أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عقيل الناصري - الضباط والسياسة في العراق الحديث :مدخل تاريخي















المزيد.....



الضباط والسياسة في العراق الحديث :مدخل تاريخي


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 964 - 2004 / 9 / 22 - 11:34
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


       { عادة ما يستولي الجيش على السلطة في الداخل عقب هزيمة في ساحة القتال لا بعد تحقيق النصر } 
                                        روستو
                 { إن الضابط يحظى باحترام يزيد كثيرا عما يلقاه رجل يملك القليل من المال}
                                خبير في شؤون الشرق الأوسط
             { الحرب قضية خطيرة وجدية إلى الحد الذي لا يمكن تركها للعسكريين وحدهم  }.
                                                  كليمنصو
              { السياسة قضية خطيرة وجدية إلى الحد الذي لا يمكن تركها للسياسيين وحدهم}.
                                                   ديغول
                        { الزعيم في هذه المنطقة من العالم، أما أن يكون قوياً أو ميتاً }      خبير في شؤون الشرق الأوسط
 
 
         
اصبحت المؤسسة العسكرية تلعب دوراً مهماً في أغلب بلدان العالم الثالث. وقد تميز هذا الدور بالازدواجية.. فهو يقوم مرة بدورة مؤسسة رسمية وثانيةً بدور مؤسسة سياسية خاصة. وفي آحيان اخرى وفي ظرفٍ ومكانٍ معينين (ربما) يلعب كلا الدوريين في اطار صيرورة الاندماج الديناميكي لهذه البلدان, التي تولي أهمية كبيرة للعوامل المنبثقة عن الوضع الدولي وحدة صراعاته وتناقض مصالح أطرافه وطبيعتها. إذ يوضح تاريخ هذه البلدان أن اختصاصيو العنف المنظم هم أكثر نفوذاً في الميادين السياسة الداخلية, مقارنة بزملائهم في المجتمعات الصناعية.
 تستنبط بعض من مركبات هذا الموقف من التضخيم الذاتي المفرط للعسكري المحترف الذي " نموذجه المثالي ليس رجل العلم أو المهندس أو الاداري صاحب الاعمال. فصورته الذاتية المهنية تتضمن مركباً بطولياً لا مرد له من حيث أن على العسكري أن يجابه الخطر.. وها هو يتحول إلى استاذ ... [1] ". هذا الموقف ولَّدَ لدى الضباط حالة نفسية من كونهم قوة عصرية منظمة وقادرة على التحرك السريع والتصرف بالوسائل الفتاكة, فأيقظ فيهم ثانيةً (الدور التاريخي) المناط بهم وباعتبارهم قوة طليعية حقيقية ذات رسالة تاريخية, بعض النظر عن مدى مصداقية وجدية ذلك.              
يوضح تاريخية تأسيس الجيش العراقي أن مساهمة ضباطه في الفعل السياسي المباشر، يعود إلى مرحلة ما قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة(1921)، إذ ساهم عدد لا بأس به من الضباط العراقيين في الجيش العثماني، الذين تراوح عددهم عام 1914 في حدود ألف ضابط آنذاك، في النشاط السياسي والحزبي المباشر وخاصةً منذ مطلع لقرن الماضي، وعلى الأخص بعد  تزايد دور القوميين الأتراك واستيلائهم على السلطة السياسية في انقلابهم على سلطة السلطان عبد الحميد الثاني عام 1908.
لقد كون هؤلاء الضباط بالاشتراك مع بعض من زملاءهم العرب جمعيات سرية من أجل إحياء الثقافة العربية وتحقيق الإدارة الذاتية والتمتع بشيء من الحرية السياسية المشتقة من ذات الشعار الذي رفعه الاتحاديون (الحرية، العدالة، المساواة). وقد تطورت هذه المطالب مع  طبيعة الحكم العثماني، حتى بلغت حد المطالبة بالاستقلال السياسي للدول العربية، المشرقية على وجه الخصوص، خاصةً بعد أن نقضت سياسة الاتحاديين جوهر شعاراتهم وتصاعدت لديهم النعرة الطورانية [2]، التي كانت الاتاتوركية تعبيرها العملي، والتي استندت على ثلاثة مكونات هي:
-       تفوق العنصر التركي؛
-       إبعاد الصراع الطبقي؛
-       العلمانية/التغريبية التي طبقت بالقوة.
 لقد تجلت الطورانية عملياً في تتريك الحياة بكل أبعادها لكل ما هو غير تركي في البلاد الواقعة ضمن سيطرة الدولة العثمانية. وقد تزامن ذلك " بخروج الممتلكات الأوربية، ولم يعد في الحيازة التركية من الشعوب سوى العرب، الذين شكلوا أغلبية سكانية بنسبة 5 عرب إلى 3 أتراك. إلا أن حقوقاً للعرب لم يكن معترف بها، ولم تكن الدولة تراعي لا إسلام العرب ولا نسبتهم السكانية.. ففي أعقاب الدستور العثماني عام 1908 والذي أعتبر يوم إعلانه عيداً للحرية في بلاد العرب تشكل المجلس النيابي من 245 عضواً، ترك فيه للعرب ستون مقعداً فقط. وبنسبة 5 للأتراك و2 للعرب، وأعطي للعرب مقعد واحد في مجلس الأعيان من 40 مقعداً [3] ".
وكرد فعل لهذه السياسة، أسس بعض الضباط حزب العهد برئاسة عزيز المصري في أواخر عام 1913. " وكانت سياسة حزب العهد تنحصر في الدفاع عن مصالح العرب وتحقيق الحكم الذاتي للأمة العربية ضمن الإمبراطورية العثمانية [4] ". وكانت عضوية الحزب مقتصرة على الضباط العرب وأغلبيتهم كانوا من العراقيين ومن الرتب المتوسطة والدنيا منهم:  ياسين الهاشمي ونوري السعيد وجميل المدفعي وغيرهم. كما أسس الحزب فرعين قبيل الحرب العالمية الأولى أحدهم في بغداد وكان من أبرز أعضاءه طه الهاشمي وتحسين علي وعبد الغفور الشالجي، والأخر في الموصل وكان من أعضاءه البارزين مولود مخلص وعلي جودت وشريف الفاروقي[5] وغيرهم.
 في الوقت نفسه انتظمت مجموعة أخرى من الضباط في جمعيات سرية أخرى:" مثل " القحطانية" و" العلم الأخضر "و " العربية الفتاة " والعلنية مثل: " المنتدى الأدبي "و " حزب اللامركزية"[6]…". كان عدد الضباط المسيسين في الجيش العثماني بصورة عامة, قليل جداً  كالعادة، بالمقارنة مع مجموع الضباط الإجمالي الذين كانوا يخدمون آنذاك والذين قدروا بحدود 24 ألف ضابط[7].
وبعد نشوب الحرب العالمية الأولى، وما نجم أثناءها من توافق في المصالح بين دول المحور والزعامة العربية المحلية التقليدية التي ساهمت في إشعال ما أطلق عليه (الثورة العربية) برئاسة الشريف حسين عام 1916، فإن " قلة محددة من الضباط.. انضموا بمحض اختيارهم إلى أعداء السلطان، ولم يتطوع- أو أغري على التطوع– معظمهم إلا بعد أن وقعوا في أسر الإنكليز. وبالطبع هنالك فرق بين الهارب من الجندية وبين الأسير. وإن كانت هناك حالات اختارت الأسر على الفرار. من ناحية أخرى فقد كان هناك فارون من الجيش العثماني لم تكن لديهم الرغبة لأسباب شخصية أو سياسية، في الحرب إلى جانب الحلفاء. وكان نوري السعيد، الذي كان عضواً بالعهد أحد هؤلاء عام 1915 [8] ".
لم يعكس هؤلاء الضباط عامةً (والحزبيون منهم خاصةً) توجهات الرأي العام العراقي السائدة آنذاك. في الوقت نفسه من الصعب اعتبار توجهاتهم السياسية والعقائدية تعبر عن الرأي العام العربي أو العراقي، رغم تعدد وتشظي هذا الأخير، لأن الضباط كانوا في انفصال جغرافي شبه دائم، وفي عزلة عن واقع مجتمعهم، نتيجة خدمتهم في أصقاع أخرى من جهة. وفي شعورهم بالتفوق الاجتماعي وهي من السمات المهنية والسلوكية للموظفين العثمانيين عامةً و للضباط بصورة خاصة، إذ كانوا ينظرون إلى ذواتهم الفردية بروح متعالية مضخمين إياها وفيها ازدراء للكثير من القيم الاجتماعية السائدة وخاصةً في المناطق غير التركية من جهة ثانية.
 كما كانوا ينظرون لأنفسهم على أنهم يمثلون ذلك التواصل للحلقة التاريخية السابقة التي كان فيها للقواد العسكريين القدح المعلى في إدارة المجتمع العربي/الإسلامي على مختلف مراحله السابقة، لكن بمنظور أكثر ملائمةً لروح العصر السياسية.
مثلت هذه المشاركة السياسية للضباط العراقيين في الجيش العثماني، البدايات الأولى لعملهم السياسي التي ازدادت نسبتها (المطلقة) بصورةٍ فعالة بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921، نتيجةً لجملة من الشروط والظروف الاجتماعية والسياسية لعراق تلك المرحلة وآلية توازناته القلقة ولحساسية تكويناته الاجتماعية والدينية والقومية، كعوامل داخلية أرأسية، ولطبيعة قوى الاحتلال وتوجهاته اللاحقة كعامل خارجي وسعيه لتكوين قاعدة اجتماعية لحكم تتناغم ورؤاه ومصالحه، كان هؤلاء الضباط يمثلون أهم عناصرها.
 لقد رمت هذه الظروف الحسية الملموسة، بثقلها وراء هؤلاء الضباط، القليلين عدديا،ً لتسنم المناصب الرئيسية في السلطة الجديدة.. ومن ثم في صنع القرار السياسي المركزي وتحديد توجهاته ومساراته العامة حتى وسموا المرحلة الملكية برمتها ورسموا أفق العراق الحالي ضمن ظروف تاريخية (داخلية وخارجية) محددة ومساعدة في الوقت ذاته.
 بمعنى أدق، غُرزت المؤسسة العسكرية عبر ضباطها في قلب مركزية سلطة الدولة من قبل قوى الاحتلال، وغرزت هي ذاتها بعمق في القاعدة الاجتماعية للحكم الملكي.. حتى أمست أهم عناصرها وأصبحت منذ ذلك التاريخ وطيلة القرن العشرين، مقر السلطة والسيادة الحقيقتين، وبالتالي امتلكت مفاتيح التغيير في الدولة وأصبح الضباط النواة المركزية لنخب الحكم وتكتلاته. لقد تجلى ذلك في سيطرتهم على رئاسة الوزارة ووزارات القوة (الدفاع والمالية والداخلية والخارجية)، كذلك على رئاسة مجلسي الأمة (النواب والأعيان). وإزداد تدخلهم في مرحلة الجمهورية وخاصةً منذ الجمهورية الثانية ( شباط 1963- نيسان 2004).
 كما أصبحت المؤسسة العسكرية وسيلة القهر الرئيسية للدولة والتي تستخدمها عند تهديد مصالح قاعدتها الاجتماعية من قبل الفئات والطبقات الأخرى. في الوقت ذاته استخدمتها كتل نخبة الحكم ضد بعضها البعض الأخر في صراعاتهم الانوية.
 هذا الواقع اقترن بأن هؤلاء الضباط قد أكدوا، حسب تصورهم على الأقل، على أدائهم لدورهم ( التاريخي) أكثر من سيادتهم المطلقة التي كان يحد منها كل من: (النظام البرلماني) الشكلي وجملة القيم الهجينية التي أُدخلتها قوى الاحتلال لإدارة مؤسسات الدولة بعد تأسيسها. لقد تحول هؤلاء الضباط الذين ساسوا المجتمع آنذاك إلى شخصيات غير مسؤولة ذات غطرسة مضخمة، يرون في الجماهير والمرءوسين عليهم الطاعة تحت سوط الشك الدائم بهم باعتبارهم متمردين وخارجين عن القانون أو أنهم لا يعبرون عن إرادة الأمة.
لقد سمح موقع الضباط في مؤسسات الدولة على منحهم قدرة كبيرة على الحراك الاجتماعي ( العمودي والأفقي)، نظراً لما كانوا يتمتعون به من مؤهلات ثقافية، ومما يتصرفون ويتحكمون به من وسائل العنف، ومما كانوا يحصلون عليه من دخول وامتيازات.. أهلتهم كل هذه الظروف على المصاهرة فيما بينهم وكذلك مع الأسر الغنية والمالكة والأرستقراطية القديمة، مما راكم لديهم  مصادر القوة السياسية والاجتماعية. وبالمحصلة ازداد تأثيرهم وتحكمهم بالقرار المركزي للدولة.
 ومن العوامل المهمة التي ساعدت على بلوغ هذه النتيجة وتسيس الضباط هو:
- رغبة قوى الاحتلال في التعامل مع هؤلاء الضباط وهذا ما كشفت عنه الآلية التي اعتمدتها بريطانيا التي استندت على قوى العنف المنظم وإبعاد الفئة المتعلمة من الطبقة الوسطى والضعيفة في الوقت نفسه، من صنع القرار المركزي[9]. إذ سبق لبريطانيا أن تعاملت منذ الحرب العالمية الأولى مع عديد من هؤلاء الضباط، وازدادت بعد اندلاع (الثورة العربية) عام 1916.
 - ولكونهم " من العناصر القومية من العراقيين منتظمة في عدة تنظيمات ومجموعات متميزة. إلا أن هذه التنظيمات كانت تمثلها لجنة تم تشكيلها سنة1920 للتفاوض مع وزارة الخارجية البريطانية وكانت هذه اللجنة تضم ستة أعضاء عراقيين ومقرها في دمشق حيث كان هؤلاء أعضاء في حكومة الملك فيصل - ملك سورية. وكانت هذه اللجنة تضم الملك فيصل وجعفر العسكري، ناجي السويدي، ياسين الهاشمي، مولود مخلص، علي جودت الأيوبي ونوري السعيد، حيث كانوا جميعاً أعضاء في جمعية العهد التي كان يترأسها فيصل[10]  "، وكانوا جميعهم ضمن قوام جيشه العربي المتحالف مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية.
- كما أن أغلبهم " قدموا خدمة جيدة جداً لبريطانيا ومعظمهم موالون لبريطانيا ". كما عبر عن ذلك لورانس، ولأجل إمكانية استخدامهم " لتحقيق خدمة لبريطانيا في مناطق عربية أخرى ", كما صرح تشرشل، وباعتبارهم " إداريون مدربين [11] " حسب قول المس بيل. بمعنى أخر أهلت قوى الاحتلال وأعدت هؤلاء الضباط ليلعبوا الدور الأرأس في تمكين الدولة المركزية وبسط نفوذ التشكيلة الاجتماعية الجديدة ومن وقوفهما على قدميهما في الحدود المرئية التي كانت تسمح بها كل من قوى الاحتلال والظروف التاريخية الملموسة.
-   ويمكن ذكر عامل أخر لتسيس الضباط، وهذا يكمن في تأثرهم بالأفكار الانقلابية التي حدثت في كل من تركيا 1908والانقلاب الاتاتوركي, الذي كان يمثل المثل الأعلى لأغلب ضباط تلك المرحلة، وكذلك ما حدث في إيران, حيث سيطرت المؤسسة العسكرية على مقاليد السلطة فيهما. هذه الأحداث حفزت نظرائهم العراقيين على تتبع خطاهم.. خاصةً إذا علمنا أن أغلب ضباط العشرينيات كانوا عثمانيو المسلك والثقافة.
- ونستطيع أن نضيف البعد السيسيولوجي الكامن في الموروث الثقافي/الاجتماعي وما يضيفه الدين من هيبة بل وحتى في بعض الأحيان من شرعية دينية ودنيوية، للمجاهد/ للمقاتل /للعسكري في منطقة هي من اكثر مناطق العالم من الناحية التاريخية، تعرضت للغزو العسكري الخارجي و معظم دولها تكونت حدودها السياسية المتحركة نتيجة للفتوحات العسكرية على مر العصور.
- ويمكننا القول أيضاً أن بريطانيا استوحت فكرة العمل مع الضباط في العراق مما كان سائدا في أمريكا اللاتينية منذ أواخر القرن التاسع عشر، حيث عجت المنطقة بالانقلابات العسكرية نتيجة الترابط العضوي لمصالح القادة العسكريين الكبار لتلك الدول مع المراكز الرأسمالية – امريكا على وجه الخصوص. أن نجاح الولايات المتحدة قد أغرى البريطانيين على تتبع ذات المسار بعد أن ضخمت ذاتهم من خلال الترويج لفكرة أن الجيش تجسيداً لوحدة البلاد. والذي فرضتها بالوسائل القسرية كما يدلل على ذلك تاريخ العراق السياسي.
  من هذه الوضعية التاريخية يمكننا استنتاج نتيجة منطقي مفادها أن البريطانيين –  كقوى احتلال ، أنشأت الدولة العراقية وسلمت إدارتها إلى الضباط الموالين لها وخاصةً تلك الفئة التي تعاونت معها أثناء الحرب العالمية الأولى والتي كانت ضمن قوام الجيش العربي الذي قاده الشريف حسين وأبناءه عام 1916. ومنذ ذلك الحين أحكم الضباط سيطرتهم على زمام الدولة العراقية. وقد حظيت هذه الوضعية بقبول الضباط الآخرين في مختلف المراحل اللاحقة.
 كانت الانقلابية العسكرية تعبيراً عن صراع الضباط على الحكم سواءً أثناء الحكم الملكي، الذي شكله مدني وجوهره عسكري، أو الجمهوري. كما عبرت الانقلابية العسكرية، في بعض أوجهها عن مدى تناقضات نخبة الحكم وعن طبيعة أزمته البنيوية. كما كانت تعكس في بعضها الأخر عن الطموحات الفردية للضباط المغامرين وخاصةً أثناء المرحلة التموزية/القاسمية. وأخيراً فالانقلابات العسكرية عكست إلى حدٍ ما، عن أوجه التناقضات الاجتماعية والسياسية بصورةٍ عامة، وداخل المؤسسة العسكرية بصورةٍ خاصة.
 وفي الوقت نفسه أفرزت الانقلابية العسكرية عن ظاهرة (شاذة من حيث تكرار حدوثها)، تكمن في موقف قاعدة المؤسسة(المراتب والجنود) من قيادتها (الضباط). والتي كانت, إلى حدٍ ما, تعبر عن ماهية التناقض الاجتماعي داخل المؤسسة. إذ لوحظ ولأول مرة في العالم الثالث أن قام العديد من المراتب بالتصدي لانقلابات الضباط وإحباطها سواء بالكشف عنها قبل حدوثها أو المساهمة في التصدي لها. تجلت هذه الظاهرة بشكل مادي ملموس في زمن الجمهورية الأولى ( تموز1958- شباط 1963) كذلك في حركة المراتب ضد سلطة البعث الأولى في تموز 1963 والتي عرفت في الادب السياسي ب (حركة حسن سريع ) . ويمكننا القول أنها من أولى هذه المحاولات في العالم الثالث [12].
يوضح هذا العرض المكثف، أن مساهمة ضباط المؤسسة العسكرية في الفعل السياسي وممارسته العملية، الرسمية وغير الرسمية، قد بدأ قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وازدادت وتائره تدريجياً مع نمو التناقضات والصراعات الاجتماعية وثبات مؤسسات الدولة والتطلع نحو مركزتها ، وبصورةٍ خاصة بعد أن أوكل لها مهمة " توحيد الأمة " بالقوة المادية، وما رافقها من فشل النخب السياسية في إدارة الصراع الاجتماعي بصورة سلمية وحل القضايا الاقتصادية، وتبعية السياسة الخارجية الموالية لبريطانيا، وكذلك ما له علاقة مع القضايا العربية وغيرها.
من جانب أخر، ظهر الفعل السياسي المناهض للحكومات في البدء, ضمن المؤسسة العسكرية بصورة سرية مكبوتة، وتفاعل ضمن أطر تنظيمات سرية، وهذا نتاج " لطبيعة الانضباط العسكري وقوة المحاسبة وسرعتها وتأصل التقاليد القديمة والزهو بها، وابتعاد الجيش في الثكنات والمحطات الخارجية عن الحياة المدنية للمجتمع [13] ". وقد تطورت هذه التنظيمات لاحقاً مع تطور التناقضات الاجتماعية ذاتها، ثم أخذت تنمو نوعيا ويتسع حجمها لتشمل مستويات عدة ضمن هرم المؤسسة العسكرية. لكن في الوقت نفسه لا تتوفر أدلة عن تاريخ موثوق ومحدد عن تشكيل أول منظمة سرية داخل هذه المؤسسة.
 لقد تباينت مواقف هذه التنظيمات الفكرية ودوافع وغائيات تكتلها وتكونها، إذ تراوحت بين الطموح الذاتي للوثوب على السلطة والتحكم في قرارها المركزي، وبين برنامجيه اجتصادية/ سياسية للبلد تتلائم وطبيعة تطور الوعي الاجتماعي وتجلياته السياسية والفلسفية، كما أنها اختلفت من حيث مدى جذريتها (الثورية)، على ندرة تبلورها وتبنيها.
والجدير بالذكر أن الظاهرة الانقلابية تكاد تنعدم في المجتمعات المتبلورة طبقياً التي يتميز نظامها السياسي، على الغالب، بكونه من "… المجتمعات الراسخة في الديمقراطية، حيث جعلت المؤسسة العسكرية بكاملها تحت سيطرة المدنيين [14] "، وليس العكس كما هو الحال في اغلب بلدان العالم الثالث ومنطقتنا العربية منها.
وهكذا كانت ظاهرة تدخل العسكر في الفعل والممارسة السياسية، وما يستنبط منه، تمثل إحدى التجارب الأولى لدول المنطقة، لكنها كانت الأولى بالنسبة للدول العربية المشرقية. حيث ظهرت التنظيمات السرية منذ بداية تكون الدولة . [15]
وعليه يمكننا أن نمثل طبيعة المؤسسة العسكرية العراقية أبان المرحلة الملكية من حيث الانتماء الاجتماعي السياسي بالشكل التالي:
 
