ماجد فيادي
الحوار المتمدن-العدد: 958 - 2004 / 9 / 16 - 09:10
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
تعريف الفدرالية
تعتبر الفدرالية نظام سياسي ينظم العلاقة بين طرفين او اكثر قد يمثلون دول او اقاليم متجاورة او تفصل بينها دول او اقاليم اوموانع طبيعية.
وتعني كلمة فدرالية الاتحاد بالغة العربية ,ولها اشكال متعددة تختلف باختلاف نوع الاتحاد والقانون الذي تم الاتفاق عليه بين الاطراف المتحدة .
وعلى هذا الاساس فان الفدرالية تتطور عبر الزمان والمكان وحسب الحاجة , وهذا ما يعطيها امتياز يجعلها ممكنة التنفيذ لحالات مختلفة , وهي بذلك تحتاج الى مقومات عدة لكي تكون راسخة وتعطي ثمارها , لان هذا الاتحاد دائما يكون طوعي ولاسباب موضوعية وضرورية , ولايكون في بعض الاحيان التزام ابدي بل يمكن انهائه في الوقت الذي لاتبقى الحاجة له . علما ان هذه الاسباب غايتها في الاتحاد الخروج من وضع غير سليم الى حالة اكثر استقرارا من الناحية الاقتصادية والسياسية , ولا تضع فرصة للانفراد بالحكم واحتكار السلطة بيد شخص او مجموعة تنتهك القانون وتهدر حقوق المجموع .
ومن اهم الشروط الواجب توفرها لانجاح الفدرالية هي
1. الرغبة الحقيقية من الاطراف المتحدة في الاتحاد , ولا تكون هناك ضغوط خارجية تجعل من الاتحاد قصري وغير طوعي
2.ان تكون هناك ارضية خصبة للاتحاد متمثلة في الفهم الواضح لمعنى الاتحاد ولا توضع العراقيل في سبيل انجاحها
3. ان يكون هناك استعداد لتقبل التغيرات الناتجة عن الاتحاد الجديد
4. اعداد برامج تركز على تقريب وجهات النظر بين الاطراف المتحدة والتركيز على النقاط المشتركة , وتوضيح اسباب الاختلاف والعمل على احترامها
كما ان هناك عوامل يشترط وجودها تختلف باختلاف نوع الفدرالية وامكانيات الاطراف المتحدة , مثل الفرق في عددالسكان والموقع الجغرافي والموارد الطبيعية والاساس الذي تم الاتحاد عليه .............الخ.
اشكال الفدرالية :
ولتوضيح اشكال الفدرالية يجب ان نعلم ان من الممكن الاتحاد بين دولتين او بين اقليمين اوبين دولة واقليم وهذا لايضعف الاتحاد بل يعطي لكل حالة منفردة مميزات تختلف عن الاخرى استجابة لظروف الاتحاد.
ولابد ان نذكر هنا , انه من الممكن اجراء تقسيمات عديدة لاشكال الفدرالية والتوسع بها لان الموضوع يسمح بذلك , ولان الفدرالية يمكن ان تتطور اكثر وتظهر حالات واشكال جديدة او مشتقة من الحالات القديمة , وهذا ما جرى عبر تاريخ الفدرالية , ولانها ايضا نظام غير مقدس يمكن التلاعب به حسب الحاجة .
1. الاتحاد الكونفدرالي :هو اتحاد بين دولتين او اكثر وفقا لمعاهدة يتم بموجبها تشكيل هيئات مشتركة في شتى المجالات (السياسية ,الاقتصادية,التشريعية,العسكرية).لتوحيد سياسة الدول الاعضاء مع احتفاظ كل دولة بشخصيتها الدولية . مثال ذلك دولة الاتحاد السوفيتي السابق , دولة بريطانيا العظمى , ولعل اكبر نموذج نراه اليوم هو ما يجري من تطورات بين دول الاتحاد الاوربي , من عملة موحدة وبرلمان موحد ومحكمة عليا على مستوى دول الاتحاد واتفاقات في مجالات شتى يمكن ان يعطيه صورة من صور الاتحاد الكونفدرالي .
