أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صلاح سليم علي - أبراج الكبد والأميرة النائمة















المزيد.....

أبراج الكبد والأميرة النائمة


صلاح سليم علي
(Salah Salim Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 3171 - 2010 / 10 / 31 - 18:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أبراج الكبد والأميرة النائمة
صلاح سليم علي
يرمز الكبد في معظم الحضارات الغابرة الى الحياة كونه يحتوي على اكبر كمية من الدم..كما يعد أكثر الأعضاء غورا واستغلاقا على ادراك وظائفه الوجدية فهو عند المصريين بيت العواطف وكانوا لذلك يحتفظون به الى جانب المومياء التي ستحتاج اليه في حياتها الثانية ويضعونه في جرة في اعلاهما الحارس امسيتي الذي يقوم بالمحافظة عليه وهو نفسه حارس الجنوب وحامي ايزيس ويمثل اليه بوجه آدمي..ويعد البابليون الكبد مقرا للروح ومرآة لها ولذا كانوا يستخدمون كبد الشاة التي يقدمونها أضحية للتنبوء بالمستقبل وبخاصة فيما يتعلق بمستقبل المملكة ومصير المعارك ونوايا الحكام المحليين وامور أخرى مختلفة كالتجارة والصحة والمرض ورضا الآلهة من سخطها..وقد ورث الآشوريون التقاليد السومرية والبابلية في التنبوء بالكبد وفي اعضاء اخرى للأغنام والخراف وفي بعض الحالات للطيور او بطريق استخدام الزيت وتتبع توزيع قطراته على سطح الماء.. وكان الأغنياء يقدمون الأضاحي باهضة الثمن في حين لايقدر الفقراء على التضحية للتنبوء بغير الطيور اوالزيت. وعند الأغريق كان للكبد اهمية باعتباره مصدرا لتجدد الألم ولهذا سلط زيوس نسرا يلتهم قلب برومثيوس عقوبة لسرقة نار المعرفة الإلهية لينمو مجددا في اليوم التالي فيقدم النسر لنهشه، وهكذا دواليك. وقد ورث عصر النهضة التقاليد الأرسطية التي تنظر الى الكبد باعتباره مصدرا للمزاج السوداوي والإكتئاب..وفي القرآن الكريم ترادف كلمة الكبد الضنى والتعب (لقد خلقنا الإنسان من كبد)، يؤكد ذلك الحديث النبوي الشريف (في كل ذات كبد رطبة اجر) إشارة الى رجل ضاميء أرتوى بماء بئر وشاهد عند خروجه منها كلبا يستف التراب من الضمأ فنزل الرجل البئر مجددا وحمل اليه خفا من الماء وجعل يرويه..فجاء حديث الرسول (ص) ردا لسؤال الرجال لمن حوله: وإن لنا في البهائم لأجرا..كما ورد في حديث الرسول (ص) في بدر(هذه مكة قد رمتكم بافلاذ كبدها) بما يؤكد عمق دلالات الكبد وانه خلاصة الحياة ومصنع المقاتلين من قريش.. وهنا يتكرر المعنى القديم للكبد لأن الكبد الرطبة علامة على الحياة ولأنه أول عضو يتأثر بالعطش فالكبد يرتوي بالماء قبل الأعضاء كلها..كما ينظر اليه في التقاليد الشعبية بصفته مصدرا للغضب والحقد والغيرة وعند الهنود للشجاعة والمشاعرالقوية، ويستخدم الفرس كلمة كبدي مرادفة لكلمة حبيبي.. ولعل أهم وظائف الكبد اعتبار العراقيين القدماء له مرآة للمستقبل وصفحة يدون عليها الآلهة رسائلهم التي يبعثونها الى البشر..فيردون على تساؤلاتهم ويؤولون لهم احلامهم..
