ماجد فيادي
الحوار المتمدن-العدد: 906 - 2004 / 7 / 26 - 10:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أن أجبرت نسبة عالية من مثقفي ومتعلمي العراق على الهجرة هربا من بطش الأنظمة الدكتاتورية, ورغم أن تاريخ العراق لم يشهد ولم يعرف الديمقراطية الحقيقية يوماً, تمسك أبناء وبنات الشعب من مختلف الطبقات في البقاء املا بالتغيير وعدم الرغبة في ترك الوطن والتشرد في بلدان المهجر. والمعروف أن العراقيين لم يمارسوا الهجرة بأعداد كبيرة عبر التاريخ ,لان أرضهم كانت وما تزال معطاءة.
ولكن وبعد أن أصبح الشعب العراقي بين مطرقة الجلاد وسندان المجتمع الدولي, بين الدكتاتورية والحصار الاقتصادي الدولي,, تحولت الحياة في العراق إلى جحيم لا يطاق, ولم تعد الحياة ممكنة بين بطش النظام وعدم توفر فرص العمل والعيش الكريم وتفاقم البطالة. ,فما كان من العراقيات والعراقيين إلا الهرب طلبا للحرية والبحث عن فرصة عمل تعيد للإنسان أدميته , فكانت الهجرة الجماعية بين البلدان المختلفة , حتى وصل العدد إلى أكثر بقليل من ثلاثة ملايين.
تأثر هؤلاء بثقافات هذه الشعوب بدرجات متفاوتة تبعا لثقافة الفرد وطول فترة الهجرة أو مدى قدرته على الاندماج في الوسط الجديد . ليس هذا موضوعنا على أهميته, بل أحاول طرح إشكالية أخرى تهمنا جميعاً, سواء أكنا في الداخل أم الخارج.
بعد سقوط النظام عادت مجموعات من العراقيين , سواء للإقامة الدائمة أم لزيارة الأهل والاصدقاء والوطن. وكان هذا الموقف مؤشر جيد يمكن أن ينفع الشعب العراقي في محنته. إلا أن المتتبع للعائدين سيجد أن نسبة غير قليلة منهم تتصرف وكأنها لم تكن يوماً خارج العراق , رغم وجود تفاوت نسبي في السلوكية بين فرد وآخر. , فعلى سبيل المثال لا الحصر نرى ان هناك الكثير من السلوك المتعلق باحترام الاخر كانسان له افكاره الخاصة وتطلعاته والتي تعد من القضايا الشخصية قد تمكن العراقيين على احترامها وعدم المساس بها لان القانون في دول المهجر يحدد ذلك, والمتعلقة باختيار شريك الحياة او اختيار التعليم الدراسي او اعتناق مذهب معين او الانتماء الى حزب سياسي او الامتناع عن ضرب الاطفال, كلها هذه الامور تسقط وتنتهك او يتم السكوت عن قمعها لانه عاد الى العراق, وهناك بعض النساء اللواتي ارتدين الحجاب , في وقت كن سافرات وهن في المهجر, أو امتنع بعض الشباب عن تناول المشروبات خلال فترة زيارته في وقت كان يتعاطاها في الخارج, أو راح بعضهم يعامل زوجته بقسوة ويتشدد بشكل لم يكن يمارس ذلك في المهجر, بسبب وجود قوانين تحرم ذلك وتمنح المرأة حقوقها كاملة, أو عدم الالتزام بالمواعيد من باب أن العراقيين معتادون على التأخر بالمواعيد, أو التبرع بتقديم الرشوى في سبيل انجاز معاملة ما , او رمي الاوساخ باي مكان في الوقت الذي كان يحتفض بالمخلفات في جيبه لحين الوصول لسلة المهملات. كل هذا وامور اخرى تطول القائمة بتعدادها , يتم التنكر لها بل وفي احيانن مسخها .