2.الاتحاد الفدرالي:يرتبط بهذا النوع اشكال متعددة تكسب صفتها الفدرالية من اشكال التطور التي جرت على الفدرالية تبعا لتجربة كل طرف من اطراف الاتحاد سياسيا وثقافيا .
يرتبط الاتحاد الفدرالي اصلا بمبدء حق تقرير المصير للشعوب , الذي يعد واحد من اهم النصوص المتعلقة بحقوق الانسان والصادرة عن الجمعية العامة للامم المتحد عام 1966 حيث نصت المادة على (( لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير ,ولها استنادا لهذا الحق ان تقرر بحرية كيانها السياسي وان تواصل بحرية نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ))
واستنادا لذلك فان للشعوب الحق في اتخاذ قرارها بالاندماج او الاتحاد او تاسيس دولة مستقلة , ولو اخذنا امثلة على ذلك فسنجد هناك اختلافات كبيرة بين تجربة واخرى .
فان مطالبة الشعب الفلسطيني في تاسيس دولة مبني اصلا على حق الشعوب في تقرير المصير وكذلك حالة تيمور الشرقية, وكما هو الحال في اقليم الباسك باسبانيا.
الفدرالية عبر التاريخ:.
كما ذكرنا سلفا ان الفدرالية قد مرة بفترات تطور عديدة اعطتها الشكل الحالي, ولا يمكننا من خلال عرضنا هذا التطرق لها جميعا ,مما دفعنا الى التركيز على ابرزها واكثرها ثباتا لكي تكون الضوء الذي ينير درب الفدرالية في العراق. ولا يفوتنا ان نذكر ان معاهدات واتفاقيات حسن الجوار والحفاض على التجارة بين القبائل العربية هي دليل على معرفة العرب بالفدرالية عبر التاريخ .
من اقدم التجارب الفدرالية الحقيقية في العالم هو الاتحاد الذي تم بين مناطق مختلفة في سويسرا عام 1291على شكل معاهدة تطورت الى قيام الاتحاد السويسري عام 1874 وهو اتحاد كانتونات (محافظات ), وفي امريكا قام الاتحاد عام1789 باتحاد ولايات, في حين قام الاتحاد الالماني بين 1871-1918 وضم 26 ولاية. كما ان هناك فدراليات اخرى قديمة في العالم اخذت اشكال متعددة وعلى اسس قومية وجغرافيةودينية ومشايخ والامثلة على ذلك (كندا -الهند -الامارات العربية )
من خلال ما تقدم نلاحظ ان الفدرالية قديمة وبدأت بارضيات مختلفة ولاسباب مختلفة تبعا لحاجة كل تجربة ومتاثرة بالضروف الآنية وامكانيات تطويرها مستقبلا , كما نلاحظ استمرار العديد من التجارب بدون اللجؤ الى القوة للاستمرارها مثل المانيا , وهناك فدراليات استمرت مع استخدام القوة مثل بريطانيا واسبانيا , وهناك فدراليات انحلت سلميا مثل تيجيكوسلوفاكيا سابقا. اذا كل الاحتمالات مفتوحة , واذا حضر العقل تحل كل المشاكل مهما كان حجمها.
مهام حكومة الدولة الفدرالية
1. رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والقنصلي
2. عقد المعاهدات والاتفاقات الدولية
3. شؤون الدفاع والقوات المسلحة على ان يكون الجيش للدفاع لا للهجوم وتكون الخدمة العسكرية تطوعية للجنسين وليست الزامية
4. اصدار العملة ووضع السياسة الا ئمانية والمصرفية وعقد القروض الاتحادية
5. وضع الخطط الاقتصادية وقضايا التنمية
6. وضع الموازنة العامة
7. قضايا الامن الفدرالي
8. قضايا الجنسية والاقامة والاجانب
9. شؤون الطاقة والثروات الطبيعية
كل ماتبقى من امور تتعلق بادارت الشؤون الداخلية للاقليم تخص حكومة الاقليم وهي صلاحيات واسعة تاخذ حيز واسع من حياة المواطن ضمن حدود الاقليم , وقوانين الاقليم تنطبق على جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءهم القومي والديني والفكري.