شكل بياني يوضح تركيبة الجيش من حيث الأنتماء السياسي والأجتماعي
                          في العهد الملكي
 
 

    
   
 
         
 
 
 
 
 
 
 
التكتلات السياسية في المؤسسة العسكرية أبان الثلاثينيات:
 
لقد تبلورت في خضم الصراعات الاجتماعية ومعادلات الحياة وتناقضات المصالح أبان بداية المرحلة الجديدة، مرحلة الاستقلال الشكلي وانتهاء الانتداب، ثلاثة اتجاهات أرأسية جديدة في الساحة السياسية والفكرية، انعكست في ماهيات وأوالية الحراك والصراع الاجتماعيين العاصفين اللذان شملا اغلب القوى الاجتماعية الحية, بعد ان تراجع نسبيا الفكر الديني والتقليدي آنذاك من معادلة الصراع. هذه الاتجاهات بصورة مكثقفة هي:
1-  الفكر القومي الذي راح يكثر الحديث عن عروبة العراق و البعث العربي و(بسماركية) دور العراق في توحيد الاقطار العربية من خلال القوة العسكرية وإذابة الاقليات القومية في بوتقة الوطن الواحد[16] بواسطة القوة المادية والمعنوية. وكان ينطلق في تصوراته من العام (الامة العربية) نحو الخاص (العراق) أي من أولوية عروبة العراق.
2-   الفكر الوطني ذو الصبغة الليبرالية المنطلق من أولوية عراقية العراق (من الخاص) ومن طبيعة تركيبته الاجتماعية والاثنية والدينية، المُركِز على طبيعة الأبعاد الاجتصادية للبلد إلى (العام) الأمة العربية, دون إهمال أو تناسي علاقة الأغلبية السكانية. بمعنى انه ادمج الفكرتين الوطنية والقومية في صيرورة نضالية واحدة منطلقا من أولويته الخاصة. بمعنى التركيز النسبي على الواقع المادي لعراقية العراق وتعددية تركيبته الاجتماعية/ الاثنية/ الدينية بمختلف عناصرها, والتي هي تعبير موضوعي عن شعور الأغلبية السكانية. كما كان لهذا الفكر الدور الريادي في دمج الفئات الاجتماعية الفقيرة والكادحة في الخريطة السياسية وذلك عندما تبنى الحركة العمالية الفتية منذ بدء تحركها وخاصة عند تشكيل جمعية أصحاب الصنائع قبيل توحيد المنظمات الماركسية عام 1934.
3-   الفكر الماركسي الذي بدأ يشق لنفسه طريقاً في واقع الحياة السياسية والفكرية في منحها   التقدمي ليصبح ظاهرة سياسية، شئنا ذلك أم أبينا، إتفقنا معه أم لم نتفق.. وكان له دورا متميزا في تحريك الواقع الاجتماعي بكل أبعاده، وخاصة عندما أخذ على عاتقه الدفاع عن المطالب الشعبية للفئات الاجتماعية الفقيرة.. ناهيك عن منهجية الخاصة في تحليل الظواهر الاجتماعية والفكرية ووترابطاتها الجدلية, ليصوغ صيرورات الفعل السياسي ويوسم تاريخ العراق الحديث..
لقد أصبحت هذه الاتجاهات العامة تمثل الخريطة السياسية والفكرية للعراق منذ بداية العقد الرابع من القرن المنصرم، وخاصةً بعد انحسار الفكر التقليدي والسلفي, (لاسباب موضوعية وذاتية لذات الفكر ولطبيعة تطور المجتمع), من لعب الدور الفعال في الوعي الاجتماعي وتجلياته النظرية ووممارسته العملية.
ويمكننا الإشارة بقوة أيضاَ إلى الاتجاه القومي الكردي المتمحور حول الحق الطبيعي لأمته المجزئة والطامحة إلى تكوين ذاتها ضمن وحدتها القومية وتقرير المصير.. وقد كان هذا الاتجاه في بداية نشوءه وتكونه من حيث التنظيم والفعالية والمنطلقات الفكرية وبعيدا عن الفكر التقليدي.. بل وحتى من حيث الابعاد السياسية التي ظهر بعضها في نهاية الثلاثينيات وتبلورت في النصف الثاني من الاربعينيات. ولقد عبرت عنها تلك التنظيمات الطلابية في البدء ومن ثم الحزبية الحديثة المتأثرة بالفكر الديمقراطي والتقدمي بصيغتيه الليبرالية والماركسية.. منها رابطة (كومةلي لاوان) وحزب هيوا (الأمل) وشورش (الثورة) والفرع الكردي للحزب الشيوعي وحزب رزكاري كورد وأخيراالحزب الديمقراطي الكردي.[17]
 لقد اوضحت ظروف تطور المؤسسة العسكرية في ثلاثينيات القرن المنصرم مدى تغلغل الشللية القائمة على الولاءات الشخصانية بصورة اساسية، وتلك التكتلات الحزبية الهادفة إلى تحقيق أهداف محددة مسبقا، وقد افرزت عدة اتجاهات.. أهمها اتجاهين، اختلفا في تصوراتهما لواقع العراق وتركيبته الاجتماعية ولواقع الحكم وقاعدته وتصوراته ولعلاقة العراق بالامة العربية، ولدور المؤسسة العسكرية وبسماركية توجهها. هذان الاتجاهان, كما ذكرنا سابقاً, افترقا من خلال موقع الانطلاق السياسي المتمركز حول استفهامية:
                 أولوية عراقية العراق أم أولوية عروبة العراق ؟.
وتمخضت الإجابة عن هذا التساؤل عن انبثاق اتجاهان سياسيان أراسيان وسما, ولا يزالان, الحياة السياسية (والحزبية خاصةً) والفكرية العامة لعراق القرن العشرين وأنعكست بالأخص في المؤسسة العسكرية وسياق ممارساته المهنية وغير المهنية.. وهما:
-       الاتجاه العروبوي
-       الاتجاه العراقوي
لقد تميزت العلاقة القلقة بين هذين الاتجاهين الأرأسين وما يحملان من اتجاهات فرعية[18], حسب الظروف الحسية للممارسة السياسية وتحالفاتها الحزبية الوقتية على الأغلب: بالصراع والاحتكاك وبحالات الصراع التناحري/واللا تناحري؛ الخفي/والعلني وبالمصالحة المؤقتة والعداء المستديم. إن دوافع الانشطار بين هذين الاتجاهين عديدة، ولها جذور اجتماعية واقتصادية، دينية وطائفية تمتد لتاريخ طويل، وبعض هذه العوامل كانت مرتبطة بواقع ظروف تكون الدولة العراقية الحديثة وقاعدة الحكم الاجتماعية و طبيعة تحالفاتها ومصالحها على كافة الاصعدة.
في الوقت نفسه برز داخل المؤسسة العسكرية آنذاك اتجاهان رئيسان:
- الأول ذات نزعة عثمانوية في البدء, ومن ثم ذات نزعة اسلاموية/عروبوية بين الضباط كان يتزعمه الضابط توفيق حسين. ولكن هذا الاتجاه سرعان ما اختفى  وتشتت أعضاءه في سياق سيرورة الصراع بين الاتجاهين الأرأسيين، وانضم الكثير منهم إلى الاتجاه العروبوي. ولكنه بقى محتفظ بطابعه الديني لحين تبلوره كإتجاه مستقل  تكون في الخمسينيات ليتبلور في العهد الجمهوري الأول, ويكاد أن يختفي في نهاية الجمهورية الثانية ( شباط 1963-نيسان 2003).
- والاتجاه الثاني هو التنظيم العسكري للحزب الشيوعي الذي ظهر منذ أواسط الثلاثينيات والذي
لم يكن له دور مؤثر في القرار السياسي والعسكري، قدر كونه منفذ للقرارات العسكرية وعلية تتركز المهمات التنفيذية الاساسية للعمليات الميدانية. تمركز هذا الاتجاه في قاعدة المؤسسة العسكرية وانتشر بين الجنود والمراتب بالأساس، وكان ذات طابع تنظيمي حزبي حديث.[19]
نمت هذه الاتجاهات والتكتلات في رحم المؤسسة العسكرية وكانت تمثل, لحد كبير, انعكاسا لواقع أرأسيات الصراعات الاجتماعية/السياسية والفكرية المطروحة في الساحة السياسية آنذاك, سواءً بين نخب الحكم وسلطة الانتداب البريطاني، أو بين كليهما والقوى المختلفة للمعارضة الوطنية, التي تمحورت في البدء حول قياة الحزب الوطني العراقي برئاسة جعفر ابو التمن، وبنسبة معينة حول بعض شخوص المعارضة الحكومية التي كانت تعبر عن صراع كتل نخب الحكم، التي كانت تعقد التحالفات مع المعارضة الوطنية على خلفية مدى تحقق مصالحها الانوية والانية.   وخير مثال يضرب في هذا المجال هو تحالف حزب الإخاء الوطني برئاسة ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني مع الحزب الوطني العراقي برئاسة جعفر أبو التمن على قاعدة مناهضة الاتفاقية العراقية- البريطانية لعام 1930 التي احتوتها (وثيقة التآخي) وأنحصرت أصولها في المواد الثلاث الآتية:
" 1- إن المعاهدة فاسدة وجائرة يجب تعديلها
  2- إن المجلس الحالي يجب أن يحل لأنه لا يمثل البلاد
  3-  إن الوزارة التي تؤلف يجب أن تعمل على الاساسين الأول والثاني [20] ".
. لكن هذا الائتلاف سرعان ما انفرط بعد تولي حزب الإخاء رئاسة الوزارة (الوزارة الكيلانية الأولى20/3/33-9/9/1933)  وتخليه عن معارضة الاتفاقية.[21]
كان عقد الثلاثينيات بحق، يمثل زمن تبلور هذه الاتجاهات، والذي ترافق زمنياً مع صعود دور المؤسسة العسكرية التي تأثرت بها بصورة عينية محسوسة وملموسة, انعكست في :
 
الكتلة القومية:
 
