أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد خداش - قصة قصيرة : حشرة عمياء يقودها طفل















المزيد.....

قصة قصيرة : حشرة عمياء يقودها طفل


زياد خداش

الحوار المتمدن-العدد: 933 - 2004 / 8 / 22 - 09:56
المحور: الادب والفن
    


على سور الشارع الذي ينحدر باتجاه متنزه رام الله ، مقابل فندق صغير تحول لاحقا الى مقهى شبابي غريب الاسم ، كلما لفظته امام احد ، ضحك علي ، اجلس منذ ساعتين ،لا افعل شيئا سوى الجلوس ، مستريحا من تعب طريق صاعد ، لاهيا بمنظر الاولاد بائعي العلكة الفقراء وهم يتراكضون خلف وامام الشبان والشابات الميسورين، قادما كنت من المقهى الشعبي الذي اهرب اليه من ملا حقة كابوس لا يترك روحي ابدا ، هناك في زاوية المقهى اجلس ، وحدي مختبئا خلف احدى الطاولات ، حولي المسنين ، يلعبون الشدة غارقين حتى اخر تجاعيدهم و نهاياتهم ومخاوفهم في الارقام والورق ، يشتمون بعضهم البعض بجدية طريفة يضحكون ضحكات عبثية ،و وحده مثلي في زاوية اخرى يجلس ، سبعيني او على مشارف الثمانينيات ، يرمش بعينيه باستمرار قصير القامة ، حزام بنطاله مرتفع عن اطاره ، كرشه يتقدمه ، يمشي كأنه يبكي او يتذمر او يعتذر ، وجهه معتم ومهجور عيناه مغارتان فارغتان مقفلتان ، بالحجارة والشوك والطين ، عرفت ان اسمه ابو الياس ، لا احد يكلمه ، يجلس على طرف الطاولات ، يقول مرحبا ولا احد يسمع ، يتلصص على لاعبي الشدة بعينبيه المزيفنين ، يحاول ان يحك كتفه بكتف احد اللاعبين المسنين ، كأنه يعلمه بوجوده او حتى يمارس فعل الاعتذار معه ، فلا تنتبه الكتف الاخرى، يغادر بعد دقائق ، ويعود بعد دقائق ، يلف حول الطاولات ، يحدق في الوجوه واحدا واحدا ، ولا احد يراه ، حتى النادل عزام لا يعيرة انتباها ، ولا يسأله عما يرغب في شربه ، ابو الياس الحارس القديم لمخازن وكالة الغوث في الخمسينيات يتكور على نفسه ، يغمض عينيه ، ويختفي اماما،
على السور اجلس وحيدا ، خلفي حاكورة مظلمة مليئة بالشجر ، امامي ذلك المقهى الشبابي غريب الاسم ، التقط نفسا مريضا ، اجمع صورا مبعثرة من ذاكرة متكسرة ، اليوم هو عيد ميلادي ، بلغت اليوم اربعين عاما ، لم اكن لاتذكر ذلك لولا اني سمعت مارا يقول لاخر اليوم هو 28 - 6 ، ابتسمت ، ياه كم من اعياد ميلاد مرت دون ادري !! ، شعرت برغبة في ضحك مجنون ، لم افعل ، لذت بصمت او لاذ الصمت بي ، الصمت صار ملاذي وقيثارتي ، فان تكلمت ، سمعني الحارس ، وهجم الكابوس من جديد ، كاسر هو الحر هذا اليوم وهمجي ، لا نسمة هواء في الجو ، كل شيء واقف ، انظر خلفي نحو الشجر المعتم ، فاشعر اني انظر لتماثيل شجر منحوتة في صخر ، على طرف المقهى ، هناك فندق كبير بشرفات جميلة ، امرأة بقميص نوم ازرق ، تخرج من غرفتها ، تتكيء على طرف الشرفة ، تتثاءب ، تتمطى، تنقل نظرها هنا وهناك ، فجأة ارى شعرها يطير، فتقبض عليه وتجمعه في يدها ، وتبتسم للريح ، يا الهي ! من اين اتاها الهواء؟؟ لماذا خصها وحدها بهبوبه ؟؟ تعال قليلا الي ايها الهواء الا تراني ؟ انا الكائن ذو القميص المبلول ، الجالس على الرصيف زرني لدقيقة ولا تعد ، دقيقة واحدة فقط ، اني اختنق من السكون ، ومن العرق ومن جمود الاشياء ، الهواء لا يأتـي ، بينما تواصل المراة ، لململة خصلاتها ، ارى فمها يتحرك ، هل كانت تشكر الهواء ام تغني له ،؟؟ ام كانت تمارس معه الحب ؟؟
فجأة رأيته ، كان يمشي ببطء شديد على الرصيف الاخر ، مقابل المقهى تماما ، يا الهي ، انه اعمى الان ، يقوده ابنه من يده ،حارس الجامعة الشرس الذي كان يطاردني في سنتي الاولى في الجامعة، اينما ذهبت : ممكن البطاقة الجامعية من فضلك ؟
