أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منعم زيدان صويص - دفاعا عن الحكام العرب!















المزيد.....

دفاعا عن الحكام العرب!


منعم زيدان صويص

الحوار المتمدن-العدد: 3224 - 2010 / 12 / 23 - 02:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الأربعينات من القرن الماضي ولدت فكرة لدى الشعوب العربية وبدأت تنتشر بين طبقات المثقفين، وعششت في عقول معظم الناس، مفادها أن الحكام العرب غير أمناء على مسؤولية حكم شعوبهم وان معظمهم خانوا شعوبهم ولا يزالون، وتعاونوا مع الاستعمار. كانت قضية فلسطين هي المرجعية الرئيسة لهذه الأفكار، وكانت، وفي الحقيقة لا تزال، هي الباروميتر الذي يقيس الوطنية، بالإضافة لكونها أداة ابتزاز يستخدمها كل العرب ضد بعضهم. فنظم الشعراء القصائد وكتب الكتاب المقالات وألقى الخطباء الخطابات التي تنتقد الحكام بشكل عام دون أن تسميهم. ومات الحكام وتبدلوا وتغيرت الأنظمة ولكن الفكرة لم تمت أو تتغير. وبسبب بؤس الشعوب العربية وتخلفها، الذي امتد لعدة قرون، أقنعت نفسها بذلك ووجدت الشماعة التي تعلق عليها فشلها، وأصبحت الفكرة متنفسا لهذا الشعور بالخيبة. وأصبح الناس مقتنعين عموما أن ليس في العرب وشعوبهم شي خطأ وانه إذا أزيل الحكام ستنطلق الشعوب وتشكل امة عظيمة. واستوعب الأولاد في المدارس، حتى الحكومية منها، هذه الأفكار والقصائد وحفظوها. أما الحكام، فلم يشعروا بحرج كبير، لأنه كان باستطاعة أي منهم أن يقول: أنا لست المعني بهذا بل غيري. وعلى العكس كانت الفكرة ملائمة لهم. فالشعوب تُمنح الفرصة لتفريغ غضبها ويبقى الحكام مسيطرين. ومن الأمثلة على ذلك مسرحيات دريد لحام ونهاد قلعي ومحمد الماغوط في سوريا، فهي لم تؤثر على الحكام بل على العكس، أظهرتهم بصورة المتسامحين الذين يشجعون النقد وحرية التعبير في بلادهم. وكتبت القصائد التي تبدأ بشكل عام بشرح الوضع المزري "للأمة العربية" ثم تمدح الماضي العربي عندما كان العرب "يخيفون" العالم وعندما كان العالم يحترمهم، وتنتهي بتحقير الحكام العرب بدون تسمية أي منهم وتمعن بإهانتهم أكثر فأكثر عندما تقارنهم بالحكام والخلفاء الذين حكموا الشعوب في العهود العربية الذهبية قبل ألف سنة، وتخلص، رغم كل ذلك، إلى بعث شيء من التفاؤل في النفوس بان العرب سيصبحون أقوياء في المستقبل عندما يأتي الحاكم القوي الشجاع المناسب، المهدي المنتظر، ويهزم الأعداء شر هزيمة "ويحرر فلسطين."

ومن القصائد التي حفظناها في المدرسة واحدة للشاعر السوري عمر أبو ريشه مطلعها:

أُمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرقٌ خجلا من امسك المنصرم

إلى أن يقول:

أمتي كم صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم

من الواضح أن البيت الثاني معناه أن الحكام العرب هم أعداء شعوبهم. هل هناك إهانه أكثر من هذه؟ هذا ما تكرره بعض وسائل الإعلام إلى هذا اليوم.