يمكنني أن أزعم إن ظهور الضباط المسيسين هو تعبير موضوعي عن بداية صعود الفئات الوسطى، لكونهم جزء مهم منها, وخاصةً الشرائح العليا وذوي الدخل المرتفع في المؤسسة العسكرية. لأنه " عندما جاء سلك الضباط ليمثل مصالح وأراء الطبقة الوسطى الجديدة, أصبح أكثر أسلحة هذه الطبقة قوة. وتكمن قوة الجيش الهائلة في ذلك النوع من الرجال الذين يلتحقون به والفرص المتاحة أمامهم وضغف المؤسسات المنافسة. وعلى عكس معظم الاحزاب السياسية في الشرق الأوسط, فإن الجيوش منضبطة وجيدة التنظيم وقادرة على الحركة دون انتظار الموافقة الاختيارية لأعضائها.. وهي الأكثر ميلا للتمرد على الاوضاع القائمة [22] " بحكم تحكمها بالوسائل المادية للعنف.
 في الوقت نفسه كان عقد الثلاثينيات في القرن الماضي, هو مرحلة نشوء الفئات الوسطى وقد عبرت الكتل العسكرية عن هذا النشوء بعد تبلورها كفئة متميزة والتي رافقتها عبر حراكها السياسي والاجتماعي والتي كانت تعبر عنه في انقلاباتها العسكرية وتأثيراتها ذات المسارات المتعرجة والخيارات المتذبذبة وهي من سمات الطبيعة الطبقية للفئات الوسطى في حراكها العام.  
من الناحية التاريخية يمكننا القول أن بعض الضباط، والصغار منهم على الأخص الذين سبق وأن خدموا في الجيش العثماني ومن ثم في الجيش العربي في الحجاز بقيادة الشريف حسين وأبنائه أثناء (ثورته) ضد العثمانيين بالتنسيق والتناغم مع القوات البريطانية[23]. أخذ هؤلاء الضباط، خاصةً بعد إعادة توظيفهم في الجيش العراقي الوليد، يشعرون بالتذمر من إخلال بريطانيا بوعودها للعرب ومن التفاف أغلب الضباط العراقيين، وخاصةً الكبار منهم [24]، حولها وتأييدهم لمشاريعها المستقبلية في العراق والمنطقة, ومن معارضة بعضهم لنظام الحكم الملكي ومن خيبة أملهم للصراعات الأنوية غير الموضوعية ولا المنطقية التي نشبت بين نخب الحكم الجديد وقاعدتهم الاجتماعية, وعدم تحقيقهم الاستقلال الوطني المبتغى, ولا الدفاع عن المصالح المشتركة للأمة العربية وخاصة ما يتعلق بصدد فلسطين والتهديدات الصهيونية المدعومة من قبل بريطانيا.
هذه الظروف، بالإضافة إلى العامل الذاتي المتمحور حول تطلعات هؤلاء الضباط إلى أنفسهم، كلها عوامل أثرت بقوة في الوعي السياسي لهؤلاء الضباط، مما دفعهم لمقاومة مثل هذه السياسات من خلال التكتل بصورة (شبه سرية) في البدء.
 كان أبرز من في التكتل هو الثنائي صلاح الدين الصباغ ومحمد فهمي سعيد اللذان بدورهما " كانا متأثران بالنقيب حسن شوقي– شقيق صلاح الدين الصباغ والذي كان على رأس مجموعة من الضباط المعارضين لوزير الدفاع جعفر العسكري وقريبه نوري السعيد [25] " وكيل وزير الدفاع ومدير الشرطة العام. علماً أن حسن شوقي كان من الأوائل والقلائل من الضباط الذين تأثروا بفكرة النظام الجمهوري آنذاك، مما وضعه في حالة تعارض مع طبيعة النظام الملكي وتوجهاته المستقبلية, وعلى ضوء ذلك يمكن فهم الحالة التصادمية بينه وبين الضباط الشريفيين.
وكان العامل العربي هو أحد الروافد المستترة التي كانت وراء تكوين هذه الكتلة, وهذا العامل تمثل بوجود بعض الضباط من أصول عربية غير عراقية في الجيش العراقي من جهة وتشجيع الضابط المصري ذو الاصول العراقية عزيز علي المصري(1880-1965), حيث حث الثلاثي فهمي سعيد وصلاح الدين الصباغ ومحمود سلمان, على إبراز التوجه القومي في الجيش العراقي من خلال تشكيل " تنظيم عسكري سري ذو أهداف قومية على غرار جمعية العهد [26] " التي أسسها عندما كان يخدم في الجيش العثماني, وأنسحب منها نتيجة تعاونها مع بريطانيا.  
ضم التكتل, حسب ما جمعه د. نضر الشريف وما استله من أوراق فيصل فهمي سعيد[27], خلال الفترة 927-1936 في حدود 43 ضابطاَ منهم: الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان والمقدم الطبيب محمد صبري مراد ( سوري بالولادة) ومثل هؤلاء الهيأة المؤسسة ثم أنضم إليهم: عبد الرزاق حسين ورشيد فليح وحسين علوان الدوري ومحمود الدرة وعامر حسك وطارق سعيد فهمي وفاضل عباس حلمي والأخوين داود ومحمد الحاج سلمان [28]وغيرهم من الضباط.
 اما في الفترة 37-1941 التي سيطرت فيها الكتلة على المفاصل الاساسية للسلطة, فقد أنضم إليها ما يقارب 70 ضابطاً منهم: كامل شبيب[29] وموسى علي وعبد الرزاق الحصان واحمد حسن البكر وعبد السلام عارف وناجي طالب وطاهر يحيى وحسيب الربيعي وفارس ناصر الحسن ورجب عبد المجيد وغيرهم.
 لقد كانت نسبة هؤلاء الضباط المنتمين ( في حدود 120 ضابطاً من اصل 1745)  سنة 1941, اي بنسبة لم تتجاوز ال 6% من مجموع الضباط. و كان أغلبهم من الرتب الصغيرة- الأعوان(ملازم/رئيس), وقد احيل عدد كبير منهم على التقاعد بعد فشل حركة مايس, في حين استمر البعض في خدمتهم وأحيلوا على التقاعد برتب عالية.. في الوقت ذاته جرى تغيير فكري بالنسبة للبعض الثالث فمنهم من ساند النظام الملكي ومنهم من انتمى للحركة الشيوعية مثل سليم الفخري وغيره. وكان عددا منهم من أصول سورية أو فلسطينية.
أما الاصول الاجتماعية لأغلب هؤلاء الضباط، فإنهم من العرب أو المستعربين السنة، ومن مناطق بغداد وشمالها وغربها في أعالي الفرات. لذا فإن دعوتهم القومية وللوحدة العربية لا تخلوا في بعض الأحيان من الجانبين النفعي, نظراً للروابط الاقتصادية فيما بين هذه المناطق وسوريا, و الطائفي, آنذاك على الأقل، إزاء الأغلبية الشيعية والاثنيات الأخرى، لأنهم ينتمون إلى أقلية كبيرة رأت في الوحدة والاندماج مع الأقطار العربية المشرقية عاملاً مهماً لتضخيم ذاتها العددي ولتبرير  استمرارية سيطرتهم على الحكم باعتبارهم سيشكلون الأغلبية.
لم تكن هذه الكتلة قبيل تبلورها, تتسم بالتماسك ولا بوضوح الأهداف ولا بالنضج السياسي العالي، كما لعب الطموح الذاتي للضباط دورا مهما في تكونها وفي أسس تحالفاتها. إذ أقام زعماء الكتلة,  وخاصة محمد فهمي سعيد, صلات عديدة مع شخصيات سياسية وحزبية معارضة للحكم وقاعدته الاجتماعية, الوطنية منها أو القومية على السواء, عسكرية ومدنية.. من أمثال " جعفر أبو التمن وعبد القادر إسماعيل ويوسف إسماعيل...وعبد الواحد الحاج سكر والسيد علوان الياسري والشيخ  محمد حسين كاشف الغطاء والشيخ عبد الكريم الحزائري وغيرهم [30] ". كأنهم في سعيهم هذا, يبحثون عن العقل السياسي المدبر كي يرفدوا النقص الفكري والوعيين السياسي والفلسفي فيهم. لذا تأثروا, في البدء وإلى حدٍ كبير بالسلوكية السياسية للمعارض الوطني جعفر ابو التمن وتوجهات حزبه الوطني العراقي واطروحاته( الوطنية العراقوية النزعة) فيما يخص الاستقلال السياسي والوحدة الوطنية العراقية في إمتدادها العربي وفي الأبعاد الاجتماعية للمشروع السياسي العراقي. وقد استمرت علاقتهم به لغاية مطلع الثلاثينيات. وقد كانت هذه العلاقة, كما قيل, بتأثير الشخصية القومية المعارضة يونس السبعاوي.
 كان موقف الحزب الوطني العراقي من طبيعة النظام والموقف من بريطانيا وكذلك من أولوية الانطلاق في السياسية الوطنية.. عوامل أدت إلى انفصام عرى الصلة بينه وبين هؤلاء الضباط، الذين التجئوا إلى بعض أعضاء نخبة الحكم ذوي الخطاب السياسي (القومي) لفظياً, أكثر من المضمون القومي الحقيقي، وخاصة ذوي الاصول العسكرية منهم مثل ياسين الهاشمي ونوري السعيد وجميل المدفعي والضابط الاحتياط حكمت سليمان وغيرهم من المدنيين مثل رشيد عالي الكيلاني وناجي شوكت.
كان زعماء الكتلة القومية من الضباط، الذين ترقوا في المؤسسة العسكرية العراقية وتسنم بعضهم مراكز عالية وربما حساسة فيها، من أشد المعجبين بياسين الهاشمي [31]حتى أنهم أظهروه وبشكل مثالي، وأغلب كتاب التيار القومي لا يزال لحد الآن، باعتباره شخصية وطنية مناهضة للإنكليز، في الوقت الذي يتسم سلوكه السياسي بالانتهازية والازدواجية والرؤى النفعية. وتدلل الوقائع التاريخية, أنه كان مثلا يظهر دهشته للإنكليز من شروطهم المتساهلة في المعاهدة العراقية/البريطانية لعام 1925.وهذا ما أشارت إليه مس بيل في إحدى رسائلها بالقول:
 " دأب ياسين يقول أنه قلق جداً حول مصير بلاده، حيث قرأ صورة المعاهدة التي انتشرت اخبارها في العراق. وكان رأيه أنه لم يكن أي عراقي ليتوقع شروطاً مثل هذه الحرية .. فلماذا لا يقبلها الملك فيصل الأول؟وأضاف قائلاً.. إنها غلطتكم، فلماذا لا تحكموا قبضتكم ؟ ولماذا سمحتم له أن يحرك هؤلاء الناس الذين يحركونه ويحركوننا معه في اتجاه الدمار؟ [32] ". لكنه في خطابه ونشاطه السياسي العلني كان يطالب باستقلال العراق وطرد الإنكليز منه. وكتب مرة إلى جعفر ابو التمن يقول له أنه: " منتظر أوامره وبإذن الله سوف ننجح في طرد البغاة (الظالمين)[33] " .
 كما أن الهاشمي، حسب الكثير من المصادر، لم يساند الحركة العربية لمواجهة طغيان الطورانية التركية ولم تنقطع صلته بالاتراك حتى عندما عُين قائداً للجيش العربي في الشام، وكان مرشحاً لدور كمال أتاتورك في العراق, وقد طرح الأخير هذا الاقتراح على نوري السعيد وناجي شوكت عندما اجتمع بهما عام 1934.[34]
 علماً بأن وزارة ياسين الهاشمي الأولى " التي أعقبت وزارة جعفر العسكري لم تكتف بعقد إتفاقية النفط بالشكل الذي عقدت فيه بل وافقت على ما قامت به الحكومة الايرانية من اخضاع (( الامارات المستقلة)) إلى نفوذها  مثل عربستان وبشت كوه وجاءت موافقتها هذا بقرار اتخذته بتاريخ 18/10/1924بالنص الأتي: تكون الحكومة العراقي  على الحياد تجاه الحركات القائمة في منطقة – عربستان- الايرانية- وأن يبلغ هذا القرار الالوية المجاورة لمنطقة الحركات  [35]".
في خضم الصراعات السياسية بين نخب الحكم المختلفة وبينهم وبين قوى المعارضة على تعدد أطيافها وتبلور فئة المالكين الإقطاعيين في الريف وصعود دور المؤسسة العسكرية وما رافق هذه الظروف من توترات.. في هذه الظروف بدأت الكتلة القومية في الجيش بالتبلور والبروز العلني وأصبح مركز الكتلة أداة استقطاب تمحور حولها كثير من الضباط. ومما زادهم قوة هو النشاط الفكري للدعاة القوميين من المثقفين العراقيين والعرب، الذين كانوا بمثابة أيديولجي هذه الكتلة مثل : ساطع الحصري، سامي شوكت، يوسف زينل، محمد مهدي كبة وغيرهم . كما كان نادي المثنى بمثابة الحاضنة المدنية لأنصار الكتلة وذراعها المدني.[36]
لقد ترافق بالضد من صعود هذه الكتلة، اشتداد الدعوة للشعار السياسي الواسع الصدى في المجتمع العراقي آنذاك والذي كما قال أحد الكتاب القوميين عنه بأن: " شعار شعب عراقي واحد والعراق للعراقيين أكثر قبولاً من شعار شعب عربي واحد الذي رفعه القوميين العراقيين من الشباب المثقف والذي كان يحظى في بعض الأحيان بدعم الملك نفسه[37] "عله أن يعيد للعائلة ارثها المفقود في الحجاز وسوريا, وكذلك بعض من قاعدة الحكم وخاصةً ذوي الاصول العسكرية.
لقد هيأت ظروف الصراع السياسي آنذاك لأن تتسنم قيادة هذه الكتلة (صلاح الدين الصباغ، محمد فهمي سعيد، كامل شبيب ومحمود سلمان) والمتحالفين معهم, مراكز عسكرية مرموقة، أمنت لهم اتصالاً أكثر مباشرةً مع الضباط وبالأخص عندما خدموا في كليتي الأركان والعسكرية. علماً بأن رئاسة الأركان لم تمانع آنذاك في ممارسة الضباط العمل السياسي المباشر، إذ لم تمنعهم إلا بعد اشتداد الصراع السياسي داخل الجيش وتتبلور العسكرية كمهنة تخصصية[38].
أما بصدد برنامج هذه الكتلة فتشير بعض المصادر إلى ما أطلق عليه (الميثاق القومي العربي)، باعتباره يمثل برنامجا للكتلة في نهاية العشرينيات(1927). وفي اعتقادي, إن هذا الرأي ضعيف, لأنه لم يبرز هذا التكتل أنذاك بذلك الوضوح والنضج النسبي بحيث يكتبون ميثاقاً سياسياً, كما أن زعماء هذا التكتل وبالاخص الصباغ وسعيد, كانت لهم علاقات مع الحزب الوطني العراقي ذو النزعة العراقية من منطلق موقفه المبدأي المناهض للمشروع البريطاني ومواليه من العراقيين, عكس أصحاب الخطاب القومي الذين هم ضمن نخبة الحكم الموالية لبريطانيا.
واعتقد, وهذا اجتهاد مني, أن ميثاق العمل القومي قد صاغه عام 1939 الحزب القومي العربي الذي تأسس آنذاك, وقد استلت اكثر مواده من دستور(عصبة العمل القومي) التي تأسست عام 1934. في الوقت إن طبيعة الميثاق الذي( قيل) كتبه الصباغ عام 1927, هو عبارة عن توجهات عامة مستنبطة أكثر من كونه ميثاق. وهذا ما يؤكده الشهادة رقم 3 من مذكرات الصباغ نفسه, والتي جاءت على منهاج 1927 المنصب على تقوية الجيش ورفع مسنوى الضباط والتشهير بأعوان الانكليز والدعوة لإسناد المؤسسات الوطنية والقومية التي تعمل على إستكمال سيادة العراق واستقلاله ووحدة الأمة العربية ووحدتها.[39]
في حين عالج الميثاق القومي العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من منظورات أيديولوجية قومية واضحةُ فيه جداً لمسات المثقفين القوميين, ولا تتحمل النظرة والنزعة العسكريتين ولا ثقافة سنوات العشرينيات, إذ كان أرقى نوعياً مما صاغه الصباغ أو محمد فهمي سعيد من افكار مدرسية عامة ذات نزعه مثالية تتناسب والوعي الفلسفي والسياسي لدى أغلب النخب المثقفة آنذاك, ما بالك والعسكر ذوي الثقافة العثمانية السطحية.
عبر الصباغ في مذكراته[40] بعد لجوءه إلى تركيا وصقل تجربته السياسية, الافكار العامة والتي كانت تعبر تعبيراً دقيقاً عن أراء العديد من الضباط المسيسين ذوي النزعة القومية آنذاك, ولمرحلة لاحقة بصورة نسبية بالنسبة لهم في حركة الضباط الاحرار في مطلع الخمسينيات. تميزت هذه الافكار بالعمومية المقترنة بالبساطة والسطحية والرؤى الساذجة لعملية الصراع الاجتماعي/السياسي وسنن التطور العام. كما أنها لم تولِ الابعاد الاجتماعية والاقتصادية الاهتمام اللازم ولم تكن هذه الافكار تصبوا إلى إحداث تغيرات جذرية في طبيعة نظام الحكم وقاعدته الاجتماعية وعلاقاتها الطبقية السائدة, ولم تنظر إلى طبيعة التعددية الاثنية والدينية والطائفية, التي هي من السمات الخاصة بالمجتمع العرافي, في وحدة وتناقض الاضداد بين مصالحها المشتركة/ المتناقضة, ولم تسبر غور العلاقات الجدلية القائمة بين المكونات الاجتماعية للظواهر, سواءً على طبيعة المجتمع العراقي الداخلية, أو علاقاته الخارجية في محيطه العربي وغير العربي. كان طرحها بمثابة هروب من اشكاليات الواقع العراقي وبعيدة عن همومه لأن طموحاتها التي " حركت هذه الكتلة في مطالب معينة ابرزها واهمها تحرير فلسطين وسورية وتوحيد البلاد العربية في دولة قومية عصرية قوية كبرى. وفي ضوء ما تقدم أعطيت الأولوية القصوى في هذه الكتلة السياسية إلى الاتجاهات القوميةالتي قررت وحددت ملامح واتجاهات السياستين الداخلية والخارجية اللتين انتهجتهما معاً ..." "... ومن نتائج هذا الموقف القومي الذي اتخذته الكتلة ما أبدته من اهتمام فائق بالتعريب في الجيش, وتشجيع إلتحاق العرب من غير العراقيين بالكلية العسكرية العراقية واستقبال عدد من الاساتذة من الاقطار العربية الاخرى للتدريس في الكلية المذكورة  والمعاهد التعليمية الاخرى  [41] ".
كما إن هذه الرؤى الفكرية للكتلة كانت تستند إلى القوة كوسيلة للحل الأسهل لإشكاليات الحياة المعقدة والمتناقضة. وهذا مشتق من نظرتهم إلى الجيش باعتباره العنصر الحاسم  لكل هذه القضايا الاجتماعية/الاقتصادية/السياسية وبإستثناء القضاء, زمن الحرب والسلم. لذا نظر قادة التكتل إلى الاتاتوركية التركية, بكونها " المثال النموذجي للدولة التي كان ينشدها في تركيا وإيران. وكان معجباً بتركيا الكمالية... وقد امتلك تصوراً معيناً للدولة المنشودة " مستمدة ملامحها من التجربة التركية والايرانية, لذا "... أولى اهتماماً كبيراً للقوة بكل أنواعها واشكالها بوجه عام والقوة العسكرية بواجه خاص باعتبارها اليد الحامية والمدافعة [42]"
 كانت التبسيطية تعبر عن المستوى الفكري العام لهؤلاء الضباط من جهة, كما كانت تعبر عن الأماني والطموحات والتصورات الخاصة الرومانسية الطابع والبعيدة عن التحقيق المادي آنذاك على الأقل, سواءً بصدد النظرة القومية أوالاسلام ودوره والوحدة العربية وتحقيقها, من جهة ثانية. هذه الرؤى المثالية, لم توضح ماهية وكيفية الوسائل التي يمكن أن تتحقق مثل هذه الصيرورات الاجتماعية المعقدة, ولا افق تجسيدها في رحاب التوئمة مع طبيعة العصر ومحركاته الاساسية ومع تغير أولويات تجليات الوعي الاجتماعي. إنها كانت بمثابة هروب من الواقع العراقي بكل تعقيداته ومن المهمات الملحة.
كان زعماء هذا التيار ذات نظرة محافظة للواقع وصيرورات حراكيته, لذا كانوا يزدرون من قيم التحرر الاجتماعي, ومن البرلمانية وأليتها, ناهيك عن المفاهيم الحديثة عن تفسيرات العالم وتغييره؛ المساواتية وعدالة التوزيع؛ التفاعل العضوي بين القوى الاجتماعية؛ دور الفئات والطبقات الحديثة في عملية التغيير السياسي/الاجتماعي...الخ والتي بدأت آنذاك تغزو العقل العراقي بقوة وبدون استئذان قوى العنف المادي والمعنوي.
في الوقت نفسه كانت هذه الافكار التي طرحها هؤلاء الضباط مشبعةً بالكره (العاطفي) الانفعالي, للاستعمار البريطاني ومشروعه للعراق والمنطقة, أكثر من كونه فهم لطبيعة مكوناته وسيرورة مسؤوليته وآليته في تعميق التخلف والتبعية.. كما أنهم كانوا يتقاطعون, أحياناً, مع المشاريع المتناقضة والمتضاربة لمختلف كتل النخب الحاكمة. لذا كانت تحالفاتهم سريعة العطب وبدون رؤية مستقبلية.. ينقلونها من جهة إلى أخرى على ضوء نيات كتل الحكم وغاياتهم الأنوية وليس على واقع ممارستهم العملية ومدى موضوعية وصدق برامجهم ومدى تطابقها العضوي مع الواقع المادي لعراق تلك المرحلة.
يتضح ذلك بجلاء في قيادتهم للانقلاب الثاني حيث " أن الشخصيات التي دبرت ونجحت في إزاحة الفريق صدقي ظلت داخل اللعبة السياسية التي مارسها بكفاءة الثعلب العجوز نوري السعيد. فكان نوري السعيد هو المستفيد الوحيد من مصرع بكر صدقي... والواقع إن الكتلة القومية لم تتمكن من إزاحة الاستبداد رغم أنها قتلت رمزاً من رموز الاستبداد. لقد أعقب مصرع الفريق بكر صدقي مجيء عبد الإله ونوري السعيد وهما أشد قسوة واستبداداً من الفريق صدقي وشلته[43] " , مما عكس بساطة تفكير هذه الكتلة وتأثرها برموز كتل الحكم المناهضة للماهية الحقيقة للفكر القومي في أفقه التقدمي, وهذا ما يدلل عليه طبيعة الخلاف الذي حدث بين اعضاء مجموعة السبعة الذين هم العقداء الاربعة وكل من اللواء امين العمري واللواء حسين فوزي والعقيد عزيز ياملكي..وبينهم وبين الكتل الأخرى.
وتاسيساً على ذلك.. ناهضت الكتلة القومية, بعد اشتداد أوزارها وصعود بعض الكتل المتحالفة معها سدة الحكم, الكتل التي تعارض توجهاتها العامة بتحريض, أو بدونه, من مختلف كتل الحكم, الذين يلتقون معها في توجهاتها المعادية للتوجهات (الوطنية) للكتلة العراقوية و/أو للتوجهات الاجتماعية ببعديها الطبقي والفلسفي للكتلة الشيوعبة [44]التي بدأت بالظهور في الممارسة السياسية العامة وفي المؤسسة العسكرية.
 ولقد إزداد دور الكتلة القومية تأثيراً في الحياة السياسية وتقرير مصائر القرار المركزي للدولة بعد نجاح ضباطها وبالتعاون مع السفارة البريطانية ومواليها السياسيين من نخبة الحكم, في إغتيال بكر صدقي ومحمد علي جواد. تتوضح هذا التأثير في قيادة الكتلة لكل الانقلابات (المكشوفة والمستترة) الستة والتي حدثت بعد الانقلاب الأول ولغاية الانقلاب الأخير (حركة مايس 1941) كما تطرقنا إليه سابقاً. لقد عبرت هذه الانقلابات عن الخواء الفكري لضباط هذه الكتلة وتضخم ذاتهم المهنية وفي إنعدام البعد الاستراتيجي لحركاتهم.
لقد سبق وأن فرضوا على الملك غازي إستيزار نوري السعيد (في وزارته الثالثة 25/12/38- 5/4/ 1939), وبقوة تهدديهم وتحالفهم مع السعيد, فرضوا عبد الإله وصياً على العرش[45]. كما أنهم كانوا يتعاونون مع كتلة السعيد وعقدوا تحالفاً هشاً معها.. إذ كان قادة الكتلة يجتمعون بهم سراً وعلناً, حتى أصبحوا " الدعامة الحقيقة لموقع نوري السعيد في ذلك الوقت, والتي أستمرت بالعمل عن قرب معه ومع حليفه وزير الدفاع طه الهاشمي, حتى هزيمة فرنسا في حزيران/ يونيو1940, عندما تطور عند المجموعة اعتقاد بأن توجه نوري الشديد المولاة للبريطانيين ولم يخدم المصلحة الوطنية [46] ".
لعبت ظروف قدوم أمين الحسيني مفتي فلسطين ووعي بعض الساسة القوميين وعلى الأخص يونس السبعاوي وغيره, وتأثر القادة الأربعة بالظروف السياسية الملتهبة في المنطقة.. كانت من الاسباب التي أدت إلى تبدل موقفهم من السعيد. وزادها عمقاً معرفتهم المتأخرة بأن السعيد كان يبغي تقوية مطامحه الذاتية والوقوف ضد خصومه من كتل الحكم من جهة.. ومن جهة ثانية اكتشافهم بأن السعيد كان إرتباطه بالمشروع البريطاني أقرب من أرتباطه بهم وبمشروعهم ومثاليته, وقد استخدمهم (كحصان طروادة) لمأربه الشخصية.. وقد نجح في ذلك.[47]
 وعندما فكوا ارتباطهم به.. توثقت صلتهم مع عضو أساسي أخر في نخبة الحكم..( رشيد عالي الكيلاني) يشابه السعيد في منطلقاته وأنويته ومنهج تفكيره ونظرته إلى طببعة مستقبل العراق وامتداده القومي, وكذلك وهو الأهم ممالئته للبريطانيين. ويختلف عن السعيد في رنين خطابه السياسي حسب.. وذاتوية مصالحه الخاصة كانت بالضد من مبادئ المشروع القومي الذي أخذ يبشر به العقداء الأربعة والذي قوم ذاته إلى حدٍ ما قبيل حركة مايس, بتأثير المفتي الحسيني وبعض شباب التيار القومي نفسه.[48]
لقد إنتهت الكتلة كتنظيم وليس كفكر ومثل في اعقاب فشل حركتهم التحررية المضمون في مايس1941, وهروب قيادتها إلى الخارج, ومن ثم اعدامهم الحياة, بعد محاكمات شبه صورية حيث كان الحكم معد سلفاً. في الوقت ذاته أصبحت  الحركة ولا تزال, تلهم التيار القومي بل وحتى الوطني, بحيث كانت أحد الدوافع الرئيسية التي تقف وراء التكتل الغائي لنشوء ظاهرة ( حركة الضباط الاحرار) منذ نهاية الاربعينيات.
 
