أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بسام جودة - لم نخسره وحدنا بل خسره العالم أجمع ، لأنه ما آن لهذا الفارس العملاق أن يترجل-في الذكري السنوية الأولى لرحيل المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد















المزيد.....

لم نخسره وحدنا بل خسره العالم أجمع ، لأنه ما آن لهذا الفارس العملاق أن يترجل-في الذكري السنوية الأولى لرحيل المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد


محمد بسام جودة

الحوار المتمدن-العدد: 978 - 2004 / 10 / 6 - 07:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أحسب أن الشعور بفقدان إدوارد سعيد حمل كثيرين على العودة, ولو بمقادير ولاعتبارات مختلفة, إلى نصوص وأعمال المثقف والكاتب الراحل. وأحسب إن هذه العودة لا تخلو من لهفة غامضة لتفقد آثار الرجل, ولمعرفة ما عساها تكون وصية المثقف الكلي أو الشمولي الذي كانه سعيد. غنيّ عن القول أن الوصية التي نشير إليها هنا, لا تتعلق بالوجه الشخصي والعائلي الحميم لحياته وسيرة الفقيد, بل بالحمولة الرمزية والمعنوية لتجربة ومسار المثقف النقدي كما جسدهما إدوارد سعيد طوال عقود من العمل الدؤوب. وهو فعل ذلك بأناقة روحية تثير الإعجاب. في هذا المعنى, قد لا يكون هناك وصية صريحة غير تلك التي كان في مقدور سعيد أن يلمح إليها بين مناظرتين أو في ثنايا نص من نصوصه: لم اترك سوى ما كنته, وما أوقفت حياتي عليه.
لم أترك سوي ما كنته وما أوقفت حياتي عليه
كان سعيد يعلم بأن المناظرة حول "الاستشراق" تركت, بعد خفوتها, بصمات وانطباعات قابلة للاستثارة مجدداً, في قوالب وحول مسائل مختلفة, وكان يعلم أيضا أن الاتهامات الموجهة إليه لم ولن تتوقف, وفي مقدمها اتهامه بالظلامية وتسعيره الحرب الأيديولوجية الشرقية الإسلامية ضد الغرب بقضه وقضيضه, كما لو ان النزاع يدور بين كيانين ثقافيين كليين لا جسور بينهما ولا صلات. مثل هذا الاتهام لا يخلو من تحامل وظلم, وان كان قسم من الأدب الإسلامي الكفاحي استعان بكتاب "الاستشراق" لتعزيز طروحاته التبسيطية والاستغراق في حرب بين كيانين وهويتين محمولين على صورة أصلين طبيعيين لا يأتيهما التفاعل والتركيب والتبادل إلا على معنى الغلبة والإبادة. في "صور المثقف" يعود سعيد غير مرة إلى هذه المسائل ليؤكد أن المجتمعات البشرية مركبة وأن مسارات الثقافة معقدة ومن الخطأ الشنيع اختزالها إلى تعريفات مبسطة وجاهزة مثل "الشرق" و"الغرب".
في ثنايا تنقلاته البحثية بين أحوال ووضعيات المثقف, يبث سعيد إشارات عدّة تتعلق بتجربته الذاتية. فهو يشير في تقديمه إلى أن إحدى مهمات المثقف تقوم على كسر النماذج الجاهزة وغيرها من المقولات التي تختزل الفكر والتواصل. وقد عانى هو نفسه من هذه الأحكام المنمطة المسبقة. ففي مرات عدة, عاب عليه صحافيون ومعلقون كونه فلسطينياً, وهي كلمة مرادفة, كما نعلم, للعنف والتعصّب وقتل اليهود, ويشير سعيد في مواضيع أخرى من "صور المثقف" الى انه قرّر منذ أكثر من عقدين من السنين أن يبقى مثقفاً منفياً, وأنه يعلم بأن قدره هو أن يكون فلسطينياً يحمل الجنسية الأميركية, وقد ارتضى قدره هذا وقنع به, وإن كان يعلم أن الغربة مصدر شقاء لا قرار له. والمثقف الحقيقي في نظر سعيد, هو من يختار الهامشية والإقامة "خارج اللعبة", أي لعبة الدفاع عن المصالح الضيقة والأهواء القومية بما في ذلك نوازع أولئك الذين ينتسب إليهم, بشراً وجنسية