فالأضاحي كانت تقدم في سياق طقوس دينية تتلائم وطبيعة القضية التي يراد مشورة الآلهة بخصوصها وتبعا لمكانة الشخص كان يكون ملكا او تاجرا أو رجلا من عامة الناس..وكان الكاهن او الكهنة يقومون بطقوس الذبح بقدسية خاصة توخيا ارضاء الالهة ودعوتها لكتابة ردها على كبد الأضحية.. ويترتب توافر شروط معينة بالكاهن الذي يتولى قراءة كبد الضحية او رئتيها بعد الذبح..ويقسم الكبد الذي يعد أهم اعضاء الضحية والورقة التي تدون عليها الآلهة مستقبل الناس الى عشرة أقسام تعطى تسميات موقعية ثابتة لها كمنطقة الوفرة والنعمة وبوابة القصروالطريق والمنزلة والبودقة وقاعدة العرش والإصبع. وتجري قراءة الكبد من اليمين الى اليسار وفي كل بقعة من هذه التقسيمات يمكن العثور على خطوط أو تمعجات او ثقوب صغيرة او الوان غامقة واخرى كاشفة ولكل منها اهميته في قراءة خطاب الآلهة على صفحة الكبد. وهنالك مئة مجموعة من التنبؤات البابلية المدونة على رقم طينية يتناول كل رقيم بقعة واحد من الكبد كأن تكون منطقة القوة او الوفرة او بوابة القصر أو المنزلة وما الى ذلك..وهي مدونة باللغة السومرية او البابلية حصريا..فضلا عن اللغة المسمارية الآشورية في مرحلة متأخرة، حيث عثر على رقيمات تنبؤية على عهد الآشوريين في مكتبة آشوربانيبال الشهيرة في نينوى. وغالبا ماتظهر فوق الكبد علامات تشبه السهم الذي يفسر بالقتال ويؤخذ إتجاه السهم في نظر الإعتبار فضلا عن مكان وجوده في الكبد ومجاورته لأشارات اخرى دالة في منظور الكهنة ومنظومتهم التأويلية. وثمة قواعد ثابتة في قراءة الكبد حيث يعتمد الكهنة منظومة التقابل الضدي فيرون، كالعرب من بعدهم، اليمين على انه بشارة خير واليسار على انه بشارة شر، والألوان الداكنة وخيمة وتبشر بالشر، والألوان الكاشفة حميدة وتبشر بالخير، والأجزاء السليمة والمعافاة تبشر بالخير، والأجزاء المعطوبة تبشر بالشر..واذا صادف ان ظهرت بقعة داكنة في الجهة اليسرى من الكبد فان المسالة تنذر بالويل لمن تقع عليه النبوءة..وأن لم تكن اشارات الكبد كافية لأتمام قراءة الرسالة، يعمد الكاهن الى قراءة الرئة وغالبا مايختتم التقرير بملاحظة عدد تمعجات القولون..فأن كان يشبه العقرب على ما ورد في احد النصوص البابلية - ولعل المقصد متدرجا من الثنية الأكبر الى الثنية الأصغرعلى نحو يشبه ذيل العقرب - فأن المملكة كلها ستصير الى زوال!