لماذا تطرح الفدرالية بهذه القوة الان وعلى ماذا يستند الكرد؟؟؟
في حقيقة الامر ان طرح الفدرالية ليس جديد بل له تاريخ مع القضية الكردية في العراق يمتد الى بداية تاسيس الدولة العراقية وبعدة اشكال, منها نظال الكرد ومنها مواقف احزاب عراقية وشخصيات مستقلة ابرزها موقف رئيس الوزراء العراقي السابق السيد عبدالمحسن السعدون عندما قال في اجتماع لمجلس الوزراء العراقي(ان في العراق عنصرا عظيما وهم الاكراد فقد تكون النتيجة غير حسنة اذا لم تعط لهم حقوقهم ولكي تكون القلوب متحدة والنتائج حسنة يجب اعطائهم كامل حقوقهم , اذ لا وحدة عربية بدون منح الحقوق الكردية).
كما طرحت الفدرالية في اخر مرة في مؤتمر صلاح الدين وقبله في لندن. لكن بهذه القوة التي خلقت الكثير من الخلاقات, كانت نتيجة سقوط الدكتاتورية وشروع العراقيين في وضع الدستور العراقي الدائم.
ان حق الكرد في المطالبة بالفدرالية مبني على اساس تاريخي وقانوني يمكن توضيحها كالاتي
1. الاساس التاريخي:
ان الكورد هم احفاد الميديين الذين سكنوا المنطقة منذ عهود سحيقة والذين انتصروا على الاشوريين في نينوى خلال القرن السابع ق.م. واسسوا الامبراطورية الميدية العظيمة. ويعود اصل الكورد الى الجنس الاري (الهندو- اوربي ) كما وان لغتهم من اللغات ( الهندو - اوربية ) , والمنطقة التي يسكنها الكورد منذ فجر التاريخ كان يطلق عليها قديما اسماء مختلفة منها ( كوردونس وكاردو واقليم الجبال وغيرها واطلق اسم اقليم كردستان لاول مرة على احدى المقاطعات الكبيرة في المنطقة الكردية من قبل السلطان سنجار السلجوقي في القرن الثاني عشر للميلاد وهي تعني بلاد الكرد) .
اما في التاريخ الحديث وبعد احتلال الانكليز للعراق ووصولهم الى الموصل عام 1918 قام الزعيم الكردي الشيخ محمود الحفيد ( من زعماء العشائر الكردية في السليمانية ) بالثورة على البريطانيين مطالبا بتأسيس دولة كردية مستقلة لكن البريطانيين تمكنوا من قمعها ونفيه خارج العراق.
في عام 1920 عقدت معاهدة ( سيفر ) وكانت موادها ( 62.63.64 ) نصت على حق الكرد في قيام دولة كردية مستقلة .
في عام 1924 حلت مشكلة الحدود بين العراق وتركيا عن طريق عصبة الامم المتحدة التي ارسلت لجنة الى العراق , حيث قامت باستفتاء للشعب الكردي وتوصلت الى رغبتهم في اقامت دلتهم الكردية المستقلة , لكن بريطانيا رفضت نتيجة الاستفتاء لتعارضه مع مصلحها, واكتفوا بتوصيات اللجنة القاضية بضم المنطقة الواقعة جنوب خط بروكسل الى العراق على ان تراعى حقوق الكرد وتكون اللغة الكردية اللغة الرسمية للمنطقة الكردية.
واستطاع الكرد نتيجة استمرارهم بالثورات والانتفاضات من تأسيس دولة ( مهاباد ) الكردية في كردستان ايران عام 1946 , لكنها سقطت بعد اقل من عام على يد الحكومة الايرانية .
لم يتوقف الكرد عن نظالهم وقد استمرت شرارة التحرر على يد الزعيم الكردي ( الملا مصطفى البارزاني ) وكان الهدف من وراء كل هذه الحركات الحصول على الحقوق الكردية القومية .