وفي قصيدة لخير الدين الزركلي يخاطب القدس:

عين الحمى تبكين والسحب تبكينا
لكل أمر حين خل البكا حينا
هاتي صلاح الدين ثانية فينا
الشامخ العرنين عزا وتمكينا
وجددي حطين أو شبه حطينا
تري اسود الغاب تزحف في الأغوار
جحافلا تنساب كالعارض المدرار

هذه القصائد نظمت في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، وهي لا تزال تعكس النفسية العربية في القرن الواحد والعشرين وعصر الانترنت. فالحكام العرب -- كلهم كما يظهر -- لا يصلحون للحكم وهم فاسدون وهم المسئولون عن تأخر شعوبهم. والقائد الناجح في نظر هؤلاء الشعراء يجب أن يكون كصلاح الدين الأيوبي يمتطي صهوة جواده ويقود خلفه الفرسان ليزحف على الأعداء ويطهر الأرض منهم. ولم يخطر ببال أي من هؤلاء الكتاب والشعراء، كما لا يخطر ببال الآلاف وربما الملايين الذين ينتقدون الحكام الآن، بنفس الطريقة المبهمة، أن يسألوا أنفسهم من أين جاء هؤلاء الحكام؟ هل تم استيرادهم من الخارج؟ هل جاءوا من الفضاء الخارجي؟ ولم يسألوا أنفسهم لماذا يكون الحاكم الجديد دائما أسوأ من القديم ولماذا يكون الحاكم الذي يأتي نتيجة لانقلاب عسكري أو غير عسكري و بتأييد من الثوريين ومثيري الشغب ومن يدٌعون أنهم مثقفون والذين تسمعهم يوميا على أهم الفضائيات العربية، أسوأ بكثير من الذي سبقه لدرجة أن لسان حال الكثيرين يقول: كنا نبكي منه والآن صرنا نبكي عليه؟

إن عبادة الشخصية تنتشر بين الشعوب المتخلفة ومنها الشعوب العربية، فالحكومة عند هذه الشعوب هي شخص واحد، أي الزعيم. أما مئات الألوف من موظفي الحكومة، ومعظمهم عادة فاسدون، فلا احد يعيرهم أي اهتمام. وعندما لا يعجبها الحاكم تطالب بإزالته بكل بساطة متناسية أن إزالة الزعيم بشكل فجائي ينشر الاضطراب وعدم الاستقرار لسنوات عديدة في البلدان المتأخرة في غياب المؤسسات والدساتير. ألم يكن ما حصل في العراق والصومال وموريتانيا وغيرها درسا كافيا؟

هذا الموقف من الحكام نراه الآن يتردد في كثير من وسائل الإعلام وعلى لسان من يسمون أنفسهم أنصار حرية الرأي. وأعنف هذه الهجمات تشن على حكومات بلدان فيها درجة معينة من الديمقراطية وفيها معارضة تنتقد الحكومة. وكلما وجد كاتب أو محلل مقالة في صحيفة أجنبية تنتقد حاكما عربيا، يظن انه اكتشف كل شيء ويُعممها على الملأ وكأنها آيات منزلة دون أن يفهمها فهما شموليا يلقي الضوء على جميع جوانبها. أما الأنظمة الدكتاتورية الشمولية فلا ينتقدها احد. فليس فيها معارضة في الداخل على الإطلاق. ويعيش معارضوها في المنفى، في الدول الغربية التي يهاجمونها ليل نهار على شاشات التلفزيون الناطقة بالعربية ليبرهنوا لمستمعيهم العرب أنهم لا يؤيدون الغرب. إن معارضي هذه الأنظمة الدكتاتورية منفيون ويجدون صعوبة في انتقاد الأنظمة التي تحكم بلادهم لأنها تُقنع الشعوب أنها تحارب إسرائيل والغرب.

بعد الحرب العالمية الأولى كانت الشعوب العربية من أكثر شعوب العالم تأخرا فقد ظلت قرونا طويلة تحت الحكم العثماني. وكانت أكثرها تأخرا تلك البلدان التي لم تحتك بالغرب. وبدأت الدول العربية تأخذ استقلالها واحدة تلو الأخرى، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن الشعوب بقيت متأخرة، لأن تقدم المجتمعات يحتاج صبرا ووقتا طويلا. وبعد الثورة المصرية سنة 1952، وخاصة بعد حرب السويس سنة 1956 وتأميم القناة ، بدأت مصر تشجع الانقلابات في العالم العربي، وألهبت وسائل الإعلام المصرية، الأقوى في المنطقة في ذلك الحين، مشاعر الأجيال الجديدة ضد الأنظمة العربية. وكان الهدف توحيد الدول العربية، وخاصة المحيطة بإسرائيل، تحت قيادة مصر. وكان فشل الوحدة السورية المصرية مثلا صارخا على المواقف والسياسات الارتجالية غير المدروسة. وقامت انقلابات أو محاولات انقلابية تلتها انقسامات وصراعات في العديد من الدول العربية. ولكن الأوضاع في تلك الدول لم تتحسن قيد أنمله بعد هذه الانقلابات.