وأوطاناً. ويعود سعيد إلى أطروحتين بارزتين حول تعريف المثقف, الأولى للكاتب الإيطالي انطونيو غرامشي الذي يميّز بين نموذجين للمثقفين, أحدهما يتعلق بالمثقفين التقليديين من أساتذة ورجال دين و إداريين, والثاني يتعلق "بالمثقفين العضويين" المرتبطين مباشرة بطبقات اجتماعية أو بشركات تستعين بهم لتنظيم مصالحهم وزيادة سلطتها وتوسيع رقعة إشراقها. الأطروحة الثانية وضعها الفرنسي جوليان بندا في نهاية العشرينات وهي في عنوان فصيح: "خيانة الأكليروس" قاصداً بذلك المثقفين. فهؤلاء يمثلون, في نظر بندا, عصبة من الفلاسفة - الملوك الموهوبين والمثابرين أخلاقياً بحيث يشكّلون ضمير الإنسانية, والحال أن نصّ بندا هو بمثابة هجوم كاسح على المثقفين الذين تخلوا عن واجبهم أكثر مما هو محاولة لتحليل الوسط المثقف. ويلحظ سعيد بأن المثقفين يشكلون, بحسب بندا, فئة اكليروس متعلمة, وحفنة من المخلوقات النادرة التي لا تنتمي الى هذا العالم بقدر ما تنتمي إلى الدفاع المستميت عن السنن الخالدة للحقيقة والعدالة. ومع أن سعيد يميل أكثر إلى تشخيص غرامشي فإنه يعتبر محاولة بندا, على طابعها الرسولي والديني, حاملة لمفهوم عريض عن المثقف يبقى قوياً وجذاباً. ويخلص سعيد الى التأكيد على أن المثقف هو من يتمتع بالضبط بملكة التمثيل والتجسيد والتعبير عن رؤية أو موقف أمام جمهور معين ومن أجله. ولتدعيم مقولته عن اختصاص المثقف بصياغة وإنشاء التمثيلات والتعبيرات, يعود سعيد إلى ثلاث روايات لتورغييف وجويس وفلوبير, يحتل فيها المثقف وظيفة بطولية تسعى إلى نشر الحرية والمعرفة الإنسانيتين. وفي هذا السياق يغمز سعيد من قناة بعض فلاسفة ما بعد الحداثة الزاعمين نهاية الحكايات المؤسسة الكبيرة, مثل الفيلسوف الفرنسي ليوتار, الذي يصفه سعيد هو وأتباعه بالكسل وباللامبالاة. الى ذلك يعج "صور المثقف" بأسماء ونصوص كبرى تتعلق بالموضوع, من هذه الزاوية أو تلك, من ناي بول الى ادورفو وسارتر وفيرجينيا وولف وريجيس دوبريه ووالتر بنيامين, وبعلماء اجتماع مثل رايت ميلز وغيره من الأحدث عهداً بالمناظرات والتحليلات المتعلقة بالمثقفين. وفي غضون جولاته البحثية هذه يبقى إدوارد متمسكاً باعتقاده بأن المثقف الحقيقي هو الذي يرتضي الهامشية, في معناها الإيجابي, ويرفض اغراءات السلطة ومكافآتها, ويبقى على الدوام مدافعاً عن المقهورين والمظلومين, أفراداً ومجتمعات وشعوباً, من دون أن ينسب الى هؤلاء براءة أصلية تعفيهم أو تعصمهم عن إلحاق الظلم بغيرهم في أوضاع مختلفة تاريخياً. علاوة على ذلك, يحفل الكتاب بتوغلات جزئية في الحياة الثقافية والسياسية, في أميركا والعالم العربي والإسلامي خصوصاً, ويفصح سعيد خلالها عن بقائه ثابتاً على المبدأ: من واجب المثقف أن يدافع عن الذين لا صوت لهم, ليس من جراء قدرية نازلة نزول الكارثة الطبيعية بل من جراء وضعيات وشروط تاريخية ألحقت الإجحاف بهم, أياً كانوا. انتقادات سعيد لاتفاقية أوسلو وللسلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات هي شهادة لمصلحة سعيد المثقف المتمسك بحق الشعب الفلسطيني في العدالة والوجود اللائق, سياسياً وثقافياً.
إدوارد سعيد والقضية الفلسطينية
عرف عن إدوارد سعيد معارضته الشديدة لاتفاقيات أوسلو بين القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية وسلطات الاحتلال الصهيوني. وقد استقال على أثرها من عضوية