فانظر اليه مستغربا ، اعطيه اياها ، ينظر اليها ، ، يسلمها لي مشككا ، لكنه يلحق بي في كل انحاء الجامعة ، يراقبني ، ويطلب البطاقة مرة اخرى : ممكن البطاقة من فضلك ؟ فاعطيه اياها ، وانا اكاد اضحك ، كان ضخم الجثة ، فظ النظرات ، تفخر به ادارة الجامعة لانه استطاع ان يكتشف متسللين من القوات الخاصة الاسرائيلية ،
على مدى اشهر راقبني هذا الحارس ، كنت اراه ينظر لى خلسة من نوافذ قاعات المحاضرات ، واحيانا كان يدخل الحمامات ويجاورني في دلق بولي او غائطي ، في الكافتيريا كان يأكل بجانبي ، ويقترب من وجهي :
ممكن البطاقة من فضلك؟ فأتوقف عن الاكل ، ويندلق الشاي على بنطالي ،
وأعطيه بطاقني ، يتأملها كانه يراها اول مرة ، يسلملها لي على مضض ، ويذهب وهو ينظر خلفه ،
اصابني هذا الحارس بالرعب ، مالذي يريده مني؟ لماذا انا بالذات ،؟؟ صار يأتيني في نومي ، صارخا في فرائصي ، البطاقة ، البطاقة ، البطاقة ، فانهض فزعا من نومي ،وأركض الى البطاقة اخرجها من قميصي، واضعها تحت وسادتي ، حتى اعطيها له حين يعود ،
هل يشك اني قوات خاصة مثلا ،؟ لكني اريه دائما بطاقتي وهي شرعية تماما ، يشهد على ذلك اصحابي ، وادارة الجامعة بختمها الساطع ،
مرة من المرات لحقني الحارس حتى موقف السيارات ، بعيدا عن حدود الجامعة ، فكمنت له في مراب سيارات ، وهناك امسكته من رقبته ، كدت اخنقه ، وانا اصيح فيه ، لماذا تلاحقني ؟؟ ماذا تريد مني ؟؟
لم ينطق الا بثلاث كلمات ، حارس ، انا حارس ، حارس ، ونظر نظرة غريبة الى ملابسي غير الانيقة ، تراخت قبضتي عن عنقه، لا اعرف لماذا يمتلك هذا الرجل طاقة كبيرة على اخافتي ؟؟. فيما بعد تركت الجامعة هربا من هذا الكابوس ، ذهبت الى جامعة اخرى في بلد اخر ، وفي احدى العطل الصيفية كنت اجلس وحدي في مقهى اشرب شايا ، هناك في البلد الغريب ،رأيته يجلس قبالتي يحدق بي ، كان قد كبر، وانحنى ظهره قليلا ، لكن نظرته كانت هي هي ، رأيت فمه يتحرك ، سمعته يقول بنفس التشكك واليقين القاسي ، :ممكن البطاقة من فضلك ، رايت نفسي اهرب ، في ازقه البلد الغريب و شوارعه الكثيرة ، تخرجت من الجامعة عدت الى بلدي ، عملت مدرسا وما زلت ، ونسيت موضوع الحارس ، او توهمت اني نسيته ، كنت في الصف حين طرق مديري الباب ، سلمني بطاقة دعوة لحضور حفل تكريم لادوار سعيد ، في نفس الجامعة التي هربت منها ، على مدخل الجامعة ، كنت انيقا وسعيدا ادخل ، سمعت صوتا ينادي : يا استاذ ممكن البطاقة من فضلك؟
يا الهي ، هو نفسه الحارس الغريب ، تجمدت في مكاني ، لم استطع النطق بكلمة ، نفس الوجه الجامد والعينين الباردتين ،
سمعت نفسي اقول ، انا ضيف هنا يا عم جئت لحضور تكريم ادوار سعيد، ساغادر فورا بعد التكريم ،
ابتسم الحارس ، لاول مره اراه يبتسم ، كدت اتوهم انه سيصيح الان بكامل زهوه و فرحه : انها الكاميرا الخفية ، سامحنا يا بني ، لكننا سنعطيك مكافأة ، نظرت حولي متوقعا انهمار الصحفيين والمتفرجين والناس ، لم ار احدا .
سمعت الحارس يقول : تكريم ادوار سعيد الثلاثاء القادمة يا بني وليس اليوم
ربت على كتفي كان يحدق في ملابسي ،و يهز راسه ،
خرجت الى العالم شخصا اخر ، شخص يعتقد بقوة انه ضحية مؤامرة جهنمية من جهة غامضة ،
مذ تلك اللحظة ، تغيرت حياتي ، حين تذكر كلمة بطاقة امامي اصاب بالذعر واهرب ، دهش مديري حين صحت في وجهه ، مهددا و رافضا ، وهو يطلب مني تعبئة بطاقات الطلاب ، تسللت ذات ليلة الى خزانة امي ومزقت بطاقات الاعاشة ، جن جنون امي ، رمت ورائي الكراسي والملاعق ، ودعت علي ان يأخذني الله ،

