علاء جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 3277 - 2011 / 2 / 14 - 19:56
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
أكثر الذين يخرجون هذه الأيام ويتحدثون عن تداعيات الأزمة المصرية والتونسية يشيرون بصورة أو بأخرى إلى أن رياح التغيير قد تنتقل إلى الدول العربية كافة... فيما يذهب البعض الأخر للتساؤل هل أن رياح التغيير قد تصل إلى العراق ..؟!.
معنى الثورة
يذهب اغلب المختصيين في السياسية الى تعريف مفهوم الثورة بأنه (التحويل الجذري الذي يتعرض له نظام سياسي كما في أسسه وتفاصيله ) , ومثاله النموذجي الثورة الفرنسية فقد تمكنت من تحطيم النظام السياسي القديم وإقامة نظام سياسي جديد غـّـير تاريخ أوروبا , بل تاريخ العالم كله حيث عدت تلك الثورة التي بدأت كــ(اعتراضات) على رغيف الخبر علامة تحول أساسية في التاريخ المعاصر .
وقبل أن نجيب عن هذا التساؤل(هل ستصل رياح التغيير للعراق..؟!) يتعين علينا أجراء تحليل منطقي للأحداث في تونس ومصر ومعرفة الأجواء التي هيأت للثورتين ، وبالتأكيد فان بلورة مفهوم الثورة قد يحتاج إلى ظروف ملائمة سواء كانت داخلية أم خارجية تساهم بشكل أو بأخر في القيام بانتفاضة ناجحة ومضمونة النتائج.
مقدمات
وحتى نكون منصفين ومنطقيين في مناقشة الثورتين المصرية والتونسيـــة ( كي نستنتج فيما لو ستنتقل للعراق.....!) ، علينا أولا أن نحدد الأسباب والمقدمات التي سهلت القيام بالثورة التونسية أو المصرية...
1- نظاما الحكم كانا من أقدم الدكتاتوريات في المنطقة.
2- النظامان متهرئان من الدخل أي (مبارك وبن علي ) كانا يمسكون فقط بــــ( بدفة) الحكم ولا يوجد لها قبضة على كل مفاصل الدولة وأجهزتها ( والدليل أن الجيش في الدولتين رفض التدخل وضرب المتظاهرين).
3- المشكلة الاقتصادية كانت اكبر من أن تحل فالبطالة سجلت في مصر أعلى مستويات في الوطن العربي وفقا للإحصائيات الدولية الرسمية الصادرة عن المنظمات الدولية وكذا الحال بالنسبة لتونس.
4- الجماهير المصرية والتونسية متعطشة ( للتغير) أو للثورة لان نظامي الحكم وصل عمرهما إلى 30 عاما وبالتالي فان أجيالا كاملا ولدت واشتد عودها خلال فترة حكم (مبارك أو بن علي).
5- خوف الجماهير المصرية والتونسية من تجربة (توريث الحكم) الموجودة في المنطقة وبالتحديد في سوريا والأردن.
6- نمو تيارات سياسية ناضجة في كلا الدولتين ووجود شخصيات معارضة بارزة على المستوى العربي والدولي.
7- توفر الأجواء المناسبة للانتفاضة بعدما يأس المتظاهرون من تجارب (مسرحيات) الانتخابات والحكم المسبق على تزويرها وبالتالي لم يبق سوى خيار الثورة.
8- حيادية غالبية الأجهزة العسكرية سهلت المهمة أمام المتظاهرين لتحقيق مآربهم.
9- المجتمعان التونسي والمصري ليس متعدد الطوائف والقوميات أو متعدد ولكن بنسب بسيطة جدا.
كل تلك الأسباب ساعدت بالقيام بثورتين ناجحين من حيث النتائج .. ولكن لنعود للإجابة على التساؤل الأول( هل ستصل رياح التغيير إلى العراق).
تساؤلات
بداية علينا ان نجيب عن هذه الأسئلة.
