وإقتراناً بتصاعد عمليات السطو المسلح، والسلب، وخطف الأطفال، ومطالبة ذويهم بفدية يعجزون عن دفعها، فيذبحونهم، بعد أن يروعونهم وذويهم، شهد الدوام في المدارس لهذا العام غياب أكثر من 50 % من مجموع التلاميذ ولم يلتحقوا لليوم، لخوف العوائل على سلامة أطفالها..

وعود كثيرة.. لم تنفذ
لقد وعدت سلطة الإحتلال، على لسان مساعد وزير الدفاع الامريكي للشؤون الصحية وليام فينكينفيردر، بأن تشكل الاهداف، التي تم تحديدها لنظام الرعاية الصحية العراقي، تحسين صحة الام والطفل، بالاضافة الي خدمات الصحة العقلية في البلاد. ولم تحقق شيئاً من هذا. ووعدت بتمويل مشروع لاعادة تأهيل المعاقين وإنشاء مركز للطب النفسي في بغداد يعالج ضحايا التعذيب. ورحلت ولم تنفذ وعدها. كما ولم تف بالوعود التي قطعتها للمساهمة في معالجة الأضرار النفسية للحرب والإحتلال، وكانت ملزمة بمعالجتها بموجب إتفاقات جنيف لعام 1949، وضربت عرض الحائط بتحذيرات المنظمات الدولية المعنية، ومنها المنظمة الدولية "أطفال ضحايا الحروب" في لندن، التي حذرت من" كارثة إنسانية لأطفال العراق،الذين يواجهون وضعاً أسوأ مما كان عليه الحال إبان العقوبات الإقتصادية، وهم يعانون من العنف ومن الأزمة المدنية والاجتماعية". وأكدت جو بيكر- مديرة المنظمة:" إن كل طفل في العراق يعاني من صدمة نفسية على مستوى أو آخر"("فرانس برس"،13/5/2004)..

الى هذا، نظم في القاهرة، في 30/7/2003، بدعوة من مكتب شرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية في القاهرة،مؤتمر علمي تحت شعار "الصحة النفسية واعادة التاهيل لما بعد النزاعات"، شارك فيه نحو 40 إختصاصياً عالمياً، بضمنهم خبراء عراقيون، وممثلون عن الجمعية النفسية العراقية، والجمعية العالمية للصحة النفسية، والجمعية النفسية الاميركية، والجمعية النفسية المصرية، والكلية الملكية للصحة النفسية في بريطانيا، وغيرها. بحث المؤتمر في اوضاع الصحة النفسية في العراق على ضوء عمليات التدمير والنهب التي لحقت بالمؤسسات الخاصة بمعالجة المرضى النفسانيين خلال الحرب الاخيرة. وقد إطلع المشاركون فيه على تقرير مكثف عن الاحوال السائدة في العراق لوضع الجميع في الصورة.
واشار الدكتور عبد المناف الجادري- رئيس الجمعية العلمية للصحة النفسية في العراق الى ان الفريق الصحي المرافق لقوات التحالف طلب منه بشكل غير مباشر اجراء تقييم للاحتياجات الآنية والمستقبلية لرفعه الى الجهات المعنية.وإسترشد الجادري برأي للسيدة كاثرين باو- لافين مديرة حملة "سلسلة السعادة" في حديث مع "سويس إنفو"، الى أن الأطفال هم الأكثر تأثراً بالحروب الدائرة، كما أن بصماتها تطبع على أنفسهم بآثار سلبية ومؤلمة إلى فترات طويلة من الزمن. ولأن الأمر كذلك، فإن الدعم المقدم لهم يجب أن لا يقتصر فقط على فترة الطوارئ (أي فترة التحارب ذاتها)- برأي السيدة باو-لافين- بل يجب استمرارها بعد أن يتوقف القتال.وأشار الجادري الى ظاهرة الاطفال الذين يتنشقون الصمغ المخدر، واكد ان مدمني هذا النوع يقفون وراء معظم جرائم السلب والسرقة.
من جهته، أعلن د. حسين عبد الرزاق الجزائري- المدير الاقليمي في منظمة الصحة العالمية لمنطقة شرق المتوسط امام المؤتمر: إن هدفنا هو اعادة بناء وتعزيز خدمات ونظم الرعاية الصحية النفسية في العراق.وقال احمد محيط - مسؤول الصحة النفسية في المنظمة- ان المؤتمر يركز على اوضاع الصحة النفسية في العراق كنموذج للمعاناة التي تعيشها الشعوب جراء تعرضها لضغوط هائلة بسبب الحروب. واعرب محيط عن امله في ان تساهم هذه المبادرة في تشكيل تحالف دولي لدعم الصحة النفسية للشعب العراقي وايجاد مستوى عال من الوعي بين الاطراف المعنية من اجل حضها على اظهار المزيد من الحساسية تجاه حاجات الافراد الذين يعانون من مشاكل نفسية.
وبدوره، قال جيمس سكالي- رئيس الجمعية الاميركية للاطباء النفسانيين- ان المؤتمر يشكل خطوة ايجابية اولى في رحلة الالف ميل. واضاف يجب التحرك على الفور لان نافذة الفرص لن تبقى مفتوحة الى الابد، نفكر في استراتيجية شاملة لمواجهة الامر، فهناك حاجة ماسة الى زيادة اعداد العاملين في قطاع الصحة النفسية ليس فقط في العراق بل في غالبية دول المنطقة. واجرى مقارنة بين استراليا (20 مليون نسمة) والعراق (22 مليون نسمة) حيث " تمتلك الاولى 2800 طبيباً نفسانياً و1000 معالجاً نفسياً، بينما يوجد في العراق 100 طبيب نفساني، وليس هناك اي عيادة للعلاج النفسي ("فرانس برس"،30/7/2003)..

