|
نساء فلسطينيات مكللات بالتعب والبياض
زياد خداش
الحوار المتمدن-العدد: 929 - 2004 / 8 / 18 - 13:18
المحور:
الادب والفن
اراهم كل شهر تقريبا في طريقي ا لى المدينة ، اطفال وشبان امهات شابات ، ونساء ورجال مسنون يتجمعون بصخب ، وفوضى وخوف ، امام سيارة شحن زرقاء مليئة باكياس الطحين ، يقف على بابها الخلفي المفتوح رجل فظ ، يسد الباب بجسده الضخم ، ويحرس الطحين ، بصحاته وتهديداته ، النساء اللاجئات يستعجلن توزيع الطحين ، حرصا على اشغال بيت تنتظرهن ،الاطفال يتراكضون حول النساء ، والسيارات التي تمر على الشارع العام في المخيم والذي تسده النسوة والاطفال ، تزعق بغضب ، السائقون الحانقون يطلون من النوافذ شاتمين ، انا اشق طريقي باتجاه سيارات الاجرة ، صاعدا الى رام الله من ، مكان منخفض جدا جدا اسمه مخيم ، كل شهر تقريبا ، اكون على موعد مع هذا المشهد الذي لا يتعب من تكرار ذاته ، هذا المشهد مستمر منذ خمسين عاما ، ان النساء اللواتي صادفتهن في نفس هذا الشارع ، قبل عشر سنوات ، هن نفسهن ، من يقفن الان ، متعبات ، ضجرات ، ساخطات وجميلات ، بالتعب و بالطحين الذي يكلل ملابسهن ، ودائما هناك رجل بملابس انيقة ، ينتظر على الرصيف بسيارته الفارهة ، ماذا ينتظر هذا الانيق القادم من المدينة ؟؟ الا يتعب من الانتظار ؟ منذ خمسين عاما وهو ينتظر بسيارته ، يا للعار انه ينتطر السيدات المعذبات ، ليبعنه اكياس الطحين باثمان بخسة ، تصوروا !!! امر ماشيا على قدمين متعثرتين ، شاقا حشود الغاضبات والغاضبين ومتسائلا بحيرة : اللعنة ، الن ينتهي هذا المشهد ابدا ؟؟؟ من المسؤول عن عذاب لاجئينا امام سيارات الطحين ،؟؟ من المسؤول عن هذا الهدر المخزي لكرامة انساننا في مخيماتنا ؟ الا تكفي كرامة نسائنا ورجالنا المهدورة على الحواجز حتى نشارك نحن ايضا بذلك ؟؟ لماذا لاتصل ا اكياس الطحين الى بيوت اللاجئين ؟ بكرامة ونظام وهدوء ؟؟ لا ادري لمن اوجه هذه الصرخة ؟ هل سيسمعها احدا اصلا ام ستتناثر في الفراغ كما تتناثر منذ خمسين عاما كرامة رجالنا ونسائنا واطفالنا في كل مكان ؟؟
امهاتي الجميلا ت المجهولات اين هن الان ؟
ما زلت اذكرهن ، امهات باثواب فلسطينية ، فلسطينية جدا ، في مساءات وصباحات وقديمة محفوظة في ذاكرة الجلد والدم والروح ، كن يتجولن فرادى او زرافات ، في الشوارع الملتهبة ، والازقة الثائرة ضد الظلام والشر، كن دائما جاهزات ليهجمن على كائنات العتمة الوقحة ، اولائك الجنود الحمقى او المساكين ، الذين كانوا يعتقدون انه بالمكان وقف تسرب الضوء من الشمس ، الى الشجر والنباتات والحدائق ، امهاتينا الرائعات اللواتي لا نعرف اسماءهن حتى الان ، ولا نعرف اين هن الان ، كن يهجمن على الجنود ، بقوة وغضب الامهات الحقيقيات ، بسواعدهن وصيحاتهن ، يحاولن تخليصنا نحن الصغار المجانين ، راشقي الحب والامل و الحجارة ، عشرات الامهات المتجولات ، باثواب فلسطينية تماما ، يشددن ثيابنا ، والجنود يشدون ايادينا ، والمعركة الغريبة متواصلة ، الجنود حائرون ، كيف يكون لطفل واحد عشرة امهات ؟؟ الامهات يصرخن : ابني ابني ، فلت ابني يا حيوان ابني هذا ابني ، يضجر الجنود او يخافون او يستسلمون ، تنتصر امهاتنا المجهولات ، ونهرب نحن المجانين الصغار الى شارع اخر ، لامهات اخريات وجنود اخرين ، وحجارة اخرى ، يا امهاتنا المجهولات المختفيات الجميلات اين انتن الان ؟؟ ماذا تفعلن ؟ انا كبرت الان يا امهاتي ، صرت في الاربعين ، لم يعد هناك جنود ارشقهم بحجارة ، تكالب الاعداء المحليون على روحي من كل صوب ، مرضى وتافهين وضيقين ، وسدت طرق كثيرة امامي ، لم اعد اقوى على حمل حجارة ورشقها ، صرت احمل كتبا واقلاما واحلام لا تصدأ ابدا ، كم انا بحاجة الان اليكن ، لتشددن ثيابي وتصرخن على احلامي وكتبي و اعدائي : فلتوه ، هذا ابننا ابننا ابننا ، فلتوه ، فلتوه
#زياد_خداش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في مديح المراة الطفلة
المزيد.....
-
الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى.
...
-
-ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر
...
-
-بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
-
فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
-
“مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال
...
-
اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك
...
-
أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك.. تردد قناة توم وج
...
-
بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا
...
-
الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب
...
-
تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|