هل أن نظام الحكم في العراق دكتاتوري..؟
هل أن النظام في العراق متهرئ...؟
هل المشكلة الاقتصادية في العراق متفاقمة جدا...؟
الجماهير العراقية هل متعطشة للتغير أو للثورة..؟
هل الأجهزة العسكرية العراقية محايدة..؟
هل هناك أحزاب سياسية ناضجة بقواعدها العريضة وهل هناك شخصيات معارضة بارزة تحظى بـــمقبولية عربية ودولية..؟ .
وهل نسب تعدد الطوائف والقوميات في العراق بسيطة.؟
بداية لابد أن نعترف أن نظام الحكم في العراق جاء عن طريقة الانتخابات ((حتى وان غّيرت المحكمة الاتحادية موقف تشكيل الحكومة وجانبت الحقيقة وأبعدت العراقية عن تشكيلها)) إلا أن النظام يبقى منتخب وجاء عن طريق صناديق الاقتراع بعكس النظامين المصري والتونسي اللذان يعتبران من أقدم الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة .
أن النظام في العراق ليس متهرئا بل ممسك بزمام الأمور (على الرغم من الخروقات الأمنية المتكررة) وتخضع كل مؤسسات الدولة بدوائرها إلى حكم رئيس الوزراء ذلك لان اغلب قادة الجيش والأجهزة الأمنية من حزب الدعوة او بقية الأحزاب المشاركة في الحكومة او العملية السياسية وكذا الحال بالنسبة لمؤسسات الدولة التي تسيطر عليها غالبية الأحزاب المنضوية في الحكومة وبذلك يكون الواقع العراقي مغاير تماما للمصري أو التونسي حيث ظهر الجيش محايدا تماما في الأحداث ورفض استخدام العنف ضد المتظاهرين في كلا الدولتين.
كما أن عدم وجود أحزاب معارضة ناضجة في العراق تمتلك قواعد جماهيرية عريضة أو حتى عدم وجود شخصيات معارضة تحظى بمقبولية عربية ودولية ( على غرار الغنوش او البرادعي او ايمن نور) ان غياب الشخصيات المعارضة قد يجعل عملية التغيير صعبة حيث أن غالبية الأحزاب تشارك الآن وبقوة في حكومة المالكي وبالتحديد زجت تلك الأحزاب بقيادتها في أدارة الوزارات لذا فان من شبه المستحيل تكرار ما حدث في مصر وتونس..؟
وكذا الحال بالنسبة لتنوع القوميات والطوائف في العراق يؤثر بالتحديد على عدم اتخاذ قرار موحد ففي المدينة الواحد من محافظات العراق تجدد هناك عدد من القوميات والطوائف الدينية مما يشتت القرار وبالتالي غياب الرؤى الثورية خصوصا أذما عرفنا ان هناك طوائف وقوميات متنفعة من الحكومة بدرجة او بأخرى فكيف ستثقف جماهيرها على التظاهر والتغيير..؟!
غياب الروحية الثورية العراقية
كما أن من الملاحظ غياب الروحية الثورية لدى العراقيين عموما بل أن غالبيتهم منهمكين بالبحث وراء لقمة العيش والفترة التي حكم فيها الدكتاتور السابق صدام قضت على النفس الثوري تماما.، فحتى يومنا هذا يخشى الناس من المظاهرات كما أن البطش لدى الأجهزة الأمنية يمنع حتى حق التظاهر وشهدنا كيف جوبهت المظاهرات في الديوانية في الأسبوع الماضي بوابل الرصاص.
بذلك نستنتج أن اغلب الظروف التي سبقت الثورتين المصرية والتونسية غير متوفرة تمام في العراق وبالتالي فان رياح التغيير قد لا تهب في العراق في القريب العاجل .
كلمة أخيرة
وتبقى كل الخيارات مفتوحة خصوصا أذما استمرت( ثورة الخدمات في العراق) بالتنامي وبدرجة بطيئة جدا مع يقيني بان الأجهزة العسكرية العراقية ( الجيش والشرطة) ستقف إلى جانب الحكومة وتقمع كل التظاهرات والاحتجاجات .
ولكن تبقى...
(( أذا الشعب يومــــا أرادة الحياة... فلا بـــــد أن يستجيب القدر)).
#علاء_جاسم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