 
الكتلة الوطنية:
 
أشتدت النزعة الوطنية تجذراً في الوعي الاجتماعي للأغلبية الواعية والمثقفة والمتعلمة من السكان, بعد تكون الدولة العراقية, وبصورة عفوية, نتيجة التراكمات الكمية للأحداث, الداخلية والخارجية, التي واجهت البلد.. وإزدادت تأثيراً وتعمقاً كلما أخذت السلطة المركزية تمركز وتركز قدرتها في إقرار ذاتها العضوية وتصلب نواتها الصلبة (المؤسسة العسكرية) وتحقيق سريان مفعول قراراتها, الذي يعني في حد ذاته الحد من تشظي المكونات الاجتماعية والولاءات الدنيا وتمهد سبل صيرورة (الهوية الوطنية) العراقية.
لم يكن تطور هذه الصيرورات وسيرورات آلياتها يسير بدون معوقات مادية ومعنوية ذات طابع موضوعي وذاتي, وأحياناً ببوصلة مصطنعة تكبح أرتقاءها الطبيعي. ويكمن أحد أراسيات ذلك في الطبيعة الطبقية للسلطة السياسية وقاعدتها الاجتماعية وما تمخض عنها من نخب سياسية حاكمة.. وافتقادها الموضوعي للطبقات الحديثة القادرة بحكم عقليتها ومصالحها, على توحيد السوق الوطنية بأسرع ما تسمح به الظروف وترسي الأسس المادية لوحدة المكونات الاجتماعية ومصالحها في وحدتها وتناقضاتها الجدلية.
برزت المعوقات في جملة من الكوابح.. منها تناقض المصالح النوعي بين مكونات قاعدة الحكم والاغلبية السكانية, وفي الوقت نفسه بين ذات مكونات قاعدة الحكم ذاتها[49], وكذلك الحال بين تضارب المصالح والرؤى للمكونات الاجتماعية والاثنية والدينية للمجتمع العراقي, وكذلك التناقض في مستويات التطور بين المناطق الجغرافية وتعمق التفاوت المطلق بينها, وعلى الأخص بين الريف والمدينة.. وكذلك الصراع بين مكونات البناء الفوقي لمختلف القوى الاجتماعية من افكار اجتماعية ورؤى فلسفية وتطلعات مستقبلية, سواءً لذات كل مكون أو للبلد برمته.
فكما برزت الكتلة القومية المسنودة من قبل بعض قوى الحكم, دون تحديد تاريخي موثق, برزت وتزامن معها رديفها المتمثل في الكتلة الوطنية, التي تكونت في مجرى الصراع الاجتماعي, خاصةً بعد موت الملك فيصل الأول وما تركه من فراغ معنوي على الأقل, وظهور النواة الصلبة للسلطة (الجيش) باعتباره الأداة القسرية المُوحدة للوطن, بعد أن اصبحت العسكرية مهنة بحد ذاتها منذ مطلع العقد الرابع.
هذه النظرة برزت في سياق العمليات التي قادتها المؤسسة العسكرية لإخماد بؤر عدم الاستفرار الناجمة عن البحث عن مصائر الذات في الشكل الجديد للتنظيم الجمعي وتكون السلطة الجديدة, منها مثلا: الحركات الكردية (1930-1931) الطامحة لتعزيز هويتها القومية المجزءة. وكذلك القضاء الفض والوحشي على حركة الآشوريين النساطرة عام 1933, وقبلها العديد من الانتفاضات العشائرية في الوسط والجنوب وخاصةً القبائل الصغيرة التي همش دورها.. مما مهد الظروف المادية أكثر فأكثر لبروز ضباط المؤسسة العسكرية وتأثيرهم على الحياة السياسية. لقد عكست الكتلة الوطنية طموحات قطاعات واسعة من المجتمع العراقي بمختلف إنتماءاتهم الدينية والمذهبية, الاثنية والطبقية. وقد تعززت هذه الدعوة كصدى عضوي فعال آنذاك لانتشار الشعار الواسع " شعب عراقي واحد والعراق للعراقيين[50] ".
 وقد انطلقت الكتلة في نظراتها السياسية والعملية من واقع خصوصية التركيبة الاجتماعية العراقية وضرورة تجسيد هويتها الوطنية الموحدة ضمن مبدأ (الوحدة في التنوع), عند تحديد الابعاد القومية التكاملية مع البلدن العربية, والمشرقية على الأخص.
وتدلل القرائن التاريخية على أن هذه الكتلة بدأت بالتكتل العفوي ومن ثم البروز مع صعود نجم الضابط بكر صدقي منذ مطلع الثلاثينيات, الذي أصبح مطمح كل سياسيِّ تلك الفترة الذين تمنوا أن يكون بجانبهم ليدعم مراكز قوتهم إزاء خصومهم. لم يكن للكتلة, كبقية الكتل السياسية أو العسكرية, برنامج محدد ومدون, كما كانت خالية من العلاقات التنظيمية, قدر كونها تتعاطف روحياً مع السياسات التي تصب في إخراج البلد من حالات التخلف والدعوة لتعزيز الهوية الوطنية العراقية التي تتناقض مع سياسة نخب الحكم الهاربة من ذاتها الطبقية وواقعها الموضوعي وإشكالياته.
 لقد إلتفت محموعة كبيرة من الضباط والسياسيين حول بكر صدقي ومجموعته (محمد علي جواد والعقيد الركن توفيق وهبي), الذين أسسو مركز للقوى اتسم بكونه أنطلق من عراقية العراق, كما تكونت لهم هالة صمدانية (كارزمية) من نجاحاتهم العسكرية.. سواءً في إخمادهم لبؤر عدم الاستقرار أو/و لمساهمتهم في تطوير المؤسسة العسكرية خارج أطر الاتقاقية العراقية- البريطانية وكذلك لدورهم في تأسيس وتطوير القوة الجوية.. وهاتين المسألتين الأخيرتين كان لهما صدى في المؤسسة العسكرية والشارع السياسي المعارض في جوهره لبريطانيا وسياستها في العراق والمنطقة, والذي مثل مضمون العقل السياسي العراقي في تلك الحقبة, بغض النظر عن مدى صوابية ذلك من عدمه.
 يضاف إلى ما ذكر, الثقل المعنوي الكبير الذي نالته الكتلة من قبل القوى الوطنية العراقية وبالأخص من الحزب الوطني العراقي بزعامة " معتمده المعارض والوطني الصلب محمد جعفر أبو التمن [51] " وما تمخض عنه من اتجاهات سياسية كجماعة الأهالي والحركة الديمقراطية, والجماعات الماركسية (لاحقاً الحزب الشيوعي) ناهيك عن بعض عناصر المؤسسة الدينية وبالأخص الشيعية التي شخصت في التيار القومي الحاكم ابعاده الطائفية.. كما وقفت العديد من القوى الاجتماعية الكردية مع التوجهات السياسية للكتلة الوطنية وخاصة المثقفين الأكراد المنطلقين من طبيعة الحفاظ على ذاتهم الخاصة ولحقوقهم القومية والثقافية ضمن الكيان العراقي, التي تزامنت بالضد من دعوات الصهر القومي القسري التي كانت تدعو لها بعض الأصوات العربية المتعصبة. وهذا يشمل ايضاً بقية المكونات الاجتماعية العراقية ( من دينية وجماعات اثنية ولغوية), التي رأت ذاتها في الهوية العراقية.
ولقد مثلت هذه القوى عصب المعارضة الوطنية (العراقوية) اللارسمية.. وهذا ما ميزها عن الكتلة القومية التي كانت تعقد التحالفات السياسية مع مختلف الكتل من نخبة الحكم, ذوي التوجه العصبوي, من أمثال ياسين الهاشمي والكيلاني والسعيد وغيرهم من الموالين والممائلين لبريطانيا في العراق وسياساتها الدولية.
 لقد لعبت الجوانب المذهبية والطائفية دورها في تحديد هدف الكتلة القومية في الدعوة للوحدة العربية, نظراً لترابط المصالح الاقتصادية لمناطق شمال بغداد والموصل والمناطق الغربية, وكلها متاخمة مع مركز البداوة وقيمها, مع البلدان العربية المجاورة (سوريا الكبرى) فحسب والتي رأت تعزيز مواقعها داخل المجتمع العراقي من خلال وحدتها مع هذه البلدان تحديداً. ولذا فشعار الوحدة العربية كان مجزءً ومجرداً من مقومات تحقيقه الحقيقة والمادية وقاعدته الجماهيرية.
في الوقت الذي كانت الكتلة الوطنية تضم في ثتاياها مناصري الاتجاهات العراقية الليبرالية واليسارية وتضم تياراً كردياً واعياً لذات انتماءه العراقي والقومي الكردي في الوقت نفسه, ولم يكن يطمح للإنفصال كما يُشاع عنه على غير حقيقته.
لقد كان أغلب ضباط هذا التيار هم من خريجي العسكرية العراقية، ومن الرتب الوسطى والدنيا, ومن منابت أثنية عديدة واجتماعية مختلفه الأقرب إلى الفئات الوسطى ومن مختلف جغرافية العراق. ففيهم كان العربي والكردي, المسلم والمسيحي والمندائي, ومن وسط العراق وشماله وجنوبه, وكان لبعضهم صلات سياسية مع حركة المعارضة الوطنية ومشبعين بالأراء الليبرالية التي غزت العقل السياسي العراقي منذ نهاية العشرينيات, في حين كان بعضهم الأخر متأثر بالأفكار اليسارية الرديكالية.. وهؤلاء ينتمون إلى الفئات الاجتماعية دون الوسطى ومن عوائل تعتمد على الأجر في دخلها, من موظفين متوسطين وصغار.
لقد توسعت الكتلة عددياً وتضخم حجمها وتأثيرها, بعد عقدها تحالفاً سياسياً مع حكمت سليمان[52] , والأهم مع الزعيم الوطني أبو التمن وجماعة الأهالي ومن ثم بعد وثوبها على السلطة عبر الانقلاب الأول, والذي مهد إليه, حسب اعتقادنا, طبيعة صراع نخب الحكم السياسية وتكتلاتهم, من خلال استخدام القوة (المادية والمعنوية) وإن أختلفوا في الوسيلة. إذ أستخدم بعضهم الدسائس والمؤامرات مع القصر أو/و مع السفارة البريطانية, في حين استعمل البعض الأخر العشائر كوسيلة ضغط لفرض إرادته وتغير الوزارة, في حين استخدم طرف ثالث المؤسسة العسكرية وسيلة الوصول إلى السلطة.
لقد فكر الفريق الأخير, وهذا نتاج طبيعي لماهية المؤسسة العسكرية وهو عامل أرأس, في أن ينقلوا السلطة إليهم عوضاً أن يكونوا أداة صراع بين نخب الحكم من جهة, ونظراً لفشل الآلية البرلمانية المزورة في تناوب وتداول السلطة بين مختلف القوى السياسية وليس حصرها بيد كتل الحكم والمحسوبين على النظام. في الوقت الذي كانت المعارضة الوطنية التي تبحث عن وسيلة قانونية للوصول إلى السلطة والمساهمة في القرار المركزي بعيدة عن التلاعب والتزوير. هذا المحال المادي وتجربتها البرلمانية الصعبة دفعها إلى التعاون مع ضباط المؤسسة العسكرية من جهة ثانية..
 وهكذا كان الانقلاب الأول, الذي " عصف بإستقرار أنصار المدرسة البريطانية من أمثال جعفر العسكري ونوري السعيد وجميل المدفعي وعلي جودت الأيوبي.. وبسبب هذا الانقلاب عرف هؤلاء السياسيون التقليديون أولى هزائمهم على ايدي هؤلاء الضباط [53] ".فهرب الهاشميان(طه وياسين الذي توفي بعد مدة في لبنان) والكيلاني وشوكت وغيرهم إلى خارج العراق, أما السعيد فقد لجأ إلى السفارة البريطانية  حيث مكث فيها يومين قبل أن تنقله وعائلته بطائرة عسكرية بريطانية إلى القاهرة.
يشير إسماعيل العارف, دون تحديد لمصدر معلوماته, إلى أن قيادة الانقلاب قبل تحولها إلى حكم عسكري, شكلت لجنة سرية " عقدت عدة اجتماعات درست السبل الضرورية لتحقيق أهدافها, وتعتبر أول تنظيم سياسي سري تشكل . غير أن تأليفها المختلط وإستبعادها الضباط القوميين وعدم تبنيها الأفكار القومية, أثار عليها حفيظة الكتلة القومية في الجيش والتي كان يتزعمها صلاح الدين الصباغ. وقد أُتهمت اللجنة بالاقليمية وبالشعوبية. فلاقت دعوة الكتلة القومية وخصومتها لحركة بكر صدقي واللجنة السرية تشجيعاً وترحيباً من الساسة الذين تضرروا من الانقلاب, أمثال نوري السعيد وجميل المدفعي وشجعتهم السلطات البريطانية من وراء الستار[54]". وقد ضمت اللجنة من العسكريين: محمد علي جواد, أمر القوة الجوية؛ وعلي غالب إسماعيل وجمال جميل[55] ؛ ومن المدنيين الأديب, والوزير لاحقاً, مصطفى علي. ومن أبرز أهدافها خلق عراق قوي يستند على وحدة وطنية بين العرب والأكراد.
ومن مأثر الكتلة الوطنية, في المؤسسة العسكرية, هو عملها الدؤوب من أجل تطويرها خارج أطر الاتفاقية العسكرية الملحقة بمعاهدة 1930, حيث " قلق بريطانيا قد ازداد بصورة أخص من السياسة العسكرية التي أخذ الفريق بكر صدقي يجّد في تحقيقها, وكانت ترمي إلى خلق قوة حقيقية من الجيش العراقي, مع زيادة عدده وعدته والعتاية بتدريبه, وقد استطاع الحصول على عتاد من بعض دول أوربا الوسطى, بعد أن تلكأت بريطانيا في إجابة طلبه حسب أحكام النعاهدة العراقية- البريطانية. كما حصل على سرب من الطائرات الايطالية التي كانت لها حينذاك شهرة عالمية.. وكان اهتمام العراق بقوته الجوية من أهم مفاخر هذا العهد [56] ".
 وقد ألقى بكر صدقي خطاب, عند وصول هذه الطائرات, " في حشد من قادة وضباط الجيش العراقي في المطار المدني, هدد فيه الانكليز بإخراجهم من العراق ... ووعد بتحرير فلسطين بهذه الطائرات. معنى ذلك كسر طوق استيراد السلاح من بريطانيا والتي كانت تعني الإيذان بتعديلها [57] ".
أما على الصعيد المدني فقد قامت حكومة الانقلاب بالعديد من الاعمال, وكان من أخطرها الطلب من شركات النفط على ضرورة إجراء مفاوضات لتعديل الاتفاقيات المبرمة معها. وكان هذا العامل قد تكامل مع العوامل الأخرى العسكرية والاقتصادية والسياسية وإرهاصات الانفتاح على القوى الديمقراطية واليسارية, لأجل الإطاحة بحكومة الانقلاب.. خاصةً إذا علمنا حسب تقييم صلاح الدين الصباغ بعد فوات الآوان,  " كان بكر صدقي عدو لدود للانكليز وخصماً عنيداً لعملائهم, ففرق جماعتهم وولى بعضهم الأدبار, فاراً من العراق تاركاً وراءه ما أغتصب من خيرات ونعم [58] ".
لقد تم تصفية مركز هذه الكتلة بإغتيال الثنائي القوي بكر صدقي- محمد علي جواد, بعملية انقلابية ساهم فيها ضباط الكتلة القومية وبعض أعضاء نخبة الحكم المتضررة من الانقلاب والسفارة البريطانية [59].
وتأسيساً على ذلك يمكننا القول إن كلتا الكتلتين لم تستطيعا:
-   تكوين قاعدة اجتماعية عريضة منظمة فعالة ومؤثرة, سواءً في المؤسسة العسكرية أو في الحياة المدنية السياسية.
-       ولم يستطيعا تبني برنامجاً سياسياً يستقطب أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير.
-       لم يمتلكا وضوحاً سياسياً, وإن أختلفت النسبة, لواقع مشاكل وسبل تطور العراق.
كان أغلب ضباط تلك المرحلة ينقصهم النضج والوعي السياسيين, بل حتى الوعي الوظيفي/ المهني, مما حال من تحولهم إلى انتلجنسيا عسكرية تستطيع إعادة الانتاج معرفي/ مهني أرقى, أو/و أيجاد حل لمعادلة الانتماء والهوية العراقية/العربية بصورة جدلية تتفاعل مع افقها الحقيقي. هذا سوف يتضح من القراءة الواعية لمفردات الخطاب السياسي لكل الكتلتين آنذاك, وتخبط الممارسة السياسية لكليهما, وغلبة الامنية على الواقع المادي, وقيم المؤسسة العسكرية المتضادة في أغلب فقراتها مع العمل السياسي المدني والادارة العامة لمرافق الحياة, وعدم فهمهم لسنن التطور وأسس التحالفات ومدها والصراعات وإدارتها. وخير مثل يضرب هنا طبيعة تحالف الكتلة القومية من خلال العقداء الأربعة مع أعضاء النخب الحاكمة وكذلك ولي العهد. وذات الموضوع ينطبق على غلبة عقلية بكر صدقي العسكرية على الاراء الأكثر نضجاً لدى اعضاء الوزارة المدنيين من جماعة الأهالي مما أدى إلى التصادم الذي لا مناص منه, وأدى إلى استقالاتهم وتحول السلطة إلى حكم عسكري.
وعند تحليل طبيعة الصراع الذي نشب بين الكتلتين, والذي أثر على مجمل العملية السياسية لعراق القرن العشرين, يُلاحظ في البدء إن الصراع هو أنعكاس للصراع السياسي الذي احتدم بين المدرسة العراقوية (الوطنية) والمدرسة القومانية (االقومية), في أرأسيات توجه العراق اللاحق.
لقد حاولت كل كتلة, من أجل تعزيز مواقعها وإضفاء الشرعية على ذاتها, إقامة صلات مع الاحزاب القريبة من توجهاتها العامة, والتي كانت بمثابة الموجه الفكري وفي بعض الأحيان الروحي, لكلا الكتلتين. لكن في الوقت نفسه لم تخلو هذه الصلات من تعارضات وتصادمات بينهم, أو على الأقل إنحياز الضباط لقيم المؤسسة العسكرية وقيمها وما تمليها من شروط تتقاطع وطبيعة العمل السياسي المدني ونمط تفكيره وعلاقات انساقه. هذا الاستنتاج مستنبط من تاريخية العقد الخلافية التي إنتابت كلا الكتلتين, وأضعفتهما في بعض الفترات.
 من جانب أخر لابد من القول إن هذا الصراع كان غير مبرر منطقياً وتاريخياً, وقد عكس في بعض نواحيه مدى إنخفاض تجليات الوعي الاجتماعي في أبعادها السياسية والفلسفية بل وحتى الجمالية, خاصةً عندما إكتسى صفة إلغاء الأخر, مما أثر في النمو الجدلي لكلا الكتلتين, تجلى ذلك في عدم تمكن كل الكتل العسكرية, من توحيد جهدها الأرأس والمشترك في القضايا الجوهرية الخاصة بتحقيق الاستقلال الحقيقي ببعديه السياسي والاقتصادي, ومن ثم إحداث تغيرات جذرية في البنية ( الاجتصادية) الاقتصادية والاجتماعية, وتعزيز الألية البرلمانية كوسيلة وحيدة لتداول السلطة بين القوى الاجتماعية.. وأيجاد سبل الحل المنطقي للعلاقة بين الخاص والعام من مرتكزات الهوية الوطنية/القومية ودمجهما جدليا في بوتقة إنضاج الظروف الحسية للخاص السائد آنذاك وإستكمالا للعام المرغوب حسب الامكانية وليس الأمنية.
وقد مثل بحق النزاع الأكثر خطورة, الخارج عن مألوف سنن المنطق والعقلانية ومثل حقيقة مركزية في تاريخ العراق المعاصر .. نجمت عنه عواقب وخيمة أمتدت لاحقاً إلى عموم المحيط العربي تقريباً.. كما كان مأساوياً حقاً وخلف وراءه الكثير من الندب. و خسائر كبيرة شملت ليس الفريقان المتحاربان وما زرع بينهما من عدم الثقة أثر في تطور وإرتقاء كلا الاتجاهين, بل الوطن برمته, الذي أضاع قيم وتجارب وفرص تاريخية, اسفرت عن نتائج مروعة في التضحية بالمصالح بعيدة المدى على المستويين الخاص والعام. وكذلك على العملية الارتقائية لتطور العراق وإضاعة الفرصة التاريخية النادرة (مرحلة التموزية/ القاسمية).
 رغم أن بعض من مضامين هذا الصراع ما كان بالإمكان تجنبها.. نظرا لكونهما نابعة من مسارات التطور التاريخي للعراق والمنطقة ومن تناقض وتصادم جملة الصيرورات الاجتماعية ومصالح الجماعات, ومن القيم الاجتماعية المتناقضة المشروطة زمنياً وبالظروف الحسية للبلد.
 ويظهر أن هذا الصراع المعبر عن النظرة الذاتوية والجزءوية, إنتهى إلى جميع الطبقات, إذ تساوت عجزاً وسكوناً وركعت على ركبتيها أمام أعقاب البندقية التي شهرتها بريطانيا ومواليها عليها آنذاك, والقوى المتضررة من ثورة 14 تموز في العهد الجمهوري الأول.. مما فسح المجال إلى المتخلفين والمتريفين من الاستيلاء على السلطة وقطع دابر التلاقح الحقيقي بين الوطني ( الخاص) والقومي ( العام). لكونهما متكاملان في الأرأس وليس متنافران فيه, كما أن كل منهما يحمل خصائصه المكملة إلى الأخر.
 