ولكن وعلى الرغم من دور التنبوء في توجيه حركة الحوادث، نطالع بعدا عمليا في تفكير الملوك الرافديين وفي آيديولوجيتهم الأمبريالية وفي ادارتهم لأمبراطوريتهم واسعة الأطراف..مع ذلك لايمكن اهمال دور العرافة والتنبوء بل والحلم في تصميم وتوجيه الحوادث عند اسلافنا القدماء وبخاصة ازاء ايمان الملوك بالآلهة وارتباط الآلهة بآيديولوجية الدولة ..فغالبا ما تعزا النبوءة الى الآلهة التي تكشف للملك خطرا قد يطرأ على مملكته فيهلك الحرث والنسل والى ذلك ماورد في اتراهاشيش اواسطورة الطوفان من تحذير ارسله انكي/أيا الى حكماء اوروك يخص الطوفان ..(وفيما بعد سأمطر عليك بنفسي اسرابا من الطيور افواجا من الأسماك)...ثم ضمنت هذه الأبيات في ملحمة كلكامش على النحو الآتي:
(سوف انزل الى الأبسو..وسأقيم مع أيا سيدي..وسيمطر عليك اسرابا من الطيور..افواجا من الأسماك.. وبوفرة في موسم الحصاد..ففي الصباح، سيمطر عليك ارغفة من الخبز..وفي المساء، سيولا من القمح)
هنا تتكرر تحذيرات إنكي على لسان كلكامش لأن هذا مايريد منه أيا إبلاغه لحكماء اوروك..وتبدو من التكرار ان الآلهة تريد ان تؤكد لحكماء اوروك ان الطوفان وشيك الحدوث.. وأن الأمطار والسيول سوف تجتاح المدينة صباحا ومساءا..ويبدو ان النبوءة تبدو لأول مرة واعدة بالخير غير ان مطرا غريبا كهذا لايمكن تفسيره كيفما اتفق ولابد من تأويل عبارة (مطر الأرغفة) بربطها بعبارة (افواج الأسماك) وبالتالي نبحث عن قرائن بابلية وآشورية في قراءة الكبد .. وفي بحثنا في النصوص التنبؤية اللاحقة وجدنا في احد الرقم التي تسجل لنبوءة مماثلة النص الآتي:
( إذا كانت المنزلة - بقعة بارزة في الكبد- تشبه رغيف الخبز، فأن انليل سيهبط الى الأرض بنية شريرة)
ونلاحظ ان النبوءات القديمة غالبا مايضعها الكهنة في عبارات مقلوبة تتضمن اشارة هنا او تلميحا هناك. فوابل المطر في موسم الحصاد لايفضي الى خير والسماء لاتمطر سمكا وخبزا أوسيولا من القمح! كما نعرف من تتبعنا لطبيعة الميثولوجيا الرافدينية القديمة أرتباطا وثيقا بين الالهة والقمر من جهة والقمر وحركة المد والجزر وتغير االأنواء تنعكس في اللاوعي لدى الآشوريين والآراميين والعرب ومثل لها الشعراء مجازا وبخاصة في الشعر الجاهلي وفي شعر المتنبي..فالبطل العربي بطل قمري يرتبط بالمطر والسيل والرعود وبعل (هبل الجاهلي) وأدو (حدد) او أدد وإنكي/أيا وسين (القمر) ومردوخ آلهة انواء وعواصف رعدية انتشرت عبادتها في الشرق الأدنى قديما وقد خصص الآشوريون في الضلع الشمالي من سور نينوى بوابة لأدد (إله العواصف الرعدية والأنواء) والأخرى لسين (إله القمر) تتوسطهما بوابة نركال ..وهم في جعل هاتين البوابتين ازاء الشمال، فلتصور قديم يضع منطلق الرعود والأمطار في شمال العالم، ولتقديسهم دجلة والفرات اللذان ينبعان من جبال طوروس..وهذا يفسر تقديم الملوك الاشوريون للأضاحي وبسطهم المآدب وحفرهم على الصخور منحوتات تخلدهم الى جانب اسلافهم عند منبع نهر سوبنات في منطقة بيركنلجي شمال شرقي ديار بكر حاليا حيث تصوروا، كالبلدانيين اليونانيين والعرب من بعدهم، ان رافد دجلة سوبنات (بيركنلجي) هو منبع دجلة بسبب تدفق النهر في هذه المنطقة فريدة الجمال من مغاور جوفية تعرف حاليا بأنفاق دجلة..من هنا نرى ان الماء الراحم واهب الحياة قد يتحول الى قوة مهلكة مدمرة تصدرمن بوابات السماء او من اعماق الأرض حيث منبع المياه وحيث يقيم إنكي (الأبسو) السومرية. وهنا يتخذ تحذير إنكي لحكماء اوروك معنى جديدا لأن الأمطار الغزيرة والسيول تسببت في الطوفان الشهير والذي ورد ذكره في القرآن الكريم في معرض الحديث عن نوح في أكثرمن من سورة..
