أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الرحيم - قريب منك:حين نفقد البصيرة ونستردها بالحب















المزيد.....

قريب منك:حين نفقد البصيرة ونستردها بالحب


محمود عبد الرحيم

الحوار المتمدن-العدد: 3204 - 2010 / 12 / 3 - 16:57
المحور: الادب والفن
    


فيلم يطرح قضية وجودية بقالب كوميدي رومانسي


*محمود عبد الرحيم:
يمكن إعتبار فيلم المخرج الألماني ألموت جيتو "قريب منك" درسا في الكوميديا الراقية لصناع الأفلام المصريين، الذين يتصورون أن الاضحاك هدف في حد ذاته، حتى لو كان بلا قيمة أو رسالة ما تقف وراءه، ويرون أن الكوميديا مجرد نكات وعبارات محملة بإيحاءات جنسية أو حركات جسدية بهلوانية، على نحو يحمل الكثير من السطحية والإسفاف والإنحدار بالذوق العام.
وهذا الفيلم المميز لا تتوقف جاذبيته عند المعالجة الكوميدية، بل تمتد أيضا إلى الحس الرومانسي، اللذين ينطلق منهما المخرج لمناقشة قضية وجودية في غاية العمق والجدية، بشكل يوفر فرصة التأمل الفكري ذي المنحى الفلسفي، إن جاز التعبير، مع الإستمتاع بحالة رومانسية مرحة.
فالفيلم يثير بشكل غير مباشر تساؤلات حول معنى الحياة وتشيوء الإنسان في المجتمع الرأسمالي، ومدى إمكانية الهروب من سجن الماديات والتمرد على روتينية النظام الآلي الباعث على السأم والقلق النفسي
وفي ذات الوقت، يضعنا أمام مرآة أنفسنا لنتأملها، وندرك أننا في زحام الحياة وإيقاعها اللاهث نتحول لآلات بليدة الحس والإدراك، فاقدة القدرة على الرؤية وإكتشاف مواطن السعادة فيما حولنا، التى ليست بالضرورة أن يكون مصدرها الماديات، أو أن يتم التعبير عنها بشكل مادي، بالإضافة إلى التساؤل المهم.. عن أي منا العاجز أو بالأحرى الأعمى.. فاقد البصر أم البصيرة؟ وهل العجز مجرد تعطل عضو من أعضاء الجسد أم شلل الإرادة؟
وربما الإجابات عن هذه التساؤلات والمعالجة التى قام بها مخرج هذا العمل، تصلح كمعادلة للسعادة، أو وصفة سحرية لكيفية عيش حياة مفعمة بالتحقق الإنساني، الذي يوقف زحف القيم المادية وتوغلها إلى داخل الإنسان، وينهي إغترابه عن ذاته، وحالة الخواء الروحي شديدة الوطأة.
وقد أجاد المخرج توصيل رسالته من خلال الإتكاء على شخصيتي الموظف الروتيني المضطرب نفسيا، والفتاة العمياء، التي بدت كل منهما ذات طابع رمزي، تصلح لطرح الكثير من الرؤي والأفكار، وفي ذات الوقت تتيح الفرصة للمفارقات وصنع كوميديا موقف بشكل عفوي ناعم.
فهذا الموظف تحول إلى كائن آلي، تتمحور حياته حول العمل الذي يبدو رمزا مجسدا للمادية، بحكم أنه يعمل في بنك، ولا هم له إلا الحسابات وعد النقود وتفحصها، فيما الفتاة عازفة موسيقية، بكل ما ترمز إليه الموسيقى من السمو والإشباع الروحيين.
وحين يلتقي الاثنان مصادفة يحدث الصدام الطبيعي، نتيجة أن كلا منهما ينتمي إلى عالم آخر، غير أن "سهم كيوبيد" قد أنطلق، وحدث الإنجذاب الذي سرعان ما حول سوء التفاهم إلى إعجاب وإهتمام متبادل، أكدت عليه الفتاة التى يحركها إحساسها الداخلي، بمبادرتها إلى دعوة الشاب لتوصيلها إلى منزلها.
وعند باب البيت يتركها، ليعود إلى شقته ليجد الكهرباء مقطوعة، فيصيبه الإرتباك الشديد، وتزداد حالته سوءا مع إكتشاف سرقة الأثاث، الذي يتبعه سيطرة القلق والأرق عليه، لدرجة لا يحتملها، وسط حالة من الخواء ذي الدلالة الرمزية وليست المادية فقط، متمثلا في فراغ الشقة، وفراغ الحديقة، وفراغ حتى محطة الباص ليلا، حين يقرر الهروب من هذا الإحساس داخل البيت، فيلاحقه في الشارع، إلى أن يذهب إلى بيت عازفة التشيلو التى تستقبله بحفاوة وتسعى للتخفيف عنه.
وكأن المخرج أراد بهذه المشاهد الأولية سريعة الإيقاع أن يدخلنا سريعا في أجواء الحدث، ويعرفنا على بطلي حكايته والسمات النفسية لكل منها، ويؤكد منذ البداية على التناقض بين شخصية الشاب المستمد طاقته من الخارج، والفتاة التى تحركها طاقتها الداخلية، فإذا ما انطفأ الضوء الخارجي(الصناعي) أرتبك وتوتر، فيما الفتاة التى تعيش الظلام الدائم تتصرف بسكينة وهدوء نفسي، تتلمسهما من نور البصيرة.
وقد سعى المخرج إلى توضيح أن هذا الإضطراب الذي يعانيه الشاب، ليس فقط مبعثه "فوبيا الأماكن المظلمة"، بجعله يتردد على عيادة طبيب نفسي، كلما مر بموقف طارئ أو تجربة تستدعي إتخاذ قرار أو خروج عن الخط المرسوم والبرمجة الآلية لحياته، فحين يدعو الفتاة على مطعم فاخر غير معتاد على إرتياده، تعبيرا عن إعجابه بها، وردا على استضافتها له في بيتها، يصيبه التوتر والإرتباك، وحين تدعوه الفتاة على العشاء، يذهب متأخرا، ثم يتردد في في الدخول للمطعم، وقد جرى تجسيد هذا المعنى بحرفية بتوظيف المرآة لتظهر أكثر من صورة له، على نحو يوحي بالصراع الداخلي، فيما يقطع المخرج على وجه الفتاة المتأنقة، التى يعميه تردده ومخاوفه عن الإستمتاع بمجالستها، فيفر هاربا إلى بيته، وتلحقه الفتاة هناك وهي غاضبة، فيما يحاول التهرب منها للمرة الثانية، لكنها تراه بإحساسها وتواجهه.
