أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي أوعسري - قراءة مركبة في أحداث العيون: رهانات وتحديات ما بعد مخيم أكديم ازيك















المزيد.....


قراءة مركبة في أحداث العيون: رهانات وتحديات ما بعد مخيم أكديم ازيك


علي أوعسري

الحوار المتمدن-العدد: 3194 - 2010 / 11 / 23 - 22:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمهيد عام
لا ينبغي أن تمر أحداث العيون مرور الكرام من دون الوقوف عندها بالتحليل والنقاش في محاولة لوضعها في سياقاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، سواء في بعدها الوطني، الاقليمي أو الدولي، وذلك لتفادي ما يمكن تفاديه قبل فوات الأوان. منذ سنوات عديدة كنا نعتقد أن المغرب، بسبب من خصوصياته وتميزه التاريخي والحضاري والثقافي، يوجد في منأى عن هذه الفوضى الخلاقة التي اجتاحت معظم دول الشرق الأوسط، بما في ذلك الجزائر التي عرفت خلال سنوات التسعينيات ما يمكن وصفه بحرب أهلية دامية ذهب ضحيتها الآلاف من الضحايا كنتيجة للصراع السياسي بين الجماعات الإسلامية المتطرفة والنظام الجزائري العروبي العسكرتاري.
لكن في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ أحداث 16 ماي 2003، بدأنا نتحسس خطورة الأوضاع الإقليمية والوطنية التي من شأنها أن تصيب لا قدر الله بلادنا في استقرارها الأمني المتفرد والذي لم يعد متاحا في الكثير من بلدان الشرق الأوسط التي أخذت منها الفتنة مأخذا عظيما، فصارت تتكشف فيها كل عوامل التفرقة، من إثنية ومذهبية وعشائرية ذات أفق ضيق وذات امتدادات منغلقة، ما لبثت أن طفحت على سطح الأحداث غداة انهيار الأحزاب الشمولية فيها؛ فكان أن انهارت الدولة بانهيار تلك الأحزاب التي هي هي الدولة عينها بسبب من صيرورة الحزب الشمولي في تلك البلدان دولة استبدادية قمعية وصيرورة الدولة جهازا قمعيا في يد ذلك الحزب الشمولي الذي له امتدادات محددة، برغم تمظهره في طابع وطني أو قومي؛ أما تلك الامتدادات فهي إما طائفية مقنعة أو مذهبية مهيمنة أم عشائرية عصبوية مستبدة.
بانهيار الحزب والدولة معا (العراق سابقا، موريتانيا، اليمن والسودان حاليا) أضحت البنيات الاجتماعية المترهلة لهذه البلدان مجالا فسيحا وسهل الاختراق من طرف التنظيمات الرخوة للقاعدة التي هي مجدة ومصممة في استهداف أي مكان لم تعد فيه سلطة الدولة قائمة، أمنيا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا؛ فما أن يتبدى ضعف الدولة واضحا للعيان في هذه البلدان - أحيانا حتى قبل انهيارها - حتى تنبثق القاعدة من تحت الرماد من خلال الإعلان (التسجيل الصوتي عبر قناة الجزيرة) عن تفجير، هنا أو هناك، أو اعتقال رهائن أو شيء من هذا القبيل.

1- في نقض بعض المفاهيم الإيديولوجية المؤطرة لقضايانا الوطنية
ليس هدفنا تحليل الأوضاع في الشرق الأوسط، فهذا ما عزفنا عنه منذ مدة، حيث أخذنا على عاتقنا عدم تناول ما يجري هناك، واستبداله بتتبع الشأن الوطني والمساهمة في تحليله ولو بشكل متواضع. من هذا المنطلق صار الانشغال بالشأن المغربي أولوية الأولويات بالنسبة لنا. لقد سمح لنا هذا "الانكفاء" على الوطني باكتشاف، ولو بشكل متأخر، أهمية ومحورية مجموعة من القضايا الوطنية التي نعترف أننا أهملناها سابقا بسبب من غشاوة إيديولوجية قومية كانت قد ترسبت على بصيرتنا (وهذا نقاش آخر سنعود إليه خلال مناسبات قادمة)، فلم نكن آنذاك، وتلك الغشاوة جاثمة علينا، نتتبع ونسمع ونناقش إلا "القضايا القومية العربية".