الكتلة الثالثة:
 
في سياق الصراع الاجتماعي في داخل (الطبقة السياسية), حسب مفهوم غرامشي, المدللة على النواة المركزية من ممارسة سلطة الدولة في مختلف التشكيلات الاقتصادية/ الاجتماعية الوطنية, والتي تضم هذه الطبقة كوادر الطبقات والفئات الاجتماعية الخاضعة والمناضلة من أجل السلطة, والتي تتشكل بنيتها من احزاب, مؤسسات الدولة, المجموعات الايديولوجية الزمنية والدينية و ضباط المؤسسات الامنية( والعسكرية على وجه الخصوص).
وإنطلاقاً من هذا الظرف الموضوعي النظري المجرد ومن سياق الصراعات التي رافقت تكون الدولة العراقية بين مختلف الجماعات السياسية, وخاصةً ضباط المؤسسة العسكرية, تشكلت منذ بداية العقد الرابع كتلة عسكرية ثالثة تزعمها الرئيس الأول (الرائد) توفيق حسين[60] والذي كان من أوائل الضباط المنادين بـ (الدور التاريخي للجيش), وبضرورة التنظيم الحزبي لكي يلعب الضباط دورهم (التاريخي). هذه الرؤيا غذتها تجربته المتأثرة بالانقلابية العسكرية التركية وبالفكرة العثمانية ذات الطبيعة الاسلاموية مازجاً إياها بالاتاتوركية العلمانية المتناقضة مع الرؤى الاسلامبة لتوفيق حسين.. وهنا تكمن الرؤى المتناقضة في صراعها لدى الكثير من الضباط.
 ومن خلال تدريسه لطلاب الكلية العسكرية لمادتي التاريخ والجغرافية العسكريتين, استطاع أن يجمع حوله عدد من التلاميذ والضباط الصغار آنذاك. وكانت أراء الكتلة مستنبطة من رأي زعيمها, التي ماهياتها كانت في الوقت نفسه تناهض وتناقض بروح عدائية المشروع البريطاني/الفيصلي ومواليه في العراق والمشرق العربي.  
كان يعادي حركتي الشريف حسين وعبد العزيز بن سعود باعتبارهما كانا في جوهرهما حركتان بريطانيتان ذات اهداف استعمارية. أو على الأقل كانا متوائمتان مع المشروع البريطاني كل لمصالحه الانوية الخاصة. وقد أورد بعض هذه الأفكار في كتابه (القيادة عند العرب), مما أثار حفيظة الموالين ونخبة الحكم التي اعتبروها, على لسان طه الهاشمي رئيس أركان الجيش في حينها, إنها " تهمة شائنة [61]".
كما كان يركز أثناء تدريسه على التوعية السياسية ويحاول تثقيف الطلبة بما كان يجري في الوطن العربي وفي الحياة السياسية خارج سياق الانظمة العسكرية. لقد حاول توفيق حسين وبمثابرة عنيدة, إثارة أحاسيس الطلبة وصدم وعيهم من خلال طرح فكرة الدور السياسي للضباط ودورهم في انقاذ البلد من الاستعمار البريطاني ومواليه.. وكان من ثمار هذا الموقف تأثر العديد من ضباط المستقبل, من مختلف الاتجاهات, بأراءه السياسية بهذه الدرجة أو تلك, وهم الذين لعبوا دورا سياسياً في تكوين حركة الضباط الأحرار وفي رسم مستقبل العراق الجمهوري. وخاصةً تلك الدورات التي بدأت بعد عام 1932, حبث انتهى الانتداب وتوقف الاشراف البريطاني المباشر على المؤسسة العسكرية وبضمنها الكلية العسكرية.
تشير العديد من المصادر إلى أن هذا التكتل قد ضم ما يقارب السبعين ضابطاً منذ عام 1933.. وهذا الرقم يمثل في حدود 8% من مجموع الضباط في عام 1936 حيث بلغ عددهم ما يقارب 800 ضابطاً في تلك السنة[62]. بمعنى أن نسبتهم الحقيقية كانت أكثر من ذلك في السنة المذكورة. وهذه نسبة كبيرة نسبياً مقارنةً بنسبة عدد الضباط المسيسين بصورة عامة في مختلف بلدان العالم الثالث وخاصةً في تلك الفترة. وهي ايضاً عالية حتى بالنسبة إلى المنظمين لحركة الضباط الأحرار قبيل ثورة 14 تموز والذين قدرت نسبتهم حوالي 5% من مجموع الضباط.
 لكن هذا الكم من الضباط لم يكن يوازي قوته التأثيرية ولم يرتقي إلى أحد المراكز الضاغطة في المؤسسة العسكرية ولم يلعب دوراً مركزيا فعالاً مقارنةً بالكتلتين السابقتين. ويكمن السبب في كون أغلب هؤلاء الضباط كانوا في بدابة حياتهم العملية من الرتب الصغيرة الذين هم أداة تنفيذ أكثر من كونهم قادة موجهين.. وبالتالي يخضعون إلى التراتيبية العسكرية غير القابلة للنقاش. لكن تأثيراته كانت ذات أبعاد مستقبلية..
 لقد " اتخذ أعضاء كتلة توفيق حسين من (جمعية الشبان المسلمين) في الصالحية مقرا لهم يلتقون ويتداولون في الأمور المتعلقة بنشاطهم. ويبدو أن كتلة توفيق حسين لم تكن تعتمد على قاعدة تنظيمية معينة مشابهة للأحزاب والتنظيمات السياسية, بل كان يجمع أعضاء الكتلة إتفاق مبدئي على تغير الأوضاع الداخلية... [63]".
وقد كانت هذه الكتلة تتمتع بموقع الوسط بين الكتلتين الرئيسيتين, من حيث السؤال الجوهري حول أولوية العراق.. فلقد عادت الكتلة القومية هذه الكتلة واعترضت على ما كان يطرحه توفيق حسين من أولوية عراقية العراق وأُتهم بكون أراءه كانت ضيقة وذات بعد اقليمي. في الوقت نفسه كانت عثمانويته وتاثره بالاتاتوركية تصطدم بالكتلة الوطنية.
 إن خلو الكتلة من برنامج اقتصادي/اجتماعي وانعدام وضوح الرؤيا وغياب البرنامج السياسي عوامل ساهمت في تلاشيها التدريجي الذي اشتد في خضم الصراع بين الكتلتين الرئيسيتين.. وبالأخص مع الكتلة القومية التي كانت متحالفة آنذاك مع بعض الضباط الشريفيين والنخبة السياسية للحكم؛ ولكون أسس الانتماء كانت قائمة على الولاء الشخصي لمؤسسها في أطار الروح العاطفية وأصحاب الحرفة الواحدة وإندماجه في عالم العسكرية بعد إرتقاءه في السلم الوظيفي.. وأخيرا موقف كتل الحكم منها وخاصةً مؤسسة العرش التي اتهمها توفيق حسين بالمولاة للبريطانيين. هذه الظروف عجلت بتفتت الكتلة وتوزع أعضاءها على بقية الكتلتين وبالأخص القومية.
 
الكتل الشللية:
 
لابد من التنويه إلى أنه تشكلت في تلك المرحلة, الأكثر أهمية في العراق المعاصر[64], تجمعات شللية تنطلق من منطلقات ضيقة مناقضة للولاءات الجامعة من وطنية أو قومية, وعلى أساس الولاء الشخصي,أو/وعلى اساس طائفي بحت, أو/و على اساس جغرافي لهذه المدينة أو تلك المنطقة الجغرافية. وهذه التجمعات, أزعم أنها ظاهرة طبيعية في المجتمعات التي لم تتبلور طبقياً وتلك التي تتسم بتعدد التكوينات الاجتماعية والاثنية مما يترتب عليها عادةً تعددية الولاءات, وهنا تلعب الشخصية الصمدانية (الكارازمية) دوراً استقطابيا مستنبطاً من منظومات القيم الاجتماعية المتعددة السائدة.
 وقد شهدت المؤسسة العسكرية في عراق الثلاثينيات مثل هذه الشلل. وكان أكبرها يتمحور حول الفريق نوري السعيد, قبل ان يكون مركز النواة العسكرية في العراق الملكي, والذي استمد لاحقاً الكثير من عناصر قوته من دعم كتلة الضباط, وكان بدوره يرعى مصالحهم وهم يشدون من أزره في علاقة نفعية زبائنية, إزاء كتل نخب الحكم المنافسة بل وحتى المعارضة الوطنية. لذا " كانت آماله معلقة على دعم الجيش وإلتفاته حوله في كل الوقائع السياسية التي حصلت خلال الأربعين سنة الماضية (يقصد المرحلة الملكية-ع.ن)... فبقوة الجيش تمكن نوري السعيد من أن يؤلف 14 وزارة فحاز قصب السبق على أقراته السياسيين, وبقوة الجيش كان يسمع صوته للملك والحكومة ويفرض إرادته عليهم كلما تأزمت الأمور وأشتد أوارها. وقد بذل نوري السعيد جميع جهوده ليكافيء الجيش على مؤازرته له في السياسة [65] ", وذلك بزيادة رواتبهم  وبنسب كبيرة فاقت الزيادات العامة لمستويات المعيشة بحيث صاروا يعيشون أفضل من معظم  أصحاب الرواتب في المجتمع.
وفي الوقت نفسه حاول الملك غازي تكوين مركز مؤثر يدين بالولاء له شخصياً, وذلك من خلال الأمير زيد وخاله الشريق حسين. ولقد أقام صلات قوية مع ضباط الجيش أثناء دراسته في الكلية العسكرية أو بعد التخرج منها. لذا كان يحاول حل مشاكلهم بصورة مباشرة, ربما تجاوزاً لمسؤوليته الدستورية, وقد كانت مجالسه غالباً ما تضم العديد من الضباط,, وقد ساهم بصورة مباشرة في دعم مشروع تطوير القوة الجوية..ونسج علاقات وطيدة مع بكر صدقي ومحمد علي جواد وكتلتهم حيث رأى فيهم الأقرب إلى نمط تفكيره ولكونهم أكثر واقعيةً من سواهم وأصدق في شعورهم من ملاعيب النخب السياسية.. حتى أُشيع أن قائد القوة الجوية سيتزوج من أخت الملك, وبهذه المصاهرة تزداد مؤسسة العرش قوةً من خلال دعم الجيش لها. هذا الموقف يعتبر من أحد اسباب فرض طوق العزل على حركة الملك غازي والذي فرضته كتل الحكم بمختلف توجهاتها وبالأخص في وزارة ياسين الهاشمي الأخيرة ( 17/3/35- 29/10/1936). لكن تبددت آمال غازي في تكوين كتلته بعد إغتيال الثنائي بكر صدقي ومحمد علي جواد, وانحياز الكتلة القومية إلى نوري السعيد والتي فرضته على الملك فرضاً.
أما بصدد قاعدة المؤسسة العسكرية (المراتب– الجنود وضباط الصف), فقد تسللت إليها الأفكار السياسية وبصورة عفوية في البدء من خلال الساخطين على النظام, ومن ثم من خلال الألية الحزبية الحديثة بصورة سرية منذ منتصف الثلاثينيات وذلك عندما غرز الحزب الشيوعي أولى خلاياه التنظيمية في فوج المخابرة وفي القوة الجوية, باعتبارهم أكثر المراتب تعلماً وشعوراً بالغبن ومن الساخطين على سياسة النظام, ولمبررات تنظيمية وايديولوجية, دفعته إلى زرع خلاياه في رحم المؤسسة العسكرية وهو الوليد في مسيرته السياسية ولم تشتد قواه بما فيه الكفاية. في تلك الفترة كان التفكير بالاستيلاء على السلطة يمثل مقياس (لثورية ونقاء الحزب).. فضلاً عن " أن العمل في صفوف القوات المسلحة لكسبها وتجريد الطبقات الحاكمة من سلاحها شرط اساسي من شروط انتساب الاحزاب الشيوعية إلى الأممية الثالثة ... [66]".
 وقد اشرف على عملية تأسيس هذه الخلايا في الجيش كل من زكي خيري ويوسف متي وبدرجة أقل حسن عباس الكرباسي. وقد تم الكشف عن هذا التنظيم عام 1937, الذي أثار هلع مثلث الحكم الذي خشى شيوع وانتشار مثل هذه الأفكار إلى بقية مؤسسات النواة المركزية للسلطة ( الجيش). وتأسيساً على ذلك شن حملة إعتقالات شملت 65 عسكرياً من المراتب, بالإضافة إلى الثلاثة المشرفين عليه. وقد تمت محاكمتهم عسكرياً وحكم على ثلاثة منهم بالإعدام رميماً بالرصاص, وهم :( علي عامر وعبد الرحمن دتوود وضاحي فجر[67]), لكن استبدل بالحكم المؤبد بفعل الضغط السياسي لحركة احتجاج المعارضة الوطنية, والتي قادها وتوسط فيها محمد جعفر أبو التمن. ومن الجدير بالذكر إن قانون العقوبات على اثر هذه الواقعة قد عُدل في زمن حكومة جميل المدفعي الرابعة (17/8/37- 24/12/1938), وذلك بإضافة مادة جديدة تنص على عقوبة الإعدام لمروجي الأفكار الهدامة داخل القوات المسلحة, وفقاً لذيل قانون العقوبات البغدادي رقم 51 لسنة 1938, وذلك للحد من اتساع الافكار اليسارية في المؤسسة العسكرية والحد من نفوذ الحزب في كسب الانصار داخل المؤسسة بالذات وهذا ما لم يتحقق, كما يوضحه تاريخ الحزب [68], ويؤكد ذلك ما نشرته التحقيقات الجنائية (الأمن العامة لاحقاً) ضمن موسوعاتها الجنائية في نهاية الاربعينيات, للعديد من أسماء العسكريين الشيوعيين (المراتب والجنود). وقد اسدت بعملها هذا دعاية كبيرة للحزب من دون أن تدرك ذلك.
علماً بأن المنتمين من الضباط في التنظيم الشيوعي كان في البدء معدوماً تقريباً ولغاية1941/ 1942.. وهذا ما ميز عمله السياسي في المؤسسة العسكرية عكس الأحزاب والقوى السياسية الأخرى العلنية أو السرية, التي لم تستطع من أيجاد موطئ قدم لها في ذات القاعدة لفترات إمتدت لغاية ما بعد ثورة 14 تموز.
 في الوقت ذاته لم يستطع الحزب الشيوعي من كسب الضباط إلى صفوفه إلا بعد فترة لاحقة, حيث بدأ بتنظيم بعض الضباط ذو الرتب الصغيرة و بعض طلبة الكلية العسكرية. وبقى هو الأضعف من هذه الناحية مقارنةً بالكتل المذكورة سابقاً وخاصةً التيار القومي على تعدد تنظيماته الحزبية. ومنذ مطلع الخمسينيات بدأت قوى الحزب تزداد في المؤسسة العسكرية حتى بدأ التيار اليساري عامةً بتشكيل أولى التنظيمات لظاهرة حركة الضباط الأحرار .. وهذا ما سندرسة في الفصل القادم.
لقد استفاد الحزب الشيوعي من الحالة السيكولوجية/السيسيولوجية للمراتب واستطاع جذبهم للتنظيم الحزبي, لأن أغلبية المراتب قدموا من الريف العراقي, والجنوبي على وجه الخصوص, نتيجة عوامل طاردة سائدة فيه أهمها:
 - الإفقار المطلق التي تعرضوا له نتيجة التغيير في العلاقات الحقوقية لملكية الأرض وما أعقبها من طرد مكثف لقوة العمل من الأرض؛
- عوامل اخرى طاردة كامنة في المستويات الاجتماعية والصحية وطبيعة العلاقات في الريف؛
- عوامل جاذبة في المؤسسة العسكرية, التي غالباً ما تكون المؤسسة العسكرية قريبة منها, التي تدفع رواتب أعلى من دخول الفلاحين؛
- ولأن قيم المؤسسة العسكرية تتماثل مع قيم المجتمع الفلاحي من حيث: قيم القوة, الرجولة, الشهامة, المروءة, والبطولة...الخ بل وتضفي عليها مسحة (الوطنية) والملائمة النفسية؛
-  كانت حركة تشغيل القوى العاملة بطيئة جداً في الوقت الذي كانت اسرع في مؤسسات القمع المادي(الجيش وقوى الأمن) وتمثل فرصة ذهبية للقوى العاملة غير الماهرة؛
- أصبح بعد فرض التحنيد الإلزامي عام 1935, من الصعوبة على أبناء العوائل الفقيرة دفع البدل النقدي لآجل التخلص من الخدمة العسكرية كما هو حال العوائل الميسورة في المدينة؛
 - طبيعة الحياة وايقاعها وأنساقها في المدينة مقارنةً بالريف وعلى مختلف الأصعدة والمستويات الاجتصادية والفكرية والحياتية.. كانت عوامل جذب للخدمة في هذه المؤسسات.
هذه المجاميع البشرية ذات الانتماءات القومية والدينية والاثنية المختلفة وجدت في الطرح الراديكالي للحزب السيوعي الملاذ والبديل لما كان يعبر عن مصالحها وخيباتها الانسانية المستلبة وإنقاذها من استبداد الانضباطية العسكرية الصارمة المنافية لقيم الإنسان خاصةً قبل 14 تموز, حيث كان المجند يتعرض للكثير من الاجراءات التي تطيل كرامته وانسانيته مثل الجلد والعقوبات القاسية والخدمة في منازل الضباط، وتخليصهم من الإملاق المطلق وعوز الحاجة الدائم والاغترابية المهنية.
 هذه الأسباب وغيرها ركزت قوة الحزب في قاعدة المؤسسة العسكرية بحيث لعبت ادوارا سياسية جدا مؤثرة في مرحلة ما بعد 14 تموز.. حيث ساهمت هذه القاعدة الحزبية في نشاطات سياسية تفوق كثيرا دورها ومكانتها في القرار العسكري, وذلك عندما رمت بثقلها وراء قيادة ثورة 14 تموز ودافعت عنها بكل ضراوة في أحلك الظروف وأنقذتها من المحاولات الانقلابية.
 
