أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الله دالي - قصة فصيرة















المزيد.....

قصة فصيرة


محمد عبد الله دالي

الحوار المتمدن-العدد: 2951 - 2010 / 3 / 21 - 10:59
المحور: الادب والفن
    



كل يوم يكون هو في مقدمة الطابور الصباحي للعمال ، الذين يعملون ،عمال زراعيين في الأرض المحتلة ،وكالمعتاد معه صرة فيها خبز وبعض الخضروات ،وأحياناً تُعدُ لهُ أمه ،شيئاً للغداء . ينتظر دوره للعبور والعمل في ارضٍ كان هو صاحبها في يوما من الأيام ، برزَ هويتهُ وسلمها لمفرزة الحدود ، دققوا فيها أشر له بالعبور ، وهناك في الجانب الآخر يقفون مجموعات ، ويأتي أصحاب المزارع لأختار العمال ، هو اعتاد أن يعمل لدى صاحب مزرعة ،حتى أصبحَ معروفاً لديهم .. فهو يمتلك جسما وسيماً ، غيرت الشمس ملامحه ، وأصبح جسمه بلونين مما زاده جمالاً ، ناداه صاحب المزرعة .
ــ ياولد ، عليك اليوم زراعة شتلات البرتقال هذه ن إنها من أجود الأنواع ، جاءوا بها من الخارج لتحسين نوعية البرتقال المحلي ، كما إنها أكثر إنتاجا ، وعليك إن تأخذ شتلات الورد لتزرعها في حديقة المنزل .، ولا تنسى إن تسقي الحديقة أيضا
ــ أمرك سيدي ، سأقوم بذلك !
وقف ينظر إلى الأفق البعيد إلى تلك الروابي الخضر .... مستوطنات منتشرة هنا وهناك ،تنهد وأخذ شهيقا ملأ رئتيه من عطر الأرض ، أخذ كمية من التراب ، شمها وبدأ تنفيذ ما طلب منه , وزع الشتلات وغرسها على إشكال هندسيه عديدة ،ثم أسندها بعصا خوفا عليها من شدة الرياح يمسح عرق جبينه بين الحين والأخر ، وهو يدندن بما حفظه من ترثه الشعبي ، فجأة هبت عليه رياح حملت معها عطرٌ مثيرُ ألفه ، آه انه نفس عطر الفتاة بنت صاحب المزرعة الذي اعتاده بعد كل زيارة تقوم بها للمزرعة مع والدها .. رفع قامته ، بتثاقل وهو مجهد ، ألقت عليه التحية ( شالوم ) رد عليها بانحناءة من رأسه ، قائلا أهلا .. ثم أردفت
ـــ السلام عليكم ..... أجاب .
ــ وعليكِ السلام .. لم أكن اعرف ، وإنا اعمل لديكم انك تتحدين العربية .
ــ أبي يمنعني من التحدث بالعربية ، حتى لاانسى لغتنا العبرية .
ــ ما بالك اندهشت لحضوري ؟
ــ لم أكن معتاد على ذلك ، كنت أراك عن بعد ،وبرفقة أبيكِ، أكثر الأحيان ، واشمُ هذا العطر الجميل .
ــ هل أعجبكَ ؟
ــ نعم وخاصة ، صاحبة العطر ، إنه ذوق جميل .
ـــ إن حديثك يدل على أنك ، نلت قسطاً من التعليم
ــــ نعم أنهيت ، دراستي في معهد زراعي في مدينتنا.
ـــ حملت معي برتقالة من حديقتنا وهي من إنتاج هذا الفصل ، أرجو أن تتذوقها ، وتحكم ، وخاصة إنها من اختصاصك . ؟
تناولها وهو يدقق النظر في عينيها الجميلتين ، وقوامها الممشوق .إنها تمتلك أجمل وجه وأجمل صدر وهو يحمل ثقلا متوازنا زاد إلى قوامها جمالا رائعا ، وأضاف الجينز ، تفاصيل متناغمة إلى إردافها المتناسقتين ، عندما تخطو تتهادى كناقة تنؤ بحملها الحريري لفتت انتباهه بقولها :ـ
ـــ أراك مندهشاً .. من رؤيتك لي ، مع إنك تراني عدة مرات .
ـــ نعم رايتك ، عدة مرات ،لكن ليس عن قرب !
ــ وما هو رأيك .
ــ سبحان الخالق .. نسيت حتى التعب .