كما سعى المخرج إلى تأكيد أن هذا الشخص المضطرب الآلي، في حقيقة الأمر هو عاجز وفاقد للحس الإنساني والإدراك، فحين يحاول إسترضاء الفتاة بعد إغضابها، يعرض عليها أن يقدم لها عرض "بانتوميم" (تمثيل صامت)، وكأنه لا يدرك أنها عمياء، وحين يسعى للتعبير عن مشاعره، ويقدم لها هدية يحضر لها نظارة عميان، بشكل يجرح مشاعرها.
وبعد أن يتصالحا، وتطلب منه أن يعاملها كإنسانة عادية وليست عاجزة، ينفذ طلبها بدون تفكير أو تمييز، لدرجة أنه يتركها تصطدم بحاجز على الرصيف، ما يجعلها تقرر الإبتعاد عنه.
وربما قرارها الحاسم هذا بدا أشبه بنقطة التحول في حياته على وقع الصدمة، وهو ما جسده المخرج بقوة في اللقطة، التى يظهره فيها يعد النقود ويصنفها وهو مغمض العينين، كما لو كان يبدي إستعدادا للدخول إلى عالم حبيبته، الذي لم يستوعبه من قبل، رغم محاولاتها العديدة لتقريبه منه.
وأيضا في لقطة إخفاء مبلغ من النقود من عهدة زميله، الذي يستغل طيبته وعشقه للعمل، ويجعله يقوم بمهامه، ملتمسا الأعذار ليتهرب من مسئولياته، وبدا هذا الموقف، كما لو كان تمردا على القهر والإستغلال الوظيفي الذي أدمنهما، وعقابا لزميله الذي يستغفله ولرئيسه الذي يقهره.
ولكي يؤكد المخرج أن في هذا النظام الآلي الكل مأزوم، و أن أزمة الإنسان حلها من داخله، وليس من خارجه، يجعل الموظف يذهب كالمعتاد إلى طبيبه النفسي، فيجده هو نفسه يعاني من مشكلة مع زوجته، لدرجة أنه راح يواجه مأزقه بالكحول، وحين يخرجان سويا للهواء الطلق ويسعيان من خلال اللهو بطائرة ب"الريموت كونترول" إلى تفريغ شحناتهما السلبية ، تسقط على الأرض وتتحطم، ويخرج عن شعوره، ويعنف مريضه، ويتهمه بالضعف والفشل في إتخاذ قرار، أو القيام بمواجهة ما ومن حوله، بشكل يعكس أنه حتى الطبيب مضطرب نفسيا وغير متحقق.
وربما كان هذا الموقف تأكيدا أخرا لحالة الإفاقة، جراء الصدمة، لذا نرى البطل يخرج عن تردده، ويبحث عن البطلة حتى يلقاها في حفل .
وقد حرص المخرج على التركيز على وجه البطلة وعلى يديها ، بلقطات "كلوز آب"، ليبرز جديتها ومهارتها في العزف كأي إنسان طبيعي، ثم على وجه البطل، وكأن حوارا صامتا يدور بين الشاب وحبيبته، "إنني أنا العاجز ولست أنت، وأنه آن الأوان للخروج من دائرة الخوف والتردد واستردادك".
وحين يعادود الإتصال بها، تهرول لبيته، وكأنها كانت في إنتظاره بلهفة، ويبدو اللقاء مفعما بالمشاعر، خاصة حين تحتضنه وتربت علي ظهره، كما لو كانت أما تحتوي صغيرها الغائب أو المفقود.
ومثلما كان حبها لها محرضا له على التمرد على روتينية الحياة وإيقاعها الآلي، فإن عودتها إليه مثلت له ليس التحقق الجسدي ولا العاطفي فحسب، وأنما أيضا، الإنقاذ من مصير مجهول، لو أستمر في تملك المادة أو بالأحرى تملكته، وذلك حين جمعت المال الذي سرقه، وقامت بإعطائه كله للسيدة المقطوعة اليد، التى تمر بضائقة مالية دفعتها إلى رهن شقتها، بعد بيع كل ما فيها، حتى إذا جاء رجال الشرطة، الذين يحققون في قضية سرقة شقته لا يجدون شيئا ولا يتعرض للمسائلة القانونية.
وهذا الموقف في حد ذاته يحمل أكثر من دلالة، من حيث التأكيد على معنى أن المال ليس غاية في حد ذاته، وأنما وسيلة، وقيمته في إسعاد من حولنا، وحصول العازفة العمياء على التشيلو مقابل هذا المبلغ الضخم من المال، يعني أن ثمة أشياء في حياتنا أغلى من المادة وتجلب لنا السعادة أكثر.
وهذا المعنى وصل في النهاية إلى البطل الذي لم يتذمر ولم يغضب على هذا التصرف، بل بدا أنه كافأ البطلة عليه بأن دعاها إلى العشاء، ليشكرها على إعادته إلى نفسه، والوصول إلى التحقق الإنساني ورؤية ما كان قريبا منه، ولا يراه.
وقد حفل الفيلم بالمواقف الكوميدية، التى صيغت بمهارة، مثل موقف الإشتباك بين البطل والنادل في المطعم، حين يفشل في التعامل مع قائمة الطعام الفاخر، أو حين اشتري طاقم نظارات عميان له ولحبيته وارتداها ليعبر عن توحده معها، أو حين جرب أن يغمض عيناه ويسير حتى اصطدم بدراجة على الرصيف، أو حين سرق النقود وقام بغسلها ومحاولة تجفيفها على السخان، الذي وجده عطلانا، فأضطر إلى تعليقها على الأحبال، كما لو كانت غسيلا أو زينة تزين لحظة لقائه الدافئ بحبيبته.
أو حين جاءه المحققون، فأغلق عليهم الأسانسير، وسارع إلى شقته مهرولا ليجد الأحبال خاوية، وسط دهشة المحققين من هذا المنظر الغريب، الأقرب إلى لهو الأطفال
وقد أستغل المخرج كون البطلة عازفة موسيقي لشغل مساحة لا بأس بها من شريط الصوت بالمقطوعات الموسيقية، التى تتيح فرصة للإستمتاع بالموسيقي ذاتها، وتملأ لحظات الصمت، التى تستدعي التأمل في بعض اللقطات، أو تجسد حالة وجدانية معينة، حتى الأغنية الحية التى كان يغنيها المطرب في النادي الليلي في المشهد الأخير، جرى توظيفها لتعبر عن حالة البطل في هذه اللحظة "أعيش الآن وقتا طيبا"، بينما تقف الكاميرا على وجه البطل والبطلة، وهما في حالة نشوة، ويداهما تتشابكان كالعشاق، ثم يجريان في الشارع الطويل بمرح، وهما مغمضي العينين، بينما نسمع في الخلفية تصفيقا، يبدو أنه ليس موجها فقط للمطرب، وأنما للحبيبين أيضا، لأنهما نجحا فيما يفشل فيه الكثيرون من تلمس الطريق الصحيح.
.
*كاتب صحفي وناقد مصري
Email:[email protected]