2. الاساس القانوني:
ينقسم هذا الاساس الى فرعين الاول دولي يتعلق بحق الشعوب في تقرير المصير والاتفاقيات الدولية التي عقدت والتي تشمل القضية الكردية في طياتها , والثاني يتعلق بالدستور العراقي والاتفاقيات التي عقدتها الحكومات العراقية المتعاقبة مع ممثلي الشعب الكردي.
أولا: يقصد بهذا الفرع البنود التي تضمنها ميثاق الامم المتحدة وقراراتها , والملاحق الثلاث الصادرة عنها وهي
( الاعلان العالمي لحقوق الانسان , الاتفاقية الدولية بشان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية , والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية ) , هذه النصوص تنص بصراحة على مبدء حق تقرير المصير للشعوب
ثانيا : نصت المادة 16 من الدستور العراقي لعام 1925 على ما يلي ( للطوائف المختلفة الحق في تاسيس المدارس لتعليم افرادها لغتهم الخاصة , والاحتفاظ بها على ان يكون ذلك موافقا للمناهج التي تعين قانونا ).
اما الدستور العراقي المؤقت لعام 1958 فقد جاء في المادة الثالثة منه ( يقوم الكيان العراقي على اساس من التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم وصيانت حرياتهم , ويعتبر العرب والكرد شركاء في هذا الوطن , ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية ).
اما دستور عام 1968 المؤقت ورد في المادة الحادية والعشرين منه ما يلي ( العراقيون متساون في الحقوق والواجبات امام القانون لا تمييز بينهم بسب العرق او الجنس او الدين او اللغة ويتعاون في الحفاظ على كيان الوطن بما فيهم العرب والاكراد ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية) .
عقدت اتفاقية بين الحكومة العراقية والقيادة الكردية عام 1970 اعترف خلالها بحقوق الشعب الكردي في الحكم الذاتي , وفي الدستور العراقي لعام 1970 جاء ( يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين هما العربية والكردية ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي القومية والحقوق المشروعة للاقليات كافة ضمن الوحدة العراقية ).
ثم اضيفت الفقرة (ج) للمادة الثامنة منه وذلك عام 1974 والتي تنص على ( تتمتع المنطقة التي غالبيتها اكراد بالحكم الذاتي وفقا لما يحدده القانون ).
هل تصلح الفدرالية للعراق وعلى اي شكل ؟؟؟
بعد سنين النظال التي دأب الكرد عليها طلبا للحصول على الحقوق الكردية القومية , وكل التضحيات بالدماء وكل الاضطهاد الذي تعرض له بناتهم وابنائهم صغارا وكبارا , وبعد سنين التحرر التي عاشها الكرد وترتيب اوضاع اقليمهم بالشكل الذي لايمكن التنازل عنه ولعدة اسباب منها, المطالبة الشعبية باستمرار حكم الكرد لنفسهم , ممارسة الكرد لادارة شؤونهم ذاتيا , الفرصة التاريخية للكرد في انتزاع حقوقهم , الاحساس بالامان بعد انتهاء الحرب الاهلية , القوة العسكرية التي يمتلكونها , المؤسسات الحكومية التي نظمت على اساس حكم الكرد لنفسهم وهناك الكثير من الامور التي يحسها المواطن ولايمكنه التنازل عنها .
كل هذه الامور بالاضافة الى الحق التاريخي والقانوني السابقة الذكر يعطي الكرد حق المطالبة بالفدرالية القومية والتي هي في الواقع لاتمثل الانفصال بل الاتحاد الطوعي المبني على التعاون والاستمرار في بناء العراق , ولكي يكون العراق بحق بلد تحفض فيه حقوق الانسان , يجب الحديث عن الفدرالية المناسبة للشعب العراقي, لا ان يتم الحديث عن فدرالية الكانتونات التي هي هروب من المواجهه الحقيقية لواقع العراق المنوع الى مناقشات خالية المحتوى , لان المطالبة بالحقوق عبر تاريخ الكرد كانت على اساس قومي وليس على اساس محافظات, وعلى اية حال من يمنع محافظات كردستان العراق ان تتحد في فدرالية في حالة اقرار الفدرالية على اساس المحافظات.