ولعل أهم هذه القضايا الوطنية على الإطلاق هي قضية الوحدة الترابية باعتبارها قضية وطنية، وكذا القضية الأمازيغية باعتبارها قضية تحرر إيديولوجي وتاريخي من مجموعة من الطابوهات المشرقية الجاثمة على صدر الشعب المغربي. منذ أن طلقنا تلك "القضايا القومية" صار انشغالنا منصبا على القضايا الوطنية، فتكشف لنا بوضوح وجود مؤامرات عديدة وخبيثة تحاك ضد المغرب من طرف قوى رجعية محافظة مشرقية (معبرة إعلاميا عن نفسها ونواياها من خلال الجزيرة على سبيل المثال) وأخرى عروبية (النظام العسكرتاري الجزائري، والنظام القمعي الليبي)، وأيضا من طرف جهات اسبانية لم تتخلص بعد من وهم وأثر الزمن الكولونيالي فتراها تحن الى عهد الاستعمار، مستعملة في هذا المسعى الورقتين الحقوقية والإعلامية اللتين ينبغي التعامل معهما في هذه المرحلة التاريخية من العولمة بشيء من الحذر.
ليس إذن كل من يلوح بقضايا حقوق الإنسان مدافعا بريئا على حقوق الإنسان في شموليتها وعدالتها وتنزهها عن الايديولوجيا ومركبات المصالح الدولية والوطنية والإقليمية. لقد بينت الأحداث الأخيرة (أميناتو حيدر، مصطفى ولد سيدي سلمى، أحداث العيون،...) كيف أن منظمات حقوقية دولية اختارت الاصطفاف الى جانب أجندات إقليمية واضحة، فصارت متحيزة الى الجزائر والبوليساريو ضدا على الحيادية والموضوعية اللتين بدونهما يفقد أي عمل حقوقي وإعلامي رسالته النبيلة في خدمة القضايا الإنسانية.
بانحياز مثل هذه المواقع الإعلامية ومثل هذه الجمعيات الحقوقية في نشاطاتها الى أطراف معينة على حساب أخرى، فإنها تصير فضاء مستترا لتكتل قوى سياسية وإيديولوجية ذات أهداف ليست بالضرورة حقوقية أي أنها ليست ذات رسالة إنسانية؛ لذا ينبغي الحذر في التعامل مع هذه المواقع ومع هذه المنظمات. وعليه فإننا نعتبر أن إغلاق مكتب الجزيرة بالمغرب وعدم الترخيص لصحافييها بممارسة العمل الصحفي ببلادنا جاء متأخرا كثيرا، حيث لا يعقل أن تجد حكومة يفترض فيها الدفاع عن المصالح العليا للبلاد وهي صامتة أمام ذلك التقسيم التعسفي للصحراء المغربية والذي به ما فتئت قناة/دولة الجزيرة تستفز مشاعر المغاربة الذين ضحوا وما زالوا يضحون بدمائهم وأموالهم من أجل النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالصحراء في سبيل احتواء النزعة الانفصالية التي هي نزعة عروبية بامتياز.
أما الطابع العروبي لذلك الكيان فهو باد للعيان من خلال سمتين بارزتين – وهذا لا يعني أن ليس هناك سمات أخرى- أولهما تتعلق باسم الكيان الوهمي الذي تسعى الى تأسيسه جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر "الجمهورية العربية الصحراوية" وثاني تلك السمات أن هذا الكيان الوهم، في محاولة تشكله هذه وفي محاولة الإفصاح عن نواياه "التحررية"، ليس منفصلا عن سياقات إيديولوجية وتاريخية مرتبطة أشد الارتباط بالمد العروبي في تمظهره الاشتراكي القومي والبلانكي "الثوري".
بهذا المعنى أمكننا فهم لماذا حرصت الجزائر "الاشتراكية" وليبيا "الثورية"، في مراحل تاريخية معينة، على تأييد النزعة الانفصالية "الثورية" عند جبهة البوليساريو، دون نسيان كيف أن التنظيمات اليسارية الراديكالية في الحركة الوطنية الفلسطينية كانت تربط ربطا تعسفيا لا تاريخيا قضية تحرير فلسطين بتحرير الصحراء وإقامة كيان عروبي في منطقة شمال إفريقيا وتحديدا على حساب المغرب. قمة السخافة وقمة التهافت أن تسعى هذه القوى العروبية الى زرع كيان عروبي في منطقة شمال إفريقيا وهي ترفع شعار "الوحدة العربية"، خاصة وأنها تعتبر هذه المنطقة "مغربا عربيا".
في هذه السياقات التاريخية والإيديولوجية الملتبسة تنطرح على الحركة الأمازيغية مهمات عديدة، لعل أكثرها استعجالا هي دحض عناصر هذا التاريخ المزيف الذي أملته الحركة الوطنية بدعم من قوى مشرقية رجعية على واقع المغرب بشكل عام والصحراء المغربية بشكل خاص حتى يتضح للعموم أن الشعب المغربي بعمقه الامازيغي لن يقبل بإقامة كيان عروبي على بلاده الأمازيغية. الشعب المغربي، عبر التاريخ، احتضن كل الجماعات البشرية التي حلت بالمغرب واستقرت فيه وساهمت في بناء حضارته المتعددة والمنفتحة، لكن لن يقبل البتة بإقامة كيانات عنصرية على بلاده وأيضا لن يقبل بهيمنة إيديولوجية وسياسية لأطراف ذات امتدادات فوق وطنية (عروبية، اسلاموية وحتى أممية) على باقي المكونات الأصيلة لهذا الشعب المتفرد.
وهذا ما حسبنا تناضل من أجله منذ حوالي خمس عقود الحركة الثقافية الأمازيغية التي كشفت عورة كل تلك القوى التي لا شغل لها سوى إلحاق المغرب بالمشرق. في هذا الصدد، ألم يتسارع هذه الأيام تكتل القوى المناهضة للرقي بالامازيغية في مساعيهم في "الدفاع" عن اللغة العربية الى دمشق، حيث الدعم من طرف النظام السوري العروبي!? كيف أمكن لهؤلاء تهريب مناقشة القضية اللغوية، باعتبارها قضية وطنية تنم عن تطور تاريخي حاصل في المجتمع، الى المشرق حيث يأتمرون بأوامر الأنظمة العروبية من هناك? ألم يكن جدول أعمال اجتماعهم في دمشق شيئا أخر سوى ضرب اللغات الوطنية الأم، ومن بينها الأمازيغية في المغرب، للتمكين للعربية ?

2 – خطورة الأوضاع الإقليمية والدولية وانعكاساتها على القضية الوطنية
عود على بدء، منذ أن طلقنا تلك القضايا القومية، صار يتحسسنا خوف لا مثيل له عن هذا الأمن المتفرد الذي فيه ينعم المغاربة والذي يشكل، الى جانب الموقع الاستراتيجي للمغرب وموروثه الحضاري المتعدد والمتسامح، عقد كل الأطراف المتآمرة ضد المغرب. في هذا السياق كان تحليلنا للأوضاع في ما مرة يصب في اتجاه التنبيه الى هذه المخاطر الإقليمية والدولية، وهنا أشرنا منذ شهرين تقريبا في مقال لنا "سؤال السياسة اليوم" (الأحداث المغربية العددين 4166 و 4169 الموافق ل 7 و 11 أكتوبر 2010) الى خطورة الأوضاع لما قلنا أن ما يقع في الجزائر من إعلان حكومة في المنفى للقبايل، وما يجري في موريتانيا من اضطرابات سياسية تتخذ أحيانا طابعا ثقافيا لغويا، وأحيانا أخرى طابعا عسكريا، ليس يجري دون أية تأثيرات محتملة على المغرب.
فالجزائر، وهي تحاول تصدير أزماتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واللغوية الداخلية، لن تقف مكتوفة الأيدي في التعامل مع المغرب الذي تراه يقطع بعض الأشواط في ما يتعلق بحل بعض القضايا الديمقراطية المصيرية، ومن بينها مسألة الحكم الذاتي للصحراء وكذا المسألة الأمازيغية بالرغم من وجود مقاومات عروبية واسلاموية لحل هذه القضية حلا وطنيا وديمقراطيا.
وكنا أكدنا في حينه أن المرحلة تستوجب تعبئة الجبهة الداخلية من خلال الإعلان عن حكومة وطنية مستوعبة لجميع الحساسيات الوطنية الصادقة لقطع الطريق على كل الجهات التي قد تنحاز، في ممارساتها السياسية الطبقية، الى مصالحها الفئوية الحزبية الضيقة ضدا على المصالح الوطنية العليا. إن غياب مثل هذا الإجماع الوطني وتفرد جهات معينة بمواقع المسؤولية من جهة وبالتمثيلية المصطنعة من جهة أخرى هي من الأسباب العميقة لما جرى في العيون.
كيف لا والمخيم قد استعصى تدبيره من طرف أية قوة سياسية أو نقابية أو مدنية، كيف لا والمخيم أضحى بعد مرور أيام معدودات قلعة من تسيير الانفصاليين الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من إعلان المخيم منطقة مستقلة ومحررة؛ ما ذا كان سيقع لو لم يتم تفكيك المخيم بعد أن اتضحت نوايا القيمين عليه? إن الانفصاليين الذين تحركوا في ذلك الفراغ الناجم عن انعدام تمثيلية حقيقية للأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، كانوا يريدون تحويل تلك المنطقة الى ما يشبه دارفورا مغربيا، حتى تتمكن القوى الدولية من التدخل تحت يافطة حماية الانفصاليين على اعتبار أنهم "ضحايا" انتهاك حقوق الإنسان....
إن الأمور كانت ستكون صعبة للغاية، خاصة إذا علمنا كم هي جاهزة ومجندة تلك المنظمات "الحقوقية" المسخرة لأهداف غير حقوقية لكي تجعل من الحبة قبة. لقد أبانت أحداث العيون الأخيرة على مدى مطابقة تحليلاتنا السابقة لخطورة الأوضاع، وطنيا، إقليميا ودوليا؛ فتطور الأحداث منذ الظهور المفاجئ لمخيم أكديم ازيك الى النهاية المأساوية التي عرفتها العيون كشف عن حجم المخاطر المحدقة من حولنا والتي باتت تهدد استقرارنا.
كما أن تلك الأحداث، بفجائيتها وبانعطافتها من الاجتماعي الى السياسي وبمأساويتها الدموية والتخريبية، هي من الأهمية بما كان، ذلك أنها صارت تشكل إنذارا للجميع (دولة، حكومة، أحزاب نقابات، مجتمع مدني)، بحيث لم يعد بعدها أي مجال للانتظارية وللهروب من المساءلة أولا والبحث عن التمثيلية الحقة ثانيا. عدى هذين الاجرائين اللذين ينبغي على الدولة مباشرتهما في أسرع الأوقات سنكون قد ضيعنا فرصا أخرى قد لا تعوض في ما سيأتي من تحديات.

3 – تساؤلات مشروعة لتجاوز الوضع القائم بعد مخيم أكديم ازيك
هنا لا بد من طرح بعض الأسئلة المفصلية التي لا يستقيم أي تناول موضوعي لما جرى في العيون من دون طرحها طرحا واضحا لا لبس فيها ولا محاباة فيها لأية جهة:
- أولا: كيف أمكن لمخيم من حوالي عشرين ألفا أن ينزرع وينمو بتك الفجائية أمام أعين السلطات المحلية بكل آلياتها ووسائلها اللوجستكية في المراقبة والاستطلاع القبلي?! أليس في هذا الانبثاق المفاجئ للمخيم ما يستبطن نوعا من التقصير في أداء الواجب من طرف السلطة المحلية، حتى لا نقول أن شرارة المخيم ربما كانت بإيعاز أطراف معينة منها?!
- ثانيا: هل كان لهذه الأحداث أن تقع أو قل للدقة هل كان لها أن تتطور في هذا المنحى المأساوي لو عولجت بعض من المطالب الاجتماعية في حينها وعلى أساس من الشفافية والديمقراطية?.. ألم تكن معالجة المطالب الاجتماعية، قبليا، تكفينا شر كل هذه الأحداث وخاصة شر هذا المخيم الذي يحيل على تجارب مأساوية سابقة في دول هي في طور التفكك (دارفور في السودان على سبيل المثال لا الحصر)?
- ثالثا: كيف أمكن للدولة وعلى مدى حوالي عشرين يوما من ظهور المخيم أن لا تتحقق من الهوية الانفصالية لأعضاء من اللجنة التنظيمية للمخيم، حتى لا نقول للجنة التنظيم بكاملها?...
- رابعا: لماذا لم تقوى المنظمات الحزبية والنقابية والجمعيات الحقوقية التي تتلقى، جميعها، دعما من أموال دافعي الضرائب، على النفاذ الى المخيم في محاولة للسيطرة على تنظيم هذا المخيم وقطع الطريق على العناصر الانفصالية?.... إما أن الأمر فيه حسابات سياسوية ضيقة لحد وضع المصالح الضيقة فوق المصلحة الوطنية العليا، وإما أن هذه المنظمات لا تمثيلية فعلية لها في المنطقة، على غرار باقي مناطق المغرب التي تعرف احتجاجات مطلبية واجتماعية وثقافية منفلتة عن تأطير هذه المنظمات. إذا كان الأمر يتعلق بغياب التمثيلية، فينبغي إعادة النظر في تعاطي الدولة مع هذه المنظمات، وخاصة في تمويلها، وإذا كان الأمر يتعلق بانتظارية هذه المنظمات فهي بهذا تفقد ما تبقى من مشروعيتها وعليها حق النقد الذاتي لا أن تنتظر الفرج ونهاية الأزمة لتطلع علينا ببيانات وبلاغات مدبجة بلغة خشبية تجاوزها الواقع في تعقيداته الاجتماعية والسياسية والثقافية وأيضا تجاوزها التاريخ في تمرحله العولمي.
- خامسا: هل انعدمت في الصحراء كل أليات ومؤسسات التمثيلية المجتمعية من أحزاب ونقابات وجمعيات المجتمع المدني ومن أعيان القبائل، وكوركاس، حتى تتمكن هذه العناصر الانفصالية من السيطرة على تنظيم المخيم بهذه السهولة وتقوم بتحويل ما قيل في الأول أنه مطالب اجتماعية الى مطالب انفصالية?! ألا يشكل هذا الفراغ القاتل خطرا ليس فقط على الدولة، بل على التماسك الاجتماعي الذي يبقى الضامن الأساس للوحدة الوطنية القمينة برفع تحدي الدفاع عن الوحدة الترابية?! في هذا السياق بالضبط أكدنا في مقالنا "سؤال السياسة اليوم" على أن التوافق الذي به تتغنى الأحزاب مع المؤسسة الملكية هو توافق فوقي لا تأثير له في مجريات الأحداث وأن التوافق الأساس هو توافق الشعب المغربي غير المنظم حزبيا ونقابيا وجمعويا مع الملك؛ فكيف كانت ستتطور الأمور لو لم تكن هناك، في قلب الأحداث، فئات وازنة من المغاربة الصحراويين الوحدويين المرتبطين بالوطن وبالملك?
- سادسا: ألم تستشعر الدولة والسلطات المحلية بالعيون ومعها الأحزاب والنقابات والجمعيات المدنية والكوركاس والمنتخبين والحكومة، ألم تستشعر كل هذه المؤسسات الطابع السياسي لتلك الحركة المثيرة في سرعة تشكلها وفي دقة توقيتها!? لماذا ظلت كل هذه الهيئات وهذه الجهات المسؤولة مصرة على الترديد الخشبي للطابع الاجتماعي لمطالب لاجئي المخيم من دون أن تقوى على مواجهة الواقع بكل جرأة والتعامل مع تلك الحركة المثيرة بما يلزم منذ أيامها الأولى!? إن من بين مهمات هذه الجهات أن تضع في حساباتها السياسية والتدبيرية أكثر الوضعيات تعقيدا مع الاستعداد القبلي لمواجهتها ورفع تحدياتها، ليس فقط بترديد خطاب خشبي بل بنهج أسلوب عقلاني مبني على الصراحة والمسؤولية. إن العالم أصبح اليوم قرية صغيرة ولا بد من الإقناع الذي لا بد وأن يكون بوسائل عقلانية وليست خشبية.
قد تكون كل هذه الجهات مخطئة في تحليلها وتقديرها للوضع، وهو ما يعتبر مأساة حقيقية تبين الى أي حد ليس هناك الرجل المناسب في المكان المناسب، وقد تكون هذه الجهات على علم بتسييس المطالب الاجتماعية لكنها لم تقوى على التحرك واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، في سياق وطني وإقليمي ودولي معقد، وهذا ما ينبغي أن يطرح للنقاش العمومي في أفق استنهاض الهمم وخلق حالة شاملة من التعبئة الوطنية لمواجهة المخاطر الإقليمية والدولية المحدقة بنا والتي قد يغريها هذا المخيم فتقدم على إجراءات أخرى أكثر فداحة وخبثا على الأرض على شاكلة ما وقع في دارفور وجنوب لبنان حيث تتواجد القوى العظمى ل"حماية" المواطنين، مما سيشكل تدخلا سافرا في شؤوننا الداخلية وتمهيدا لإضعاف المغرب لا قدر الله.

على سبيل الختم
هذه جملة من الأسئلة الحيوية نطرحها بكل جرأة وبكل صدق وبكل غيرة على بلادنا عسى أن يفتح نقاش وطني صريح حول ما ينبغي عمله لوقف هذا التدهور الذي لا نخاله إلا محدقا بنا. إننا لا نمتلك كل الإجابات الممكنة، وعليه فان غايتنا هي طرح هذه الأسئلة للمساهمة في استنهاض الشعور الوطني الأصيل والقمين بتجنيب بلادنا عواقب ما قدره لنا مكر هذا التاريخ وإستراتيجية هذه الجغرافيا وملابسات هذا الماضي المثقل بالجراحات؛ فهذه البلاد الشامخة تستحق، بالنظر لهذه الخصوصيات، مستقبلا واعدا ينعم فيه كل المغاربة سواسية بنفس الحقوق وبنفس الواجبات.
هذه هي أم المعارك وهذه هي الرهانات الحقيقية المطروحة على بلادنا اليوم. نحن هنا لا نتغيى إثارة الظروف السياسية والاجتماعية والتاريخية التي جعلت المغرب في هذا الموقف الذي فيه كلما أغدق العطاء على الصحراء، كلما وضعته الآلة الإعلامية للجزائر والبوليساريو في صورة من يقمع مواطنيه الصحراويين، لكن لا بد من القيام ببحوث تاريخية علمية رزينة لصبر أغوار ما جرى في السابق من حيثيات منعت على المغرب استرجاع كامل أراضيه قبل الاستقلال.