وكما يرتبط القمر بالبحار والمطر والأنواء ويهيمن على حركة الحياة في مده وجزره وفي تكوين اللؤلؤ في المحار وتجديد حركة الحياة في رحم الأنثى، يرتبط بالأحلام التي تتجسد صفحة الكبد من خلال التنبوء الذي اتخذ في التقاليد الصوفية في الإسلام بعدا كشفيا واستسرائيا واضحا..فالتصوف في جوهره نظرالى العالم يعتمد الرؤية المنبثقة عن المعرفة العرفانية او اللدنية اساسها الوجدان ويتخذ من اللغة تجلياته المختلفة..فالصوفي يرى في قلبه مالايراه في عينه.. والمقامات التي يتنقل بينها في معراجه الذاتي ليست مراحل انتقال جغرافية، بل مواقف او محطات وجدية معرفية في تطورالروح بطريق الرؤية..ولذلك يمكن لنا أن ننظر اليه باعتباره تواصلا لايختلف في الجوهر عن التنبوء..فالصوفي يرى المستقبل من خلال الحلم..والحلم في تاريخ المسلمين يلعب ومابرح دورا تصميميا للحدث التاريخي: ففي متابعتنا للتاريخ وتحولاته الكبرى نجد أن حلم نبوخذنصر وتأويل دانيال لذلك الحلم ينطبق في خطوطه العريضة على التصور الأغريقي للتاريخ وعلى حركة التاريخ بشكلها العام..ويخبرنا البلدانيون العرب والفرس ان الخليفة الواثق رأى حلما بأنكسار سد يأجوج ومأجوج فأرسل سلاّم الترجمان على رأس حملة من ألف ناقة الى الصين لتفقد احوال السد..وأن سلاّم الترجمان كان رحل فعلا وعاد بتقرير لايقل في الوانه التخيلية عن حلم الواثق نفسه فقد التقى بأقوام قصار القامة من شعب يأجوج ومأجوج ورأى شرخا في السد وأمر بأصلاحه ويتكرر التنبوء السومري الغابر بالطوفان ليس في حلم كلكامش أو في رسالة ترتسم على كبد اضحية بل في اليمن هذه المرة وعلى قلب الكاهنة طريفة، التي رأت في حلمها سحب سوداء ثقيلة تبرق وتصعق وتحرق كل ما تقع عليه والملك عمر بن عامر يصارع النعاس، وكان كلما خلد الى النوم، تسللت إلى رأسه الجرذان وصارت تقرض في رأسه. فقالت له طريفة اذهب الى السد فأن رأيت جرذا يوسع بيديه الحفر، ويقلب برجليه الصخر، فاعلم ان سد مارب منهار وأن الكارثة واقعة لامحالة! ومنذ ذلك اليوم وهو يذهب الى السد كلما انتابته الهواجس وعصفت به الشكوك ليلا ونهارا يراقب جدران السد وشقوقه وأحجاره بحثا عن جرذان، فلا يجد اثرا لها، ولكنه كلما راح في سنة من النوم، تهاجمه الفئران وتقض عليه مضجعه..وظل الأمر على هذا المنوال حتى رحل الملك عن مأرب وتبعه قومه ولم يصمد السد طويلا لكي ينهارفتجف المروج وتندثر البساتين بعد رحيل أهلها وفي غضون سبع سنين اصبحت مأرب وسدها أطلالا تلوذ بها اليرابيع وتوطنها الجرذان والفئران.
