أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - الثورة وعودة الإيديولوجيات















المزيد.....

الثورة وعودة الإيديولوجيات


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 3279 - 2011 / 2 / 16 - 22:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


توارت كما هو معلوم كل الإيديولوجيات السياسية والإثنية والدينية وراء الشعارات الموحّدة للثورتين التونسية والمصرية، وكان ظاهرا للعيان مقدار وعي منسقي الإنتفاضتين الشعبيتين بضرورة التوحّد كخيار وحيد مصيري لإنجاح الثورة، فتمّ التركيز على شعار إسقاط النظام، وعلى المطالبة بالتغيير والدمقرطة الشاملة، و بالحرية والكرامة للجميع على أساس المواطنة.
وقد حرصت الجماهير الثائرة على الظهور بمظهر الإنسجام في الإطار الوطني الجامع الذي ترسمه الدولة الوطنية بحدودها الجيوسياسية المعروفة (مصر ـ تونس). لم يكن لخطاب الثورتين أي امتداد خارج الإطارين الوطنيين، و تمّ الردّ على كل محاولات الإحتواء الأجنبية (وخاصة من طرف إيران وحزب الله في لبنان) بحزم ووضوح، فالثورة المصرية هي ثورة الشعب المصري، في إطار السيادة المصرية، وهدفها الكرامة لكل المصريين في إطار دولتهم الوطنية مصر، وكذلك بالنسبة لتونس.
بل إن الأحزاب والتيارات السياسية نفسها التي قبلت بالتفاوض مع السلطة كالإخوان المسلمين وغيرهم وجدوا أنفسهم في حالة شرود بعد أن أصدر الثوار بيانا يقول إن الذين قبلوا بـ"الحوار" مع السلطة لا يمثلون الثورة ولا يتكلمون باسم الشباب المنتفض.
لم تنتعش الخطابات الإيديولوجية إلا بعد انهيار النظام المصري وسقوط مبارك، حيث عادت لتظهر بشكل خجول في نوع من "إعادة القراءة" للثورة على ضوء أحلام الأطراف المختلفة، فبدأنا نسمع عن استعادة "الدور الريادي القومي" لمصر، وعن "ارفع رأسك فأنت عربي"، وعن مدى إيمان الإسلاميين بالديمقراطية ومدى مراجعتهم لشعاراتهم التي كانت مصدر صراعهم مع الأطراف الأخرى كـ"إقامة الدين" في الدولة و"تطبيق الشريعة" وغيرها من الشعارات التي لا يمكن ملاءمتها مع المشروع الديمقراطي الذي يتمثل أساسا في تدبير التعدد والإختلاف بشكل سلمي.
عادت الإيديولوجيات لتطفو على السطح وكان ذلك أمرا طبيعيا، فالثورة لم تكن تغييرا من أجل التغيير، بل من أجل إحقاق الحقوق والترقي بالوضعية الإنسانية للمواطنين نحو الأفضل، وهو ما يدعو حتما إلى التفكير في كل العوائق والصعوبات التي ستعترض إعادة البناء.
وقد ظهر بوضوح مقدار أهمية الإنسجام في الإطار الوطني خارج كل الأوهام القومية والدينية، الشيء الذي لم يستطع الجزائريون تحقيقه يوم 12 فبراير المنصرم بسبب غلبة خلافاتهم الإيديولوجية على الرؤية الوحدوية، مما أدّى إلى أن وجد دعاة الإنتفاضة أنفسهم ـ و تعدادهم لا يفوق 2000 متظاهر ـ في مواجهة 35000 من قوى الأمن.
لقد صارت معلومة لدى الجميع "كلمة السر" في الثورتين معا، والتي لا سبيل لإنجاح انتفاضة أي شعب إلا بها، وقد نطق بها أحد الشباب المصريين يوم الأحد 13 فبراير الماضي في تصريح لإحدى الفضائيات، إنها الإنصهار بين جميع الأطراف مهما كانت خلافاتهم، والنظر إلى الهدف الأسمى ونسيان ماضي الأحقاد والصراعات الإيديولوجية، وما سوى ذلك لن يكون إلا تظاهرات بسيطة لا تخرج عن المألوف، ولا توقظ الحكام من سباتهم.
الذين يتنادون بريادة مصر وبضرورة استعادة مجدها "القومي العربي" يقعون في تناقض كبير مع روح الثورة، لأن الإختيار القومي العربي إيديولوجيا لا يمكن أن تجمع اليوم كل المواطنين في أي بلد من البلدان، بما في ذلك جزيرة العرب نفسها. إن هؤلاء مصابون بضعف الذاكرة، فهم لا يذكرون بأن هذا الدور "القومي العربي" لمصر هو الذي جرّ عليها هزائم عسكرية ثقيلة، وأوقعها في الإستبداد العسكري لما يقرب من ستين سنة، حيث لم تتخلص منه إلا بثورة شعبية عارمة، فهل ستنصرف مصر لبناء نموذجها الديمقراطي أم أنها ستلقي بنفسها من جديد في أتون المغامرات التي لن تكون لها إلا أوخم العواقب؟ هل ستقوم بتوفير الميزانيات الضرورية لتشغيل العاطلين أم أنها ستعمد إلى تبذير مال الشعب في الخطب العنترية وإشعال الحرائق في البلدان المجاورة باسم القومية العربية المتهافتة منذ عقود طويلة؟ هل يمكن إقامة الديمقراطية في مناخ من الصراعات والدسائس والحروب والأحقاد؟ إن أول شرط للبناء الديمقراطي هو الإستقرار، وتقوية الشعور الوطني الذي يشكل لحمة بين كل المواطنين، هذه اللحمة التي تهدف القومية العربية إلى إضعافها من أجل سراب وحدة تتعدّى الإطار الوطني الواقعي إلى خرافة الوطن "الممتدّ من الماء إلى الماء".