لا شك في وجود تفاوت بين إنسان وآخر في مدى استفادته من ثقافة وحضارة الإنسان الغربي, وأن التقاليد والعادات لها تأثيرها المباشر على الأفراد. ولكن ألا يعكس هذا السلوك المتباين بين الداخل والخارج للشخص الواحد عن انفصام أو ازدواج في شخصية الفرد العراقي, دون أن أقع في التعميم أو الإطلاق, أم أنه يجسد الخوف من الانتقاد, أم أنه رضوخا لرغبة الآخرين وطغيان العادات والتقاليد البالية, أم عدم توفر الشجاعة في نقل الجديد إلى الآخرين , أو قد يكون الاعتقاد بصحة العادات والتقاليد العراقية, أم لأسباب أخرى أو كلها مجتمعة.
إذا عدنا إلى الفترة ما بين الأربعينيات ونهاية السبعينات من القرن الماضي وتابعنا مساهمة الطلبة العراقيين الذين درسوا في الخارج وبعض التجار والسياسيين الذين توفرت لهم الفرصة في نقل المعرفة من الخارج إلى الداخل رغم كل الصعوبات الكبيرة المتمثلة في التخلف الاجتماعي, لوجدنا أنهم بذلوا جهداً كبيراً وعانوا كثيرا حتى نجحوا في مسعاهم(نقل المعرفة الجديدة), فما السبب وراء ذلك. يبدو لي أن عملية نقل بعض العادات والتقاليد الجيدة والحضارية تستوجب توفر عاملين, وهما:
1.الناقل وقد حددناه هنا بالطلبة والتجار والسياسيين
2.المتلقي وهم أبناء الشعب عامة
هل كانت العلاقة بين الناقل والمتلقي تختلف بين الأمس واليوم؟ نعم, ولكن لصالح اليوم وليس البارحة. وهذا يعود, كما أرى, بسبب التطور الكبير في العلوم والمعارف وضروريات الحياة وسبل إيصالها والخبرات ...الى اخره من وسائل حديثة تتطور بين ليلة وضحاها لدرجة اصبح من غير الممكن تتبع كل جديد. .
بعد أن تطرقنا إلى جوانب التقصير الذي يتحملها الناقل لا بد من الحديث قليلا عن المتلقي باعتباره النصف الآخر من المعادلة والمستفيد الأكبر, فهل حصل على الفرصة الحقيقية أم انه شارك في الإخلال بشروط المعادلة؟ الحقيقة تقع بين هذا وذاك, فقد ساهم الوضع الذي ساد العراق طيلة عقود من الاستبداد والقمع بتعطيل نقل الثقافات الأخرى إلى العراق وحرم المجتمع من فرصة التجديد. فإجرام النظام في السابق والحاضر وتصفية الحسابات بين المتطرفين والارهابيين وصراع بعض الدول مع الولايات المتحدة على المصالح على ارض العراق والأخطاء الكبيرة والفادحة للأمريكيين, كانت وراء حقيقة التشوه الذي رافق قدرة المتلقي على تحسين أوضاعه وقبول الجديد القادم من الخارج بعد سقوط النظام. .
لكن هذا لا يعطي المبرر الكافي لطرفي المعادلة في التكاسل والاستسلام بل يستوجب المشاركة في إزالة هذا الواقع السيئ. فلو نظرنا إلى الأمم كيف بنت نفسها سنرى أنها أخذت من الآخر بالقدر الذي يدفعها إلى الأمام ويعوض الفارق الزمني بينها وبين الشعوب الأخرى وهنا تبدو الحاجة الفعلية إلى التفاعل بين الناقل والمتلقي وأهمية تطوير آلية مناسبة لتحسين العلاقة بينهما لدورها الكبير في اختزال الزمن.
ارى ان هذه الالية تتلخص في تقبل الاخر على اساس المشاركة في الحقوق والواجبات واعطاء الفرصة للجديد في الاعلان عن نفسه لكي تتفجر الطاقات وتعبر عن مكامنها بدون تردد اوخوف من الاقصاء , ولكي نفسح المجال امام بناء المجتمع المدني الذي بدوره يوفر الاجواء للحوار الحر واحترام حقوق الانسان حتى تملئ اجوائنا بالهواء الصحي الذي يطلق العنان للعقول النييرة ان تبدع وتضئ دربنى.
انه الواجب الجديد والعمل الذي لا نحصل منه على ثمن مادي سريع, ولكنه سيضمن لنا مستقبلاً أفضل.
#ماجد_فيادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