ومن المفيد هنا إعطاء بعض الأمثلة:

-- العراق. لقد برهنت الإحداث خلال أكثر من خمسين سنة، ولا تزال تبرهن، أن الانقلاب في بغداد سنة 1958 كان كارثة كبيرة ومستمرة، فمنذ ذلك الحين لم ير العراقيون طعم الاستقرار على الإطلاق، وكانت معظم الانقلابات دموية. وأخيرا جاء حكم صدام حسين، الأكثر دموية في تاريخ العراق الحديث، وتحقق شي من الاستقرار نتيجة البطش ولأن عائلته هي التي كانت تحكم، وكان من الممكن أن يحقق هذا الاستقرار بعض التقدم للشعب العراقي لولا حروب صدام على جيرانه. وبعد الحرب مع الكويت فرض الحصار على العراق وبدأت مأساة ومعاناة الشعب العراقي الطويلة.

سنة 2003 أعلنت الإدارة الأمريكية الحرب على العراق مستخدمة تبريرات كاذبة ومتعاونة مع المعارضة العراقية في الخارج ومستغلة ردود الفعل الغاضبة في الغرب على أحداث 11 سبتمبر2001. ودخلت قوات التحالف الغربي بغداد في 9 نيسان 2003. ولم تحرك الدول العربية ساكنا. و بدأت بعض الفضائيات ووسائل الإعلام العربية، التي تعيش على المشاكل وإثارة الناس وتظليلها، قبل وبعد الغزو، بتهييج الشعب العراقي والشعوب العربية، وخلق اليأس في النفوس مستعملة تعابير مثل "سقوط بغداد" أو "سقوط عاصمة الرشيد" وكأن النظام السابق أبدى مقاومة للقوات الغازية، متناسية أن ثلاثة أرباع الشعب العراقي كان معارضاً للنظام. وأصبحت كلمة "الاحتلال" كالخمر المعتقة في أفواه المعلقين السياسيين و المظللين والطائفيين ومدعي القومية والوطنية. ولم تحاول وسائل الإعلام ولا الحكام العرب، الذين يخافون شعوبهم، أن ينصحوا الشعب العراقي بالهدؤ ريثما تنهض العراق من كبوتها وأوحالها وتستقر الأمور حتى تقوى وتستطيع أن تحرر نفسها وتختار نظام الحكم الملائم لها.

-- السودان. ماذا استفاد السودان من تغيير الحكام؟ لقد برهنت الأحداث أن المشكلة في السودان كانت الأمية وعدم التنوير وتدخل العسكر المستمر في الحكم، والسياسيون الانتهازيون الذين تلعب بهم الدول الأخرى. عبد الرحمن سوار الذهب ضابط في الجيش السوداني، هاله ما رأى من الانقسامات والفساد وسؤ الحكم في بلاده. وفي نيسان من عام 1985 قام بانقلاب عسكري ابيض وسيطر على البلاد وصمم على إدخال الديمقراطية والحكم النظيف إلى السودان. وأعلن سوار الذهب من البداية انه سيجري انتخابات نزيهة خلال عام ويسلم السلطة لحكومة منتخبه. وفي بادرة لم يعهدها التاريخ العربي المعاصر، سلم المشير سوار الذهب مقاليد السلطة لحكومة الصادق المهدي المنتخبة. واعتزل العمل السياسي ليتفرغ للأعمال الخيرية. ولكن الأحداث برهنت أن تصرف سوار الذهب كان للأسف خطأ. فلو انه حكم السودان كدكتاتور مخلص لكان ذلك أفضل بكثير ولما رأينا كل هذه الانقسامات والصراعات الداخلية الخطيرة.