بعض فلول القوميين ويتامى صدام حسين المغاربة، عوض أن يفهموا عمق الثورات القائمة، باعتبارها ثورات وطنية من أجل الكرامة والمواطنة، اكتفوا بالعودة إلى الماضي بهدف الإنتقام ـ عبر الأحداث الأخيرة ـ لنكساتهم القديمة وبعث مشروعهم ونفض الغبار عنه ولو في ما يشبه الحلم، فالثورات حسب "أهل الكهف" هؤلاء ينبغي أن تعمّ وتنتشر، ليس من أجل الديمقراطية بل من أجل "توحيد الأمة العربية"، هل لأجل هذا ثار الناس على أنظمتهم؟ هل ثمة شخص واحد سيتقدم الناس ليموت بالرصاص من أجل "وحدة العرب" ؟
لا يبدو أن القوميين العرب قد فهموا شيئا من رسائل الثورات التي حدثت، كما لا يبدو أنهم استفادوا من هزائمهم السابقة أو أخذوا العبرة من زعمائهم السابقين الذي انتهى بهم الأمر إلى أن يُقبضوا بالأيدي من الجحور كالجرذان، فالديمقراطية عندهم ليست أن يجد كل واحد مكانه الطبيعي في الدولة كمواطن مهما كان دينه أو لغته أو أصله العرقي أو الإثني، ليست أن يتساوى الناس خارج شجرات الأنساب الخرافية، بل هي إن كان لها من مرمى عندهم، فهو فقط أن يتمكن العرب من التوحّد ولو على حساب غيرهم، وهو ما يعني استمرار الظلم والتفاوت والميز والقهر باسم "العروبة"، وإخلاف الموعد مع التاريخ، وخيانة الثورة التي شارك فيها الجميع بغض النظر عن أصلهم أو فصلهم أو لغتهم أو دينهم.
أقول هذا رغم علمي علم اليقين أن العرب لن يتوحّدوا أبدا، لأنهم ليسوا وحدهم في البلدان التي شاءت لها العقيدة القومية العربية أن تكون وطنا للعرب، كما أقول هذا دون أن أعني به أن الثورات لن تكون لها آثار هامة على التعاون الإقتصادي والسياسي العقلاني بين أنظمة ديمقراطية كان الإستبداد يمنعها من التبادل الإيجابي فيما بينها بسبب الرهانات اللاشعبية لسلطاتها. كما لا أعني مطلقا أن مصر لا ينبغي لها أن تلعب دورا محوريا في الدفع بالقضية الفلسطينة نحو الحل النهائي.
سيكون من حق مصر وتونس أن تلعبا دورا إقليميا هاما في الجوار الشمال إفريقي والشرق أوسطي بعد أن تقوما بتقوية أسس ديمقراطيتهما الداخلية، ولن يكون هذا الدور لا قوميا عربيا عنصريا ولا إسلامويا تيوقراطيا هذيانيا، بل سيكون إشعاعا ديمقراطيا لدى الدول التي ستظل لسوء حظها ترزح زمنا أطول في ظل عبودية الإستبداد، بسبب غلبة التشرذم والإيديولوجيات الإقصائية على أبنائها، إلى أن يفهموا الدرس ويتوحّدوا من أجل هدف واضح هو الديمقراطية، التي ستمكنهم لوحدها من احترام بعضهم البعض وبناء مستقبل أفضل.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -رعايا- المغرب بين البيعة والديمقراطية من أجل تعاقد سياسي جد ...
- كيف تسرق الثورات؟
- أصوات المغرب غير النافع
- حتى لا يضيع الحلم التونسي الجميل: الحرية أولا !
- الأمازيغ، القذافي وسيادة الدولة المغربية
- التربية وثقافة الحوار
- الأب نويل في بلاد المسلمين
- دموع الوزراء
- الإسلام القسري
- الصحراء السلطة و المجتمع
- صورة المغرب بين -الإجماع الوطني- و الموقف النقدي
- عيد الأضحى والسلوك المدني
- الهوية والتاريخ والسياسة، متابعات
- إلى المدافعين عن العربية: هذه أخطاؤكم فتداركوها!
- الفن و الدين بين الذات و المجتمع إلى الممثلة لطيفة أحرار
- عن التعدد اللغوي ووظائف اللغات بالمغرب رسالة مفتوحة إلى الدك ...
- تعقيب على -إعلان دمشق-: هل تهدد الديمقراطية مستقبل اللغة الع ...
- -تعريب الحياة العامة- مقترح مكانه الطبيعي سلة المهملات
- الأمازيغ و التلفزة المغربية
- الأمازيغ بين التقرير الأممي و الدراسة الإسرائيلية


المزيد.....




- رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك بـ -الملياردير المتغطر ...
- إسبانيا تستأنف التحقيق في التجسس على ساستها ببرنامج إسرائيلي ...
- مصر ترد على تقرير أمريكي عن مناقشتها مع إسرائيل خططا عن اجتي ...
- بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. كيف كسرت حماس هيبة الجيش الإس ...
- مقتل 4 أشخاص في هجوم أوكراني على مقاطعة زابوروجيه الروسية
- السفارة الروسية لدى لندن: المساعدات العسكرية البريطانية الجد ...
- الرئيس التونسي يستضيف نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي ال ...
- إطلاق صافرات الإنذار في 5 مقاطعات أوكرانية
- ليبرمان منتقدا المسؤولين الإسرائيليين: إنه ليس عيد الحرية إن ...
- أمير قطر يصل إلى نيبال


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - الثورة وعودة الإيديولوجيات