ــ الله .. الله .. إنك شاعر وليس عاملا زراعيا فقط .
ـــ أشرقت ابتسامة هادئة على محياه . وهو يقول . لو وضعوك ( على الجرح يطيب ).
احمرت وجنتاها من الخجل ، وأطرقت برأسها إلى الأرض ، وقالت
ــ تذوق البرتقالة لتحكم بنفسك . تبادلا الضحكات ، وافترشت الأرض معه ، أخذتهم نسمات الربيع شدت أواصر صداقتهما ، قطع صوت والدها ، جلستهما الربيعه بين أحضان الطبيعة الخلابة . قفزت قائلة :ــ
ــ ها أنا قادمة
ــ ألم أقل لكِ ابتعدي عن عامل المزرعة .
ـــ لماذا يا أبي ، انه شاب لطيف ودمث الأخلاق ، هذه السنين التي مرت ولم تتخلص من طابعك الشرقي الغيور .
ــ أنا أعرف عاداتهم .. قضيت شبابي في بلدانهم ، وأحمل في طياتي هذا الطابع .. إنه جزء مني ، لاتكثري الكلام .
ــ عودي إلى المنزل . ؟
التفتت نحوه ولديها شعورا بالألم ، لفراقه ،تنفسها أخذ يزداد ،سرعة ، وعبرتُ خفية تخنقها .. تحين منها التفاتة وهي تعود إلى البيت وقف هو متسمرا في مكانه كأنه فقد شيء منذ زمن ، لايعرف ما هو .. عصر نصف البرتقالة بيده ، وبدون شعور ، سقطت منه على الأرض قطع تفكيره صوت صاحب المزرعة .
ــ أهتم بعملك ، ولا تتدخل بشؤون العائلة ؟
اندهش ، لدقة تحدثه العربية الدارجة ، أحس بانكسار هائل بنفسه هدم جزء من كيانه على هذه الأرض ، هل يرد عليه قائلا .. يا غريب ( اذكر أهلك) ؟ أم هو الغريب الآن في بلده ، أنحنى التقط نصف البرتقالة ، نظفها من التراب العالق بها ، شمها ثم تذوقها ... شعر بقليل من الحموضة ، عرف إنها هجينه ومركبه ، استمر بالعمل .. والحسرة تسيطر عليه ، وخوفه على عمله ، لأنه الوحيد لأعاله عائلته الصغيرة .. تحين منه بين فترة وأخرى التفتت إلى محيط عمله لعله يحظى بنظرة يريح عواطفه ، ويرفع من معنوياته ،مَدً بنظره إلى الأفق الواسع ، وطافت على تلك الروابي الخضر والتلال المكسوة بأشجار الزيتون والحمضيات ، وتوزعت عليها مستوطنات عديدة ، تسمرت عيناه على مكان محدد هنا كان بيت جدي وهناك بيت عمي .. ويعاود العمل وفي قلبه ظن إنه سيعاقب .. حدث نفسه .. غدا سأهدي لها برتقالة ، من هذه الأرض المعطاء وليست هجينة ، تقطر عسلا .
انهي عمله ، ،استأذن من صاحب المزرعة ،واتجه إلى مكان ، تجمع العمال وبعد إجراءات التفتيش والتدقيق ، ذهب إلى بيته ، وصورة الفتاة لن تفارق خياله ، رسم لها عدة صور في مخيلته ،وأخذ يَعِدُ نفسه لليوم الثاني ، حلق ذقنه وغير من هندامه ، كأنهُ يستعد للقاء شيء مهم في حياته ، نسي إنه عامل زراعي يقف يوميا بانتظار السماح له بالدخول إلى أراضيه المحتلة للعمل فيها كأجير، ونسي إنه مرهون بموافقة سلطات الاحتلال ، وكالمعتاد وقف في طابور العمال للسماح له بالدخول ، عندما وصل دوره ، دقق الحرس في أوراقه ، وتشاور مع أصدقاءه ، دفع له ببطاقته ، قال له :ــ
ــ غير مسموح لكَ ، بالدخول اليوم ، بأمر ضابط المفر زه .
استلم بطاقته ، والانكسار بادٍ على وجهه ، وكأن هموم الدنيا نزلت عليه ،مرة واحده ،حاول ثانيتا ، ولم توافق مفرزة الحدود له بالعمل ، لم ييأس جلس بعيدا ، وبجوار الأسلاك الشائكة ، وهو ينظر من خلال هذه الأسلاك التي حالت بينه وبين من يحب .