ومع ان جميع المعنيين المذكورين، وغيرهم، يدركون، وهم على دراية تامة بواقع الأوضاع الصحية والنفسية في العراق، وبما تستلزمه من إجراءات جدية وعاجلة،إلا أن الكلام والوعود الكثيرة لم تقترن سوى بأفعال بسيطة، ودون المستوى المطلوب، بينما كررت المنظمات الدولية المعنية تحذيراتها بأن أطفال العراق يواجهون كارثة إنسانية. وكان قسم العوق العقلي والنفسي في دائرة الرعاية الاجتماعية العراقية قد أعد دراسة لاستحداث معاهد جديدة في المحافظات التي تفتقر الى المعاهد المتخصصة بالمشاكل النفسية والعقلية، مثل ميسان وديالى وصلاح الدين وذي قار ودهوك والسليمانية واربيل، ضمن خطة للنهوض بعمل القسم كماً ونوعاً وحداثة، بعد توفر الامكانات المادية والفنية والزيادة الكبيرة في تخصيصات الدائرة. وقالت مديرة القسم إنتظار مهدي ان قسم العوق العقلي والنفسي يضم 17 معهداً، منها 6 في بغداد،و11 معهداً في المحافظات، كما يشرف على 5 معاهد اهلية. وهذه المعاهد لا تغطي النسبة الحقيقية للمصابين بهذه الانواع من العوق، فضلاً عن كونها تعتمد اساليب متأخرة عما وصل اليه عمل معاهد العوق في العالم(" الصباح"، 10/12/2003).
ويذكر ان العراق يفتقد الى أرقام رسمية لحالات ما بعد الصدمة من اضطرابات نفسية وعقلية، بيد أنه لا يوجد شك في انها منتشرة في أرجاء العراق- كما أكد الطبيب النفساني الدكتور ميثم الياسري، موضحاً: لقد عشنا أحداثا كثيرة حافلة بالتوتر ومسبباته..ثلاث حروب كبري منذ 1980، وضغوط سياسية، وكذا من تعرضوا للتعذيب. وأضاف: واليوم توجد مشاكل كثيرة تهدد الحياة في الشوارع ، وذلك لإنعدام الأمن والإستقرار(" رويترز"،24/2/2004)