المجلس الوطني وأعلن معارضته لقيادة ياسر عرفات وحمل الرئيس الفلسطيني مسئولية الفساد والأوضاع المزرية سياسيا واقتصاديا وإداريا . وقد صدر له سنة 1995 كتاب " غزة – أريحا سلام أمريكي " بتقديم من الأستاذ محمد حسنين هيكل ، حيث ضم الكتاب مقالات ومواقف إدوارد سعيد من سلام الأمريكان والصهاينة الذي تم فرضه على الجانب الفلسطيني في أوسلو وواشنطن.
كتب إدوارد سعيد معلقا على سلام الشجعان : " علينا – وبإلحاح - أن نعيد ربط سنوات التضحية والكفاح التي خضناها بحاضرنا ومستقبلنا. فليس مقبولا أن نلقي بهذه السنوات عرض البحر، أو أن نتعامل معها كأنها لم تكن. فالأفكار والمثل هي التي تقود مسيرة أي مجتمع نحو التقدم. ولذا فإنه من غير المقبول أن نقنع بالقول بأننا نحيا في ظل نظام عالمي جديد، يقتضي منا التعامل الواقعي والبراجماتي، والتخلي عن منطلقات الوطنية والتحرر. فهذا القول ليس أكثر من هراء وسخف. فليس بمقدور أية قوة خارجية – سواء كانت الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل – أن تحدد لنا مواصفات الواقع، بنفس القدر الذي لا ينبغي أن نسمح فيه لحفنة من قادتنا أن يقرروا الالتفاف حول الماضي ، والإذعان لهذا الواقع المزعوم. إن صياغة الواقع ومناقشته هي مهمة كل من يعنيه الأمر من المواطنين والمثقفين وأنصار القضية."
سيبقى فكر إدوارد سعيد شعلة تنير الدرب الفلسطيني والعربي والعالمي ، درب الذين يفكرون ويحاولون بناء عالم مثالي لا مكان فيه للإرهاب الرسمي أو غير الرسمي ، ولا للعصابات الاحتلالية العنصرية التي تعتبر إسرائيل خير مثال عليها، والولايات المتحدة الأمريكية خير راعٍ لها. وسيبقى دور إدوارد سعيد حيا في كل فلسطيني وطني يعي ويعرف ويعلم خطورة ما تلا اتفاقيات أوسلو وأخواتها من مآسي وويلات عصفت بالفلسطينيين وأضرت بقضيتهم الوطنية. إن الوفاء للفلسطيني الأبي إدوارد سعيد يكون بالعمل الدؤوب والجاد على تحقيق أحلامه وأحلام شعب فلسطين، وعبر تفعيل لجان حق العودة وإنشاء مؤتمر فلسطينيي الشتات الذي سوف يكون المرجعية الفلسطينية الأساسية والوحيدة للاجئين الفلسطينيين أينما كانوا، والمنبر الفلسطيني الأصيل المدافع عن حقوقهم والذي يستطيع محاسبة كل من يحاول التفريط بتلك الحقوق.
لكن دموعنا كانت تخدعنا ، مثلما قد تفعل الدموع
في مقبرة "الأصدقاء" (الفريندز) في برمانا، وبين أشجار الصنوبر، زُرعت شجرة زيتون عتيقة كي تظلل الحفرة التي رقد فيها رماد إدوارد سعيد. نحو ستين شخصاً من أفراد العائلة والأصدقاء القريبين، التقوا في العاشرة من صباح أمس في برمانا، من اجل أن يضعوا الزهور على قبر الكاتب الفلسطيني الكبير، الذي اختار لبنان مثوى لرقدته الأخيرة.
كان الصمت ينتشر فوق أغصان الصنوبر. أغصان شجرة الزيتون التي زرعت أول من أمس كانت تورق فوق القبر. وكانت الدموع تختنق في المآقي. نساء ورجال، تحلقوا حول الحفرة التي وضع فيها الرماد الذي جاء من نيويورك، كي يكونوا إلى جانب إدوارد سعيد، حين تستقبله الأرض وتأخذه إلى أسرارها الأخيرة..
غير إن الصمت الذي لفّ المقبرة - الحديقة، نبهنا إلى الحقيقة. كاتب مثل إدوارد سعيد لا يموت.. كلماته تتنفس في قرائها، وأفكاره تعيش في ساحة الحرية التي يصنعها الإنسان. فإدوارد سعيد ِلا تليق به المراثي. الحياة وحدها تليق به.
في المقبرة الحديقة، حيث بعض الذين يشعرون بألم الفراغ الكبير الذي تركه غياب إدوارد سعيد. سمعنا صوت الحياة، ورأينا كيف إن موت الكاتب ليس سوى إحدى استعارات حياته المستمرة.