هناك مشكلة توضع امام الفدرالية وهي محافضة كركوك التي في حقيقتها مشكلة انسانية تتعلق في عوائل هجرت من كركوك واخرى دفع لها من اجل الهجرة الى كركوك , واجيال ولدت في غير ارض ابائهم واجدادهم , ولا ذنب لهم فيما اقترفه ذويهم , واخرين شردوا وفقدواالفرص في الحصول على التعليم والحياة الكريمة . ولا ننسى الموارد النفطية في باطن ارض هذه المحافظة. كل هذا يجعل قضية كركوك مسئلة معقدة يمكن استغلالها في نسف الحل الفدرالي .
الخلاصة :
أجري هذا البحث لتسليط الضوء على مفهوم الفدرالية , لغويا, وتاريخيا, ونماذجها الحالية, كما شمل عرض للحركة الكردية, وتاريخها النظالي, واستنادها التاريخي, والقانوني في المطالبة بالفدرالية , واخيرا انتقل الى امكانية تطبيق الفدرالية في العراق والمخاوف من الوقوف ضدها. ولم يجري التوسع في المعلومات رغبة في التركيز وعدم التشتت.
تعد الفدرالية احد اهم القضايا التي ستاخذ حيزا كبيرا من المناقشات وردود الافعال عند كتابة الدستور العراقي الدائم , وذلك لتضارب الاراء واختلاف المصالح القومية والدينية والسياسية, وهي في كل الاحوال تعبر عن مسئلة مهمة نابعة من واقع الشعب العراقي الا وهي التنوع الكبير في المجتمع من قوميات, وديانات, وطوائف, واديولوجيات .
ان المطالبة بعراق موحد هو مطلب مشروع لايختلف عليه الاغلبية الساحقة من العراقيين , ولكن تكمن المشكلة في اسلوب التنفيذ الذي يعد موضع الخلاف الرئيسي بين الاطراف العراقية . وما يزيد الخلاف في وجهات النظر بين القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية ( قوى المعارضة سابقا ) هو استناده على ارضية صلبة اساسها عمق الفترة الزمنية الدكتاتورية التي حكمت البلاد والتلاعب الكبير في كل الخصوصيات المتعلقة بالمواطن العراقي , والتي ترتب عليها انعدام الثقة بين الاطراف العراقية .
خلال فترة النضال ضد الدكتاتورية لم تظهر هذه الخلافات بسبب توحد الهدف وهو القضاء على نظام صدام حسين الدكتاتوري , اما الان وقد ظهرت الحاجة الى ترتيب البيت العراقي بدءت نتائج التخريب التي مارسته الزمرة البعثية مثل اضطهاد السياسيين و الكرد والشيعة والتركمان والكلدواشوريين وتغيير الطبيعة السكانية للمدن والغاء القوميات الصغيرة وانتهاكات حقوق الانسان, وهي مشاكل حقيقية ليس من السهل حلها وتشكل عائق امام القيادات العراقية القادمة .
وكي تثبت الاطراف التي ناضلت ضد الدكتاتورية تبنيها للديمقراطية عليها ان تطبق ما تقول , ولتحقيق الديمقراطية لابد من تهيئة المقومات التي تدعمها واهمها الحرية , لكي يتمكن المواطن من التعبير عن رأيه بدون خوف وصولا الى تقريب وجهات النظر واحترام الاختلافات الموضوعية. واول اشكال الحرية هو حق تقرير المصير الذي اقرته الامم المتحدة .
ان المطالبة بالفدرالية على اساس قومي لم ياتي من فراغ بل جاء نتيجة حاجة آنية ومستقبلية مستندة الى تاريخ لايمكن تجاهله , فقد ناضل الكرد من اجل الحصول على حقوقهم القومية منذ سنين طويلة , قدموا خلالها التضحيات الكبيرة , وعانوا من ظلم الدكتاتور والحكومات التي سبقته ومن قبلهم الاستعمار البريطاني والعثماني . كان نتيجة هذا الموقف ان تعرض الكرد الى الابادة الجماعية , متمثلة بحملات الانفال سيئة السيط وقصف مدينة حلبجة بالكيمياوي وابادة عائلة البارزاني وتهجير الكرد الفيلية واعتقال الناشطين السياسيين وتعذيبهم بشتى الوسائل , والقائمة تطول .