اَثار تبقى لمدى طويل
أثبتت الدراسات العلمية إنتشار أمراض نفسية وعصبية وعقلية أبان الحرب وعقبها، تبدأ باعراض الخوف، والفزع، والقلق، والأرق، وعدم التركيز، وحركات لا إرادية غريبة، وتبول لارادي، وبالتالي تخلف النمو لدى الطفل، والعديد من المضاعفات، كداء السكري، وقرحة المعدة، وإرتفاع ضغط الدم، وغيرها.
ويؤكد الخبراء أنه بعد فترات طويلة على التئام الجروح العضوية لدى الاطفال والمراهقين الذين عانوا من الحروب، تبقى الصدمات النفسية شاهدا قد لا تمحوه الايام. وفي بعض الحالات تنتقل الصدمات النفسية من جيل الى آخر، من الام الى الطفل حسب ما اوضح اطباء نفسيون ومسؤولون في المجال الانساني خلال مؤتمر عقد قبل أشهر في باريس- بحسب آني هوتفوي .وتقول ليزا اوس رونغرت، من منظمة "اطباء بلا حدود" غير الحكومية، ان تصرفات الطفل "النابعة من الخوف" تنعكس على علاقته بوالدته ما يعيد صدمتها الى الواجهة. واحيانا تعود الصدمة، التي تكون مكبوتة منذ الطفولة، لتبرز خلال فترة المراهقة.وتشير الى حادثة طفل اثيوبي شاهد وهو في الرابعة مقتل والدته وشقيقه الاصغر، وعملية اذلال والده قبل قتله. ثم نقل الطفل الى فرنسا، حيث تم تبنيه، وإندمج جيداً في المجتمع الجديد، وبدا انه نسي ذلك الفصل المرعب من حياته، الى ان عاد ليشاهده في ذهنه في سن الـ 14 سنة- حسب ما روى كريستيان لاشال. وفجأة عادت الصدمة النفسية الى الواجهة، وبدأ المراهق غابرييل يعاني من كوابيس وتعود الى ذهنه باستمرار المشاهد المرعبة، التي عاشها قبل 10 سنوات. وقال الطبيب النفسي لاشال انه "كان على وشك الاقدام على الانتحار" لكن العلاج النفسي والادوية اخرجا غابرييل من وضعه الصعب وعاد ليعيش حياة طبيعية.
وأوضح لاشال، خلال المؤتمر الـ12 للجمعية الاوروبية لعلم نفس الطفل والمراهق،الذي عقد في باريس، أن الحرب تؤدي الى تدمير الاماكن الآمنة، مثل المنزل العائلي، والى تغيير العادات الاجتماعية، وابراز العنف وعدم السيطرة على الانفعالات. ومن شأن ذلك التسبب بالخوف، والغضب، و تنمية الميل الى العنف، وفقدان القيم، او تحويرها، و"سيطرة المشاعر على الانفعالات" لدى المراهقين. واضاف ان ثلثي المرضى الشباب الـ562 الذين يتلقون علاجا في الاراضي الفلسطينية عاشوا احداثا مأساوية و80 % منهم يعانون من اضطرابات نفسية حادة وانهيارات عصبية. وفي كوسوفو فان ربع الاطفال كانوا ضحايا اضطرابات ناتجة عن صدمات نفسية، ويعاني 38% منهم من القلق الشديد- بحسب دراسة اجراها فريق " اطباء بلا حدود" على مجموعة اولى من 242 مريضا – منهم 45 % من الاطفال و 22 % من المراهقين – عولجوا في صيف 1999 مع انتهاء التدخل العسكري لحلف شمال الاطلسي. وقال الطبيب النفساني تييري بوبيه انه بعد 18 شهرا سجل تحسناً ملحوظاً لدى 62 % من الشباب، الذين عبروا شفهيا، او عبر رسوم، او العاب، عن معاناتهم. لكن الاضطرابات الملحوظة او المزعجة – الخوف، او الحزن، او الكوابيس، او القلق من الفراق – كانت ما تزال تسجل لدى اكثر من 10% من الاطفال- بحسب دراسة اجريت في الاوساط المدرسية. وكانت نسبة منهم (8.5 %) تعيش، في وضح النهار، المشاهد المزعجة السابقة، في حين كان البعض الاخر يعاني من اضطرابات جسدية ذات منشأ نفسي. ومثل هذه الاعراض، لدى الطفل، تعيق عيشه ونموه، مما يؤدي الى التهميش" داخل العائلة وفي المدرسة، لكن الاهل غالبا لا يدركون ان الحرب سبب ذلك-بحسب بوبيه.