وهناك في المزرعة التي يعمل بها ، جلست الفتاة وهي تنتظر من دخل قلبها بدون إستأذان ، وبيدها برتقاله . وما هي إلا لحظات حتى جاء والدها ، ومعه عامل آخر ، قفزت من مكانها وخيبة الأمل تأطر محياها .. نظرت إلى أبيها ، بعدم الرضا ، أحست فيها إنه قد تعمد ذلك ، تركت البيت متخفية إلى نقطة التفتيش ، واستفسرت من الضابط المسئول ، عن بعض الأسماء ، وبعد تدقيق الأوراق ، عَرفت إنً أباها هو السبب ، أشار لها الضابط ، إن الشاب أتجه إلى ذلك المكان بمحاذاة السياج ،أسرعت مهرولة وهي تنظر في كل الاتجاهات ، وهي تبحث بعينين شاردتين ، عن ذلك الشاب ، وأخيرا وبعد جهد ، شاهدته جالسا ينظر عبر السياج الشائك ، وصلت وهي تمسك بالأسلاك إصابته الدهشة ، نهض مهرولاً ، وقف أمامها ،أمسك بكتلي يديه الأسلاك ولم يحس بأي ألم ، وكان الصمت ولغة العيون هما اللغتان السائدتان بينهما ، التقط أنفاسه ، وقال :ــ
ـــ أحسستُ إني فقدت شيئا ! ولم اعثر عليه .
ــ وأنا كأن الدنيا قد أظلمت بوجهي ، ولا أدري ما الذي دعاني إلى المجيء إليك . كانت الأسلاك تنغرس في يديهما بدون أن يشعرا بها . . سألته ، بلهفة هل تذوقت نصف البرتقالة
ــ نعم أكلتها .. وشعرت إن فيها شيء من الحموضة ، تأكد لي إنها مركبه من الليمون ، مًديَدةُ في كيس طعامه ، ناولها برتقالة من نفس الأرض .
ـــ خذي ، تذوقي هذه .. إنها تقطر سكراً إنها من عمق التاريخ
ــ الله كم هي رائعة ، حقا إنها تقطر سكرا ، وسألته لماذا لا تزرع لنا مثلها ؟ .. أجاب :ــ
ــ زرعتُ بدون ان يعلم أبوك ، احرصي على سقيها والاعتناء بها إنها حلوة وجميلة كجمالك. احمرت وجنتاها خجلاً .
ــ ألا تعلم إن لقاءنا مستحيل ، ربما ستكون نهايته ؟ ! .
سادهما صمت ، تقطعه تنهدات .. رفعت من حرارة الأسلاك الشائكة ، قال الحب لا يعرف الحواجز ولا تعرقله الأديان ، ولا يفرق بين الغني والفقير ، أو الظالم والمظلوم ،
ــ إذن سنفتح ثغرة في هذه الأسلاك ، ونأكل البرتقال ، نصف لكِ ونصف لي .. انسلت من فتحة صغيرة ، وجلسا يتنادمان ، قدم لها ما أعدته له والدته من وجبت غداء ،أخذهما الوقت ، طلب منها العودة ، حتى لا يشعر بها أحد ، رفع لها الأسلاك عبرت .. وودعته إلى لقاء .. غابت عنه عدة أيام ولم تأتي لتأكل معه البرتقال ، فجأة وقف أمامه أحد حراس الحدود قائلاً :ــ
ــ من تنتظرها لن تأتي ، وإذا عاودت الحضور سنعتقلك أتفهم .؟
أو مأَ ، برأسه بالقبول . قسًمَ البرتقالة إلى قسمين ، ألقى بنصفها عبر الأسلاك، و الآخر ، عصرهُ في فمه .. قائلاً :ــ
ــ بإمكانكم إن تغيروا كل شيء ، لكن تبقى الأرض نفس الأرض ،والبرتقال والزيتون ، نفسه التفت إلى الجانب الأخر إلى نصف البرتقالة والأمل .. هو الشيء الذي تعلق به .
[email protected] محمد عبد الله دالي / في 2009



#محمد_عبد_الله_دالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجرد امنيات /قصة قصيرة
- قصة قصيرة/العودة الى الضفة


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الله دالي - قصة فصيرة