الارهاصات التنظيمية الحديثة:
 
بعد هزيمة حركة مايس 1941 التحررية.. أتفقت كتل الحكم على تبني استراتيجية جديدة تتمثل في الإبعاد الكلي للمؤسسة العسكرية من المشاركة في حل الخلافات الداخلية الأنوية فيما بينهم كنخبة حاكمة, وفي إبعادها ما أمكن من مشاركتها في حل التناقضات بينهم كنخبة سياسية والجماهير الشعبية في انتفاضاتها, إلا في الحالات القصوى.
 وقد رافق هذا التبني الجديد سياسة تقليص حجم الجيش العراقي ما أمكن, بعد تعذر حله النهائي. في مثل هذه الظروف وما قبلها, بدأت ارهاصات حراك سياسي تعبوي بين الضباط الشباب ومن الرتب الصغيرة اتسم بالتكتلية العفوية السرية, وتحاول باندفاع الشباب العاطفي وتسرعه وقلة خبرته العملية والسياسية, إلى تكوين تنظيمات حلقية مبنية على الأمنية والشخصية الكرازمية, للمساهمة في تغيير القرارات المركزية للدولة أوعلى الأقل التأثير فيها.. وفي حالات قليلة كانت تستهدف إسقاط النظام السياسي برمته.
 وينبغي علينا أن نضع الأقوال أعلاه, وغيرها مما سنتطرق إليه, ضمن سياقها العام, وضمن خارطة الصراع السياسي الحاد الذي ساد العقدين الأولين من تأسيس الدولة والتي كانت تعبر عن طموحات الكتلة الوطنية المعارضة وجيل الثلاثينيات من الشباب على وجه الخصوص, والمتشبعين بالفكرة الوطنية والتخلص من الاستعمار البريطاني والطامحين إلى تغيير الاوضاع الاجتصادية والسياسية نتيجة فشل حكومات المرحلة في تحسين هذه الاوضاع .. بالإضافة إلى كون هذه الفكرة قد تقبلتها (بعض) القوى السياسية الوطنية المعارضة نتيجة سيطرة وتلاعب النخبة الحاكمة بالألية البرلمانية والتأثيرعلى نتائج البرلمان مسبقاً, بحيث ينتخبون نوابه حسب مزاج رئيس السلطة التنفيذية بالأساس. وضمن هذه الظروف تفشى سؤال مركزي بين الضباط الشباب.. ماهو المصير اللاحق ؟؟. وكان رد الفعل لهذا التساؤل هو اتساع تكوين التنظيمات العسكرية لأجل الإطاحة بالنظام الملكي,أو التفكير بذلك, خاصةً بعد فشل حركة مايس 1941 وإعدام الحياة لقادتها ومحاولة إلغاء الجيش.
من هذه التكتلات:
 - ما اشار إليه الضابط الشاب عبد الكريم قاسم, الذي أعلن في خطاب له بتاريخ 25/7/1958, إلى أنه " منذ تخرجي من الكلية لاحظت أن الأوضاع تسير من سيء إلى أسوء وصممت من ذلك التاريخ على قلب هذه الأوضاع رأساً على عقب ". ولذا أخذ يجمع الانصار حوله من الضباط الصغار ومن طلبة الكلية العسكرية ويقوّم ذاته المهنية والسياسية. ويعبر قول الزعيم قاسم أعلاه عن الطموح الذاتي للإنسان, عسكرياً كان أم مدنياً, وخاصة اولئك الذين يرون في أنفسهم أصحاب رسالة أو/و لهم (دور تاريخي).
- كما تمثلت الاجوبة العملية لمثل هذه الاستفهامات والأفكار في التنظيمات التي شكلها بعض الضباط الصغار.. منهم على سبيل المثال عبد السلام عارف الذي ذكر أنه: " رأى نفسه مع عشرة من زملائه, التقوا معه في وحدة الشعور والهدف, يجتمعون في ظلام الليل في ركن بعيد من المعسكر الذين يضمهم ويقسمون اليمين على تحرير العراق من الاستعمار وعملائه وأطلقوا على جماعتهم اسم (العشرة المبشرة) ولم يضعوا لانفسهم خطة أو ترتيباً للعمل, بل تركوا الأمر للظروف والزمن [69] ".
وبعد توثق علاقته بعبد الكريم قاسم منذ عام 1942, فقد أسس ضباط آخرون أحدهم عارف, وقبل لتأثيرر من قاسم ذاته, في البصرة منظمة سرية اكتشفت عام 1944, عندها" أتهم الملازم الأول عبد السلام عارف بإشتراكه في منظمة سرية للضباط تهدف إلى تبديل الأوضاع وجرت محاكمته على يد اللواء الركن بهاء الدين نوري, وبعد أن لم يظهر ما يثبت ذلك عليه, فقد صدر أمر بنقله إلى الناصرية [70] ".
- وبدوره أشار الضابط والسياسي سليم الفخري في محاضرة له في لندن قبيل وفاته بفترة قصيرة, بعبارات عامة إلى عديد من النشاطات السياسية داخل المؤسسة العسكرية بعد إندحار حركة مايس , تبلورت لاحقاً في أشكال تنظيمية صغيرة متفرقة, غالباً ما تنحل بعد خمود سبب تكوينها أو نقل بعض أعضاءها.. منها مثلاً التنظيم الذي أشار إليه عبد السلام عارف, وأكده الفخري بالقول:
 "... تعرفت على عبد السلام عارف عام 1942 في البصرة, وخلال وجودي جاءنا الضابط المهندس عبد العزيز الامام وأخبرنا بوجود تنظيم في بغداد لمقاومة الإحتلال البريطاني وبصدور نشرة حول ذلك ودعانا إلى توزيع النشرة ولم نكن نعرف من هم قادة التنظيم ولا أهدافه ولا محتوى النشرة. ولكننا وافقنا ولما وصلت النشرة قمنا بتوزيعها, عبد السلام وأنا وضابط أخر أسمه محمد سعيد حسين, لا أعرف أين هو الآن. وأحدث التوزيع ضجة في البصرة. ولكن التنظيم انكشف في بغداد وألقت السلطات القبض على منظمهِ وهو فلسطيني وأسمه ممدوح السفن وأبعدته إلى خارج العراق[71] ". وقد سبق للفخري أن أشار إلى هذا المضمون العام عند شهادته في المحكمة العسكرية العليا الخاصة اثناء محاكمة عارف في أواخر عام 1958.
- ويشير العميد الركن جاسم العزاوي في مذكراته إلى أنه " أخذ شعور هؤلاء الضباط الوطنيين يتبلور تدريجيا ووعيهم يتضح شيئاً فشيئاً إلى أن انتهوا إلى التكتل المنظم. كان ذلك في بداية عام 1938, الذي أسسوا فيه تنظيماً عسكرياً ووضعوا له ميثاقاً واضح الأهداف وبدأوا يتحركون بسرية وحذر تامين لبناء قاعدة لهم من الضباط الشباب صغار الرتب, وتشاء المصادفات أن تكون دورة الضباط السابعة عشر قد إلتحقت بالكلية العسكرية بتأريخ 19/2/1938وأستمرت فيها حتى تخرجها في 7/5/1939.
كان من بين تلامذتها المرحوم رفعت الحاج سري... وبعض الأسماءالتي ترد في ذهني عفوياً, وعلى سبيل المثال وليس الحصر وهم: العقيد وصفي طاهر والعقيد فاضل عباس المهداوي و العقيد نعمان ماهر الكنعاني والعقيد عبد الكريم الجدة والعقيد الركن عبد السلام عارف والعقيد شكيب الفضلي والعقيد خالد مصطفى الشارود والعقيد الركن فريد ضياء محمود والعقيد عبد اللطيف الدراجي والعقيد عبد المجيد جليل والمهيب احمد حسن البكر والعقيد الركن إسماعيل العارف وربما هناك اسماء أخرى لا أتذكرها... استمر التنظيم كما يبدو من سير الأحداث وتنامى وانضم إليه سياسيون مدنيون حتى توج بالحزب القومي السري (حرس الوحدة) ووضع له دستور مأخوذ من نسخة المرحوم كامل شبيب[72] ". وقد أنتهى هذا التنظيم الهش بعد فشل حركة مايس. لكن بعض أعضاءه الذين لم تنكشف أسماءهم استمروا في العمل السري اللاحق في المؤسسة العسكرية كما اوضحت لاحقاً حركة الضباط الأحرار, حيث كانوا ضمن أعضاءها جل الأسماء المذكورة أعلاه, وبعضهم لعبوا دوراً كبيراً في التغيير اللاحق وتأسيس الجمهورية.
ويلاحظ أن الشعور الوطني/القومي هو الجامع المشترك لهم, والذي لم يكن يمتلك سمات عصبوية آنذاك على الأقل. كما كان يمثل أتجاهات سياسية مختلفة وأغلبهم من عوائل الفئات الوسطى على تعدد مستويات دخولها ومن المدن الكبيرة والصغيرة على السواء. ويمثلون موجة جديدة من الشباب خريجي الدراسة الثانوية التي افرزت الكوادر الأكثر تسيساً في المؤسسة العسكرية.
- هذا المزيج من الاتجاهات الفكرية نجده في تكتل أخر, والذي تشكل لاحقاً من عام 1948 " حيث اقتنع عدد من الضباط الصغار سنة 1948 إلى حماية انفسهم بتشكيل تنظيم تعاوني وذلك بتقديم جزء ضئيل من راتبهم تجمع عند أحدهم يستفاد منها عند إلقاء القبض على أحدهم لتصرف على عائلته وكان المنظم لهذه الفكرة هو طه الشيخ أحمد اما الضباط فهم : طه الشخ أحمد, رفعت الحاج سري, جلال الأوقاتي, ماجد محمد أمين, سليم الفخري, غضبان السعد, إسماعيل العارف, خليل إبراهيم حسين, صبيح علي غالب, محمد خليل, فريد ضياء محمود. ولم تؤدِّ هذه الفكرة إلى خطوة عملية ولم تتطور إلى تنظيم سياسي داخل الجيش[73] ". لأنهم, حسب قناعتنا, ذوي توجهات فكرية وحزبية متباينة والتي تصدم, بالضرورة, بالزمالة المهنية وطبيعة مضمون التغيير الجذري المرغوب.
- في الوقت نفسه يشير إسماعيل العارف في مذكراته إلى شكل(جنيني) أخر من تنظيمات الضباط الصغار المتاثرين بالأجواء السياسية التي شهدها الواقع العراقي وبالرغبة الشخصية الطامحة للعب دورهم المهم في بلورة التشكيلة الاجتماعية الجديدة.. وقد " لعبت الدعاية النازية دوراً مهماً في إذكاء الروح الوطنية بين الضباط. فبدأت تدور بينهم همسات عن تشكيل جمعيات سرية ضد النظام القائم وبخاصةً عندما تزايد أثر الجيش في التغيرات السياسية التي حدثت بعد إنقلاب بكر صدقي... قررنا مع بعض الأصدقاء من الضباط الذين تخرجوا معي تشكيل جمعية سرية تدين بالأفكار القومية المتطرفة وتستهدف القيام بأعمال عنفية ضد النظام القائم. وكان من أعضاءها الملازم محمد عبد اللطيف والملازم عبد المجيد رشيد والملازم مدحت عبد الله, وأصدرنا منشورين سريين مكتوبين باليد... ولكن نشاط هذه الجمعية أضمحل بسبب نقل بعض أعضاءها إلى معسكرات نائية خارج بغداد.. وقد أدت سرعة تطور الأحداث السياسية... إلى إمتصاص نشاطها وإنفراط عقدها...[74] ".
- وتأسس تنظيم أخر بعد فشل حركة مايس " فشكلنا أول جمعية سرية أنا والملازم فريد ضياء محمود والملازم طه الشيخ أحمد, تهدف إلى نشر الثقافة السياسية والاجتماعية بين الضباط الشباب...فلاقت الحركة إقبالاً منقطع النظير, وقد أنضم إليها عدد غير قليل من الضباط.. وبدأنا في الوقت ذاته بنشر الثقافة والتوعية بين ضباط الصف فأنتشرت الدعوة بين وحدات الجيش...[75] " بعدها إنكشف أمرالتنظيم نتيجة وشاية أحد الضباط.
- ويشير العقيد الركن صبيح علي غالب في مذكراته إلى نشاطه السياسي بالقول : " شكل أول جمعية سرية من تلاميذ الكلية العسكرية خلال حركة مايس سنة 1941 للدفاع عن الوطن. وبعد فشل حركات مايس أفشى سر الجمعية أحد التلاميذ إلى قيادة الجيش وجرى كبس كافة تلاميذ الكلية العسكرية من قبل رئيس أركان الجيش اللواء إسماعيل نامق ومدير الاستخبارات العسكرية وطرد طالبان من الكلية نتيجة ذلك [76] ".
ويشير أحد الطلاب المطرودين إلى ذات الحادث بشيء من التفصيل وإن أختلفت في ورود الأسماء, بالقول: " دخلت الاعدادية العسكرية. وأخذنا ننظم أول تنظيم عسكري داخل الجيش العراقي وهو تنظيم 40-1941 وكنا خمسة هم- عيسى الشاوي- عارف عبد الرزاق الكبيسي- ثابت حبيب العاني- عطشان ضيول الازيرجاوي- وكامل المنتفجي. وكان كل واحد منا يقود خمسة أعضاء وأصبح لدينا بحدود (50) عضواً. بعد دخولنا الكلية العسكرية أصبحوا بحدود(150) عضواً. كنا نتثقف ونتداول الاشعار الوطنية للرصافي وعلي الشرقي وغيرهم. وفي حركة مايس1941 نشطنا بشكل واسع وكان لكل منا ارتباطه بالجهة القريبة منه, فمثلاً عيسى الشاوي ارتبط بيونس السبعاوي( من القادة القوميين- ع.ن), وثابت حبيب ارتبط بسالم عبيد النعمان (من القادة الشيوعيين آنذاك-ع.ن) وكذلك الآخرون كانت لهم صلاتهم الخاصة وكان الشيء الذي يجمعنا هو العداء للإنكليز وحب الوطن.
لقد حدث تطور هام في حياتي السياسية حين فاجأنا رئيس الوزراء نوري السعيد لزيارته, بصحبة رئيس أركان الجيش اللواء الركن بهاء الدين نوري ومدير الاستخبارات العسكرية العقيد فاضل الطيار. وعلى الفور بدأوا بالتفتيش وعثر في حينه معي على دفتر يتضمن أشعار الرصافي وقد اتفقنا قبل العثور على الدفتر أن ندعي أن الدفتر يرجع إلى كامل المنتفجي. والسبب هو أن خاله كان وزير الاقتصاد في حكومة نوري السعيد, مما يجعل خاله يتدخل في حالة توقيفنا, وفعلاً تم توقيفي أنا وكامل فتدخل الوزير وأطلق سراحنا, ولكن جرى طردي من الكلية بينما بقى كامل رغم إعترافه بان الدفتر يعود له  [77]".
- كما ظهر تكتلان ذو طبيعة حزبية إذ " في أواسط الأربعينيات تمكنت رابطة الشيوعيين العراقيين بقيادة داوود الصائغ المنشق عن ح. ش. ع بقيادة الرفيق فهد, من تكوين منظمة عسكرية برئاسة لجنة من الضباط هم: (الرئيس الركن سليم الفخري, الرئيس الركن غضبان السعد, الرئيس عبد القادر الله ويردي, الملازم حسين خضر الدوري, الملازم عايد كاطع العوادي والملازم صالح الدريعي) ومقرهم في الموصل.
    وهناك تنظيم عسكري يشرف عليه الرفيق فهد ومسؤوله الملازم عبد العزيز عبد الهادي الذي التحق بالحزب الشيوعي عام 1941, يتكون من خلايا الجنود وضباط الصف  [78]". هذان التكتلان أستمرا بالعمل السري رغم طرد بعض منظميه من الضباط الصغار وضباط الصف من الخدمة. وكان يتأثر وضعه التنظيمي في الجيش بالجو السياسي العام من جهة وبتوحد منظمات الحزب المنشقة من جهة ثانية وبنظرته الخاصة للعمل فيه والتي كانت تتغير من فترة لآخرى, إذ ركز من منظور طبقي ضيق على المراتب والجنود بصورة خاصة. لكنه غير هذه السياسة بعد وثبة كانون 1948عندما اعتقد الحزب بأن الضباط الذين هم من اصول طبقية دنيا ووسطى يمكن كسبهم إلى التنظيم.
 وقد تعرضت كل الكتل الشيوعية للملاحقة الشرسة من قبل القوى الامنية التي أضعفتها وقللت من حركتها, لكنها لم تستطع القضاء عليها.. بدليل اعاد تنظيم ذاته الموحدة في الخمسنيات وشكلت تنظيمها الخاص (اللجنة الوطنية لاتحاد الجنود وضباط الصف والضباط).
وتأسيساً على ما ذكر فإن الارهاصات الأولى للتنظيمات السياسية  في الجيش تميزت ب:
-   أنها غير مترابطة مركزياً ولم تتسم بالاستمرارية ولم تخلق هذه التنظيمات فردا أو كتلة مركزية تجمع هذا التشظي أو تدور في رحاها على الأقل؛
-        فيها الشيء الكثير من تضخيم الذات رغم صغر حجمها ؛
-    وذات سمة عفوية وردود فعل انفعالية لشبان في أول مدارك الوعي السياسي [ فالعاصفة التي يثيرونها ليست بالعمق الذي يدعونه] وفيها الكثير من الغطاء الدعائي ولم يمتلكوا رؤية سياسية واضحة تستطيع الإجابة على القضايا المطروحة, ما بالك المستعصية؛
-        مفعمة بعواطف وحماس الشباب, الذين لم يتجاوز أعمار أغلبهم عن 18-20 سنة ومن المتأثرين بقيم القوة والرجولة؛
-   أغلبهم ينتمون إلى ذات الفئات الاجتماعية الوسطى وتحديداً من الطبقة المتوسطة الدنيا ومن اسر حضرية حرفية أو صعار التجار والملاك ؛ مما أكسبهم صفات هذه الفئات المتسمة بالقلق والتذبذب.. فكانوا ينقلون ولاءاتهم من جماعة إلىأخرى ومن حزب لأخر؛
-   لم ترتقي هذه التنظيمات بذاتها إلى كونها ظاهرة اجتماعية لغياب البعد الذاتي والضرورة الموضوعية وظروفها.. لذا مثلوا الارهاصات الأولى لظاهرة برزت بعد أكثر من عقد من الزمن.. كانت الاجراءات التي قامت بها قوى الاحتلال الثاني وخب الحكم بمثابة الكابح لمثل هذه الصيرورات الاجتماعية, لانهم تنبهوا إلى خطورة موقع المؤسسة العسكرية بعد إنهزام دور مؤسسة العشيرة في التأثير على التوازنات السياسية والاجتماعية.
وبناءًً على ذلك فقد مهدت هذه التنظيمات وما رافقها من ظروف داخلية وعربية ودولية, على بروز وبلورة وعي نوعي جديد أفصح عن مكوناته ما يمكن أن نطلق عليه اسم :[ ظاهرة الضباط الأحرار] , وهذا ما سندرسه في المبحث التالي.
 