متطلبات.. وخطوات واعدة
إن الواجب الوطني والإنساني يتوجب أخذ الآثار المار ذكرها وتداعياتها بنظر الإعتبار، الى جانب تأمين الرعاية الخاصة للضحايا.وهذا ما أشارت إليه أعمال الندوة الوطنية، التي أفتتحت في بغداد، في 29 أيلول/ سبتمبر المنصرم، وكرست لمناقشة حال الخدمات الصحية والنفسية للأطفال في العراق، حيث تناول وزير الصحة الدكتور علاء الدين العلوان، في كلمته خلالها، واقع العملية الصحية في الظروف الإستثنائية التي يعيشها البلد، والمشاكل والإضطرابات النفسية التي تعتري الطفولة العراقية والنتائج السلبية المترتبة عليها، والأستراتيجيات المعتمدة لحل هذه المشكلات، بالتعاون مع وزارات العمل والشؤون الإجتماعية، والتربية، والتعليم العالي.
وأبرزت كلمة الدكتور عبد الكريم سلمان العبيدي-رئيس الجمعية العراقية للصحة النفسية للأطفال موضوعة الطفل بإعتباره اللبنة الأساس في الأسرة. وقدم الدكتور مناف الجادري- رئيس الجمعية العلمية العراقية للصحة النفسية محاضرة بعنوان: "الطب النفسي للأطفال في العراق بين الواقع والمتطلبات" تناول خلالها الإحتياجات الآنية والمستقبلية للأطفال في ظل الإمكانات المتاحة، مشدداً على ضرورة تولي مسؤولية الطفل من قبل شرائح المجتمع كافة، والإهتمام بالطب النفسي للأطفال والسبل المعتمدة لتطويره.
وإستعرض الدكتور الحارث عبد الحميد-رئيس مركز البحوث النفسية للطفل في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ورقة عمل تضمنت موضوع الصحة النفسية في بلدان العالم المتقدم بوصفها الشغل الشاغل للمؤسسات الرسمية ذات العلاقة والمنظمات غير الحكومية على حد سواء، مشيراً الى تخبط الصحة النفسية في العراق على مدى عقود من الزمن لغياب المنهج والنظام المتكاملين لرعايتها،عدا الجهود الفردية المبعثرة هنا وهناك ومن اطراف ومؤسسات تشعر كل منها انها الطرف الوحيد الذي يجب ان يتحمل عبء المسؤولية الوطنية في التأسيس والاشراف على الصحة النفسية.
وتناول السيد إسماعيل زاير-رئيس تحرير صحيفة" الصباح الجديد" العالم النفسي للطفل الذي يولد في العراق مقارنة مع الطفل الذي يولد في الدول المتقدمة، منوهاً الى أنه من دون تعليم الطفل ودعمه، وتأسيسه تأسيسا انسانيا، لا يوجد مجتمع سليم، ولا توجد عائلة سليمة، ولا توجد متعة وثقافة وفن وابداع من اي نوع.وأشار الى وجود الالاف من الاطفال العراقيين المحتاجين الى قائمة طويلة للغاية من الاحتياجات.وتساءل: فمن سيتولى مسؤولية تلبية احيتاجات هذه الفئة؟ وقال: في العالم المتحضر يخصص افضل شرائح المعلمين وارفعهم شأنا لتدريس الاطفال. اما عندنا فالامر معكوس تماما.. حيث يبقى معلم المدرسة والطبيب النفسي والراعي الاجتماعي في الظلام مثل جندي مجهول لا يلتفت احد اليه الا في مناسبات نادرة(" الصباح الجديد"، 29/9/2004).