#محمود_عبد_الرحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -عندما نرحل-:صراع الهوية الملطخ بالدم
- عباس والتلاعب بالاستحقاقات الوطنية
- -مرحبا-:حلم المهاجر الغارق في البحر الأوروبي
- رؤية الحقيقة بدون النظارة الأمريكية
- -هيروشيما- توثيق سينمائي للجريمة وتحاشي للمجرم
- السلطة بين المراوغة والشاميرية
- ابناء بينوشيه:المناضلون ودفع الثمن مرتين
- قمة سرت التهريجية واهدار المصالح العربية
- حين يكون للاستغلال ورثة وللنضال حصاد
- الورقة الايرانية والورقة الامريكية والرهان العربي
- عفوا عمرو موسى.. الموقف الرصين لا يقتضي شراء الوهم
- دراما رمضان المصرية :تلميع وتنميط وتشويه
- مسلسلات رمضان المصرية:استنساخ يكشف عن افلاس درامي
- عقد من السينما التسجيلية والقصيرة المصرية:حركة في ذات المكان
- المؤامرة على قوى المقاومة وجدارة نصر الله
- طلاق بائن بين إسرائيل والفلسطينيين و-محلل عربي-
- ثورة يوليو العربية وبوصلة تحرير فلسطين
- -ماراثون-:كوميديا موقف وتوظيف جذاب ل-الاوتيزم-
- رجال مبارك وعباس والتطبيع الديني
- صراحة ليبرمان وتناقض عباس وفياض


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الرحيم - قريب منك:حين نفقد البصيرة ونستردها بالحب