لم يسفك سوار الذهب دم رجل واحد، ولكن السودان لم يستقر لأن السياسيين الآخرين كانت لهم حساباتهم، وأطماعهم، ومخططاتهم. فلم يأخذ احد من الساسة السودانيين درساً في الأخلاق من سوار الذهب. وفي عام 1989 استولى عمر حسن البشير على السلطة، وطرد الحكومة المنتخبة، أيضا في انقلاب عسكري. وبعد أيام من انقلابه اتهم بعضَ ضباط الجيش بالتآمر عليه واعدم 28 ضابطاً، وبعدها استقرت له الأمور، ولا يزال على رأس السلطة إلى الآن، يشرف علي تفتيت السودان. وهذا يذكرنا بمحمد علي باشا، حاكم مصر في بداية القرن التاسع عشر، عندما دعا زعماء مصر الذين كان يشك في ولائهم، إلى مأدبة غداء وأمر بتقطيع رؤوسهم ليستقر له الحكم. وفعلاً استقر الحكم له ولسلالته من بعده حتى ثورة عبد الناصر سنة 1952.

-- اليمن. كانت اليمن الشمالية من أكثر البلدان تخلفا في هذه المنطقة المتخلفة. وكان الإمام يحيى حميد الدين رمزا للتخلف والجهل. وخلفه الإمام احمد الذي كان يُظهر شيئا من الانفتاح على العالم والذي اقترح على جمال عبد الناصر أن تنضم اليمن للجمهورية العربية المتحدة -- مصر وسوريا -- ولكن الدولتين لم تظهرا التشجيع الكافي له. وخلفه سنة 1962 ابنه البدر. وبعد أسبوع قام عبد الله السلال بانقلاب، بتأييد من مصر، وأرسلت مصر جيشها إلى اليمن لدعم الانقلابيين بينما أيدت السعودية الإمام واستمرت الحرب سنينا طوالا. وبقي الجيش المصري في اليمن عدة سنوات وأُنهكت مصر بسبب حرب اليمن التي كانت من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انهيار مصر, ومعها الأردن وسوريا، في حرب 1967. لقد كان دخول الجيش المصري إلى اليمن لدعم انقلاب السلال مثل دخول الجيش السوفيتي إلى أفغانستان لدعم بابراك كرمال عام 1979 والذي دق المسمار الأخير في نعش الاتحاد السوفيتي. لقد كان من الممكن أن تتمتع اليمن بالاستقرار وتتقدم أكثر مما تقدمت في العهد الجمهوري لو بقي الحكم ألإمامي، على علاته.

-- ليبيا. كلنا نعرف ماذا حصل في ليبيا بعد سنة 1969 فالحقائق لا تزال حية أمامنا. ومن الشواهد على تأخر وسطحية الشعوب العربية مسألة تتعلق بالاسم الذي أطلق انقلاب ليبيا. فقد سُمي ثورة "الفاتح" ليس لأنه فتح أي شيء بل فقط لأن الانقلاب نفذ في الأول (الفاتح) من سبتمبر، ولكن كلمة الفاتح التي ليس لها في هذا المجال أي معنى، ألهبت مشاعر الذين يكررون كالببغاوات ما يقال لهم، فيخرجون إلى الشوارع في مظاهرات تأييد يرددون: "ثورة شعبية-فاتح، ثورة عربيه-فاتح." هل هناك شيء أسخف من هذا؟ ألا يظن محبو تغيير الحكام انه لو بقي السنوسي وعائلته لكانت ليبيا أفضل وتخلصنا من كل هذه الفضائح؟