في هذا السياق لابد من الإشارة الى إن تصريحات الدكتور علاء الدين العلوان- وزيرالصحة، تتسم بالصراحة والشفافية، وقد دلل كادر وزارته على إلمام تام بحجم المشاكل الصحية والنفسية. وتقر وزارة الصحة بسوء الخدمات الطبية الراهنة، والحاجة الكبيرة للكوادر المتخصصة، وللأجهزة والمعدات الطبية، وللأدوية والعلاجات الحديثة، الى جانب أهمية إعمار المستشفيات والمراكز والمستوصفات،وضرورة تشييد المزيد منها. وهذا ما أعلنه الوزير لقناة " الشرقية" في 7/10/2004، مبشراً ببرنامج واسع وطموح للبناء والإعمار في قطاع الصحة. وقبل هذا أعلن الوزير الحرب على الفساد والرشوة في مؤسسات الصحة.

وفيما يتعلق بالصحة النفسية، أعلن المفتش العام لوزارة الصحة الدكتور عادل محسن عبدالله ان الوزارة ومن خلال الهيئة الوطنية العليا للصحة النفسية في العراق ستعمل على تطبيق برنامج متطور جداً خاص بعلاج المرضى النفسانيين.وأضاف بان الهيئة تعمل على إستحداث أقسام جديدة في المستشفيات الأهلية يخصص لها من 20-30 سريراً خاصة بالإضطرابات النفسية، ويعمل في هذه الأقسام أطباء إختصاص، الى جانب خبراء في علم النفس والإجتماع، حيث يخضع المريض الى علاج أولي، بعدها يتم إقرار إخراجه او تحويله الى المستشفيات المختصة.وبين ان البرنامج الجديد يشدد على علاج المرضى داخل المجتمع وعدم إبقائهم في المصحات التي تؤدي الى تدهور حالة المريض وعزلته عن الأسرة والمجتمع.
وعلى الصعيد نفسه قررت وزارة الصحة إستحداث مركز جديد للطب النفسي التخصصي للأطفال وعدت بأن يكون من المراكز المتقدمة في تشخيص وعلاج الأمراض النفسية والعصبية للأطفال دون سن الـ 18 من العمر، ويكون الأول من نوعه في العراق والمنطقة.كما سيعمل المركز كمكان تدريبي للكوادر الطبية (أطباء أمراض نفسية،أطباء أطفال-أمراض عصبية، طب المجتمع والعائلة، إختصاصيي علم النفس والإجتماع، معلمي التربية الخاصة وبطيئي التعلم والتمريض النفسي)،إضافة الى إعداده ليكون مركزاً للبحوث في مجال الطب النفسي والعصبي للأطفال، ومكاناً لإقامة المؤتمرات العلمية الوطنية والعالمية، فضلاً عن التعاون والتنسيق بما يخص المشاكل التقنية مع الهيئات الحكومية وغيرها المحلية والخارجية ومركزاً للتوعية الإجتماعية للمواطنيين حول المشاكل النفسية.وستعمل الوزارة على تشكيل هيئة لمتابعة نظام الرعاية الصحية النفسية للأطفال في العراق، تضم ممثلين عن وزارات الصحة والتربية والتعليم والعمل والشؤون الإجتماعية ووزارة حقوق الإنسان والعدل ومجلس القضاء، وتنضم إليها منظمة "اليونيسيف" والجمعية والعراقية للصحة النفسية وأي جهات مهمة أخرى("النهضة"، في 3/10/2004).