 
 
 
 
  
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
2.5- حركة الضباط الأحرار.. النضوج والتكتل الغائي:
 
 لا نبتعد عن الحقيقة
 
 


[1]  الجيش والحركة الوطنية, فريق من الباحثين بإشراف د. انور عبد الملك, ص 35, ابن خلدون، بيروت 1971
[2]  الطورانية :"هي الفكرة التي استهوت الاتحاديين بعد حرب البلقان 1912-1913، وظهرت بوصفها دعوة إلى الجامعة الطورانية بفعل اتحاد تيار القومية التركية، مع حركة " أتراك روسيا " النازحين إلى استانبول وأصبح التياران يعملان لغاية واحدة، هي الجامعة الطورانية التي كان من المقرر أن تضم الشعوب التي تتصل مع الأتراك برابطة الأصل المشترك مثل الصين والتركستان والهنغار". مستل من نضر علي أمين الشريف،هامش ص. 67، مصدر سابق.
  [3] حسن العلوي، التأثيرات التركية على المشروع القومي العربي في العراق، ص. 41، دار الزوراء لندن 1988. ويشير نور علي الشريف أنه بموجب المادة 72 من الدستور الذي وضعه السلطان عبد الحميد التي نصت " على إجراء انتخاب أعضاء )مجلس المبعوثان( على مرحلتين وبنسبة نائب لكل خمسين ألف من الذكور. وقد اختلفت المصادر بشأن عدد النواب الذي تشكل منه المجلس" هامش ص70 مصدر سابق .
 [4] د. غسان العطية ، العراق – نشأة الدولة، ترجمة عطا عبد الوهاب، ص. 86-87 ، دار لام ، لندن 1988
[5]  المصدر السابق، ص.88
 [6] نضر علي الشريف، ص. 69، مصدر سابق.
[7]  اليعازر بعيري، ص.328، مصدر سابق .
[8]  المصدر السابق، ص. 329
[9]  تشير الوقائع التاريخية أن الدولة العراقية ومن خلال المؤسسة العسكرية بسطت سيطرتها على العشائر المتشظية لأجل سريان مفعول قرارها المركزي.وقد امتلكت العشائر طيلة العقد الأول من نشوء الدولة، كميات من البنادق أكثر بكثير مما امتلكه الجيش الوليد.. وأورد الملك فيصل الأول عام 1932أرقام متحفظ عليها، قدر عدد البنادق لدى العشائر بحدود 150 ألف بندقية، في الوقت الذي امتلكت المؤسسة العسكرية ما يقارب 10 ألف بندقية . هذه الوضعية تناغمت مع خطط قوى الاحتلال في أن تكوم مهمة الجيش هي الحفاظ على الأمن الداخلي.
[10] وليد الأعظمي، انتفاضة رشيد عالي الكيلاني والحرب العراقية–البريطانية ص. 12، دار واسط، بغداد 1985.
 [11]الأقوال مستلة من د. وميض جمال عمر نظمي، الجذور السياسية والفكرية للحركة القومية في العراق، ص.ص. 166،167، 241، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1984.
 
 
[12]  حول هذه الظاهرة راجع د. علي كريم سعيد، البيرية الخضراء، حركة حسن سريع في العراق دار الكنوز الأدبية بيروت 2002، كذلك كتابنا، عبد الكريم قاسم في يومه الأخير، ص. 79 -120 مصدر سابق.
 [13]  أحمد حمروش، الانقلابات العسكرية، ص. 13 ، دار ابن خلدون، 1980. ط.الأولى
  [14] سعد الدين إبراهيم ، المجتمع المدني والعسكريين. جريدة الحياة، بتاريخ 23/04/ 2001, لندن.
   [15] أتضح من دراسة لتحليل 45 حركة انقلابية في أمريكا اللاتينية حدثت بعد الحرب الثانية، أن 10 منها فقط كانت ذات منحى يساري. في حين كان 31 انقلاب ذات طابع يميني أو يميني متطرف. أما الباقية فكانت ذات نزعة فردية طامحة لقائد عسكري. و يستطيع المرء على العموم أن يستدل على طبيعة الانقلاب من خلال رتبة منفذيه. وبصورة عامة  فأن أغلب الانقلابات اليمينية، كانت انقلابات جنرالات، وبالضد منها انقلابات ضباط الرتب الصغيرة والمتوسطة. أما انقلابات المراتب فهي من الندرة بمكان .
 
