|
بين نقطتين قصة قصيرة
محمد عبد الله دالي
الحوار المتمدن-العدد: 3198 - 2010 / 11 / 27 - 22:48
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة اتخذ من حقيبةِ ملابسه وبعض حاجاته مقعداً للجوسِ ، واحتمى من أشعة الشمس ، بظل الشاحناتِ الكبيرةِ ، المحملة بأنواع البضائعِ ن الواقفة منذ أيام تنتظر الأذن بالدخولِ ، وضعَ رأسه بين يديه وأطرقَ ينظر إلى الأرض اخذ منه التعب من طول الانتظارِ الجزء الأكبر من التركيزِ ،مما جعله مشتت الأفكار ، واثر كذلك على سلوكه ، لذا كانت السيكارة لا تفارق فمه ، وينتقل من ظلٍ إلى آخر ، يلتقي بمسافرين يمرون بنفس محنته ،أحسَ بأن الدنيا تدور وتتغير الألوان ، ويضعُ كفيهِ على عينيه خوفاً من الدوار .تزاحمت الأفكار ، أمام مخليته ، فَقَدَ القدرة على التركيز فأغمض عينيه مرة أخرى ، ظناً منه أن يجد مخرجاً لازمته . أخيراً رأى نفسه يستعيد جزءً من معاناته عندما أنهى الدراسة الإعدادية ، تحت وطأت الحياة الصعبة ، هيأ نفسه للدراسة الجامعية ،شاءت الأقدار أن يكون من حصة إحدى الكليات الإنسانية ، وبالتحديد قسم التاريخ ، حينها استاء من هذا الاختيار ، قال لأبيه لا أريد دراسة التاريخ حاول أبوه إقناعه قائلا :ــ ــ إنً دراسة التاريخ ،تعني الحياة ،والوقائع الحيًةَ كان يعارض بشدة قائلا :ــ ــ إن التاريخ يتطلب دراسة أسماء وألقاب وأرقام لاتعد ولا تحصى . كان أبوه يحاول إقناعه قائلا :ــ ـــ إنً كل شعوب العالم لها تاريخ تفخر به ، وستتعرف على حضارة بلدك ، والبلدان ،المجاورة لك ، وسيكون بإمكانك أن تضيف لحضارتك صفحات جديدة ، وإنً حركة التاريخ لها تأثير على مجرى حياة الشعوب ، إنً دراستك لهذه الحركة ستشارك بصنع الحياة البشرية ــ يقاطع أباه قائلا :ــ ــ التاريخ لايصنع أية آلة أو مكانة تخدم الإنسانية ،أو يصنع الرفاهية للعالم ، ؟ يضحك أبوه معلقا على كلامه :ــ ــ ألا تدري أن أي شعب ليس له تاريخ ليس له جذور في صنع الحياة ، والتاريخ ، يا بني هو تراكم كل ما فعلته الشعوب في حياتها، وهو سجل حضارة الأمم والشعوب ، ليكون لها كيان ،وأنت نتاج هذا التاريخ العريق ، وهنا يبرز دورك في أن تشارك في صنع الحياة .وأخيراً اتفق مع أبيه لإكمال دراسته ،وسط كل الظروف الصعبة كانت عائلته تُقاسمه لقمة العيش ، وهو يدرس في الجامعه خارج محافظته ، أحس انه كان سبب ثقلا كبيراً على أبيه ، ،مما أضطر والدهُ ،للعمل بعد الدوام الرسمي مساءً ليوفر جزء من راتبه المتواضع ، كان أبوه فخوراً بهِ بأنه سيحصل على شهادة البكالوريوس وشهادة عليا جال بنظره في كل الاتجاهات ، رأى نفسه في غابة من الشاحنات وسيارات الركاب وكتل بشرية ، قسم محشور في داخل الحافلات والقسم الأخر ضاقت به الأرض ، وخرج يتجول وهو يعبر عن امتعاضه من هذا الوضع ، أخذ يعزي نفسه إنه ليس الوحيد بين هذا الكم الهائل من الناس ، كل له معاناته يسأل هل يحملون نفس ألمه ؟ أو أي ألم ؟... تزاحمت الأفكار وصلت به أن يضرب رأسه بقبضته يده .. أخذ نفساً عميقاً ، ، أمتزج بدخان عاد مات السيارات شعر بدوار . كاد أن يسقط على الأرض ، لولا تشبثه بإحدى الشاحنات ، جلس على حقيبتهِ ببطيء شديد ، خلص نفسه من سموم الهواء بسعال متواصل ، أسعفه احد المسافرين بقدح ماء ..غسل وجهه وشرب الباقي سال المسفر :ــ كيف الحال. ــ الحمد لله .. أحسنت . شكراً جزيلاّ . ــ لا شكر على واجب ، كلنا أولاد حواء وآدم . أحسَ بهدوء أعصابه .. لمواساة الرجل له ، ولكن عقدة الألم أثارت شعوره مرة أخرى ، ما السبب هذه الإجراءات . المحتل الذي يدعي الصداقة .. وأبناء بلدي الحبيب ، لماذا يلقى المواطن هذه المعاملة السيئة . دفعت به الأفكار فكانت النتيجة إنه طلب من أحد الضباط الذين يشرفون على تنظيم دخول المسافرين والشاحنات الكبيرة أن يتحدث معه .. فسأله :ــ ــ أخي أنا مواطن وأريد العودة لبلدي بعد غربة دامت سنوات .؟ أتدري كم عانيت ؟ وكم باب طرقت ؟ .. كنتُ أتلقى الاهانة بصدر رحب !! . وأقول يا غريب كن أديب . وبعد هذه الأحداث الاخيره انقطعت صلتي بأهلي ؟ حدق الضابط المسؤل بوجهه .بألم ، توقف الكلام بينهما .. لفترة من الزمن ، هزَ رأسهُ دليل على الرضا ، عن الوضع السائد على الحدود .وقال :ــ ــ الأمر ليس بأيدينا ــ بيد المحتل ــ ،هو الذي يأمر وينهي . ــ رد عليه مع الأسف الشديد .. رقابنا بيد المحتل !! ــ لكن سنحاول مساعدتكم بقدر الإمكان . حدث نفسه .. العودة إلى الوطن كألم الخروج منه . انظم الى جماعته المسافرين .. تناقش الجميع على كيفية الدخول إلى نقطة التفتيش ..أبدى كل واحد رأيه ..احدهم ،قال :ـــ نسلك الطريق البري لمسافة طويلة ثم نركب السيارات ـــ والأخر .. نعقد اتفاقاً مع سائقي الشاحنات ونعبر واحد بعد الأخر .. أكد الأخر ، نقدم شكوى للمدير المسول ، عسى إن يساعدنا ، بينما هم يتناقشون ، سمعوا نداء الضابط المشرف على تنظيم الدخول .. ــ أخوان .. اقتربوا ، الضابط الأمريكي يقول كل مواطن تجاوز عمره الخامسة والأربعين ،من حقه الدخول إلى الوطن فقط ، ولا يجوز لمن دون ذلك ، رجع الجميع إلى ملاذهم تحت ظل الشاحنات ، كلٌ يندب حظه .. ــ قال احدهم ..لماذا خرجت ؟ ــ والأخر ، ( ساعة السودة يوم الرجعت بها إلى الوطن ) . ــ سألته امرأة كبيرة السن ،عن سبب تأخيره . ــ أ جابها .. أمي رفض الأمريكان ،دخول الشباب العائدين إلى الوطن ، أصبحوا هم أهل الدار ، ونحن الغرباء . ــ أجابته .. ابني الدنيا بالمقلوب ، وما العمل ؟ ــ والله يا أمي لا ادري .إني أنهيت عقد عملي في الخارج والرجوع يكلفني الكثير ، !! ــ أجابته ولايهمك بني ..أنا أمك وسترافقني عند الدخول . ماذا قلت ؟ ــ أجابها وغيري من الشباب ؟ ــ قالت كل العراقيات أمهاتهم ( عمت عينه الأمريكي ) أنتابه شيء من الفرح لمقترح المرأة العجوز .. وردد كل العراقيات أمهاتكم . طرح فكرته على الشباب بدى عليهم الارتياح لهذا المقترح . عسى الفكرة تنجح .. حملوا حقائبهم ، وتوزعوا على الحافلات ، وعلى السيارات الصغيرة ، تقبلت بعض النساء الفكرة وأبدين مساعدتهنً ، وتحفظ البعض منهنً قائلات .. مَنْ يقول إنكم عراقيين وكيف نتأكد من ذلك ... ألايمكن أن تكونوا إرهابيين ؟ تدخلون البلد بطريقة غير مشروعة ؟ التقت الوجوه مرة أخرى .. البعض تعلو وجهه ،إبتسامةالفرح والأخر أصابته نكسة عند سماعه البض من النساء ،قال أحدهم :ــ ولا يهمكم ، الناس مثل أصابع اليد ، غير متساوين في الطولِ . سترون من ترحب ،أن تتبنى شاباً بهذا العمر ، إنها الأم أيها الأخوة ، ويعود الأمل إلى وجوه الآخرين . بادر الأخر قائلا :ــ الوطن يعرف أبناءه ، وأبناؤه يعرفون الوطن .. الوطن عزيز ، تفرق الجميع ، وغابت الوجوه ،اندمجت مع العوائل العائدة ، وشيء من الهدوء يسود نقطة التفتيش .. سأل ضابط التفتيش ؟ ــ جوازك ،هويتك ، وسأل الآخرين ــ أنتم عائلة واحده ؟ ــ أجابه الرجل نعم ، عائلة واحدة . ــ وهذا الرجل ؟ ـ ابن اخي .. وهو يرافقنا ، تنقلت عينا الضابط بين الجواز، والهوية وبين الوجوه المحشورة في السيارة الصغيرة . ــ هل أنت متأكد من ذلك ؟ ــ نعم .. نعم متأكد !! ــ أنا أساعدك ، لكن خوفي من الضابط الأمريكي أن يرفض دخولك .. الى الوطن ــ عز على الرجل قول الضابط فقال ــ متى كان العراقي يخاف يا بني ؟ ! ــ أجابه للضرورة أحكام .. يا عم . اجتازت السيارة نقطة التفتيش الأولى ، وبعد مسار ليس بالبعيد ، كانت نقطة ( التفتيش امريكيه ) استوقفنا احد الجنود تقدم أحد الضباط ومعه مترجم ونبرة قوية طلب الجوازات وأوراق ثبوتيه أخرى .. وبعد تدقيق سأل المترجم .. هذا الرجل من العائلةِ؟ ـ أجابته المرأة العجوز .ز بعد أن احتضنته .وضمته الىصدرها . قالت :ــ نعم أبن أختي وهو مريض ــ أطرق المترجم .. لبرهة من الزمن ثم قال :ـ ــ أمي كلنا أبناءك ، بارك الله فيك. ــ سأله الضابط ماذا تقول المرأة ؟ ــ أجابه إنه ابنها .. حدقَ بها من خلال نظارته السوداء .. ثم تحدث بكلام غير مفهوم وأشار بإصبعه إلى العبور ، رفع الشاب رأسه والتفت إلى الحدود ، كان يدعو لزملاء هان يحالفهم الحظ ويجتازون الحدود....!
قصة حقيقية محمد عبد الله دالي /في آب 2005
#محمد_عبد_الله_دالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصةقصيره
-
قصة فصيرة
-
مجرد امنيات /قصة قصيرة
-
قصة قصيرة/العودة الى الضفة
المزيد.....
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
-
منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا
...
-
قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي
...
-
رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات
...
-
بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ
...
-
مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل
...
-
الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|