|
الشعر في غزة ، الموت في غزة
زياد خداش
الحوار المتمدن-العدد: 961 - 2004 / 9 / 19 - 11:16
المحور:
الادب والفن
غريبة هذه الغزة ، غريبة بشعرائها وشاعراتها وفنانيها الذين لا يسكتون عن الغناء والرقص والكتابة ، في غزة يكتب الشعر على ايقاع الدم ، يكتب حزينا وقويا ، كأنه رقصة الوجود الاولى ، كأنه ارادة الحياة ، لغزها ، تجليها الاكبر ، وبرهانها الاكيد ، في غزة يموت الناس كل يوم ، نساء ورجالا شيوخا واطفالا ، يموتون بصخب او بصمت ، مقاتلين او عابرين ، في غزة يكتب الشعر كل يوم يكتب رائيا و عميقا وشفافا وانسانيا جدا ،ا مقابل كل طفل يموت تولد في غزة قصيدة ، كلما قصف الاعداء مدينة او جرفوا ارضا يقام في الصباح التالي معرض فن تشكيلي ، كلما ارتكب اعداء الحياة مجزرة جماعية ، نوقشت رواية او مجموعة قصصية او ديوان شعري في ندوة ما، غزة تقصف الاعداء بالرقص و الغناء و القصائد ـقد يبدو هذا الكلام مضحكا ومثيرا للسخرية لكن تخيلوا انفسكم بلبلا ، وهو يتعرض لعاصفة غبار همجية ، انه يبدأ بالغناء حتى الرمق الاخير ، حتى خفقة الجناح الاخيرة قد يموت البلبل ويندثر ، لكن الغناء يبقى يقض مضجع العاصفة ، ويخلخل يقينها ، حين شاهدت اوبريت الطلائع على شاشة تلفاز فلسطين لم اصدق اني امام عمل فني فلسطيني من غزة ، كان ا الاطفال وعددهم خمسون يغنون : كانوا يتمايلون مع ايقاع اللحن ومعاني الكلمات بذكاء وعفوية وحساسية خاصة تتلاءم تماما مع روح غزة المتألمة وروحها الاخرى المتحدية، في غزة و بينما يتحول الموت ا لى جار اليف ا و بائع سجاد متجول ، تكتب و وتمثل المسرحيات ، وتقام معارض الفن التشكيلي ،وتكتب القصص والروايات والندوات والامسيات الشعرية ، ليس في يد الغزيين سوى الشعر وفتات بحر والكتابة ، كما ليس في يد الرصاصة المحتلة سوى خيبتها وتكراريتها المملة ، ويأسها وغبائها وهكذا اذن تدور حرب ضروس بين الخيبة والغناء بين اليأس و الشعر في رام الله ثمة موت خفيف ومتقطع ، ثمة استقرار ما وليل هاديء ومع ذلك الشعر هنا يكتب ببطء و بخل غريب ، الثقافة في رام الله ثقافة شكلانية عابرة سطحية و ديكورية ، في غزة التي تموت كل يوم ، يتنفس الناس الثقافة كما يتنفسون دخان الدبابة ، شبان غزة يحبون المسرح و الشعر بينما يحب شباب رام الله البوظة والشات ، في غزة ثمة شبان وشابات طالبات وطلاب ، يعودون الى البيوت مرهقين مساء من تعب الدرس وارهاق الامتحان ، وبعد اغفاءة قصيرة ، ينهضون على صوت قصف او دم يخرجون الى الشرفات ، يجلسون ويمدون ارجلهم للطائرات ويبتسمون طويلا وفي الليل يكتبون الشعر وقد يغنون ويرسمون ويرقصون هكذا يفعل يوسف القدرة ومحمود ماضي ونصر شعث ، شعراء غزة الشبان الذين لا يسمع بهم احد ، وسط ضجيج الطائرة المغيرة ودوي الاستكبار المؤسساتي ، مالذي يجبر مدينة فقيرة و صغيرة وضيقة على حب الشعر ؟ مالذي يحول الدموع الى قصائد في جنازات الشهداء؟ كيف تستطيع نساء غزة الرائعات ان يحولن الحصار البيتي الفظيع والحصار الاحتلالي الجهنمي الى نص سري يمتلك كل الغاز و براءات العالم ، وكل نضارته وطفولته وبطولته ونبله ؟؟؟ كيف تموت امراة مع اولادها في الجوار؟ وتنفجر فجاة اغنية حب جماعية في حناجر اطفال مخيم مجاور؟؟ احبك غزة احبك مدينة الشعر والموت
#زياد_خداش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دوائر اختي الناقصة
-
ملامح جديدة في صورة المراة العربية
-
قصة قصيرة : حشرة عمياء يقودها طفل
-
نساء فلسطينيات مكللات بالتعب والبياض
-
في مديح المراة الطفلة
المزيد.....
-
-ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر
...
-
-بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
-
فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
-
“مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال
...
-
اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك
...
-
أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك.. تردد قناة توم وج
...
-
بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا
...
-
الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب
...
-
تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا
...
-
بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|