هو امامي الان اعمى تماما يمشي ببطء قبيح كانه حشرة يقوده ابنه الطفل ، ما اجمل هذا المشهد ، زال كابوسي الان سأشفى من فوبيا البطاقات ، لن اقبض بيدي الاثنتين ، بعد الان على تذاكر السفر في المطار، لن اخبيء، بطاقات هوياتي المهنية والشخصية في جيب خاص داخل الجيب نفسه ، اخترعته في بنطالي، لن ارتعد خوفا وانا اقف في طابور طويل لحضور فيلم سينمائي وبيدي بطاقة الدعوة ، بينما الاشخاص امامي وخلفي يضحكون وينكتون ، لن اهرب حين تضيع مني دعوة مؤتمر او مهرجان او فيلم او ندوة ،
، خوفا من الحراس المتربصين عند بوابات القاعات ، ومداخل المدن ، وخلف الاسوار ، وحين اقف امام حاجز اسرائيلي مع عشرات الواقفين ، بانتظار دوري للتفتيش ، لن تصطك ركبي واسناني ، فقد فقدت الحشرة بصرها ، لن تراني بعد الان ، لن تلاحقني ، انا حر ، حر وخفيف ،
رغبت بشدة في الضحك والرقص ، لن ادفن رغبتي هذه المرة ، ذهب الحر ، وجاء الهواء مدرارا ، جفف كل العرق االذي كنت اسبح فيه ، سارقص واغني واضحك بصوت عال ، هانذا ارقص ارقص ، لن اكترث للعالم المستغرب ولن تخيفني الوجوه الغريبة ، المتجهمة المطلة من السيارات ، ، لدي سببي الخاص والمثير للفرح المجنون، يا مرتادي المقهى الفاخر امامي ، انظروا هذا المجنون الراقص ، انظروا واضحكوا ، الناس يتجمعون حولي ، الحشرة العمياء تبتعد ، اراها تغيب رويدا رويدا في زحام السيارات والناس وزحام صوتي ، اطلي علي يا امراة الريح ، انظري جمالي وانا ارقص ، واغني اغنية الحشرات العمياء الهاربة ،
فجأة وفي منتصف هياج روحي واصطخاب جسدي ، احسست بيد قوية تهزني من كتفي , وتصيح :
ممكن البطاقة من فضلك ،



#زياد_خداش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء فلسطينيات مكللات بالتعب والبياض
- في مديح المراة الطفلة


المزيد.....




- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...
- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد خداش - قصة قصيرة : حشرة عمياء يقودها طفل