ماذا أفادت الانقلابات العديدة سوريا في الأربعينات والخمسينات والستينات؟ هل أفاد انقلاب حماس غزة وأهلها؟ وماذا كان يمكن أن يحصل في الأردن لو نجحت المحاولات الانقلابية العديدة؟ لو نجح أي انقلاب منها لأصبح الأردن الوطن البديل للفلسطيين منذ الستينات. انظر إلى الانقلابات في الصومال وفي غيرها. هل حسنت الانقلابات أي بلد عربي؟ برهنت الأحداث أن أفضل شيء يمكن أن يخدم أية دولة من هذا النوع هو الاستقرار فهو أفضل بيئة للتقدم حتى لو كانت الأنظمة فاسدة. تخيل لو أن هناك استقرار في العراق أو الصومال أو لبنان أو اليمن. إن الاستقرار الذي استمر في دول الخليج كل هذه السنين يساعد الآن في ظهور جيل يختلف كليا عن الأجيال الجاهلة التي سبقته ويساعد على تقدم المجتمع بدون انقلابات أو صراعات داخلية. ويكفي أن نقارن عُمان الحالية بعُمان سنة 1970.

إن تعليم الشعوب طرق المطالبة بحقوقها هو أفضل الطرق لتصحيح الأنظمة الفاسدة وخاصة في العصر الحديث، عصر الانترنت والانفتاح على العالم. وإذا قامت معارضة سلمية تحب شعبها فستنجح لأن كل الدول المتمدنة ستؤيدها. إن شعور الحاكم بعدم الاستقرار يشجعه أن يحكم حكما مطلقا وأن يجمع حوله شلُه من المخلصين له ليحكم سيطرته على البلاد ويضمن الاستقرار، وهذا طبعا يقود إلى مزيد من الفساد.

يظهر مما تقدم أن أي من الانقلابات في العالم العربي لم يحقق شيئا. ويمكن القول أن الانقلاب في مصر عام 1952 حقق بعض الانتصارات مثل تأميم القناة وبناء السد العالي، ولكن بعض الدارسين يقولون، ويقدمون البراهين الآن، أن هذه الانتصارات كان ممكن أن تحصل بدون انقلابات. صحيح من الناحية المعنوية أن مصر احتلت مكانة مرموقة في العالم الثالث في ذلك الحين ولكن تقدم مصر الثقافي والحضاري في العالم العربي قد توقف منذ الخمسينات وهي الآن تشبه الفيل العجوز الذي لا يستطيع أن يتحرك، فهي ترزح تحت الثقل الهائل لسكانها الذين لا تدري الحكومة كيف تطعمهم.

إن التأخر في العالم العربي ليس سببه الحكام بل الشعوب التي منها يخرج الحكام. ومع ذلك لا تزال كثير من وسائل الإعلام العربية تهاجم الحكام وتصب جام غضبها عليهم، وتنشر اليأس في المجتمعات مولدة التطرف والإرهاب. فهي لا تحاول أن تثقف الناس الذين يخرج الحكام من بينهم. لا تبذل وسائل الإعلام هذه أي جهد باتجاه تفتيح وتنوير الشعوب وتشجيعهم على حرية التفكير، وتغيير الأفكار والمعتقدات البالية التي ليس لها أي علاقة بالتقدم. أما الكتاب فهمهم فقط أن ينموا شعبيتهم بدغدغة مشاعر الناس البسطاء. على المثقفين ووسائل الإعلام أن تبدأ برفع معنويات الشعوب وبعث الثقة في النفوس وحثها على التقدم والوحدة، طواعية وليس بالقوة. يجب حث هذه الشعوب على أن تعتمد على نفسها وأن لا تلوم الآخرين وتتهمهم بأنهم سبب مشاكلها حتى لو كانوا أعداءها، فرحم الله امرءا عرف قدر نفسه. كثير من الأمم تفشل وتخسر حروب ولكنا ما تلبث أن تقوم من كبوتها وتستعيد قوتها - ألمانيا، اليابان، كوريا، فيتنام، و بلدان كثيرة غيرها.

إن أهم واجب على الحاكم هو تأمين الاستقرار لشعبه فبدون استقرار لن يكون هناك تقدم. لقد دأبت اكبر وسيلة إعلاميه عربية، ولا تزال، على تحريض الشعوب العربية ضد حكامها وإثارة القلاقل واستغلال الخلافات الداخلية في البلدان العربية. ونحن نعرف ونستطيع أن نرى كيف تُشجع عدم الاستقرار في البلدان العربية غير المستقرة مثل اليمن والعراق ومصر ولبنان ودول المغرب العربي، وهي تستقطب الإعلاميين الذين كل همهم في الدنيا أن يزايدوا على غيرهم ويلهبوا الأجواء في البلاد العربية لنشر الفتن وعدم الاستقرار.