ويطول الحديث عن الأحلام في التاريخ ولكن أكثرها اهمية هي تلك الأحلام او الرؤى التي تتناول المستقبل وليس الماضي وهذا يعيدنا الى رحلة محي الدين بن عربي من مرسية الى الشرق في الطريق نفسه الذي سلكه الفاتحون الأوائل إلى الأندلس: إذ دخل مغادرته المغرب، تونس ومنها مصر فدمشق فبغداد فالموصل فمكة فالشام ففلسطين فالأناضول وواصل دخوله المدن القديمة وخروجه منها على مدى 17 سنة بين عامي 600 و 617 هجرية خلال العهد السلجوقي..وفي كل مدينة يحلم حلما او تتبدى له رؤية يذكرها ويكتب كتابا جديدا او يواصل كتابة كتاب كان قد بدأ كتابته في سنوات سابقة ..ويهمنا هنا مروره بالعراق وزيارته لمدينتين تاريخيتين فيه هما بغداد والموصل:
زار ابن عربي بغداد مرتين الأولى عام 601 هجرية والثانية في عام 608 هجرية فمكث فيها في زيارته الأولى 12 يوما التقى خلالها مريدين للشيخ عبد القادر الجيلاني..وكان في عجالة من امره لأنه كان يريد الموصل التي زارها في اول رمضان من السنة نفسها ليلتقي صديقه الصوفي علي بن عبدالله بن جامع تلميذ الشيخ ابن قضيب البان فاستضافه الشيخ ابن جامع في داره..وكانا يلتقيان كل يوم مع وجهاء المدينة وشيوخها وعلمائها. وفي احد ايام رمضان، حمل ابن جامع خرقة الخضر (ع) والبسها للشيخ الأكبربحضور ملأ من الناس..وفي النهار كان الشيخ الأكبر يملي كتبا على ناسخين في ركن من أركان الجامع النوري ومن المخطوطات التي الفها في الموصل خلال شهر واحد (كتاب التنزلات الموصلية) و(كتاب الجلال والجمال) وكتاب (كنه مالابد للمريد منه)..وفي عام 608 زار ابن عربي بغداد للمرة الثانية بصحبة صديقه مجد الدين إسحاق حيث التقى المؤرخ ابو عبد الله بن الدبيثي وتلميذه ابن النجارثم التقى الشيخ الصوفي شهاب الدين السهروردي ولم يؤثر عن لقائهما اي حديث..وفي بغداد رأى محي الدين بن عربي حلما مرعبا حيث انفتحت أبواب السماء وانطلق منها المكر على شكل مطرغزيراصاب الناس كلهم..ولم يفلت من وابله أحد فغادر بغداد الى الشام حيث مكث فيها ردحا من الزمن وكأنه اختارفيها مادله قلبه عليه وهو قبره في سفح قاسيون..والمهم هنا ان محي الدين بن عربي يمثل استمرارا للمعرفة الغيبية او التنبوء الإلهي (وماهو على الغيب بضنين) فقد ذكر في كتابه (الشجرة النعمانية في اخبار الدولة العثمانية)..عبارة تذكرنا الى حد بعيد بالتنبوء لدى البابليين: (عندما يدخل السين في الشين، يشاد قبر محي الدين) ..ونعرف من التاريخ ان السلطان سليم الأول دخل دمشق (الشام) عام 1516 اي بعد وفاة الشيخ الأكبر بثلاثة قرون تقريبا، ودعي له بجوامعها وكان اول من اطلق على نفسه لقب خادم الحرمين فأمرخلال وجوده في دمشق بترميم الجامع الأموي وبناء مسجد فوق ضريح محي الدين بن عربي..فهل لنا ان نتخيل المطر الذي انهال وابله على بغداد في رؤية الشيخ الأكبر على انه تنبوءا لما حدث لبغداد بعد مرور اكثر من سبعة قرون على وفاته!