#محمد_بسام_جودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها المحتل ارحل ...فهنا في غزة جنوب لبنان آخر!!!؟؟؟
- الخطاب الاعلامي الفلسطيني والقضايا المحورية القدس ..اللاجئين ...
- حتى لا يصبح الانسحاب من غزة كابوساً في نفق مظلم ...!!!
- الغزو الثقافي الصهيوني...وثقافة المقاومة
- من رفح الشامخة إلى قمة الخجل والذل العربي!!!
- أزمة الثقافة العربية وتحدياتها في ظل الهيمنة الغربية
- إشكاليات الثقافة العربية المعاصرة وآفاق المستقبل
- من الجدار إلى الانسحاب من غزة ماذا يخطط شارون!!! كي لا نلدغ ...
- صفعة مزدوجة من الليكود لشارون وبوش !!!


المزيد.....




- في نطاق 7 بنايات وطريق محدد للمطار.. مصدر لـCNN: أمريكا ستقي ...
- المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي يستقيل ويعتبر أن -ل ...
- لجنة أممية تتهم إسرائيل بعرقلة تحقيقها في هجمات 7 أكتوبر
- فيديو: -اشتقتُ لك كثيرًا يا بابا-... عائلات فلسطينية غزة تبح ...
- برلين ـ إطلاق شبكة أوروبية جديدة لتوثيق معاداة السامية
- رئيسي: ردنا المقبل سيكون أقوى وأوسع
- نتنياهو: حرب غزة جزء من تهديد إيرن
- -حزب الله- يستهدف مقرات قيادة ومراقبة جوية للجيش الإسرائيلي ...
- الجيش الأردني يكثف طلعاته الجوية
- مناورات تركية أمريكية مشتركة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بسام جودة - لم نخسره وحدنا بل خسره العالم أجمع ، لأنه ما آن لهذا الفارس العملاق أن يترجل-في الذكري السنوية الأولى لرحيل المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد