|
التناسخ / قصة قصيرة
مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)
الحوار المتمدن-العدد: 3187 - 2010 / 11 / 16 - 11:10
المحور:
الادب والفن
هيّا يا صديقي سينو . قرص الشمس الذهّبي على وشك الغروب ، وروح ذلك الشاب المسكين قلقة الآن كما أرجو أن يكون العزيز دينو قد سبقنا كعادته . نعم صديقي العزيز زرو . الشمس غاربة لا محالة ، وسمحت لنفسي بتأملها قبل الأفول ، ولكن قلّ لي لماذا أسمع نبرة تعاطف في صوتك .؟ أليس من واجبنا أن نكون نحن الثلاثة حياديين في حكمنا على الأمور .؟ كذلك أراك في عجلة للقاء ذلك الشاب . ما الأمر يا أعزّ صديق .؟ ثم فردا جناحيهما وطارا بهدوء صوب المقبرة و زرو يردّد ياللروح المسكينة . ياللروح المسكينة . رفعت نظري وحدقت إلى أعلى . ظلام . لا أرى شيئا . ظلام دامس في كل مكان . هل هذا حلم . أنا لا احلم أبدا فمن شدّة تعبي في النهار أنام كالطفل في الليل . أم إني أصبت بالعمى فأنا لا أرى إطلاقا . ربمّا عليّ أن أتذكر شيئا فلم ينتزعوا ذاكرتي بعد . أذكر ... نعم أذكر جيدا إني مت صباح هذا اليوم . وهذا... يا إلهي هذا قبري . مددت يدي لم اشعر بشيء ، ولم اشعر بيدي . فزعت . حاولت أن امدد قدماي لكنني كنت أخشى أن اصطدم بشيء ما ربما بجدار القبر أو بشيء لزج ، ثم انتبهت إلى ضجّة خفيفة وسرعان ما رفعت عيني وهممت ناهضا وإذا بيّ ارتفع وكأن أحدهم يسحبني بقوّة ولطف في نفس الوقت تاركا ورائي جسد عاشرته سنين طويلة ، وعلى السطح . سطح القبر أبصرت ثانية . أبصرت نور شمس تحاول الغروب ، وشيخ واقف على قبري ، وهو يقول : ــ يمكنك التمتع بمنظر الغروب ريثما يحضر العزيزان سينو و زرو ثم سنتجاذب أطراف الحديث طوال الليل . ــ لطالما فضّلت الشروق ، ولكن قل لي أيها الشيخ الجليل من تكون أنت .؟ ــ دينو . صديق سينو و زرو، وسنقرر نحن الثلاثة مجتمعين كيفية إرسالك إلى الحياة الدنيا ثانية . ــ كيف .؟ ــ بالتناسخ . ــ مما يعني ....... ــ لا تقلق ستولد من جديد . ــ وروحي .!؟ ــ أنت روحك ، وروحك لك . ها هما صديقاي العزيزين قد حضرا يا مرحبا يا مرحبا . دينو : تعالا أيها العزيزان . اقتربا ، واغفرا لي قدومي المبكر قليلا . زرو : لا عليك . يبدو إن للخلود ضعفه أيضا . سينو : يادينو وأنت يازرو أيها العزيزان جدا اطلبا المزيد من المعرفة لتحظيا بالمزيد من السعادة ، والآن هيا إلى العمل . دينو : العمل نابع من الواجب ، والواجب جزء من المعرفة وهذه ليست فكرة جديدة ولكن أريد أن يسمعها هذا الذي تعذب في حياته بسببه ، فلم نعطه يوما عملا يوازي المعرفة فظلّ ملتاعا سنين عمره يستجدي العمل بلا طائل لذا اقترح أن نجعله القيّم على خزائن معبد أيزيديا في بورسيبا هذه المرة . زرو : وأن يكون من المقرّبين من الملك المعّظم حمّو خادم الإله نابو . سينو : أوافقكما الرأي . وكذلك وكما تعلمان لم يدرك الغبطة يوما ما لذا سنزّوجه ابنة الكاهن الأعظم لمعبد أيزيديا . زرو : ولنجعل من حياته معنى . سينو : نعم ، لتنجب له زوجته العديد من الأبناء . دينو : ولنسعده في تدبير وتحصيل العلم . زرو : نعم ، نعم ، العلم فقط فالأشياء المباشرة والمطلقة لحيوات أخرى . دينو : مثل حكمة الفلسفة وفلسفة الحكمة ، ولكن هذا تجديف وهرطقة . سينو : إنما الفلسفة نابعة من الفكر ، ومصدر الفكر نبع صافي . دينو : والآن أشعر بقدوم برودة الفجر . ولا شيء مهم لم نذكره من الحياة التعسة لهذا المسكين . حان له أن يشاركنا ببعض كلامه . دينو و سينو و زرو معا : أيها الإنسي سمعت حكمتنا فهل أنت على استعداد لتكرار التجربة . ــ أخيرا سمحتم لي بالكلام ، وكما تعلمون لست فخورا بحياتي السابقة المليئة بالآلام والعذاب ولكني كنت صبورا . الثلاثة معا : نعم . نعم . لصبرك اصطفيناك ، فأنت مؤمن ، وستكافئ هذه المرة . ــ تحليّت بالصبر بسبب حكمتي التي سرقتها منكم وعملت بها لاجتياز ذلك الجحيم . كنت اردّد كل يوم حكمتي على نفسي كنت ارددها كل ساعة . كنت أرددها مع ضربة كل سوط يلهب ظهري . مع حمل كل حجر أئن تحت ثقله . مع كل طابوقة رفعتها قلت هذه فقط البداية هذه اللحظة القاسية هي البداية هذه الساعة التعسة هي البداية وهكذا كنت أقول ذلك كل يوم وكل عام ، وهذا الصباح قلتها لآخر مرة . قلت هذا العمر وهذه الحياة الفانية ما هي إلا البداية ، ولن أعود لتلك التفاهة بإرادتي أيها السادة . لن أبدأ من الصفر ثانية . ــ أصوات من القبور : إرادتك . إرادتك . إنها إرادتك . ترك الثلاثة الروح تذهب في حال سبيلها إلى اللانهائية ، وكل واحد أخذ ينبّه الآخر بأن أجنحته بدأت تذوب وتتساقط حتى تلاشت وتلاشوا معها نهائيا ببزوغ الفجر الجديد .
#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)
Murad_Hakrash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدو
-
دورة الشوارب قي الحياة
-
آخر نكتة / قصة قصيرة
-
مواسم الهجرة
-
رجل من الشمال / قصة قصيرة
-
غدا ساحزن
-
نشيد الجوع / قصة قصيرة
-
يوميات مهاجر
-
قصة قصيرة
المزيد.....
-
شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا
...
-
تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O
...
-
مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم
...
-
تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
-
فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى
...
-
بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين
...
-
ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
-
فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
-
أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب
...
-
-يونيسكو-ضيفة شرف المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|