قال ابن خلدون في مقدمته: الإنسان مدني بالطبع، ولكن يظهر أن الإنسان العربي قبلي بالطبع. إن القبلية تورث الجهل والتخلف وتشجع الانقسامات. ولو استطاعت كل قبيلة أو عائلة عربية أن تنشئ دولة خاصة بها لما ترددت. أنظر ماذا يحدث في العراق. من كان يصدق أن في العراق كل هذا الحقد وكل هذه الطائفية المقيتة وهذه الانقسامات؟ أنظر كم عدد المنظمات الفلسطينية التي تنتشر في فلسطين وخارجها. هل تحاول وسائل الإعلام العربية أن توحد بدل أن تفرق؟

عندما قرر الأوربيون أن يتوحدوا عملوا استفتاء في كل دولة، وبعض الشعوب الأوروبية كان لها اعتراض على الوحدة. فبريطانيا إلى الآن لا تريد أن تستبدل عملتها باليورو. هل قامت أي دولة أوروبية أو أي سياسي أو كاتب باتهام الانجليز بالخيانة كما يتهم العرب بعضهم إذا اختلفوا معهم بالرأي؟ هل هاجم أي أوروبي هولندا عندما أظهر الهولنديون في البداية عدم الرغبة في الانضمام للاتحاد الأوروبي؟ هل تبادل الإعلام الأوروبي اتهامات كالتي تنشرها وتروجها وسائل إعلام عربيه تدافع، زورا وبهتانا، عن "الرأي والرأي الآخر؟"

لا احد ينكر أن الفساد يستشري في كثير من الأنظمة العربية وهذه الأنظمة يسيطر علها أشخاص فاسدون ولكن عندما يزال هؤلاء الأشخاص بالقوة يحل محلهم أشخاص أكثر فسادا منهم لانعدام المؤسسية في الحكم. والعلاج لا يتم بالانقلابات وعدم الاستقرار بل يبدأ من الجذور بنشر الأخلاق والمبادئ الإنسانية العقلانية السمحة والتنوير وإنشاء مؤسسات ديمقراطية تؤمن بالانتقال السلمي للسلطة. إن التقدم في العالم العربي لا يحدث بالإطاحة بالحكام وخلق القلاقل الأبدية في البلاد العربية وتشجيع السياسيين الانتهازيين وإنما بالتركيز على المجتمعات العربية المتخلفة والرفع من مستواها ومن معنوياتها وطريقة تفكيرها حتى تؤثر على حكامها أو تنتج حكاما جيدين غير فاسدين يحبون أوطانهم ويخلصون لشعوبهم.



#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأيٌ في الحجاب
- كيف ستؤثر لبرالية الغرب الدينية على المسلمين في عصر الانترنت ...


المزيد.....




- بوتين -خالف البروتوكول-.. فيديو يرصد تصرفا بمراسم تنصيب رئيس ...
- طلبة جامعة أمستردام يطردون سيارة شرطة بعد أن قمعت مخيما تضام ...
- لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟ ...
- نتائج مرعبة.. فيديو من ناسا يكشف ما سيحدث عند السقوط في ثقب ...
- -كل ما يفعله هو الأكل-.. أم تلقي بطفلها الأبكم في قناة مليئة ...
- نقطة النهاية
- إخفاقات القوات المسلحة الأوكرانية تخيّب آمال دائني أوكرانيا ...
- مصر.. مجموعة مجهولة تتبنى قتل رجل الأعمال الكندي في الإسكندر ...
- صحيفة: -الفطيرة الروسية- ألغيت من مأدبة ماكرون وشي
- الولايات المتحدة أنجزت بناء الميناء العائم قبالة غزة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منعم زيدان صويص - دفاعا عن الحكام العرب!