على أن موضوع هذه البحوث ينبغي ألا يخرج عن ثنائية الحركة الوطنية وجيش التحرير والعلاقة السياسية والاجتماعية والثقافية الملتبسة بينهما، فلا بد من تصحيح أخطاء الماضي في أفق انجاز مصالحة وطنية تاريخية، ليس عن طريق التعويض المادي، بل بفتح حيثيات الماضي أمام الأجيال الحالية لدراستها والاطلاع عليها بهدف المصالحة مع ذلك الماضي الأليم ومن أجل بناء مغرب ديمقراطي تحرري تعددي متسامح له كامل السيادة على كل ترابه الوطني. إن استجلاء حقائق الماضي شرط أساس لتجاوز هذه الفراغات القاتلة المحدقة بنا. أما الاستمرار في تبني وجهة نظر نمطية حول التاريخ بخلفية وبايدولوجيا الحركة الوطنية فلن يزيد الطين إلا بلة، وسيؤجل كل الرهانات التنموية والوحدوية والديمقراطية المطروحة على بلادنا.



#علي_أوعسري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين تقرير اللجنة الأممية حول التمييز العنصري ومزاعم اختراق إ ...
- سؤال السياسة اليوم
- في المسألة اللغوية: أو الايدولوجيا في المسألة اللغوية
- توضيحات أخرى بخصوص ملف دكاترة قطاع التعليم المدرسي
- مخاطر الشعبوية وهي في قلب البرلمان: استقالة الرميد نموذجا
- توضيحات بخصوص تطورات ومآل ملف دكاترة قطاع التعليم المدرسي
- -فعاليات- الشعب المغربي في خيمة القذافي
- تبعثر الحقل الاجتماعي وأزمة علاقة النقابي والسياسي
- مأزق الوزارة في ملف الدكاترة العاملين بقطاع التعليم المدرسي
- مأزق المأسسة في ضل غياب حوار اجتماعي وسياسي وثقافي شامل
- تأملات في مفهوم الطبقة الوسطى
- مناقشة في بعض أفكار الجابري حول إصلاح التعليم والمسألة اللغو ...
- أفكار للمساهمة في تسوية وضعية الدكاترة العاملين بقطاع التربي ...
- بيان المنضمة الديمقراطية للتعليم بخصوص الاضراب الوطني لدكاتر ...
- تسوية وضعية الدكاترة العاملين بقطاع التربية الوطنية: أفكار ل ...
- في عدم أهلية العدالة والتنمية للدعوة إلى تشكيل جبهة وطنية لل ...
- حركة -مالي- والحاجة الى حوار عقلاني حول الحريات الفردية
- تصارع العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة وتداعياته على السا ...
- التحالفات المشاعية مظهر من مظاهر التفسخ السياسي: في البدائل ...
- من الانتقال الديمقراطي الى حركة لكل الديمقراطيين


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- يروي ما رآه لحظة طعنه وما دار بذهنه وسط ...
- مصر.. سجال علاء مبارك ومصطفى بكري حول الاستيلاء على 75 طن ذه ...
- ابنة صدام حسين تنشر فيديو من زيارة لوالدها بذكرى -انتصار- ال ...
- -وول ستريت جورنال-: الأمريكيون يرمون نحو 68 مليون دولار في ا ...
- الثلوج تتساقط على مرتفعات صربيا والبوسنة
- محكمة تونسية تصدر حكمها على صحفي بارز (صورة)
- -بوليتيكو-: كبار ضباط الجيش الأوكراني يعتقدون أن الجبهة قد ت ...
- متطور وخفيف الوزن.. هواوي تكشف عن أحد أفضل الحواسب (فيديو)
- رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية -لا يعرف- من يقصف محطة زا ...
- أردوغان يحاول استعادة صورة المدافع عن الفلسطينيين


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي أوعسري - قراءة مركبة في أحداث العيون: رهانات وتحديات ما بعد مخيم أكديم ازيك