  [16]طرح رئيس الوزراء القومي النزعة ياسين الهاشمي في وزارته الثانية (17/3/35-29/8/1936) مشروع إسكان القبائل البدوية العربية في كردستان العراق، ضمن رؤيته لأصهار القومية الكردية في البوتقة العربية.                             
[17]  للمزيد راجع جعفر عباس حمدي, التطورات السياسية في العراق 1941-1953, ص.ص.216-238. كذلك جلال الطلباني, كردستان والحركة الكردية, بيروت دار الطليعة. 1971, د. ماجد عبد الرضا المسألة الكردية في العراق إلى 1961, مطبعة الجاحظ, بغداد 1970.
[18]  بدء الصراع بالتبلور منذ مطلع العقد الرابع, وتعمق أثناء موجة الانقلابات السبعة بين 1936-1941, خاصةً عند قراءة اليسار العراقي لخريطة الحرب العالمية الثانية وغير من موقفه من ألمانيا التي غزت الاتحاد السوفيتي السابق, حيث أعتبر مهمة القضاء على النازية أصبحت تمثل المهمة الأرأس, كما كان التيار القومي ينظر طبقياً بريبة إلى اليسار ويعتبرونهم معادين للعروبة, شعوبيين, انفصاليين, معادين للوحدة, خاصةً بعد اعتراف الاتحاد السوفيتي بإسرائيل. في الوقت ذاته كان اليسار يعتبر الاحزاب القومية أحزاباً فاشية وشوفينية, وبعد الحرب اعتبرها موالية للغرب, إن لم تكن عميلة له. أنتقل هذا الصراع الفكري والسياسي إلى شجار مادي بين مناصري كلا التيارين وأتضح ذلك اثناء وثبة كانون 1948. وبقت الريبة المتبادلة بين ( الأخوة-الأعداء) لغاية ثورة تموز حيث تفجرت بصورة دموية اجتثاثية, وكانت أحد الأسباب الرئيسية لضياع الثورة والعراق برمته بعد الصعود المريب للتيار القومي عام 1963.. وكان يمثل تاريخياً نقطة بداية الانهيار التام والذي تسارعت وتائره على الأخص منذ 1968 الذي كان السبب الأرأس والممهد المادي إلى الاحتلال الثالث في نيسان 2004.
[19]  يقول فاضل البراك مدير الأمن العام السابق في رسالته للدكتوراه إلى إنه: "  لو بحثنا في وثائق الحزب الشيوعي العراقي حتى سنة 1941, فلن نجد ما يشير إلى قبوله بفكرة النشاط السياسي في القوات المسلحة, بل على العكس عثرنا بالفعل على وثائق تثبت أنه قد استنكر تلك الفكرة وقاومها وأدانها... " دور الجيش العراقي في حكومة الدفاع الوطني والحرب مع بريطانيا سنة 1941, ص.133, الدار العربية للطباعة, بغداد 1979. هذا القول غير دقيق ولا يتمتع بالمصداقية. وهذ ما سنفصل فيه لاحقاً.
[20]  د. فاضل البراك, دور الجيش, ص66, كصدر سابق.
[21]-كان الموقف المناهض لاتفاقية 1930 هو الدافع الرئيس لإتلاف حزب الاخاء الوطني. وعندما ألف الكيلاني وزارته الأولى ( 20-03-33/09-09-1933) واقر الاتفاقية المذكورة ودافع عنها وخالف نصوص وثيقة التآخي، نفض الحزب الوطني العراقي يده من التحالف مع هؤلاء الساسة ذوي الخطاب القوماني المغشيون بالانوية والذاتية وبالطبقية بل وحتى بالنزعات الطائفية الضيقة.. وكانوا موالون في جوهرهم لدولة الانتداب بريطانيا.                                          
[22]  إليعازر بعيري, ص. 462, مصدر سابق.
[23] ولد " الشريف حسين بن علي عام 1853 في اسطنبول، أمه شركسية أسمها وسيلة خانم، ينحدر نسبه إلى الهاشميين في مكة المكرمة، تولى الشرافة على مكة بعد إعلان الدستور العثماني عام 1908. كان طموحا فبدأ بتوسيع رقعة عمله، لعدم اكتفائه بما قرر له الباب العالي بحدود إدارة البدو والقبائل الموكلة عادة لمنصب شريف مكة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وراح يوسع نفوذه إلى إدارة شؤون المدن الأخرى التي كانت من صلاحيات الوالي العثماني، وتسببت في حدوث خلافات ومشاكل للسلطات العثمانية أدت إلى تغيير خمس ولاة في ثمانية أعوام، كان الشريف حسين مشبعا بروح قومية وحب الزعامة وبدعم من بريطانيا بموجب اتفاقية سرية، قاد ثورته العربية في مكة في 9شعبان (10 حزيران-1916 م) وأولاده الثلاثة فيصل وعبد الله وعلي " حامد مصطفى مقصود، ثورة 14 تموز، ص. 162، مصدر سابق .                                                    
[24]   يمكن للباحث أن يلاحظ وجود صراع قوي بين ضباط قمة المؤسسة العسكرية وقاعدتها من الرتب الدنيا.. بعض منه يكاد أن يكون تقليدياً والأخر ذو دوافع سياسية, مناهضة للضباط الكبار ومثلهم التقليدية أو/و ضد للحكم برمته.. وهذا ما يمكن تلمسه في تاريخية المؤسسة العسكرية العراقية.
[25]  د. رجاء حسين خطاب، الجيش العراقي ، ص. 143،مصدر سابق.                                                  
[26]  د. نضر علي أمين الشريف,ص. ص.164- 165, مصدر سابق.
[27]  المصدر السابقص. ص. 183-194.
[28]  داود هو الأخ الأكبر لمحمود سلمان ومحمد شقيقه الأصغر الذي استوزره الزعيم قاسم وزيرا للنفط إكراما لمعرفته العلمية التي كونها في ألمانيا واحتراماً لآخيه الكبير محمود. وقد تم اعتقاله بعد انقلاب شباط 1963, لكونه قبل الإستيزار وعمل مع الزعيم قاسم.
[29]  هكذا ورد لدى الدكتور نضر علي شريف, في الوقت الذي تشير فيه الكثير من الدراسات إلى كون شبيب كان ضمن العقداء الأربعة قبل هذا التاريخ من جهة, ومن جهة أخرى لم أفقه سر هجوم الصباغ على رفيقه شبيب, الذي وصفه بكونه " أناني, فردي, يغدر بصاحبه وينقلب حية سامة في أقل من لمح البصر إذا أوجس  خطراً. وهو في ساعة المحنة ثعلب جبان, وبعد النصر غضنفر هصور. وقد يخون مبادئه ويتناسى معتقداته لفرط جبنه وأنانيته. تلك الخصال دفعته إلى خيانة مبادئه والتأثير  على جنود فرقته والكيد لأصدقائه , فكان أحد عوامل فشلنا في القتال الأنكليز وعدم استمرارنا فيه ". لم يتعرض الكتاب القوميين إلى هذه الحالة ولم يفسروا أبعادها.راجع المذكرات ص. 32,ط.2, مصدر سابق.
[30]  د. نضر علي أمين الشريف, محمد فهمي سعيد, ص.175, مصدر سابق.
[31]  ازعم إن هذا الاعجاب ربما يعود إلى خدمتهم المشتركة في الجيش العثماني وإنضمام بعض مؤسسي الكلتة في جمعية العهد التي كان الهاشمي من قادتها. كما إن الهاشمي منذ عام 1925, كما جاء على لسان عزيز المصري, يجول " بخاطره بعمل انقلاب عسكري في العراق وتحقيق حلمنا القديم بجعل بغداد نقطة انطلاقه كبلد عربي مستقل تكون البداية لتحرير البلاد الأخرى...  ". مستل من المصدر السابق, ص. 166.
[32]  مستل من إبراهيم فرهاد، ص. 148، مصدر سابق. هذا الموقف الانتهازي  يماثل موقف اغلب اعضاء النخبة السياسية الحاكمة طيلة العهد الملكي حيث وجدنا ما يماثله ازاء اتفاقية 1930 واتفاقية جبر-بيفن عام 1948...الخ                                             
[33]  المصدر السابق، ذات الصفحة. ويشير الكاتب حسن العلوي إلى تفاصيل اللقاء ايضاً, بالقول أن " ياسين الهاشمي قد زار المس بل في آب 1922, وبعد ستة اسابيع على تعينه متصرفاً للواء الناصرية أثر عودته المتأخرة إلى العراق, فبادرته بالسؤال: هل تعلمت درساً؟ فأجابها لقد تعلمت في أربعين يوماً كل ما يستطيع شخص أن يتعلمه. وواصل الهاشمي كلامه... فعلقت المس بل على هذا اللقاء بالقول: اعتقد أن ياسين رجل القدر. لعله لا يملك خلق علي السليمان ( شيخ مشايخ الدليم- ع.ن) لكنه اوسع دراية بالأمور." بعد هذا اللقاء بثلاثة أشهر أصبح الهاشمي وزيراً وبعد 24 شهراً اصبح رئيس وزراء. التأثيرات التركية, ص.96, مصدر سابق. 
[34]  راجع مذكرات ناجي شوكت، ص. 265، مصدر سابق .                                                      
[35]  عبد الغني الملاح,تاريخ الحركة الديمقراطية في العراق, ص. 59, وزارة الاعلام . كتاب الجماهير(23) بغداد 1975.
 [36]لقد قام ساطع الحصري " بتشجيع الروح العسكرية بين صفوف المدنيين وغرس فضائل النظام والطاعة والاستعداد للتضحية واحترام الجيش في نفوسهم سواء عن طريق الوظائف التي شغلها في وزارة المعارف أو المحاضرات التي ألقاها في نادي المثنى " د. فاضل البراك, هامش ص. 168, مصدر سابق. 
[37]     د. وليد الاعظمي، انتفاضة رشيد مصدر سابق،ص. 22.                                                                                                  
[38] في " سنة 1933 كان هناك عسكريان في إدارة مركز بغداد لحزب الإخاء هما : الرئيس إبراهيم فهمي الخالدي والعقيد أحمد كمال " د. رجاء حسين خطاب، ص. 148، مصدر سابق. وفي عام 1935 منع الفريق طه الهاشمي رئيس أركان الجيش انتماء الضباط للنوادي غير العسكرية.                                            
[39]  راجع حازم المفتي, العراق بين عهدين- ياسين الهاشمي وبكر صدقي,ص. 161, مكتبة اليقظة, بغداد 1990. في الوقت نفسه يشبر د. فاضل البراك إلى كون الميثاق " وضعه الضباط العرب عام 1927 في الجيش العراقي " , ص. 171, مصدر سابق. والمتتبع لهذا الميثاق كما وردت في أكثر من مصدر فسيتوصل إلى قناعة مفادها أن تضخيما مقصود قد أنتاب الموضوعة رغم الاختلاف البسيطة في النصوص المنشورة.
[40]  راجع صلاح الدين الصباغ, فرسان العروبة, مراجعة سمير السعيدي, ط.2, تانيت للنشر, المغرب 1994.
[41]  د. فاضل البراك,ص. ص. 166, 167 مصدر سابق. كذلك يونس بحري, اسرار 2 مايس 1941, ص. 58, مطبعة الحرية بغداد 1968.
[42]  د. فاضل البراك, ص 170, مصدر سابق.
 [43] شامل عبد القادر، عبد الكريم قاسم, ص. 57, مصدر سابق. وكان من عواقب الانقلاب الأول أنه ترك " في نفوس الكثيرين من اقطاب السياسة العراقية نقمة كبيرة تجاه الملك غازي ورجال الانقلاب بما فيهم جميل المدفعي الذي كان يعد من أقرب المقربين للملك فأخذ يرى سبب اضطهاده من قبل حكومة الانقلاب وهربه إلى سوريا إن من الأنسب لمصلحة العراق ابعاد الملك غازي عن العرش... واتفق في ذلك مع ناجي السويدي وتوفيق السويدي, اما رشيد عالي الكيلاني وناجي شوكت فقد اتفقا مع نوري السعيد على ضرورة التخلص من غازي بابعاده إلى الخارج... " سيف الدين عبد الجبار, جريدة الزمان  العدد 1896في 26-27/ 8/ 2004. ويؤكد هذه الحالة الصباغ في مذكراته في حديث جرى بينه وبين صباح موفد والده نوري السعيد الذي قال: " في مجرى الحديث, ما إذا كنا نرى قتل غازي, وإلحاقه ببكر صدقي وتخليص البلاد من عبثه, فرد عليه فهمي بصوته الجهوري: لا يا صباح لن يحدث هذا أبداً. وأجبته بدوري ... أما بصدد اغتيال غازي, فنحن أبعد الناس عن التطرق إلى ذكره ولا نسمح بأن يُذكر أمامنا ". فرسان العروبة, ص. 107, مصدر سابق.
[44]  وقفت الكتلة القومية موقف المعادي للأفكار اليبرالية والاشتراكية والمساواتية في العراق, وقد عبر عن هذا الموقف نادي المثنى الذي أصدر " كراسين عام 1939طبعا بمطبعة المعارف, الأول بعنوان ( موقفنا تجاه الشيوعية) والثاني (موقفنا تجاه النازية). عد الشيوعية بعد مناقشة علمية لها, بأنها خطر عظيم على حاضر ةنستقبل الفرد العراقي والعربي... " وقد سبق هذا الموقف تبني محمد مهدي كبة لمثل هذه الدعوات حيث قال: " في خضم الآراء والتيارات المختلفة تبنى فريق الشباب العربي المثقف طريق الوقوف بوجه التيارات الفكرية الغربية التي أخذت تغزو عقول عدد من المثقفين, بما يحفظ تراث الأمة العربية وحضارتها ويعمل على بعث الروح القومية بين أبناء الأمة  ". د. نضر علي شريف,ص. 217, مصدر سابق, و209بالنسبة لقول كبة.
[45]  المصدر السابق, ص.103- 112, موضوعة (بين اقتراح صباح وشهادة عبد الإله) ويقول في الصفحة 112        :" وكيف لا أتمسك بعبد الإله, وكيف لا أدافع عنه, ونحن الذين بذلنا أقصى الجهد لنقيمه وصياً يسد فراغ غازي الذي نعول على عروبته في جهادنا القومي..."
[46]  بطاطو,الجزء 1,ص. 380, مصدر سابق. ويشير المصدر,ص. 379, استناداً لوثيقة بريطانية, إلى تأثير القادة لتعين الوصي بالقول:" ومما يثير الدهشة, أن نوري أخبر مستشار السفارة البريطانية في وقت لاحق, إن الملكة عالية, أقسمت صباح 4 نيسان أنها ستعلن وثيقة تعبرعن رغبة غازي في أن يصبح أخوها(عبد الإله) وصياً على العرش إذا ما حصل له أي حادث, نظراً أم ابنه ما زال قاصراً. ولكن لم يُسمع بهذه الوثيقة بعد ذلك. وكل ما قدمته الملكة كان عبارة عن بيان بهذا المعنى ممهوراً بتوقيعها وتوقيع شقيقة غازي, وقوبل هذا البيان عند إعلانه بعدم تصديق عام, لأن كل من في بغداد كان يعرف أن غازي كان يكره عبد الإله. ومع ذلك, فعلى أساس هذا البيان, وإصرار مجموعة الصباغ, التي كانت لا تزال متأثرة بنوري, أعلنت وصاية عبد الإله على العرش ".
[47]  يقول صلاح الدين الصباغ في المذكرات ص.112 " فقد كان من واجبه أن ينفذ التدابير التمهيدية التي قررتها الخطط البريطانية, استعاداً للحرب الثانية. ذلك أن الخطط البريطانية قضت التضحية بغازي على مذبح الوصاية لعبد الإله, كما قضت افناء ((المربع الذهبي)) فكان كيد نوري عظيماً ... وفاتني أنه انكليزي, تسانده الحراب البريطانية ". كذلك راجع للمزيد د. لطفي جعفر فرج, الملك غازي, الفصل الثالث, مصدر سابق.
[48]  لقد اشار الصباغ في مذكراته بصريح العبارة ودلالتها إلى طبيعة العلاقة التي كانت تربط العقداء الأربعة بأعضاء نخب الحكم وخاصةً اولئك ذوي الخطاب القومي.. وكيف كانوا يكاشفونهم عن نواياهم ورؤاهم وما يطلبونه منهم من مواقف حازمة أتجاه مدى شرعية بقاء الوزارة في الحكم من منطلقاتهم الذاتوية. ويذكر الصباغ موقفهم من فرض عبد الإله وصياً على العرش من خلال اشارته إلى الاجتماع الذي عقدوه معه حيث " أسمعنا كثيراً من الحمد والثناء على ما بذلناه من جهود لاقامته وصياً.. وكان محمود يسعفه إذا تلكأ. ثم قطع الأمير على نفسه وعوداً أكيدة أو ثقها بالإيمان المغلظه, انه سيكون عند حسن ظننا, بل سيكون أحد أخواننا ويشيد من أزرنا ويأخذ بنصرنا... على أن نواصل اجتماعاتنا في قصر الرحاب بدون علم الوزراء وأقرب الناس إلينا..." وهذا ما كان حيث أوصلهم إلى إعدام الحياة. راجع فرسان العروية, ص. 116, مصدر سابق.
[49]  حول هذه النقطة راجع كتابنا, الجيش والسلطة, الفصل الثاني, مصدر سابق
[50]  كان هذا الشعار بمثابة رد فعل قوي لهروب السلطة الحاكمة من معالجات الواقع الاجتماعي وفشل سياستها الداخلية وتبني القضايا العربية التي لم تكن مطروحة بذات حدة المشاكل العراقية وخاصةً بما يتعلق تقوية العلاقات الشبه اقطاعية وتوزيع اراضي الدولة على النخب الحاكمة( الملاك الغائبون), كما كان الشعار ضد السياسة البريطانية الداعية إلى توظيف الهنود في المؤسسات الحكومية.. وكان في الوقت نفسه كرد فعل لذات الشعار الذي رفعه السوريين ضد الضباط العراقيين في حكومة الملك فيصل الأول في سوريا قبل طرده من قبل الفرنسيين.
[51]  عبد الغني الملاح, تاريخ الحركة الديمقراطية في العراق, ص.107, وزارة الاعلام, بغداد 1975. سلسلة كتاب الجماهير العدد 23.
[52]  لم يكن تحالف عضو النخبة الحاكمة حكمت سليمان مع هذه الكتلة, سوى التعبير عن الدفاع عن أنوية مصالحه. لأنه لم يكن يجمعه جامعاً فكرياً وفلسفياً وطبقياً بما كانت تدعو إليه جماعة الأهالي وتوجهاتها يسار الوسط.  كان جوهر تحالفه بسبب أن رفيق فكره رئيس الوزراء ياسين الهاشمي لم يمنحه منصب وزير الداخلية الذي كان من نصيب الكيلاني.. مما دفعه إلى التحالف مع نقيضهم.
[53]  شامل عبد القادر, عبد الكريم, ص.29, مصدر سابق.
 [54] إسماعيل العارف, أسرار ثورة 14 تموز وتأسيس الجمهورية العراقية, ص. 49,دار الزوراء لندن 1986. لكن التنافس ومن ثم الصراع بين التكتلين لم يكن وليد عدم اشراك الكتلة القومية في الانقلاب, بل يمتد لسنوات سبقت ذلك, حيث ساندت الكتلة القومية أغلب حكومات المرحلة وخاصةً حكومة ياسين الهاشمي( بسمارك العرب كما يحلو له ان يطلق عليه ذلك) والتي كانت تحميهم وتشجعهم, كما يذهب إلى ذلك حازم المفتي في ص.       163 من كتابه, مصدر سابق. والذي وصم بكر صدقي بصلته المشبوه بالانكليز وكونه ذو أراء انفصالية خطيرة.
[55]   أحد خريجي الكلية العسكرية العراقية من أنصار بكر صدقي ومن المتأثرين به من الناحية العسكرية. تأثر بالافكار التي طرحتها جماعة الأهالي. سافر بعد الانقلاب الثاني(11أب 1937) إلى اليمن (الشمالي سابقاً) وأستقر فيها وخدم في جيش الإمام يحيى فترة من الزمن, حتى شارك في أحد الانقلابات العسكرية الفاشلة ضد الإمام وحكم عليه بإعدام الحياة ونفذ فيه الحكم.
[56]  د. عبد الرحمن البزاز, العراق من الاحتلال إلى الاستقلال, ص. 187, دار البراق , لندن 1997, ط. الثانية.
[57]  محمود الدرة, حياة عراقي من وراء البوابة السوداء,ص. 108, الهيئة  المصرية للكتاب, القاهرة 1976.
[58]  صلاح الدين الصباع, ص. 52, مصدر سابق. ويعلق الصباغ في هامش ذات الصفحة, أنه كان مع بكر صدقي وبهاء الدين نوري مدير الحركات " مررنا بقصر نوري بن سعيد في الوزيرية, أشار بكر صدقي إلى القصر و قال. يعز من يشاء ويذل من يشاء وقصورهم خالية من بعدهم, والله لأقضين على كثير من هؤلاء الخونة ولأجعلن قصورهم هذه مدارس ومأوى لليتام ".
[59]  للمزيد حول الموضوع يراجع: حازم المفتي, العراق بين عهدين, مصدر سابق؛ د. مظفر الأمين, جماعة الأهالي منشؤها, عقيدتها, ودورها في السياسة العراقية, المؤسسة العربية للدراسات، بيروت 2001؛ صفاء المبارك, انقلاب 1936 في العراق, بغداد 1973؛ د. محمد حسين الزبيدي,الملك غازي ومرافقوه، مصدر سابق.
 [60] تشير بعض المصادر إلى كونه: قد تخرج من الكلية العسكرية في الاستانة سنة 1913, واشترك عام 1925 في دورة الأركان التركية لمدة 3 سنوات درس فيها العلوم العسكرية والسياسية والاقتصادية على يد ضباط ألمان, وتخرج منها سنة 1927. عاد للعراق عام 1929 بعد نزع الجنسية التركية عنه, ( وقيل) كانت العودة بتشجيع من نوري السعيد. وأخذ يكسب رزقه في البدء من بيع اوراق اليانصيب في سوق الأمانة في بغداد. وتعاقد مع وزراة الدفاع على إلقاء محاضرات في الكلية العسكرية العراقية للفترة 1930-1933 وفي عام 1933 تمت الموافقة على تعينه معلما دائما. وفي عام 1937 نقل من الكلية العسكرية ليشغل منصب آمرية سرية في احدى افواج الحدود, واثناء حركة مايس كان يشغل منصب نائب آمرية الموصل. وأحيل على التقاعد عندما كان برتبة زعيم ركن في منتصف الاربعينيات. قيل أن الصباغ نفسه كان متاثراً في بدء حياته بإفكاره ونزعتهِ وكون معه جمعية سرية.. لكن توفيق حسين دخل ضمن توجهه نحو الجامعة الاسلامية في صراع مع الكتلة القومية التي اتهمته بالعمالة والتجسس للأتراك, نتيجة موقفه من الضباط العرب الذين اشتركوا في (ثورة) الشريف حسين في مكة عام 1916 ودعوته للجامعة الاسلامية. للمزيد راجع: عبد المجيد حسيب القيسي,التاريخ يكتب غداً, دار الحكمة, لندن 1993؛ د. رجاء حسين خطاب ص. 15؛ د. نضر علي الشريف, ص. 176, مصدران سابقان.
[61] راجع رجاء حسين خطاب, ص. 150, مصدر سابق.
 [62] الارقام  مستلة من الجدول الذي اعددناه في كتابنا, الجيش والسلطة, ص 85 , مصدر سابق. ولم نستطع العثور على عدد الضباط في الجيش العراقي عام 1933.
[63]  د. نضر علي الشريف, ص. 177, مصدر سابق.
[64]   إن " التراكمات السياسية والاجتماعية لتلك السنوات لها أكبر الأثر في التناقضات الوطنية التي ظهرت بعد ذلك التاريخ كما أن تلك السنوات لها من الاهمية في معرفة سبب كثرة الانحرافات والانقلابات واستغلال العشائر لاسقاط وزارة واقامة اخرى. وقد تكون النقطة البارزة في هذه الانحرافات بعد وزارة العسكري الاولى هي انتحار السعدون والمبالغة العاطفية في تثمين وطنيته هذا إلى جانب مؤشرات سريعة في زاوية الانحراف مثل عقد اتفاقية معاهدة 1930وانتقال بعض اساطين المعارضة إلى صف الفئة الحاكمة" عبد الغني الملاح, ص.11,مصدر سابق.
[65]  توفيق السويدي, مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق, ص. 90, بيروت, دار الكتاب العربي, 1969. وقد توصل العديد من الساسة والباحثين إلى هذا الرأي منهم بطاطو, والاكاديميين بينروز, مصدران سابقان, كذلك سفير الولايات المتحدة في العراق (54- 1958) ولدمار غلمن في كتابه (عراق نوري السعيد) الطبعة العربية الأولى- 1956 دار النشر والمكان  والمترجم بلا.
[66]  زكي خيري ود. سعاد خيري, دراسات في الحزب الشيوغي العراقي, ص. 39, 1984, مكان ودار النشر بلا . كذلك للمزيد راجع : عزيز سباهي, عقود من تاريخ, الجزء الأول, ص. 164, مصدر سابق, حيث ينشر نص البيان الذي وزعته جمعية مكافحة الاستعمار في ابو صخير والموجه إلى الجنود والضباط من أجل أن يقفوا إلى جانب الفلاحين ويرفضوا الأوامر التي تصدر إليهم بضربهم.
[67]  حامد مصطفى مقصود, ص. 15, مصدر سابق. واشار المؤلف إلى أنه إلتقى بالعريف علي عامر في سجن نقرة السلمان عام 1964 الذي أكد أن تنظيمه كان قوياً.
[68]  للمزيد, راجع المصدر السابق, ذات الصفحة, كذلك عزيز سباهي, ح. 1, ص.164, مصدر سابق.
[69]  أحمد فوزي, عبد السلام محمد عارف, سيرته.. محاكمته.. مصرعه, ص.21 بغداد 1989, مطبعة الديواني.
[70]  راجع مذكرات عبد السلام محمد عارف المنشورة في مجلة روز اليوسف, العدد 1939. وقد نفى الباحث ليث الزبيدي وجود مثل هذه المنظمة بالقول " إن هذه المنظمة التي يذكرها عبد السلام عارف لم يكن لها وجود فعلي, وإنما فقط في مخيلته " ثورة 14 تموز في العراق, هامش ص. 108, مكتبة اليقظة, بغداد 1981, ص. الثانية. ويؤكد المؤلف, في ذات الصفحة, على لسان بعض الضباط الأحرار على أنه " لا توجد منظمة سرية للضباط الأحرار قبل عام 1952 ". هذا الإطلاق غير دقيق رغم أنه يحمل جزء من الحقيقة التي تكمن في كون كل التنظيمات السابقة لعام 1952 لم تكن بذات الحجم والأهداف, قدر كونها تمثل أرهاصات التكوين الأولى.
  [71]  راجع نص المحاضرة المسجلة على كاسيت, وفرها لي الأديب الراحل عبد الغني الخليلي. أما شهادة الفخري فيراجع الجزء الخامس من محاكمات المحكمة العليا, وزارة الدفاع, بغداد 1959.
[72]  مذكرات العميد الركن المتقاعد جاسم كاظم العزاوي, ص. 33-34, مصدر سابق. ويشير عماد نعمة العبادي في كتابه رفعت الحاج سري, ص. 17, مصدر سابق, إلى أن حرس الوحدة " نادى بخروج الإنكليز من العراق وأعطاء الأستقلال الحقيقي للعراقيين وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية ومجيء حكومة وطنية تعمل على تحقيق أماني الشعب العراقي ددون التدخل الأجنبي, هذا على الصعيد الداخلي. أما أهم ما نادى به التنظيم على الصعيد القومي فهو إيجاد حل للقضية الفلسطينية... فضلاً على مساندة كل حركات التحرر الوطنية في الأقطار العربية لنيل استقلالها ".
[73]  راجع جواب العقيد الركن صبيح علي غالب على أسئلة صبحي عبد الحميد, للمزيد المنشورة في مذكراته " اسرار ثورة 14 تموز 1958 في العراق" , ص. 252, الدار العربية للموسوعات بيروت 1983, الطبعة الثانية.
[74]  إسماعيل العارف, ص. 28, مصدر سابق.
[75] المصدر السابق, ص. 58. ويشير الضابط السابق حامد مقصود إلى أنه " أنظم لهذه الجمعية عدد غير قليل من الضباط وخاصةً من صنف الهندسة( هندسة الميدان) وعند انكشاف تنظيمهم للسلطات الحكومية نقلوا إلى وحدات عسكرية متفرقة ومتباعدة, وجمدوا نشاطهم إلى حين ". هامش ص. 16, مصدر سابق.
[76]  العقيد الركن المتقاعد صبيح علي غالب, ثورة 14 تموز والضباط الأحرار, ص. 107, دار الطليعة بيروت 1968. ويعتبر الكتاب أول محاولة يلقي الضوء على هذه التجرية من قبل أحد أعضاءها, وفيه رؤية موضوعية لحد بعيد, رغم أن المؤلف نظر للموضوع من خلال عمله فقط في الحركة.
[77]  راجع: نضال ثابت, الحوار الذي الذي جرى عام 1993 مع ثابت حبيب العاني العضو السابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي, ونشرته جريدة المجرشة , بالكراس رقم 4 من منشوراتها, لندن.
[78] حامد مصطفى مقصود, ص. 15-16, مصدر سابق.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودٌ إلى البدء في أرأسيات التطور: 14 تموز: جدلية الفهم والمو ...
- البيئة الاجتماعية لبغداد ومحلاتها الشعبية
- من تاريخية الأنقلابية في العراق الحديث
- أفكار أولية: عن طبيعة ومهام المؤسسة العسكرية في عراق المستقب ...
- مدخل نظري: من ملامح المؤسسة العسكرية العراقية
- الإرهاصات الفكرية للمساواتية الحديثة في العراق الحديث
- دور الفـرد في التاريـخ - عبد الكريم قاسم نموذجاً


المزيد.....




- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا لـ-حزب الله- في جنوب لبنان (فيد ...
- مسؤول قطري كبير يكشف كواليس مفاوضات حرب غزة والجهة التي تعطل ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع ومظاهرات في إسرائيل ضد حكومة ن ...
- كبح العطس: هل هو خطير حقا أم أنه مجرد قصة رعب من نسج الخيال؟ ...
- الرئيس يعد والحكومة تتهرب.. البرتغال ترفض دفع تعويضات العبود ...
- الجيش البريطاني يخطط للتسلح بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عقيل الناصري - الضباط والسياسة في العراق الحديث :مدخل تاريخي