ولكن هل قدم ابن عربي الى الشرق ليؤلف الكتب ام ليحج الى بيت الله الحرام أم ليلتقي علماء الأمة وشيوخها أم ليأخذ الخرقة. الأرجح أنه أتى المشرق لهذه الأسباب كلها..مع ذلك فقد هجر موطنه في مرسية الى الأبد واختار دمشق وكأنه يعلم مسبقا ان قبره سيكون فيها. لابد ان تكون رحلة الشيخ الأكبر الى الشرق ومكوثه في الموصل هو الآخر جاء تحقيقا لرؤية أخرى ترتبط بابن قضيب البان الذي اخذ الخرقة الصوفية من الخضر (ع) مباشرة وان تراسلا يوجد بين الأولياء حول نقل خرقة الخضر وهي (كساء من الصوف معلم الطرفين بلون اصفر اشبه بالقميص) عبر الأزمان بدءا بالرسول الكريم ومرورا بالأمام علي (رض) فالقشيري فالحسن البصري فمعروف الكرخي فابن قضيب البان فابن جامع فالشيخ الأكبر، وهو ىخر من لبس الخرقة..ترى ماهو سر التناقل لهذا الكساء: يقينا ان الكساء الذي ألبسه الرسول (ص) لأم خالد وتحدث إليه قائلا: (ابلي وأخلقي) يكتسب اهميته بمعناه الرمزي فهو اشبه بالعهد الخاص ومكانه قلب الصوفي ومن خلاله يبلغ الصوفي مرحلة الكشف والرؤية من هنا فأن الخرقة التي تلقاها ابن عربي عن ابن جامع عن ابن قضيب البان ليست سوى مجاز للقدرة على التنبوء وتأويل الأحلام، وهي صفة يشترك بها الأولياء والأنبياء تتجلى من خلال اللغة التي ترقى وتصبح شفافة كالحلم تماما، فهذا ابن قضيب البان يستيقظ في حضن امه الأميرة النائمة قائلا: (نوديت من مكان قريب وذلك من جهاتي الست: ياحبيبي ومطلوبي! السلام عليك فغمضت عيني، وكنت أسمع بقلبي ذلك الصوت حتى أظنه من جوارحي لقربه مني، ثم نوديت: أنظر إلي! ففتحت عيني فصرت كلي أعينا، وكأن في باطني ما أراه في ظاهري، وصرت كأني برزخ بين كونين وقاب، كما يرى الرائي عند النظر في المرآة ما في خارجها).
نلاحظ في رؤية ابن قضيب البان ابعادا جديدة للوجود الذاتي فبالأضافة الى الجهات الأربع هناك الأرتفاع الكوني الشاهق المميز للفوهات الكوكبية والعمق: فهو يرى نفسه من خارجها وكأنه في آخر مدارج طباعه التامة حيث نون النبوة وواو الولاية وراء الربوبية يتجسد القلب. فأن نحن نظرنا اليه من أسفل بدى ارتفاعا سامقا يعكس قامته الحضارية في بابل ونينوى ودمشق ومكة والموصل منذ الألف الثالث ق.م. وأن نحن حاولنا ان ننظر الى تجربته من اعلى، بدى عمقا سحيقا من التجربة الوجدية معبر عنها بالشعر وباللغة العربية تكتب وهي تجدد نفسها معبرة عن روحها على الدوام، حالمة ومقاتلة! فاللغة في النص البابلي وفي الكتابات الملكية الآشورية وفي القرآن الكريم وفي الوجدان الصوفي والشعري العربي تتوقف عن اداتيتها لتصبح هي البطل..فهي في جوهرها أمة وروح هذه الأمة....فأن اخذ المطر شكل النار والطوفان شكل جرذان تقرض بالقرب من أذن الملك النائم أوارغفة خبز تتجسم على صفحة الكبد او في نبوءة اوقصيدة ، أو سميت الأميرة النائمة حدباء وهي في ريعان الشباب، فثمة روح حامية ترف على ارض الرافدين وتتلوى مع موجات دجلة حتى عندما تنسى نفسها او تروح في نوم عميق..



#صلاح_سليم_علي (هاشتاغ)       Salah_Salim_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صلاح سليم علي - أبراج الكبد والأميرة النائمة