وعليه لو نظرنا الى الى مطلب الكرد وهو ايضا مطلب حزبنا المناضل سنجده مطلب مشروع لما تقدم في البحث من اسباب قانونية وتاريخية.
اما طرح اشكال اخرى من الفدرالية فانها اما ستكون قناع للفدرالية القومية او انها ستكون هروب من مواجهة الحقيقة او انها محاولة لزرع العراقيل امام الحلول السلمية .
ولو اراد العرب العراقيين احترام قوميتهم على اساس قومي فعليهم اولا احترام القوميات الاخرى , واحترام مبدء حق تقرير المصير لكي يحصلوا على احترام متبادل من القوميات الاخرى في الوطن العراقي والعالم المتحضر , كما على الكرد احترام القوميات الاصغر منهم عددا , والذين يصعب عليهم المطالبة باقليم يمثلهم وخاصة المقيمين على ارض كردستان العراق.
وهنا من المفيد ان نذكر, ان الجامعة العربية قد رحبت بتاريخ 9/7/2003 بالاتفاق الذي وقعته فصائل صومالية عدة في كينيا لتشكيل حكومة فدرالية , مشيرة الى اهميته اذا كان سيحافظ على وحدة البلاد.
ان الفدرالية ستضرب المصالح الضيقة المتمثلة في التوسع القسري على حساب الاخر وتمنع نشوب النزاعات الطائفية والقومية , مثال ذلك ان الشيعة تسعى الى بسط نفوذها على البلاد من مبدء الاغلبية السكانية , كذلك سوف لن تسمح الفدرالية للعرب في التحكم بمصير القوميات الاخرى من خلال حكم مركزي احادي القطب . وفي مكان اخر ستفتح افق واسع امام الشعب الكردي المضطهد في كردستان الكبرى وانهاء حالة سفك الدماء .
ولاننسى ان الفدرالية وهنا اعني الاتحاد الطوعي سوف تسد الباب امام الحركات الاستقلالية والتي تستخدم العنف والسلاح وسيلة لها , لان الفدرالية تسقط كل الحجج والدعاوى الى العنف لانها تدير شؤون الاقاليم من قبل ابناء الاقليم انفسهم , كاما ان الفدرالية ستوحد العراق ولا تقسمه , وستجعل اقصى المناطق على ارضه امنة ومفتوحة لكل مواطن .
ان الفدرالية تدخل في كل مرافق حياتنا اليومية , فهية تتعلق بالامن والامان وحقوق الانسان والمجتمع المدني والعمل النقابي المهني والتجارة الحرة والسياحة الترفيهية والدينية, لذلك هي مفتاح مهم من مفاتيح الاستقرار في العراق .
يقودنا الحديث عن الفدرالية شئنا ام ابينا الى الحديث عن الهوية العراقية والتي مزقها النظام الدكتاتوري البائد . وعلينا الان ان نبدء في تشكيل الهوية العراقية الجديدة , التي تستند على التنوع السكاني والجغرافي والحضاري لشعوب العراق . ولكي نحصل على هوية نفتخر بها , يجب ان نبدء باحترام الاخر والاعتراف بحقوقه كاملة .
وتعد الفدرالية من اهم العوامل التي تساعد على بناء هوية عراقية خالية من العنف والتخلف وانتهاك لحقوق الانسان , فكلما صحت الاجواء استطعنا بناء هوية متطورة فعالة في الوسط العراقي والاقليمي والعالمي . والعراق مهيء لذلك اذا ما اراد ابنائه التقدم وطي صفحة الدكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان , وهم بهذا يفتحون افاق واسعة لبناء هوية مستقبلية متطورة تستند على هوية الحاضر التي بدء العراقيون بتشكيلها.
#ماجد_فيادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