وتأكيداً لهذا، وإهتماماً منها بخطورة المشاكل الصحية والنفسية، خطت وزارة الصحة العراقية خطوات هامة في سبيل معالجة قضايا الصحة النفسية الراهنة في العراق. فقد أنجزت مسودة قانون الصحة النفسية، التي نوقشت في مجلس الدولة، وسيتم عرضها على رئاسة مجلس الوزراء.هذا ما أعلنه الدكتور صباح فخر الدين- المستشار الوطني للصحة النفسية بالوزارة. وأضاف ان الهيئة الوطنية تبنت إنشاء وحدات للصحة النفسية في كافة أنحاء العراق بدعم من الدول المانحة بمبلغ 6.5 مليون دولار، حيث بوشر العمل في هذا المجال، اضافة الى اقامة دورات متعددة للعاملين في مجال الصحة النفسية داخل العراق وخارجه. وأفاد بانه تم إشراك العاملين في هذا المجال بدورات تدريبية في بريطانيا وكرواتيا، مشيرا الى ان هناك مداولات مع الكلية الملكية البريطانية ووزارة الصحة الأميركية لابتعاث العاملين في مجال الصحة النفسية العراقية للتدريب هناك. وأشار فخر الدين الى ان هناك اقتراحا قيد الدراسة لإنشاء مركز وطني للصحة النفسية (" الشرق الأوسط"، 16/9/2004).

إن إصدار قانون حديث للصحة النفسية، وإنشاء وحدات للصحة النفسية في أرجاء العراق، وتأسيس مركز وطني للصحة النفسية،يدير ويشرف على نشاط الوحدات المذكورة، ويقوم بالدراسات والأبحاث ووضع المعالجات المطلوبة لمشاكل الصحة النفسية الراهنة، خطوات تستحق التثمين والتقدير، وهي إجراءات اَنية وملحة وعاجلة تتطلبها التركة الثقيلة والخطيرة من الأمراض النفسية والعقلية والعصبية،التي خلفها النظام الفاشي، وضحيتها الأساسية هم براعم حاضر ومستقبل الشعب العراقي.

مهمة وطنية عاجلة
يشهد ويلمس الجميع أن المشاكل الصحية والنفسية والعقلية، خصوصاً وسط أطفال العراق وشبيبته، هي ظاهرة جلية.وهي ظاهرة خطيرة، حيث يؤكد الباحثون المختصون أن خطورتها سوف لن تقتصر على الجيل الحالي، وإنما ستطول الأجيال اللاحقة، بكل تأكيد، وستنعكس تداعياتها طويلاً على المجتمع العراقي. لذا وإنطلاقاً من مخاطرها الإجتماعية لابد من إهتمام إستثنائي من قبل المسؤولين العراقيين،راهناً ومستقبلاً، وفي مقدمة ذلك التعجيل بإجراء دراسات طبية وعلمية تشمل كافة أطفال العراق الأحياء، لتقييم حجم المشكلة، والعمل الجدي والعاجل، أيضاً، لمعالجة المرضى، ورعايتهم، بإشراف مؤسسات متخصصة، طبية ونفسانية وتربوية. ولاشك ان خير من ينظم ذلك ويديره هو مركز وطني للصحة النفسية، يقود عمل الوحدات الخاصة بالصحة النفسية في كافة أرجاء العراق.
من هنا ضرورة التعجيل بإنشاء المركز الوطني للصحة النفسية والوحدات التابعة له، الى جانب صدور قانون الصحة النفسية.وهنا لابد من ملاحظة: مع تقديرنا وثقتنا بأن لدى وزارة الصحة كوادر كفوءة لإعداد مسودة القانون، إلا أنه كان يتعين نشر المسودة وطرحها للمناقشة- كممارسة ديمقراطية مفيدة- من شأنها ان تغني المسودة من قبل الباحثين الآخرين،لاسيما وان التوجه الحديث السائد في الدول المتقدمة هو ان تنهض بمهمة معالجة مشاكل الصحة النفسية مؤسسات متخصصة، طبية ونفسانية وتربوية وإجتماعية..

وخلاصة القول: إن إنجاح مهمة معالجة مشاكل الصحة النفسية للطفولة العراقية يستلزم تظافر جهود المجتمع والعائلة والمدرسة والمؤسسات الصحية والنفسانية. ولابد لمظمات المجتمع المدني ان تلعب دورها الفعال في هذا المضمار، الى جانب وزارة الصحة، و الجمعيات النفسية العراقية.ولن تتحقق المهمة بنجاح، في المرحلة الراهنة، من دون طلب المساعدة من منظمة الصحة العالمية، والجمعية العالمية للصحة النفسية، ومؤسسات أخرى!
ويتعين أن ندرك جميعاً بأنه كلما عجلنا بمساعينا هذه كلما خففنا من وطأة المشكلة، خصوصاً إذا ما وضعنا
نصب أعيننا بأن الطفولة العراقية- براعم حاضر ومستقبل شعبنا-هي الضحية الأولى. وإذا أردنا أن نبني عراقاً حراً ومستقلاً وديمقراطياً حقيقياً، ينبغي أن نولي قضيتها أقصى إهتمامنا ورعايتنا، فهذا ما تقوم به الأمم المتحضرة، مفتخرة ومتباهية بصحة ورفاهية وسعادة أطفالها!
* طبيب وباحث عراقي مقيم في السويد



#كاظم_المقدادي (هاشتاغ)       Al-muqdadi_Kadhim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ركام الحرب مصدر لإشعاعات خطيرة من المسؤول عن التلكوء في درء ...
- لتلوث الأشعاعي بذخيرة اليورانيوم المنضب
- الوكالات الدولية المتخصصة والتلوث الإشعاعي في العراق.. مقترح ...
- عملية مريبة وأكاذيب أمريكية مفضوحة
- مشاكل البيئة العراقية.. هل ستكون ضمن أولويات الحكومة الجديدة ...
- محنة الأمومة والطفولة العراقية.. متى تكون ضمن أولويات سياسيي ...
- أحدث أبحاث أضرار الحروب على البيئة والصحة توجه صفعة جديدة لج ...
- ضحايا الإشعاع في المدائن العراقية يستنجدون بالخيرين في العال ...
- التلوث الإشعاعي في الخليج.. بوادر صحوة ضمير
- في الذكرى السبعين لعيد ميلاده الأغر: الحزب الشيوعي العراقي ي ...
- في الذكرى السبعين لعيد ميلاده الأغر: الحزب الشيوعي العراقي ي ...
- في الذكرى السبعين لعيد ميلاده الأغر: الحزب الشيوعي العراقي ي ...
- إختبار كبير ..هل سيساهم الجميع في إجتيازه بنجاح ؟
- في الذكرى السبعين لعيد ميلاده الأغر:الحزب الشيوعي العراقي ير ...
- في الذكرى السبعين لعيد ميلاده الأغر: الحزب الشيوعي العراقي ي ...
- خصوصيات عيد المرأة العراقية لهذا العام
- في الذكرى السبعين لعيد ميلاده الأغر: الحزب الشيوعي العراقي ي ...
- لمصلحة من يتجاهلون التلوث الإشعاعي ؟!!
- لمصلحة مَن الإساءة للحزب الشيوعي العراقي اليوم ؟!!
- قرار رجعي وظالم ومجحف!


المزيد.....




- ثعبان على متن قطار سريع يتسبب في تأخير نادر باليابان
- استمرت 613 يوما .. أطول عدوى بـ-كوفيد-19- تثير المخاوف من مت ...
- “شوف الطبيعة وانت في بيتك”.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك ال ...
- بسبب احتجاجهم على عقد مع إسرائيل.. غوغل تفصل 28 موظفا
- عايز تخس 3 كيلو في 7 أيام.. افطر كويس وتناول -سناكس- صحى
- 5 أطعمة لوجبة الفطور تُخلّصك من انتفاخ البطن المزعج
- خايف تتخن.. نصائح بسيطة لتجنب زيادة وزنك أثناء ساعات العمل ا ...
- أعراض الاكتئاب الصباحي وطرق تساعد فى العلاج
- مادة غذائية تؤخر الشيخوخة وتحارب السرطان
- “لولو الشطورة مافي مني”تردد قناة وناسة بيبي كيدز الجديد 2024 ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - كاظم المقدادي - في اليوم العالمي للصحة النفسية:الصحة النفسية للطفولة العراقية بين الواقع والمتطلبات